الانضباط الذاتي وتأثيره في سلوك الفرد والمجتمع

الكثير من الأعمال والالتزامات سواء في العمل أم المنزل نجدها يومياً في انتظارنا، فيميل بعض الناس إلى تنفيذ هذه الواجبات بسرعةٍ ودقةٍ دون أي تهاون أو استهتار أو تأجيل، في حين نجد أنَّ بعض الناس غير ملتزمين بما يكفي ولا يقومون بما يجب عليهم على أكمل وجه وهذا غالباً ما يعود سببه إلى عدم وجود انضباط ذاتي داخلي لديهم، وأنَّهم يحتاجون دائماً إلى من يوجههم ويشجعهم على العمل والإنجاز، فما هو الانضباط الذاتي إذاً؟ وما هي انعكاساته وتأثيره في كل من الفرد والمجتمع؟



1. ما هو الانضباط الذاتي؟

يتألف مفهوم الانضباط الذاتي من قسمين، الأول: وهو الانضباط ويعني النظام، والثاني: الذاتي ويعني الإنسان نفسه.

الانضباط الذاتي هو القدرة على ضبط النفس والتحكم بالسلوكات والتصرفات والقيام بالواجبات، وذلك من خلال مجموعة من القوانين والقواعد النابعة من الشخص ذاته دون أيَّة حاجة لوجود رقيب، ويُعَدُّ الانضباط الذاتي من أهم عوامل النجاح؛ ذلك لأنَّ الإنسان المنضبط ذاتياً يتصرف من تلقاء نفسه نتيجة وعيه لأهمية وضرورة العمل، كما أنَّه يصنع الروادع دائماً ليمنع أي حيادٍ عن الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه، فلا بُدَّ من التمييز بين الانضباط الذاتي الذي تحدَّثنا عنه وبين الانضباط العام؛ حيث يعني هذا الأخير مجموعة من الاعتراضات المرتبطة بالأساس بالتهديد أو الربح أو فقدان شيء، إذاً ليست اعتراضات نابعة من الشخص نفسه.

ولا يُخلَق الانضباط الذاتي بين ليلةٍ وضحاها؛ بل يجب ترسيخه في عقلية الفرد من الطفولة، ويجب تعليمه كيف يبذل جهداً لضبط نفسه، وهذا الجهد سيعود عليه بكثير من الفائدة لاحقاً، وبالطبع، نجد أنَّ بعض الناس غير قادرين على الوصول إلى درجة عالية من الانضباط الذاتي، وحتى من الممكن ألا يكونوا قادرين أبداً على تحقيق أيَّة درجة منه، وهذا يعود للأسباب والمعوقات التالية:

  • الدلال المفرط: عندما يقوم الأبوان بكل شيء نيابةً عن أطفالهم، وعندما لا يطلبون منهم تحمُّل أيَّة مسؤولية، أو القيام بأي واجب، سيكبر هؤلاء الأولاد وهم غير قادرين على القيام بأي عمل، كما أنَّهم سينتظرون دائماً من يقوم بتنفيذ الواجبات عنهم، وسيحاولون الاتكال على غيرهم، وهذا ما سيعرضهم في المستقبل للكثير من المشكلات.
  • النزعة الكمالية: يرغب الإنسان في إنجاز أعماله بصورة كاملة، فإذا لم يؤمن بإمكاناته، فسوف يتوقف عن العمل ولن يقوم بأي إنجاز.
  • الشعور بالنقص: يشعر الناس أحياناً بأنَّهم أقل من غيرهم، وفي الواقع هذا الأمر ليس حقيقياً، فالمهارات تختلف بين شخص وآخر، فكما قد يكون شخص أفضل منك في أداء مهارة ما سيكون أقلَّ في أداء مهارة أخرى.

بناءً على ما سبق، فإنَّ الإنسان يقوم بتطبيق استراتيجية الانضباط الذاتي عندما يواجه المشكلات أو الصعوبات أو عندما يكون عليه مجموعة من الواجبات عليه إنجازها، ولتطبيق هذه الاستراتيجية، عليك اتباع النصائح التالية:

  1. حدد أهم ما تريد: يجب تحديد أولوياتك والالتزام بها حتى نستطيع القول إنَّك منضبط ذاتياً، وهذه الأولويات هي الأمور التي يجب أن تنجزها وتركِّز عليها بعيداً عن أي التزامات ثانية، وبالطبع هذا لا يعني التوقف نهائياً عن إنجاز أيَّة مهام أخرى فهذا سيشعرك بعد الإنجاز.
  2. فكِّر جيداً وكن مرناً: لا يعني الانضباط الذاتي أن تصل إلى مرحلة الانضباط العسكري الجامد أو أن تصبح أفكارك كقالب ولا يمكنك تحريكها أو استبدالها؛ بل عليك أن تكون مرناً وقادراً على تغيير الخطط والقرارات لتتناسب مع أهدافك، كما عليك أن تُخصِّص وقتاً للترفيه والراحة والتسلية.
  3. سِر بثبات: ابتعِد قدر الإمكان عن العشوائية في تحديد الأهداف، وضع خطةً واضحة قابلةً للتغيير، وابدأ طريقك لتحقيق أهدافك.

شاهد بالفديو: طرق تنمية الانضباط الذاتي

2. مهارات الانضباط الذاتي:

حتى تكون قادراً على تحقيق الانضباط الذاتي، يجب أن تتوافر مجموعة من المهارات لديك ومنها:

  • مهارة التركيز: لن تتمكن من ضبط نفسك إن لم تكن قادراً على إبعاد كل ما يشتت ذهنك والتركيز وتوجيه عقلك نحو العمل الذي تريد إنجازه دون الحاجة إلى رقيب ينبهك ويرشدك، وإذا كنتَ من الأشخاص الذين يستطيعون التركيز، فسوف تتمكن من أداء عملك على الرغم من وجود العديد من العوائق والمشكلات في حياتك.
  • التخطيط: مهارة التخطيط تعني أن يعرف الشخص ما يريد إنجازه ويضع خطةً لها أهداف محددة قابلة للتغيير والتعديل إذا لزم الأمر، كما يجب تحديد تنفيذ الخطة بجدول زمني؛ حيث يساعدك وضع الأهداف في التعرُّف إلى مدى قدرتك على تحقيقها والالتزام بها، وتذكَّر دائماً أنَّك دون خطة تسير دون وجهة.
  • تنظيم الوقت: تنظيم الوقت مهارة تساعدك على الإنجاز وتحقيق النتائج المرجوة، فتنظيم الوقت وإدارته ليس إلا دليلاً على الانضباط الذاتي لديك، وهذا التنظيم سيثمر بالضرورة نتائج إيجابية، وسيظهر في سلوكاتك وتصرفاتك من خلال تقيُّدك والتزامك بالمواعيد مثلاً.
  • التحكم بالإجهاد: يعني قدرة الشخص على التحكم بالتوتر والسيطرة عليه، وعدم جعل هذا التوتر سبباً لضعف الأداء وعدم الالتزام.
  • التواصل: أي القدرة على فهم التعليمات المطلوبة منك وتنفيذها جيداً بعد فهمها ومعرفة معناها، كما تتضمن أيضاً القدرة على فهم الإشارات وحركات الوجه والرد بالطريقة المناسبة، ومن ضمن هذه المهارة قدرتك على ضبط مشاعرك والتحكم بها.
  • اللياقة: وهي باختصار صحة بدنية جيدة ناتجة عن الالتزام بنظام وأسلوب حياة منضبط وصحي.
إقرأ أيضاً: 5 أساليب أثبتت نجاحها في التعامل مع الإجهاد

3. فوائد الانضباط الذاتي لكل من الفرد والمجتمع:

يعود الانضباط الذاتي بالعديد من الفوائد على الفرد، ومن هذه الفوائد:

  • تحسين الصحة: الانضباط الذاتي لن يقتصر على مجال معيَّن؛ بل سيكون طريقةً في الحياة، والمنضبط ذاتياً ينعكس انضباطه على كل شيء فيكون منضبطاً في طريقة غذائه وشرابه، وسيضع لنفسه برنامجاً منظَّماً للتحكم بكمية الطعام الذي يأكله وجودته، وبهذه الطريقة سيحافظ على وزن مثالي وعلى جسم صحي خالٍ من الأمراض، وهذا ما يزيد من حيويته ونشاطه.
  • النجاح المهني: الانضباط الذاتي سيساعدك على النجاح في حياتك المهنية، فأنت ستكون قادراً على اتخاذ القرارات المناسبة وفي الوقت المناسب، وفي بعض الأحيان قد تكون مضطراً إلى المفاضلة بين عمل ما أو واجبٍ اجتماعي عليك تنفيذه، أو بين إكمال مشروع تقوم بإنجازه وبين أخذ استراحة، فالانضباط الذاتي سيوجِّهك لاتخاذ القرار المناسب الذي يقدِّم لك النتائج الأفضل.
  • تحسين العلاقات: الشخص الملتزم بمواعيده وعهوده يعطي انطباعاً بأنَّه شخص يمكن الوثوق به والاعتماد عليه، وهذا ما سيحسِّن العلاقة مع الجميع ويجعلهم ينظرون إليه بطريقة أفضل.
  • التخفيف من الندم: اختيارك الأفضل دائماً سيشعرك بقدر أقل من الندم، كما أنَّك ستكون قادراً على استشعار الخطأ قبل حدوثه، فأنت تتخذ قراراتك بناءً على المنطق وليس بناءً على العواطف.
  • تنظيم الأمور المالية: الشخص المنضبط يستطيع التحكم بميزانيته والسيطرة على رغبته في الإنفاق، وسيقدِّر قيمة الادخار ويُخصص جزءاً من أمواله للأوقات الصعبة.
  • يعطيك طاقةً كبيرة للسير في تحقيق أهدافك: كما يؤدي إلى تطوير مهاراتك وسلوكاتك، ويضبط إيقاع حياتك بطريقة مفيدة وناجحة.
  • يساعد الفرد على فهم نفسه أكثر: كما يساعده على فهم مدى قدرته على تنفيذ المطلوب منه، فيصير الانضباط الذاتي بمنزلة صوت داخلي يمارس دور الرقيب عليك، ويطلب منك الالتزام دائماً ويبعدك عن أي تهاون.
  • تنظيم الوقت بشكل أفضل: لدينا الكثير من المشاغل والأعمال التي علينا القيام بها يومياً، حتى نعتقد أحياناً أنَّ الوقت غير كافٍ لإنجاز كل أعمالنا، وهنا يأتي دور الانضباط الذاتي الذي يجعلنا قادرين على إدارة وقتنا واستغلال كل لحظة بما يعود علينا بالنفع والفائدة، فمن خلاله ستعرف كيف تتحكم بوقتك الذي تمضيه على التلفاز أو على مواقع التواصل الاجتماعي، كما يساعدك على ضبط ساعات نومك واستيقاظك، ويمنعك عن إضاعة الوقت في أمور غير هامة ولا فائدة مرجوة منها.

كما ينعكس الانضباط الذاتي على الفرد بنتائج هامة وإيجابية سوف ينعكس على المجتمع أيضاً وسنلخِّص هذه الفوائد بما يلي:

  • يلتزم الناس بالقواعد والقوانين من خلال الانضباط الذاتي، وهذا ما يجعل المجتمع أفضل ومناسباً أكثر للعيش؛ وذلك لأنَّه يعزز السلوك البشري الجيد.
  • يُخفف الانضباط الذاتي من السلوكات السيئة في المجتمع، فهو يحوِّل الفرد إلى مراقب لنفسه وهذا المراقب يمنعه من القيام بأي تصرفات مخلَّة بالمجتمع أو لها آثار سلبية فيه، وهذا بالطبع ما سيؤدي إلى بناء مجتمع قوي متماسك وراقٍ.
  • الانضباط الذاتي سيؤدي بالضرورة إلى حفظ حقوق أفراد المجتمع جميعاً، فلا سلطة لقوي على ضعيف، كما لن يستطيع أحد الاعتداء على أملاك غيره أو حقوقه.
  • التفاضل بين الناس في المجتمع سيكون بناءً على أعمالهم؛ أي الأعمال التي يقومون بإنجازها بتعبهم وجهدهم دون أي محسوبيات.

من الهام أيضاً التركيز على نقطة هامة وردَت في السياق السابق، وهي ضرورة تعليم الانضباط الذاتي للأطفال ومن عمر مبكر؛ ذلك لأنَّ لهذا دوراً كبيراً في تطوير هذا الانضباط الذاتي واستمراره فيما بعد عند الكبر، كما أنَّ تعليم الطفل الانضباط الذاتي يعود بالكثير من الفوائد عليه وعلى أسرته، فنجد أنَّ الأطفال قادرون على تنفيذ واجباتهم المنزلية بأنفسهم ودون الحاجة إلى توجيه أو مراقبة، كما أنَّهم سيقومون بالتطوع للمساعدة في إنجاز أعمال المنزل كترتيب غرفهم مثلاً، إضافةً إلى قدرة الطفل على تنظيم وقته واستثماره جيداً، وتعلُّمه كيف يتخذ القرارات التي تعود عليه بالنفع من صغره.

إقرأ أيضاً: أهمية الانضباط والالتزام لحياة ناجحة

في الختام:

وهكذا نرى أنَّ الانضباط الذاتي يساعد الشخص على القيام بالأمور المناسبة له والابتعاد عن الأعمال غير المفيدة والتي تضيع وقته وتعود عليه بنتائج سلبية، فالانضباط الذاتي إذاً هو من أهم عناصر النجاح ومن الطرائق التي تدفع الإنسان إلى الأمام، وتساعده على تحقيق التفوق، وطبعاً، هذا النجاح والتفوق لن تتوقف آثاره عند الفرد وحده؛ بل ستنعكس هذه الآثار وتظهر على المجتمع بالكامل، وهذا ما يقود إلى بناء مجتمع متطور.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة