الإبداع في العمل: تعريفه، وأنواعه، وقوانينه، وأهم معوقاته

نحن نلمس لدى أطفالنا الملايين من الأفكار الإبداعية؛ إذ نختبر حرياتهم الفكرية، وطاقاتهم الابتكارية، فيصنعون أشياء مفيدة وجميلة من العدم، ونُصدم عند لحظ قدراتهم الرائعة على الاستمتاع بما يعملون؛ فلقد رهنوا عقولهم عند التفكير الحر والفضول الشرِه، دون الاعتراف بالقوالب المجتمعية أو الموروثات التقليدية، ويكمن هنا السؤال: لماذا يتحول قسم كبير من هؤلاء الأطفال إلى أناس عاديين عندما يكبرون؟



يستصعب هؤلاء الأطفال الوصول إلى أهدافهم، وتغيب عنهم شرارة الحماس، ونظرة الثقة والتحدي، وروح الفضول والاكتشاف والبحث، ويتنازلون بسهولة عن أحلامهم، ويتبعون الطرائق التقليدية للقيام بكل الأمور، ويخضعون خضوعاً كاملاً لكل الاعتقادات والأفكار المتوارثة دون أن يتبينوا صحتها أو الغرض من وجودها، ولا يُعمِلون عقولهم بهدف تجديد هذه الأفكار وتحسينها.

لماذا يُقتَل الإبداع؟ ولماذا لا نحافظ على طاقاتنا الإبداعية الفطرية؟ وما دور المدرسة والجامعة في ذلك؟

هل سألت نفسك إن كنت سعيداً في مكان عملك، هل تشعر أنَّك مبدع في مكان عملك، أم تشعر بالفتور والملل كلما ذهبت إليه؟ هل تعمل في بيئة تُقدِر الإبداع أم تقتله؟ هل تُسمَع أفكارك ومقترحاتك أم أنها لا تلقى مَن يحتضنها؟

لماذا اعتدنا طريقة التفكير المنطقية المتسلسلة، وابتعدنا عن الطريقة الإبداعية، حتى أصبحنا أسرى القوالب النمطية دون أن نجد السبيل للخروج منها، متعلقين بدائرة الأمان، معتادين العادات المجتمعية وإن كانت غير إيجابية، هاربين من التغيير، متخوفين من المغامرة والمخاطرة والتجديد، غير مستعدين لتقديم أي ثمن مقابل تحقيق شُغُفنا ورغباتنا، مُفضِّلين الوظيفة المضمونة على ريادة الأعمال غير المضمونة.

وبين التمسك الأعمى بآراء واعتقادات الآخرين، والخوف من نظرة المجتمع إلينا والسعي إلى كسب المظهر الاجتماعي الراقي، وبين قلة وعي قدراتنا وطاقاتنا، واعتمادنا طريقة التفكير الأحادية؛ ابتعدنا عن شُغُفنا، وتخلينا عن أحلامنا، وتحولنا إلى مجرد آلات تقليدية لها دور معين لا تفكر في الخروج عليه مطلقاً.

نعم، نحن في أمس الحاجة اليوم إلى استعادة منهج الأطفال في التفكير؛ نحن بحاجة إلى إعادة الثقة بمنتجاتنا الفكرية وطاقاتنا الإبداعية، وبحاجة إلى كسر الأصنام المجتمعية والتحرر من العراقيل الفكرية وصولاً إلى مجتمع متميز، يحترم العقل والحوار والحياة الراقية، ومجتمعٍ قادرٍ على بناء مؤسسات قوية ومشاريع إنمائية.

الإبداع في العمل؛ هو مدار حديثنا خلال هذا المقال.

ما هو الإبداع؟

الإبداع هو عملية الإتيان بشيء جديد، أو تحسين شيء موجود وتجديده، وهو عملية يمكن اكتسابها والتدرب عليها، بينما تُسمى الخطوات التنفيذية لتحويل الأفكار الإبداعية إلى واقع ملموس بالابتكار.

إقرأ أيضاً: مفهوم الإبداع ومعوقات التفكير الإبداعي

قوانين الإبداع:

1. الحرية وكسر النمطية:

لا يوجد إبداع بدون حرية، فلن يصل الإنسان المقيد بسلسلة من العادات المجتمعية والتقاليد الموروثة أو بأفكار ومعتقدات غير منطقية إلى الإبداع، بينما يُصفِّي الشخص المبدع الأفكار الموروثة ويتبع المنطقي منها وما يوافق الإسلام، وينسف ما يعرقل نمو هذا الإنسان وتحسُّنه.

2. الاحتمالات:

يملك الشخص المبدع احتمالات متعددة لحل أي مشكلة، فهو لا ينظر إلى أي قضية من زاوية واحدة، ولا يتبع الحلول التقليدية، بل يبتكر حلولاً إضافية، ومن ثم يجمع كل الاحتمالات ويستبعد الاحتمال الأبعد عن الواقعية.

3. الإيجابية:

يملك الشخص المبدع نظرة مختلفة إلى أي موضوع، فهو يرى أي أمر سلبي في الحياة بأنه هدية ثمينة مغلَّفة بإطار سلبي، إذ يكمن وراء كل أمر سلبي من وجهة نظره درسٌ عظيمٌ يجب على الإنسان قبوله وتعلمه لكي يرتقي مستوى وعيه ومهاراته.

4. الصبر:

يملك الشخص المبدع قدرة كبيرة على التحمل، فلا يمل من محاولة حل أي فكرة مئات المرات إلى أن تنجح، فهو لا يعترف بالإخفاق، بل يعترف بقاعدة المحاولة والخطأ، ويرى أنَّ الخطأ فرصة لاكتشاف طرائق جديدة غير ناجعة في المجال الذي يعمل فيه.

5. البحث:

يعشق الشخص المبدع البحث والاستطلاع والاكتشاف، فهو مدمن تحسين الذات، ويسعى إلى توسيع قاعدته المعرفية دوماً من خلال القراءة، ويقوم بتنمية مهاراته على الدوام، من خلال الالتحاق بالدورات التدريبية ومن خلال طلب المشورة من أهل الاختصاص وتحديث معلوماته، فمن شأن ذلك أن يُحفِّز نصف الدماغ الأيمن لديه المسؤول عن الطاقات الإبداعية.

6. التجزئة:

لا يتسرع الشخص المبدع في حل أي مشكلة يتعرض إليها، وإنَّما يقوم بتحليلها إلى أجزاء صغيرة، وحل كل جزء على حدة؛ الأمر الذي يجعل قراراته صائبة وحكيمة.

شاهد بالفيديو: 5 نصائح للخروج بأفكار إبداعية جديدة

كيف أجعل بيئة العمل بيئة إبداعية؟

لكي يشعر الموظف بالتحفيز ويساهم في تقديم أفكار إبداعية إلى مؤسسته، على المؤسسة أولاً أن تؤمن بالإبداع بوصفه ثقافةً وخطةً ومنهجاً؛ وذلك لأنَّ الإبداع هام جداً من أجل زيادة إنتاجية الشركة ودرجة تنافسيتها في سوق الأعمال.

ومن السلوكات التي يجب على المدير ممارستها لإيقاظ القدرة الإبداعية لدى موظفيه:

1. الاستقصاء الذهني:

تُعدُّ طريقة الاستقصاء الذهني من أنجح طرائق إخراج كل ما في عقول الموظفين من أفكار قد تكون إبداعية ومفيدة جداً لمستقبل المؤسسة؛ وهنا على الإدارة اختيار مكان ما خارج المؤسسة بكيفية يكون فيها مكاناً مفتوحاً يجتمع فيه جميع العاملين ويبدؤون بمناقشة أفكارهم وتدوينها؛ إذ تساعد عملية تدوين الأفكار الكثيرة على تنظيمها من أجل الاستفادة منها مستقبلاً.

تساعد عملية الاستقصاء الذهني على إطلاق العنان لسيل الأفكار المتدفقة لدى العاملين، بطريقة يشعرون فيها بأهمية وُجُوداتهم وقيمة أفكارهم ويستمتعون بالمشاركة والألفة التي تجمع بينهم.

تقوم الإدارة بعد جلسة الاستقصاء الذهني بتبويب الأفكار المطروحة إلى مجموعات معينة من أجل تنظيمها ومن ثم تحاول الربط بين المجموعات، وبعد ذلك تقوم بتحديد المجموعات الأكثر أهمية للبدء فيها.

إقرأ أيضاً: العصف الذهني: فوائدهُ، استخداماته، وأهم شروط نجاحه

2. المشاركة:

تسعى الإدارة الناجحة إلى الترحيب بمقترحات موظفيها وآرائهم، ولا تتبع أسلوب الرفض أو الاستخفاف بأفكار الموظفين؛ فإنَّ الترحيب بمقترحات الموظفين من شأنه أن يدعم الموظف المبدع ويزيد من طاقاته ومهاراته.

3. الاعتراف والمكافأة:

تعترف الإدارة الناجحة بفكرة الموظف المبدع وتنسبها إليه، وتكافئه على أساسها، ولا تنسب فضله إليها ولا تهمش أتعابه.

4. التقدير والتفهم:

تقدر الإدارة الناجحة مساعي الموظفين الحثيثة إلى النهوض بواقع المؤسسة، ويتفهم المدير الناجح وقوع الموظف المجتهد في خطأ ما بسبب ضغط العمل الزائد، حتى إن كلَّفه المال الكثير؛ ذلك لأنَّه يؤمن بفكرة أنَّ الدرس الذي تعلمه الموظف قيمته كبيرة، وأنَّ هذا الدرس سيصنع من الموظف إنساناً أكثر خبرة ومسؤولية وتميزاً.

5. المرونة:

تتمتع الإدارة الناجحة بمرونة عالية، فهي تملك سياسات أقلمة مبدعة من أجل تجاوز أية ظروف طارئة تتعرض إليها المؤسسة، وتقوم باتباع سياسات مرنة من أجل تحفيز الموظفين على الإبداع؛ كأن تُعطِي الموظفين حرية التبادل في مكان العمل مع زملائهم من قسم آخر؛ وذلك بهدف المشاعر الإيجابية المصاحبة لتغيير مكان العمل والإبداع الذي يرافق تجديد بيئة العمل.

إقرأ أيضاً: المرونة وتأثير المعتَقَد على الأداء الشخصي

أنواع الإبداع:

1. الإبداع التعبيري:

ويكون هنا الشخص شغوفاً باللغة المحكية؛ إذ يملك مقدرة لغوية ظاهرة وقدرة على التعبير واضحة.

2. الإبداع الإنتاجي:

وهنا يميل الشخص إلى قضاء ساعات من وقته في صناعة المنتجات المادية المتنوعة الدقيقة.

3. الإبداع الفكري:

وهنا يميل الشخص إلى كسر النمطية والتفكير خارج صندوق الموروثات والمُسلَّمات الاجتماعية، وتقديم الأفكار القديمة بنظرة مختلفة ومتجددة.

4. الإبداع الانبثاقي:

وهنا يطرق الشخص باباً جديداً من أبواب المعرفة، فيُولِّد أفكاراً جديدة غير مطروقة في مجال ما.

هل أنت موظف مبدع؟ ما الذي يعيقك لتكون كذلك؟

هل أنت راضٍ عن عملك، هل تشعر بالمتعة والسعادة عند قيامك به، أم إنَّك تشعر أنَّه مصدر دخل ثابت هام؛ ولكنَّه بعيد كل البعد عن شغفك؟

  • تُعدُّ دراستنا اختصاصاً علمياً لا يتناسب مع رغباتنا وشُغُفنا؛ سبباً أساسياً لنفورنا من عملنا في المستقبل؛ إذ يطمح أغلبنا بدراسة اختصاصات القمة مثل الهندسة والطب والصيدلة، دون أن نسأل أنفسنا إن كان هذا الاختصاص متوافقاً مع ميولنا وشغفنا؛ مأخوذين بما تعطيه دراسة هكذا اختصاصات من نشوة وإحساس بالإنجاز وظهور اجتماعي آسر، ونمضي في ذلك الاختصاص غير واعين أنَّ النجاح المهني لا بُدَّ أن يقترن بالرغبة، ولا يكتمل إلا باجتماع ثلاثة عناصر هي الفرصة والقدرة والرغبة؛ أي أن يكون الاختصاص مطلوباً في سوق العمل ويستطيع الفرد الحصول على فرصة بعد تخرجه، وأن يمتلك الفرد قدرات تخوِّله دراسة الاختصاص، ورغبةً حقيقية تدفعه إلى دراسته.
  • يتحول الموظف الذي درس اختصاصاً لا يوافق شغفه إلى موظف تقليدي، لا يمتلك أية رؤى تحسينية أو إبداعية، ولا يملك حماساً لجعل عمله أفضل وأرقى، وليس لديه النية لتطوير مهاراته وقدراته؛ وهنا يكمن السؤال: "هل ستبقى في هذه الوظيفة التي تمتص طاقتك وجهدك دون أن يكون هناك أدنى مشاعر إيجابية نحوها، أم إنَّك ستتخذ قراراً جريئاً وتجري وراء شغفك بجدٍ متبعاً منهجية تفكير مختلفة، ضارباً بعرض الحائط كل مناهج التفكير التقليدية المُعرقِلة، محرراً أفكارك وطاقتك، مغيراً المسار إلى حيث نقاط قوتك، وتوازنك النفسي، وميولك الحقيقية؟
  • لا تكن عبد دائرة أمانك، ولا تدمن عاداتك، فالاعتياد من أكثر العوائق التي تبعدك عن الإبداع؛ بل اصنع عادات جديدة لك واكسر النمط دوماً، فإن كنت معتاداً على الذهاب إلى عملك من طريق مُعيَّنة، استكشف طرقاً أخرى وامش فيها.
  • اكسر الخوف من التغيير، اعلم أنَّ الأصل في الحياة هو التغيير، فضع أسوأ توقِّع واحتمال من الممكن أن يحصلا في حياتك واستعد لهما نفسياً وارسم استراتيجيات التعامل معهما، وكن متقبلاً كلَّ أمر في حياتك، واسعَ إلى اكتشاف الجانب الإيجابي من كل أمر تتعرض له.
  • اقرأ وحسِّن قدراتك ومهاراتك باستمرار.
  • تعلَّم من كل تجاربك السلبية واستنتج شِقَّها الإيجابي.
  • كن منفتحاً على الآخرين واستفد من تجاربهم وآرائهم؛ ولا تخش نظرة المجتمع، بل اتبع حدسك فحسب.
  • تقبَّل دفع الثمن؛ فتحقيق شغفك يستحق ذلك.
  • لا ترضَ أن تكون في منتصف السلم؛ ضائعاً بين وظيفة مضمونة لا تحبها وشغفٍ حقيقي تخاف من السعي إليه.
  • كن قوياً، ومرناً، واتبع شغفك فهو لن يخذلك.
  • تحرَّر من المسلمات المجتمعية، فهناك الكثير من المعتقدات الموروثة لا تستحق العمل بها وتعود بنتائج سلبية على معتنقها؛ كالمُعتقَد الذي يجعل الإنسان تابعاً للظروف وخاضعاً للأحداث الخارجية، في حين يكون الإنسان هو السبب والمسؤول الحقيقي عن كل ما يحدث له في حياته.
  • كن صبوراً، وذا فضول بالمعرفة، واصنع بصمتك الخاصة في المجال الذي تعمل فيه.
  • كن شمولياً، وادرس الموضوع من كل جوانبه، واستقصِ ذهنك لاكتشاف جميع الاحتمالات الممكنة للحل.
  • كن باحثاً، فهناك دوماً طرائق أكثر فاعلية من الطريقة التقليدية المعتاد عليها.

الخلاصة:

أصبح الإبداع والنجاح والتميز ضرورة وحاجة في يومنا هذا؛ لذلك يجب عليك أن تسعى إلى تحسين مهاراتك في المجال الذي تحبه، وأن تبحث عن فرصة عمل في ذلك المجال، وأن ترسم أهدافك المرحلية وتخطط لتنفيذها، وتستفيد من تجاربك السابقة وتكسر المخاوف المحتملة، وتتفاءل بالآتي وتؤمن بقدراتك وتثق بتوفيق الله عز وجل.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة