ارسم نقطة على أنف طفلك: ماذا تعرف عن التَّعاطُف؟

غضب الشريك والمخاوف المالية العائلية أو مرض صديق، غالباً ما تثير مثل هذه الأحداث مشاعر قوية ليس فقط لدى المتضررين، لكن لدينا أيضاً، ونتحدث هنا عن التَّعاطُف، فإذا كنا متعاطفين مع من حولنا، فإنَّنا نعاني ونبكي ونغضب مثلهم تقريباً.



ما هو تعريف التَّعاطُف؟

ماذا يعني التَّعاطُف؟ حتى الآن لا يوجد تعريف موحد للتعاطف، وما زلنا نحاول تعريف المصطلح؛ إذ يمكننا وصفه بأنَّه الإحساس بتجارب ومشاعر من حولنا من البشر والكائنات الحية الأخرى، ويعرِّف علماء النفس التَّعاطُف على أنَّه "استجابة عاطفية للحالة المتصورة للآخرين"، فإنَّك تدرك شعوراً بداخلك ويمكنك التَّعاطُف معه، ولكنَّ مصدره يبقى داخلك.

يشعر الناس بما يشعر به الآخرون ويتخذون إجراءات لمساعدتهم أو مواساتهم، فالتَّعاطُف هو أحد الثوابت الأساسية للسلوك الاجتماعي الحضاري ويؤدي إلى الإيثار، والتَّعاطُف مع الآخرين هو سمة الإنسان الواعي، ولكنَّ الأطفال ليسوا متعاطفين في البداية؛ إذ إنَّهم بحاجة إلى تعلُّم التَّعاطُف ويمكننا نحن الكبار مساعدتهم على ذلك، وتؤكد المعالجة النفسية "أولريك شنايدر شميد" أنَّ التَّعاطُف أمر معقد للغاية يبدأ في الطفولة ويتطلب التعلم والنضج مدى الحياة.

ما هي أنواع التَّعاطُف؟

يميز الباحثون بين 3 أنواع من التَّعاطُف:

1. التَّعاطُف المعرفي:

يتعلق التَّعاطُف المعرفي بوضع نفسك عقلياً مكان فرد أو مجموعة من الناس بشكل يجعلك تتبنى وجهة نظر شخص آخر، ولكنَّك تبقى غير متأثر عاطفياً؛ أي إنَّ مشاعر الآخرين لا تدخل إلى عالمك العاطفي.

2. التَّعاطُف الوجداني:

أما التَّعاطُف الوجداني فهو الشعور بمشاعر شخص آخر، على سبيل المثال القلق أو الشفقة.

3. التَّعاطُف الاجتماعي:

يعرف التَّعاطُف الاجتماعي بأنَّه مزيج من أنواع التَّعاطُف المذكورة آنفاً، ونحن هنا نفهم وضع إخواننا من البشر، وبخلاف التَّعاطُف المعرفي يمكننا مشاركة المشاعر المرتبطة بحالتهم، وبخلاف التَّعاطُف الوجداني فإنَّنا لا ننجح في استيعاب مشاعر الآخرين تماماً.

إقرأ أيضاً: عندما يجرح التعاطف، يمكن للرحمة أن تداوي

كيف يعمل التَّعاطُف؟

ظهرت مناهج مختلفة مع مرور الوقت تحاول الإجابة عن هذا السؤال، وهنا نقدم لكم مفهومين من وجهة نظر علم النفس العصبي:

1. التَّعاطُف نتيجة تفاعل الشبكات العصبية:

يتم التحكم بمعالجة المعلومات في دماغنا بواسطة آلاف الخلايا العصبية، التي تندمج فيما يسمى بالشبكات العصبية، ويصف علماء من جامعة "شيكاغو" تجربة التَّعاطُف بوصفها نتيجة لتفاعل 4 شبكات عصبية تأخذ على عاتقها مهام مثل تبني وجهات النظر وتنظيم العواطف والتمييز بيننا وبين الآخرين، وتؤدي الخلايا العصبية المرآتية دوراً هاماً هنا.

2. التَّعاطُف نتيجة الإدراك والذاكرة:

يقترح باحثون آخرون أنَّ ذاكرتنا تؤدي دوراً هاماً في فهم مشاعر الآخرين، على سبيل المثال إذا لاحظنا أنَّ شخصاً ما حزين، فإنَّ ذكريات المواقف التي مررنا بها بمشاعر غير سارة مثل الحزن أو الاكتئاب يتم استرجاعها في دماغنا، وبهذه الطريقة يمكننا أن نضع أنفسنا في موقف صديقنا ونتعاطف معه.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الآخرين

في أي سن يبدأ التَّعاطُف؟

في أي عمر تتطور القدرة على التَّعاطُف؟ يمكن ملاحظة الانتقال الصافي للعواطف والمعروف أيضاً بالعدوى العاطفية بعد فترة وجيزة من الولادة؛ إذ يبدأ الأطفال عادة بالبكاء بمجرد أن يسمعوا بكاء الأطفال الآخرين، ويبدأ التَّعاطُف مع بداية تشكل مفهوم التمايز الذاتي؛ وذلك لأنَّه من أجل التعرف إلى مشاعر شخص آخر، من الضروري أن تكون قادراً على التمييز بين مشاعرك ومشاعر الآخرين.

ابتداء من سن الرابعة تقريباً يتعلم الأطفال تبني منظور مختلف وفهم طريقة تفكير الآخرين، ومع تطورنا يتأثر تعاطفنا بأشياء أخرى مثل البيئة التي نعيش فيها ومستوى حساسيتنا.

لماذا نحتاج إلى هذه القدرة على التَّعاطُف؟

يساعدنا التَّعاطُف في العديد من مجالات الحياة، وقبل كل شيء على التفاعل الاجتماعي والصداقة، فإذا فهمنا مشاعر إخواننا من البشر، عادة ما يكون من الأسهل بالنسبة إلينا التواصل معهم والتفهم وحل النزاعات، وهذا يتطلب الاحترام المتبادل ويؤدي إلى تعميق علاقاتنا أكثر، والتَّعاطُف هو أيضاً صفة هامة في العمل، وينم عن مستوى عالٍ من الكفاءة الاجتماعية، فإذا أظهرنا التَّعاطُف فيمكننا إدارة النزاعات في وقت مبكر عندما يكون هناك ضغط في العمل وإشراك الموظفين الآخرين وخلق بيئة عمل تتسم بالثقة.

تمكنت دراسة من إظهار أنَّ التَّعاطُف يزيد من مقاومة الإجهاد والضغط النفسي، واكتشف الباحثون أنَّ الأشخاص الذين لديهم استعداد جيني معين مرتبط بزيادة التَّعاطُف كانوا أكثر قدرة على التعامل مع الضغط النفسي في اختبار الإجهاد، إضافة إلى الارتباط بالآخرين يمكن أن يؤدي المستوى العالي من التَّعاطُف إلى تحسين علاقتنا مع أنفسنا وتعزيز تقديرنا لذاتنا، على سبيل المثال يزيد التَّعاطُف من قدرتك على مسامحة نفسك واتخاذ قرارات جيدة والثقة في حدسك.

هل يمكننا تعلم التَّعاطُف؟

عموماً يمكن القول إنَّنا يمكننا تعلم التَّعاطُف، وباستثناء المرضى العقليين، لدينا جميعاً القدرة على تبني وجهة نظر شخص آخر وما زلنا نفصل بين عواطفنا وعواطف من حولنا، وتوجد عوامل أخرى تؤثر في مدى سرعة تعلمنا التَّعاطُف، وهذا يشمل أيضاً تربيتنا، فإذا كانت لدينا مساحة لممارسة التأمل في طفولتنا فمن المحتمل أن يكون من الأسهل بالنسبة إلينا اليوم الشعور بالتَّعاطُف، وبصرف النظر عن مهاراتنا وخبراتنا يوجد شيء واحد واضح وهو لم يفت الأوان أبداً لتصبح أكثر تعاطفاً. إليك مجموعة نصائح عن كيفية تدريب نفسك على التَّعاطُف:

1. تعامَل مع مشاعرك:

من أجل فهم مشاعر الآخرين بشكل أفضل، من الهام أولاً أن تكون واضحاً بشأن مشاعرك، وهنا يمكن أن تساعدك مراقبة مشاعرك على مستويات مختلفة، على سبيل المثال اسأل نفسك "عندما أشعر بالحزن هل سيتغير تعبيري أو سلوكي؟ وما الذي سأتمناه من شخص آخر إذا شعرت بهذه المشاعر؟".

2. راقب شريكك بوعي:

تتعلق هذه الخطوة بمراقبة مشاعر شريكك عن كثب، فقد تتعرف إلى سلوك متغير مثل التحديق الفارغ أو العيون الدامعة التي تعكس عاطفة معينة، كما يمكن أن تكشف لغة الجسد على وجه الخصوص الكثير عن مشاعر الشخص.

شاهد بالفيديو: كيف تستخدم التعاطف بفاعلية في العمل؟

3. أظهر الاهتمام والتفهم:

من أجل تعلم التَّعاطُف من الهام خصوصاً إظهار الاهتمام بالموقف ومشاعر الشخص المعني، وإذا كنت تواجه مشكلة في فهم رد فعل شخص آخر، فيمكنك محاولة التفكير في موقف شعرت فيه بمشاعر مماثلة، وتذكر كيف تصرفت في هذا الموقف، وما هو شكل الدعم الذي كنت ترغب في الحصول عليه في تلك اللحظة.

4. تعلم من الآخرين:

كما هو الحال مع العديد من الأشياء الأخرى يمكنك التعلم من الآخرين عندما يتعلق الأمر بالتَّعاطُف، فربما يمكنك التفكير في شخص معين تراه متعاطفاً للغاية، وسيكون بالتأكيد سعيداً بالتحدث معك وسيسعده إخبارك بمزيد من النصائح والحيل.

5. امنح نفسك الوقت:

أهم نصيحة امنح نفسك الوقت، فالتَّعاطُف مهارة لا يمكن تعلمها بين عشية وضحاها؛ لذا كن صبوراً مع نفسك وأنت في الطريق لتحقيق هدفك.

هل يتعرف طفلي إلى نفسه؟ قم باختبار أحمر الخدود

لمعرفة ما إذا كان طفلك يتعرف إلى نفسه، يمكنك استخدام اختبار من علم النفس، فارسم نقطة ملونة على أنفه وضعه أمام المرآة، فإذا نقر الطفل على أنفه، فقد تعرَّف إلى نفسه.

وفقاً للمعالجة النفسية (Ulrike Schneider-Schmid) يبدأ الأطفال في سن الثانية تقريباً بفهم أنَّ الشخص المقابل لهم لديه مشاعره الخاصة، حتى إنَّ بعض الأطفال لديهم المهارات الأساسية لإراحة الآخرين، فقد يحدث أن يحضر لك طفلك الذي يبلغ من العمر عامين دمية دب عندما يرى أنَّك حزين جداً ومرهق من العمل أو لسبب آخر، فإنَّه يدرك أنَّك لست على ما يرام ويريد أن يريحك من خلال إعطائك شيئاً يريحه في العادة، فالأطفال يقلدون الأفعال التي نمثلها نحن الآباء.

إقرأ أيضاً: 4 أسباب تجعل الشفقة أفضل من التعاطف للإنسانية

العدوى العاطفية: عندما يبكي الطفل مع الآخرين

يتأثر الكثير من الآباء تأثراً رهيباً عندما يبكي طفلهم فجأة مع أطفال آخرين، فهل هذا تعاطف؟ يؤكد الخبراء أنَّ هذا ليس سلوكاً تعاطفياً مكتملاً، ولكنَّه ظاهرة تسمى "العدوى العاطفية"، فالطفل ليس لديه وعي ذاتي أو تصور للآخرين، ويَعُدُّ العلم هذه الظاهرة جزءاً من تطور الملكات العاطفية الأساسية، وتنشط هذه الظاهرة مناطق مماثلة في الدماغ كما هو الحال في التَّعاطُف، ومع مرور الوقت يتعلم الطفل أنَّ هناك أشخاصاً غيره ويطور علاقة معهم، فيمكن أن تكون هذه العدوى العاطفية نقطة لتعزيز قدرة الطفل على التَّعاطُف.

تعلم التَّعاطُف: لماذا تُعَدُّ مرحلة الاستقلالية هامة للغاية؟

الطفل البالغ من العمر سنتين أو ثلاث سنوات يلقي بنفسه على الأرض ويصاب بنوبة من الغضب، ماذا حدث؟ غالباً ما يكون قد سمع "لا" من الوالدين، لذلك في البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية يُطلق على الأطفال البالغين من العمر عامين اسم (Terrible Two)، فهذه المرحلة التي كان يطلق عليها "مرحلة التحدي" هامة للغاية لتعلم التَّعاطُف.

خلال هذا الوقت يطور الطفل إرادته ويلاحظ أنَّ الآخرين لا يريدون أو يقولون دائماً نفس الشيء الذي يتمناه، وهذا يعني في علم النفس أنَّه يتعرف إلى "نظرية العقل"، فهو يعيش في "مركزية أنانية صبيانية" ولا يمكنه تبني أي منظور آخر، ويجب أن يتعلم الدماغ أولاً أنَّ هناك وجهات نظر مختلفة خارج نطاقه.

يؤكد الخبراء أنَّنا نحن الآباء يجب أن نكون سعداء لأنَّ طفلنا قد طور إرادة قوية؛ وذلك لأنَّ خبراء العلاج النفسي يجدون أنَّ الكثير من البالغين لا يعرفون ماذا يريدون.

في الختام:

التَّعاطُف عبارة عن تفاعُل معقد للعديد من المكونات العاطفية واللفظية والعقلية التي تتطلب بعض النضج؛ لذا كن متساهلاً مع طفلك في المرة القادمة التي يصرخ فيها بسعادة ويسحب شعرك بأصابعه، وستقول: "أوه، نعم، هذا مؤلم"، ولكنَّه لم يتقن التَّعاطُف بعد، فدماغه في بداية عملية تعلُّم طويلة جداً.




مقالات مرتبطة