أهمية ثقافة الذكاء العاطفي في مكان العمل

بدأت المجتمعات الوظيفية المتقدمة بالتطلُّع إلى الأمام للارتقاء إلى المزيد من التقدُّم والنجاح في عالم شديد التنافسية، وخاصة مع التطور التكنولوجي الهائل الحاصل خلال الفترة الأخيرة؛ إذ بات العالم كله عبارة عن قرية صغيرة يستطيع المرء فيها تبادُل المعلومات خلال لحظات قليلة باستخدام الشبكة العنكبوتية.



وعلى الرغم من كل هذا التطور بقي الإنسان محوراً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه؛ لذا كان لا بدَّ من مواكبة عملية التطور هذه بإكساب الإنسان مجموعة من المهارات التي تساعده في مختلف مجالات الحياة ومنها بيئة الأعمال، وهذه المهارات هي مهارات الذكاء العاطفي والتي باتت مهارات لا بدَّ من وجودها ضمن بيئة الأعمال؛ إذ إنَّ غياب تلك المهارات بات يُولِّد كثيراً من المشكلات، مثل:

  1. عدم تحمُّل المسؤولية وإلقاء اللوم على الآخرين.
  2. غياب الحافز الشخصي تجاه العمل.
  3. سوء العلاقات وسوء التواصل بين مختلف المستويات في بيئة العمل.

قبل التعمُّق أكثر في موضوع أهمية تعزيز ثقافة الذكاء العاطفي في العمل لا بدَّ لنا من التعرُّف إلى مفهوم الذكاء العاطفي.

ما هو تعريف الذكاء العاطفي؟

يُعرَف الذكاء العاطفي أو الحاصل العاطفي بأنَّه مجموعة من القدرات التي تمكِّن المرء من إدراك عواطفه والتعامل معها وفهم عواطف الآخرين وتطبيقها في أثناء عمليات التفكير، وقد قدَّم الباحثون عدة تعاريف للذكاء العاطفي؛ إذ عرَّفه "بيتر سالوفي" (Peter Salovey) و"جون ماير" (John D. Mayer) على أنَّه القدرة على فهم المشاعر والعواطف الذاتية وعواطف الآخرين أيضاً، وهذه القدرة تتضمَّن أيضاً استخدام الفهم العاطفي لاتِّخاذ القرارات، وحل المشكلات، والتواصل مع الآخرين.

ما هي الأسباب التي تجعل استخدام مهارات الذكاء العاطفي ضرورياً في بيئة العمل؟

كثيرة هي الأسباب التي تجعل من استخدام وتطبيق مهارات الذكاء العاطفي أمراً لا بدَّ منه في مكان العمل، ونستعرض معاً جملة من تلك الأسباب الهامة، وهي كالآتي:

  1. إنَّ استخدام وتطبيق مهارات الذكاء العاطفي في مكان العمل يقود إلى اتِّخاذ القرارات الأفضل التي تصبُّ في مصلحة العمل العليا.
  2. يساعد تطبيق مهارات الذكاء العاطفي في مكان العمل على حل النزاعات بين الأفراد وإدارة الضغوطات وقت الأزمات، واكتشاف الحلول.
  3. تطبيق مهارات الذكاء العاطفي داخل بيئة العمل يساهم بشكل فعَّال في تحمُّل كل فرد لمسؤولياته كاملة دون تحميلها للآخرين.
  4. تطبيق مهارات الذكاء العاطفي في بيئة الأعمال يجعل جميع مَن يعملون بها متعاطفين فيما بينهم.

وصفة النجاح:

لتعزيز ثقافة الذكاء العاطفي في مكان العمل لا بدَّ لكل فرد من بيئة العمل أن يقوم بمجموعة من الخطوات التي تعزز ثقافة الذكاء العاطفي وتنشرها ضمن بيئة العمل، وهذه الخطوات تمثل وصفة علاجية لترسيخ مهارات الذكاء العاطفي كقيمة أساسية في بيئة العمل؛ وهي كالآتي:

أولاً: إدراك ذاتك

إنَّ أول خطوة من خطوات تطبيق مهارات الذكاء العاطفي في بيئة العمل تكمن في كون المرء واعياً لذاته بشكل واضح؛ إذ يتضمَّن وعي المرء لذاته بأن يكون على دراية بالجوانب المختلفة لنفسه؛ بمعنى أوضح أن يكون المرء مدركاً لدوافعه وعواطفه التي تُعَدُّ إحدى مكونات الذكاء العاطفي.

على الإنسان أن يعي تماماً أنَّه من أجل أن يتعرَّف إلى مشاعره ويفهمها؛ عليه بداية أن يكون واعياً تماماً بذاته، فعلى سبيل المثال أغلبنا نعلم أنَّ أجواء العمل غالباً ما تكون مشحونة عاطفياً، والقرارات تكون عاطفية فيما لو لم يكُن الموظفون أذكياء عاطفياً، فمهارات الذكاء العاطفي تهذِّب القرارات الصادرة وتُخرجها من سلطان العواطف والأهواء الشخصية لتدخل في إطار المصلحة العليا للعمل.

ثانياً: مراقبة عواطفك

إنَّ تطبيق مهارات الذكاء العاطفي في بيئة العمل يتطلَّب من المرء أن يراقب عواطفه وكيفية تأثيرها فيه، وكيف يستجيب المرء إلى الأحداث المختلفة في بيئة العمل، والأهم من كل ذلك مراقبته لقراراته التي يتَّخذها وهل تؤثر العواطف فيها؟ وهل تتأثر علاقة المرء بأقرانه الآخرين؟ وعندما يفكر المرء بهذه الطريقة ويطرح على نفسه تلك الأسئلة التي تساعده على ترقُّب عواطفه وتأثيراتها سيتعلَّم تدريجياً كيفية إدراك مشاعره الخاصة، ودور تلك المشاعر في القرارات التي يتَّخذها وفي السلوكات التي يقوم بها.

ثالثاً: معرفة نقاط الضعف ونقاط القوة العاطفية في بيئة العمل

إنَّ تعزيز ثقافة الذكاء العاطفي في مكان العمل يتطلَّب من الفرد أن يُقيِّم نقاط قوته ونقاط ضعفه العاطفية؛ إذ عليه أن يدرك إلى أي مدى يتواصل مع زملائه بفاعلية، وهل يعاني المرء من نفاذ الصبر أو التوتر أو الانزعاج من جراء التواصل مع الأقران في بيئة العمل، والأهم من ذلك هو أن يصل بتقييم عواطفه إلى درجة تمكِّنه من اكتشاف الطريقة التي يمكن من خلالها أن يتعامل مع عواطفه بفاعلية.

لذا إنَّ تقييم نقاط القوة ونقاط الضعف العاطفية تسمح للمرء أن يحسِّن من نقاط قوته، فيرتكز عليها لتكون أساساً في تعاملاته وعلاقاته داخل بيئة العمل، ويتجنَّب نقاط الضعف التي تسبب له مشكلات في التواصل مع أقرانه أو مديريه، ليجد لنفسه خطَّة تحسِّن نقاط ضعفه، ويحيلها إلى نقاط قوة يمكن الاستفادة منها.

شاهد: أركان الذكاء العاطفي الستة (طرق رفع الذكاء العاطفي)

رابعاً: عدم التسرُّع في اللجوء إلى استخدام العاطفة في ردود الأفعال

إنَّ أفضل طريقة لشرح هذه الفكرة تكون من خلال المثال الآتي: تضم بيئة الأعمال مجموعة من الأفراد لديهم تباينات مختلفة سواء اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية، وعليه فقد تنزعج من زميل ما لك في العمل، أو قد يُكلِّفك المدير بعمل ما تراه محبطاً لك؛ لذا قبل القيام بأي رد فعل على المرء أن يتذكَّر أنَّ الموقف الذي انزعج فيه من زميله أو المهمة المحبطة التي تلقاها من مديره هي مجرد لحظات أو مواقف عابرة لن تستمر، وإنَّ هذا الإدراك يُبعد المرء عن اتِّخاذ قرارات يشوبها التهور، والتي تستند إلى موجات عاطفية ثائرة ولحظيَّة قد تضر به على الأمد الطويل خلال تعامله مع الأقران أو المديرين أو القادة.

لذا إنَّ إدراك العواطف يُعَدُّ جزءاً أساسياً وهاماً من عملية اكتساب مهارات الذكاء العاطفي، فالأشخاص الذين تكون لديهم قدرة على إدارة مشاعرهم، هم القادرون على التكيُّف بشكل فعَّال مع المواقف المتغيرة التي يمكن أن تعترضهم خلال يوميات عملهم؛ إذ إنَّ هذا النموذج من الموظفين ينتظرون اللحظة المناسبة للتعبير عن عواطفهم بدلاً من أن يكونوا مجرد انعكاس لتلك العواطف، والتي قد تظهر بشكل أحمق ومتهور.

خامساً: تطوير إدارة العلاقات بشكل فعَّال

تشير الأبحاث المتعلقة بالذكاء العاطفي إلى أنَّ الأشخاص الذين يملكون معدلات مرتفعة في مهارات الذكاء العاطفي يمتازون عن غيرهم من الأشخاص العاديين بأنَّ لديهم مهارات اجتماعية متميزة، فهُم بارعون في إدارة العلاقات مع الآخرين من خلال امتلاكهم لمهارات تواصل فعَّالة، وكل هذا يعود إلى مهارة التعرُّف إلى عواطف الآخرين التي تمدهم بها مهارات الذكاء العاطفي.

إنَّ أكثر ما يتميز به ذلك النموذج من الأشخاص هو قدرتهم على الاستجابة بشكل مناسب إلى المواقف والأحداث التي تعترض سبيلهم، ومما لا شكَّ فيه أنَّ إدارة العلاقات باتت أمراً لا بدَّ منه في مكان العمل؛ بل أصبحت ذات قيمة ومكانة مرموقة ضمن بيئة العمل، كيف لا وهي تساعد بشكل فعَّال على تحقيق تواصل أفضل وتحسين جو العمل؟ إذ يمكن للموظفين والمديرين والقادة ذوي المهارات العالية في إدارة العلاقات بناء علاقة وطيدة بين الأفراد؛ الأمر الذي ينعكس إيجاباً على تحقيق أهداف العمل ومناقشة الأفكار الجديدة وتخطِّي الصعاب وحل المشكلات.

إقرأ أيضاً: مهارات الذكاء العاطفي لكسب محبة الناس

سادساً: امتلاك الحافز الداخلي

لا يمكن أن نغفل أنَّ إحدى أهم المشكلات الموجودة في بيئة الأعمال تكمن في غياب الحافز عند الأفراد مهما كان مستواهم الوظيفي، وعليه فإنَّ تعزيز ثقافة الذكاء العاطفي في بيئة العمل يُعَدُّ أمراً هاماً من ناحية إبقاء جذوة الحماسة متَّقدةً عند الأفراد العاملين؛ إذ إنَّ كل الدراسات المتعلقة بمهارات الذكاء العاطفي تشير إلى أنَّ الموظفين الذين يمتلكون مهارات في الذكاء العاطفي يمتلكون دوافعهم الداخلية التي تحفِّزهم على تحقيق أهدافهم، فهُم الأكثر حماسة للوصول إلى ما يريدون.

الهام في الأمر أنَّ حافز أولئك الأذكياء عاطفياً لا يقوم على محفزات خارجية "المكافآت والترقيات والشهرة"؛ بل على العكس من ذلك تماماً فهُم يقومون بأعمالهم تلبيةً لنداء شغفهم ودوافعهم الخاصة؛ لذا تراهم يحققون النجاح في مهمات أعمالهم، فهُم يحبون مواجهة التحديات وحل المشكلات وإيجاد الحلول، كما أنَّهم يمتازون عن غيرهم بأنَّ لديهم القدرة على أن يكونوا ملهمين للآخرين للعمل بجد وإخلاص وإصرار من أجل تحقيق الأهداف والوصول إلى ما يريدون.

إقرأ أيضاً: مكونات الذكاء العاطفي

في الختام:

خذ قرارك الآن:

قد يكون قرار تعزيز ثقافة الذكاء العاطفي في بيئة العمل أمراً فيه شيء من الصعوبة في بداية الأمر، فكل تغيير لا بدَّ له من عقبات تواجهه، إلَّا أنَّ ضريبة عدم استخدام مهارات الذكاء العاطفي أكبر بكثير من ضريبة وتكلفة استخدامه وترسيخه في بيئة العمل، فعالم الأعمال في عصرنا الحالي بات متطوراً ووصل إلى مرحلة أنَّ امتلاك الموظفين للجد والإخلاص والاجتهاد قد لا يكون كافياً لنجاح الأعمال وتطويرها.

على سبيل المثال، موظف ملتزم ومُجِدٌّ لا يملك مهارات في الذكاء العاطفي، سيكون لذلك تأثير في تعامله مع باقي الأقران؛ لذا بات ضرورياً أن تُراعى مهارات الذكاء العاطفي في المقابلات الوظيفية لتؤخذ في الحسبان، وكل ذلك من أجل تحقيق أهداف بيئة العمل التي ينتمي إليها الموظف.




مقالات مرتبطة