أهمية الذكاء العاطفي في الكوتشينغ المهني

يُعَدُّ الكوتشينغ المهني نعمة؛ فهو يُظهر أنَّ المؤسسة تؤمن بموظفيها وترغب في الاستثمار في قدراتهم ومساعدتهم على أن يصبحوا نسخة أفضل من أنفسهم. قبل عشرين عاماً من الآن، كان من الممكن لشخص ما اختِير لتلقِّي الكوتشينغ أن يقول: "إذا كنت سأتدرب على يد كوتش، فهذا يعني أنَّ هناك خطأ ما بي يحتاج إلى إصلاح".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن كوتش الذكاء العاطفي "سوزان كلارين" (Suzan Klarain)، والذي تخبرنا فيه عن تجربتها في تضمين الذكاء العاطفي في الكوتشينغ المهني.

والآن، من المرجح أن يفكر الشخص نفسه: "أنا أُبلي بلاءً حسناً حقاً، وأقوم بعمل جيد وأتقدَّم في مسيرتي المهنية، ويُعَدُّ الكوتشينغ أداة رائعة يمكنني استعمالها لتطوير نفسي". لا تقتصر تلك "الشخصية الأفضل" على حياة الفرد المهنية فحسب؛ بل يمكن أن يكون الكوتشينغ أيضاً نعمة هائلة للتطور الشخصي أيضاً.

بصفتي كوتشاً مهنية معتمدة ومتخصصة بالذكاء العاطفي (EI)، أعتقد أنَّه من الصعب المبالغة في قيمة الكوتشينغ. يُمكِّن الكوتش الجيد العملاء من تحديد أهداف قابلة للتحقيق مع معالجة نقاط القوة والضعف لديهم؛ والأهم من ذلك، يساعد كوتش الذكاء العاطفي العملاء على تغيير طريقة تفكيرهم الحالية؛ وذلك من أجل تحسين وضعهم للتقدم في الحياة المهنية والحياة الشخصية.

يملك كل شخص فكر في تعيين كوتش مهني أسئلة عدة بلا شك، وسنتناول في هذا المقال هذه المخاوف، وسنقدم نصائح للعثور على الكوتش المناسب. أؤكد أهمية الذكاء العاطفي والكوتشينغ في عالم يتغير تغيرات كبرى، فمع ارتفاع مستويات التوتر في العمل وكذلك مستويات اكتئاب وقلق الموظفين، كيف سيستجيب القادة لتلك التحديات، خاصةً مع دخول الأجيال الشابة إلى القوى العاملة؟

قبل أن نتحدث عن أهمية الكوتشينغ المهني قد يكون من المفيد فهم ماهيته: يُعرَّف الكوتشينغ المهني على أنَّه عملية إرشادية يشترك فيها العميل مع الكوتش الخاص به ليصبح فاعلاً جداً في مجال واحد أو مجالات عدة في الحياة، سواء كانت مهنية أم شخصية.

يوفر الكوتش الدعم خلال عملية الانتقال؛ إذ ينتقل العميل من مكانه الحالي إلى المكان الذي يريده. في أفضل حالاته، يمكن أن يكون الكوتشينغ المهني عملية تحويلية في أي مرحلة من مراحل حياته المهنية. ويمكن أن يعالج فجوة في المهارات أو الفشل في التقدم، ولكنَّه مفيد أيضاً عندما يكون العميل ذا أداء عالٍ بالفعل، ومستعداً للارتقاء بأدائه إلى المستوى التالي.

الكوتشينغ المهني أم العلاج السلوكي المعرفي؟

مع أنَّ بعض أشكال الكوتشينغ المهني تشبه العلاج السلوكي المعرفي، إلا أنَّ طريقة التنفيذ مختلفة:

ينظر العلاج نظرة عميقة إلى الماضي، ويفحص الأحداث في حياة العميل التي شكَّلت سلوكاته الحالية. قد يتطرق الكوتشينغ إلى التجارب السابقة أيضاً، لكنَّه يركز كثيراً على التفكير المستقبلي والتغيير والزخم والحركة. إنَّه يتوجه نحو تحديد الأهداف وتخطيط العمل لغرض الحصول على التغيير المنشود.

كان لديَّ عملاء أتوا إليَّ للحصول على كوتشينغ مهني، وبعد المرور بعملية اكتشاف ما يريدون تحقيقه بالضبط، قرروا أنَّ العلاج السريري سيساعد. في تلك السيناريوهات، كان دوري محدوداً ومحدداً جداً: لقد ساعدتُهم على اكتساب الثقة والوضوح والتركيز حتى يتمكَّنوا من اتخاذ قرارات بشأن الجوانب الشخصية في حياتهم.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي: تعريفه، ومكوناته، وأهميته في القيادة

لماذا يجب التعامل مع كوتش مهني؟

تُظهر الأبحاث أنَّ المهنيين الذين يتلقون الكوتشينغ ينجحون ويتقدَّمون في حياتهم المهنية أكثر ممن لا يتلقَّونه. ولا يقتصر ذلك على الأفراد. يحظى الكوتشينغ أيضاً بشعبية كبرى بين الفِرق؛ وذلك لأنَّ المؤسسات أصبحت ثابتة وقائمة على المشاريع.

الفِرق التي تتلقى الكوتشينغ منتجة جداً، ولديها مهارات تواصل جيدة، وأداء عالٍ. يعتمد الأداء اعتماداً كبيراً على التركيز. عندما أعمل مع القادة والفِرق - في أغلب الأحيان - يدركون جيداً أنَّ لديهم، على سبيل المثال، مهارات تواصل ضعيفة. لكن هم فقط لم يكونوا قادرين على تغيير هذا السلوك.

يساعد الكوتشينغ العميلَ على التركيز وفهم ليس فقط سبب عدم فاعليته، ولكن أيضاً العوامل الأساسية، مثل التصورات والقيم والمعتقدات، التي تمنعه ​​من إجراء تغيير دائم.

شاهد بالفيديو: خمس مكونات رئيسة للذكاء العاطفي

كيفيّة التعامل مع كوتش:

بالنسبة إلى أولئك الذين يرغبون في التعامل مع كوتش، فإنَّ الخطوة الأولى هي تحديد المجالات التي يمكن أن تستفيد من الاستراتيجيات والنهج الجديدة:

قد يحتاج الفرد، على سبيل المثال، إلى العمل على الثقة بالنفس، بينما يجب أن يتعلم أعضاء الفريق الثقة بالآخرين. يُدرَّب الكوتشز المهنيين على الإصغاء وطرح الأسئلة الضرورية التي تساعد على توجيه العملاء إلى استنتاجاتهم الخاصة.

قد يبدو هذا بالنسبة إلى بعضهم كأنَّه شيء يمكن للناس القيام به وحدهم عند الجلوس والتفكير. ومع ذلك، فمن الصعب جداً أن ينظر الشخص إلى نفسه من وجهة نظر موضوعية وخارجية من أجل التفكير العميق.

يستعمل العديد من الكوتشز تدوين اليوميات للتشجيع على الفحص الذاتي، لكنَّ الوصول إلى القضايا الأساسية عادة ما يتطلب كوتشاً مُدرَّباً يمكنه طرح الأسئلة الصحيحة. يساعد الكوتشز العملاء على استكشاف مواهبهم الفطرية ورغباتهم العميقة، وتغيير منظورهم وتعزيز عادات ذهنية جديدة. بالنسبة إلى الناس معظمهم، تُعَدُّ هذه تجربة غيَّرت حياتهم.

قد يكون اكتساب عادات ذهنية جديدة أمراً صعباً في حد ذاته:

بعد كل شيء، نحن مجرد بشر، ومن الطبيعة البشرية العودة إلى العادات القديمة؛ لكن يحين وقت التعامل مع كوتش عندما لا تُجدي تلك العادات القديمة نفعاً، أو عندما يكون لدى العميل تطلعات عالية لم تتحقق بعد.

لا تكمن المشكلة بالضرورة في قدرة العميل على أداء دوره، فربما يعرف كيفية القيام بعمله؛ وبدلاً من ذلك، قد تتضمن الأسئلة مقدار جودة عملهم مع الآخرين؟ كيف يُقاد الفريق؟ ومن أين يحصل الفريق على قيادته وتوجيهه ورؤيته؟ هذه كلها قضايا "تتعلق بالأشخاص" يُدرَّب الكوتشز المهنيين على معالجتها تحديداً.

متى يتوجه الفرد للكوتش؟

قد يفكر الفرد في الكوتشينغ المهني إذا كان يرغب في استكشاف إمكاناته الخاصة أو أن يصبح أكثر مرونة:

ربما يريدون أن يكونوا أكثر وعياً أو تأملاً، ويبحثون عن إجابات لأسئلة عميقة مثل، "مَن أنا؟ أو مَن أنا في العمل؟ بصفتي قائداً، مَن أريد أن أكون؟" يمكن أن يساعد الكوتشينغ في كل هذه السيناريوهات.

ماذا تتوقع عند التعاقد مع كوتش؟

الأولوية الأولى للكوتش هي تحديد ما يأمل العميل تحقيقه بالضبط في نهاية العملية. يجب تحديد هذه الأهداف بوضوح قبل أن تبدأ عملية الكوتشينغ الفعلية. ثم يقوم الكوتش والعميل معاً بتطوير "خارطة طريق" تحدد التوقعات وتضع خطوات محددة لتحقيق الأهداف.

بعد وضع خارطة الطريق هذه، قد تختلف استراتيجيات الكوتشينغ من جلسة إلى أخرى. سيتضمن بعضها التغذية الراجعة والتقييم، بينما يركز بعضها الآخر على أهداف العميل الشخصية أو أهداف فريقه. يجب أن تتناول خارطة الطريق أيضاً التفاصيل واللوجستيات، ومن ذلك تواتر الاجتماعات ومدتها، بالإضافة إلى ما إذا كان لدى العميل "واجبات منزلية" بين الجلسات.

عموماً، تحدد خارطة الطريق اتجاهاً لعملية الكوتشينغ مع وضع مقاييس واضحة لتحديد النجاح. في النهاية، يجب أن يكون كل من الكوتش والعميل قادرين على قياس التقدُّم بدقة.

إقرأ أيضاً: الكوتشينغ: ثلاثة أسئلة تتحدى بها المتدربين

البحث عن كوتش مهني:

الأمر الأهم هو أنَّه يجب أن يُعتمَد كوتش مهني من الاتحاد الدولي للكوتشينغ (ICF). يمكن لأي شخص مهتم بالبحث عن كوتش استشارة أحد فروع الاتحاد الدولي للكوتشينغ (ICF) المحلية للعثور على الأفراد المؤهلين في منطقتهم.

اعتماد كوتش من خلال هذه المنظمة الدولية الرائدة يعني أنَّ الكوتشز يلتزمون بالسلوكات الأخلاقية ويتبعون المعايير المهنية، مثل خارطة الطريق التي تمت مناقشتها آنفاً.

يُظهر الكوتش المعتمد من (ICF) أيضاً بعض الكفاءات الأساسية، ومن ذلك القدرة على بناء الثقة والسرية، واستعمال الإصغاء الفعال والأسئلة الضرورية، ومساعدة العميل على الانتقال من الوعي إلى البصيرة، وتحديد خطوات العمل والاستراتيجيات، وتخطيط الأهداف، وإدارة المساءلة مع العميل.

التوافق بين الكوتش والعميل هو عامل هام آخر:

يساعد، في بعض الأحيان، قضاء بعض الوقت في مراجعة موقع الويب الخاص بالكوتش وسيرته الذاتية والمهنية، العملاءَ المحتملين على اكتساب فهم جيد لمقدار نجاحهم في العمل مع هذا الكوتش أو عدمه. يجب أن يشعر العميل بالراحة التامة مع الكوتش وأن يثق به.

وقبل تقديم أي التزامات، يمكن للكوتش والعميل أيضاً الدخول في "محادثة استكشافية" لتحديد ما إذا كانا على توافق ويمكنهما بناء علاقة قوية. من المؤكد أنَّ الشعور بتقارب شخصي تجاه الكوتش مفيد جداً.

دور الخبرات المهنيّة للكوتش:

بعيداً عن المستوى الشخصي، قد يكون بعض الكوتشز أكثر توافقاً مع العميل بسبب خبرتهم المهنية السابقة:

يجب أن يكون الكوتش المُدرَّب والمعتمَد قادراً على العمل مع أي شخص، فقد يكون لديهم مزيد من الخبرة في مجالات معينة. هذا هو الحال في أغلب الأحيان مع الكوتشز التنفيذيين أو كوتشز الأعمال أو كوتشز ريادة الأعمال؛ إذ تركز العملية تركيزاً كبيراً على الفطنة والممارسات المهنية أكثر من التركيز على الشخص.

شاهد بالفيديو: أهداف التدريب

لماذا نختار كوتش الذكاء العاطفي؟

مثلما يتمتع الكوتشز بخبرات مختلفة، يمكن أن يكون لديهم أيضاً أساليب أو تخصصات مختلفة تؤثر في طريقة عملهم مع العملاء. في حالتي، أنا معتمدة في تقييمات الذكاء العاطفي، ومفتونة بعلم الأعصاب وراء الذكاء العاطفي والاجتماعي وكيف يؤثر في قيادتنا.

ينعكس ذلك في ممارسات الكوتشينغ الخاصة بي؛ إذ تؤثر العواطف في كل جانب من جوانب الحياة. وتنبع جميع السلوكات والأفكار والتصورات والنماذج من العواطف. أُسخِّر الطاقة العاطفية في عملية الكوتشينغ الخاصة بي من خلال مساعدة العملاء على فهم علم الأعصاب؛ كأن يعرفوا كيف تعمل عقولهم على توجيه عواطفهم وخياراتهم وتركيباتهم واستجاباتهم.

يمكِّنهم هذا من رؤية كيف تؤثر هذه الاستجابات في تصوراتهم وأفكارهم وأفعالهم وسلوكاتهم وانحيازاتهم. يتيح استعمال تقييم الذكاء العاطفي لإنشاء خط أساس للعميل تحديد المجالات التي يكون فيها أكثر أو أقل فاعلية، مع معرفة السبب.

أنا أطالب عملائي بطرح أسئلة موجَّهة مثل: "ماذا يعني هذا من حيث الوعي الذاتي وكيف أتفاعل مع الآخرين؟ وكيف أتخذ القرارات؟ وكيف أقود التغيير؟ وكيف يؤثر كل هذا في عملي؟".

إقرأ أيضاً: الكوتشينغ مقابل الإدارة: 5 أساليب هامة للمديرين

الذكاء العاطفي لا يتعلق بالشخصية أو ما إذا كان العميل انطوائياً أو اجتماعياً:

يتعلق الأمر بالطريقة التي يفكر فيها الشخص ويستجيب بناءً على عقليته؛ فقد يختلف منهجي عن نهج الكوتش التنفيذي الذي ينظر إلى الأشياء من خلال عدسة التفكير الاستراتيجي ومهارات التواصل وممارسات التوظيف والتفويض. يتعمق الذكاء العاطفي جداً، ويفحص التفكير الأساسي للعميل، الذي تحركه استجاباته الكيميائية العصبية.

تتغير الطريقة التي نتفاعل بها مع الأشخاص في العمل:

في المستقبل القريب، مع دخول الجيل القادم إلى القوى العاملة، سيتعيَّن على القادة اتباع أسلوب قيادة مختلف تماماً. سيتطلب ذلك مجموعة مهارات مختلفة تماماً وقدراً كبيراً من المرونة العاطفية. سيصبح الكوتشينغ هاماً جداً.

تظهر الأبحاث أنَّ معدلات الاكتئاب والقلق والتوتر واضطراب ما بعد الصدمة في العمل هي الأعلى على الإطلاق. على وجه التحديد، وفقاً لتحليلات شبكة برامج مساعدة الموظفين العالمية (Global EAP) فقد ارتفع الاكتئاب بنسبة 58%، والقلق 74%، والضغط بنسبة 28%.

يُعَدُّ الاكتئاب والقلق من الأسباب الرئيسة للغياب عن العمل؛ إذ يمثلان 82.6% من جميع الحالات الصحية للموظفين. علاوة على ذلك، فإنَّ الجيل الذي يتخرج الآن ويدخل سوق العمل هو الأكثر اكتئاباً وقلقاً وانتحاراً في التاريخ؛ إذ يعاني واحد من كل خمسة طلاب جامعيين من الاكتئاب.

ضع في حسبانك أنَّه في التصنيف العالمي السنوي لتقرير السعادة، تراجعت الولايات المتحدة فعلياً من المرتبة 18 إلى المرتبة 19؛ وهذا يعني أنَّنا بوصفنا دولة نصبح أقل سعادة. يجب أن يكتسب القادة والموظفون على حدٍ سواء القوة العاطفية والمرونة إذا أرادوا تجاوز هذه الأوقات الصعبة.

المصدر: برينيكور




مقالات مرتبطة