أهم الطرق في التعامل مع الضغط النفسي

لا يمكن وجود حياة دون ضغط نفسي، ولا يمكن للإنسان أن يتطور ويتقدم إلى الأمام دون التعرُّض إلى الضغط النفسي، فهو جزء لا يتجزأ من الحياة، وهذا الكلام يعني وبصريح العبارة أنَّ الإنسان لا يمكنه أن يتخلص من الضغط النفسي ويبعده إلى خارج حياته بشكل كامل؛ بل توجد طرائق يستطيع من خلالها أن يتعامل مع هذا الضغط بطريقة مفيدة ومثمرة؛ إذ يستفيد من هذا الضغط دون أن يؤثر سلباً في حياته الشخصية والاجتماعية والمهنية.



هل الضغط النفسي أمر سلبي بالمطلق؟

الضغط النفسي بالنسبة إلى الأشخاص أو حتى بالنسبة إلى المجتمعات هو ردة فعلها الخاصة تجاه مصاعب ومشكلات وتقلبات الحياة، وعلى نقيض ما يعتقد بعض الأشخاص، فإنَّ ردة الفعل هذه ليست أمراً سلبياً بالمعنى الحرفي للكلمة؛ بل هي دلالة صحة أو لنقل دلالة حياة؛ أي هذه المجتمعات أو هؤلاء الأشخاص ما يزالون على درجة من الحياة والوعي الكافي للتفاعل مع الأحداث والمحيط بطريقة ما، محاولين بذلك التغلب على عوامل الشدة التي تشعرهم بالخطر والقلق.

وعلى العكس من ذلك، تكون المجتمعات الميتة من الناحية النفسية، التي لا تبدي أيَّة ردة فعل تجاه ما يجري من تغييرات حولها، وهي لا ترتكز لعوامل الشدة أو عوامل الخطر، ومن ثم تتأزم حالتها دون أن تقوم بردة الفعل المناسبة؛ بل ويمكن أن تتأذى وتخسر جزءاً من ذاتها دون أن تشعر بذلك، وهي أدنى مرحلة قد يصل إليها أي كيان يتمتع بصفة الحياة.

كيف يمكن لفهم سيكولوجية الضغط النفسي أن يسهم في التعامل الجيد مع هذا الضغط؟

يجب على الإنسان أن يفهم قضية في غاية الأهمية؛ وهي أنَّ شعوره بالضغط النفسي عند تعرُّضه إلى مصاعب الحياة ومشكلاتها، هو أمر طبيعي للغاية؛ بل ومفيد جداً، بينما الأمر الذي لا يُعَدُّ طبيعياً هو المشكلات بحد ذاتها.

إنَّ هذه المعرفة ضرورية وهامة جداً، وتكمن فائدتها في أنَّها ستخفف من ميل الإنسان إلى رؤيته للضغط النفسي بأنَّه ناتج عن ضعفه النفسي أو هشاشة شخصيته أو ناجم عن كونه غير مؤهل للتعامل مع الضغط، وتساعده بشكل أو بآخر على فهم وإدراك آليات التفكير التي يستخدمها بشكل غير واعٍ خلال تعرُّضه إلى الضغط النفسي، ومن ثم تمييز هذه الآليات وتقسيمها إلى آليات فعالة تسهم في حل المشكلة والتعامل مع الضغط النفسي بطريقة مفيدة، وأخرى غير فعالة تزيد الوضع سوءاً، وتزيد من القلق والارتباك في مواجهة عوامل الشدة.

وهنا تأتي المرحلة التالية، وهي الأكثر أهمية؛ إذ ينتقي الفرد الآليات الفعالة ويعززها ويطورها ويركز فيها، ومن ثم ينتبه إلى الآليات غير الفعالة ويحاول التخلص منها والتغلب عليها؛ وذلك من أجل إخراجها من دائرة التفكير، ومن ثم التعامل مع الضغط النفسي بطريقة مثمرة ومفيدة لا تتضمن إيذاء الذات.

شاهد: 6 نصائح علميّة للتخلص من الضغط النفسي

ما هو سبب شعور الإنسان بالضغط النفسي؟

يتولد الضغط النفسي عند الإنسان حين يشعر الشخص بأنَّ الموارد المتاحة لديه هي أقل بكثير من احتياجاته الضرورية، وإن كان الشخص يلجأ إلى أساليب التقشف وطرائق التقنين من أجل التقليل من استنزاف الموارد، إلَّا أنَّ هذا الأمر بحد ذاته هو أحد العوامل المسببة للضغط النفسي، بالإضافة إلى أنَّه مع مرور الوقت ستنقص الموارد وتشح، ومن ثم يزيد الضغط النفسي.

فإنَّ أفضل طريقة لتجنُّب هذه الحلقة المفرغة من الضغط النفسي هي محاولة إيجاد موارد جديدة عوضاً عن اتباع الأساليب التقشفية حيال الموارد المتاحة؛ وذلك لأنَّ التقشف لا يمكنه زيادة الموارد؛ أي لا يمكنه التخفيف من الضغط النفسي؛ بل على العكس هو عملية استنزاف بطيئة للموارد، ومن ثم مع الوقت سيحصل انكماش فيها وصولاً إلى العجز.

ما هي أفضل طريقة تُستَعمَل من أجل التعامل مع الضغط النفسي؟

بالتأكيد لا تقتصر سبل مواجهة الضغط النفسي على طريقة واحدة فقط؛ بل يجب اتِّباع مجموعة من الطرائق من أجل التعامل معه، ولكن إذا أردنا أن نختار أمراً واحداً من شأنه أن يدعم آلياتنا الدفاعية في وجه الضغط النفسي، فهو الرياضة البدنية.

تُعَدُّ الرياضة واحدة من أهم الأمور المفردة التي من شأنها دعم المرونة النفسية وتطوير الوظائف الدماغية، ومن ثم وقاية الإنسان من الاضطرابات أو الأمراض النفسية والعقلية مثل الخرف، الذي يُعَدُّ من أهم نتائج قلة الحركة، ومما لا شك فيه أنَّ الرياضة البدنية هامة جداً لمواجهة الضغط النفسي، ولحسن الحظ، لا يلزم أن تكون هذه الرياضة مجهدة؛ بل يمكن لخمس دقائق من المشي اليومي أن تحمل الكثير من الفوائد التي لا يمكن إحصاؤها.

وتجدر الإشارة إلى قضية هامة؛ وهي أنَّ نوع الرياضة التي نقصدها هنا هي الرياضة التي نمارسها في الهواء الطلق مثل المشي والركض والرياضات الجماعية مثل كرة القدم وكرة السلة، وما إلى ذلك من الرياضات التي تُمارَس في أجواء مفتوحة، ومن الأفضل أن يكون هذا الجو المفتوح هو الطبيعة؛ إذ تُعَدُّ الأخيرة من أكثر الأمور التي تصفي ذهن الإنسان وتمنحه جرعة من السلام النفسي الداخلي، على نقيض ما تفعله الرياضات الثابتة مثل رفع الأثقال على سبيل المثال، التي تقتصر فوائدها على بناء الكتلة العضلية أكثر مما تفيد النواحي النفسية والذهنية والمعرفية.

ما هي أهم الطرائق المستخدمة في التعامل مع الضغط النفسي؟

1- تخصيص أوقات لفعل الأشياء التي تحبها:

إنَّ قضاء الوقت في ممارسة النشاطات التي تستمتع بها هو أمر في غاية الأهمية؛ وذلك لأنَّ فوائده لا تقتصر على السعادة التي يمنحك إياها من خلال المتعة التي تشعر بها فقط؛ بل تكمن أهميتها الأساسية في أنَّها تعمل على تحويل انتباه الإنسان عن مصادر القلق ومنابع الضغط النفسي بكل ما يرافقها من توتر ومشاعر سلبية، وتحمل الدماغ إلى سلة من المتعة والمشاعر الإيجابية.

2- الاستغراق في كتابة ما تحب:

إنَّ دور الكتابة في التعامل مع الضغط النفسي لا يمكن إنكاره؛ إذ إنَّها تساهم في تحويل الانتباه عن مصادر الضغط النفسي؛ لذا، اكتب جملة تحبها أو عبارات تعطيك الطاقة والحيوية على دفترك الخاص، واشعر بكل كلمة تكتبها وتراقب كيف يمشي قلمك بانسيابية على الورق، ومن ثم تمعَّن في التفصيلات الدقيقة، وتحسَّس بأصابعك القلم الذي تكتب فيه، وبيدك الأخرى لامِس صفحات الدفتر، وانغمِس انغماساً كاملاً في جو الكتابة هذا؛ وذلك لأنَّه يساعدك على الاستغراق بعيداً عن عوامل الضغط النفسي.

3- مضغ قطعة من العلكة:

بيَّنت العديد من الدراسات أنَّ مضغ العلكة له دور سريع نوعاً ما في التقليل من الضغط النفسي، وقد اختلف الخبراء في تحديد الآلية التي تخفض فيها العلكة من الضغط النفسي، فمنهم من يرى أنَّ حركة الفك خلال المضغ تساهم في تعزيز الدورة الدموية وتعزز وصول الدم إلى الدماغ، فيما يرى آخرون أنَّ مضغ العلكة هو طريقة فعالة لتحويل انتباه الشخص عن مصادر الضغط النفسي، ويعتقد بعض الناس أنَّ مذاق العلكة الحلو، يمنح الشخص بعض السكريات أو جرعة من المتعة الذوقية، التي تساهم بطريقة أو بأخرى في مواجهة ظروف الضغط النفسي.

إقرأ أيضاً: القلق النفسي وحالة الدفاعية اللاشعورية

4- التوجه نحو قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء:

في خضم الحياة العملية المرهِقة والمتعة - التي تأخذ كل وقتنا تقريباً - قد ننسى ممارسة حياتنا الاجتماعية؛ لذلك قد تكون أوقات الضغط النفسي فرصة من أجل إعادة كيانك إلى وضعه الاجتماعي؛ إذ يرى خبراء علم النفس أنَّ فترات الضغط النفسي قد تكون الوقت الأمثل لممارسة الحياة الاجتماعية؛ كون فترات الضغط هذه تكون في العادة خالية من الإنتاجية من الناحية العملية؛ لذلك فإنَّ استغلالها في قضاء الوقت مع العائلة أو الأصدقاء لن يضيع من وقتنا، وفي الوقت نفسه سيخفض من الضغط النفسي الذي نعيشه.

إقرأ أيضاً: استراجيات للتغلب على الضغط النفسي

5- الزيوت والشموع العطرية:

الكثير من القلق والضغط النفسي يمكن أن يزيله إشعال شمعة، فكم هو جميل وسهل هذا الأمر؛ إذ تعج السوق بالكثير من الشموع ذات الروائح العطرة، التي بيَّنت الدراسات دورها الفعال في تحسين النوم، وتعديل الحالة المزاجية؛ وهذا يساهم بشكل أو بآخر في مواجهة الضغوطات النفسية.

6- الاستماع للموسيقى:

لا شيء يغير من لحالة المزاجية، أكثر من الاستماع للموسيقى الهادئة، التي تغير من طبيعة السيالات العصبية بطريقة عجيبة؛ إذ إنَّها قادرة على قلب هذه السيالة السلبية إلى أخرى إيجابية؛ وهذا يساعد على مواجهة الضغوطات النفسية الحياتية والتعامل معها بطريقة سلسة.

7- التنفس بعمق:

لا يمكن إهمال ما تقدمه تمرينات التنفس، من استرخاء وتنفيس لكل العواطف والمشاعر السلبية، وتمنح الدماغ ما يحتاج إليه من أوكسجين، ومن ثم تؤمن له أريحية، آخذين في الحسبان أنَّ الضغوطات النفسية تؤثر في عملية التنفس فتجعلها سريعة وسطحية، وهنا يأتي دور التنفس العميق في معاكسة هذه الآلية.

إقرأ أيضاً: الضغط النفسي: كيفية التعامل معه وطرق التخلص منه

في الختام:

في نهاية هذا المقال لا بدَّ أن ننوه إلى فكرة هامة جداً؛ وهي أنَّ التوتر والقلق والضغط النفسي هي أمور لا يمكن التخلص منها بشكل كامل؛ وذلك لأنَّها جزء لا يتجزأ من الطبيعة الإنسانية، وهي في الوقت نفسه تحمل فوائد كثيرة، فدون الضغط النفسي لن نتمكن من الإحساس بوجود المشكلة، ومن ثم التفكير في حل يتناسب معها.

وما يمكننا أن نفعله إزاء الضغط النفسي ليس إلغاؤه أو التخلص منه؛ بل ما يجب علينا أن نفعله هو التدريب على طرائق التعامل معه بطريقة سليمة؛ إذ لا نضطر إلى التقليل من إنتاجيتنا في العمل، ونعوِّد أنفسنا على التأقلم مع الضغوطات النفسية كونها جزءاً لا يتجزأ من سنَّة الحياة.

المصادر: 1،2،3




مقالات مرتبطة