أسباب العصبية في رمضان وكيفية التغلب عليها

شهر رمضان المبارك هو شهر الصيام عند المسلمين؛ إذ يمتنع الصائم عن الطعام والشراب وكافة الأشياء التي يمكن أن تدخل للجسم عن طريق الفم، وكذلك التدخين وسواه وذلك منذ بزوغ الفجر وحتى غروب الشمس، وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة للصيام وآثاره في الجسم وتحسين صحته، لكن يوجد بعض الأفراد الذين يفقدون أعصابهم وينفد صبرهم بحجة صيامهم، ويلجؤون إلى الشجار مع الآخرين حتى عند أصغر الأسباب، سوف نتعرف في هذا المقال إلى أسباب هذه العصبية وكيف يمكن السيطرة عليها في شهر رمضان المبارك.



أولاً: ما هي أسباب العصبية في شهر رمضان؟

● تغيير أوقات النوم:

تتأثر صحة الفرد بتغيير أوقات النوم التي اعتاد عليها الجسم؛ أي ما يسمى بالساعة البيولوجية للإنسان، فمعظم عادات الفرد تتغير خلال شهر رمضان؛ فمثلاً يميل الفرد للنوم خلال النهار ويبقى مستيقظاً في أثناء الليل وحتى ساعات الفجر الأولى، وتكون عدد ساعات النوم لدى بعض الأفراد أقل بكثير من عدد الساعات اللازمة للجسم، كما يوجد أفراد لا يستطيعون النوم خلال النهار بسبب شعورهم بالجوع، ومنهم لا يستطيع النوم خلال الليل بسبب السهر الطويل ضمن الأجواء الرمضانية، أو يريد الاستمرار في السهر حتى وجبة السحور، أو ينام قليلاً ثم يستيقظ من أجل وجبة السحور، وكل ذلك بالتأكيد يسبب الأرق واضطرابات النوم.

كما أنَّ الأكل ولا سيما بكمية كبيرة في المساء يجعل الصائم يعاني من مشكلات في النوم والتعب والصداع، وكل ذلك يؤثر في الحالة العصبية والمزاجية للصائم، فنجده كثير الحساسية تجاه كل الأمور التي تحدث ويثور غضباً عند أقل مشكلة تعترضه مهما كانت.

● الجوع:

ترى العديد من الدراسات أنَّه يوجد ارتباط نفسي بين الجوع والعصبية، فالكثير من الأفراد الصائمين عند شعورهم بالجوع يتأثر مزاجهم تأثراً سلبياً، وتبدأ مظاهر العصبية تظهر في تصرفاتهم وسلوكاتهم ظهوراً واضحاً، وغالباً ما يعزو الأطباء إصابة الأفراد بالعصبية في شهر رمضان في حالة شعورهم بالجوع إلى نقص في العناصر الغذائية الضرورية للجسم.

على سبيل المثال، يعتمد المخ على نسبة بسيطة من (الجلوكوز) لأداء وظائفه بشكل جيد، وإذا ما هبطت هذه النسبة، يبدأ المخ بإصدار الإشارات والإنذارات التي تحفز الأدرينالين الذي يؤثر في مزاج الفرد، فيفقد الشخص التركيز ويشعر بالدوار وبالغضب الذي يصعب السيطرة عليه.

● نقص الماء:

 يشكل الماء 75% من الدماغ، ونقص الماء خلال الصيام يؤدي إلى إعاقة قيام الدماغ بوظائفه ويخفض مستويات الطاقة في الجسم؛ وهذا يُسبب فقدان التركيز والتوتر المستمر والقلق والعصبية الزائدة ويصعب التحكم بالمزاج.

● الإفطار غير الصحي:

لقد أثبت الدراسات أنَّ لنوع الطعام الذي يتناوله الفرد دوراً كبيراً في حالته المزاجية؛ فالاعتماد على الوجبات السريعة والأغذية قليلة الفيتامينات (B12، وفيتامين D) والأطعمة الغنية بالدهون المشبعة والمصنعة وقليلة الدهون الصحية مثل عنصر الأوميغا 3 تزيد من الاضطرابات النفسية وحدَّة المزاج، وتقود إلى إظهار تلك الأمراض عبر التفريغ بالغضب والعصبية.

● الانخفاض المفاجئ في نسبة الكافيين في الدم:

 الكافيين يؤثر في النواقل العصبية تأثيراً إيجابياً يدفع إلى زيادة التركيز وتحسن المزاج العام، والانقطاع عنها أو التقليل الفجائي منها كما يحدث عادة في شهر رمضان بسبب الصيام طول فترة النهار، يؤدي إلى ظهور ما يسمى بـ "متلازمة انسحاب الكافيين" التي من أهم أعراضها الصداع.

إنَّ الكافيين يعمل على تضييق الأوعية الدموية في الدماغ والانقطاع المفاجئ أو التخفيف من كميته المعتادة يؤدي إلى توسع الأوعية الدموية وتدفق الدم تدفقاً كبيراً إلى الدماغ؛ وهذا يؤدي إلى الإصابة بالصداع وآلام الرأس، وكذلك صعوبة في التركيز والقلق والتوتر والاكتئاب وسوء الحالة المزاجية عموماً والتي تنعكس بفورات الغضب والعصبية.

● نقص النيكوتين:

في العديد من الحالات يكون سبب العصبية هو نقص النيكوتين لدى المدخنين؛ إذ يَنتُج عن ذلك العصبية المفرطة، فعند تدخين الصائم خلال فترة النهار أو حتى الإقلاع عن التدخين يؤدي إلى ظهور "متلازمة انسحاب النيكوتين" مسبباً الصداع الشديد والعصبية الشديدة واضطرابات النوم والقلق وفتح الشهية.

شاهد بالفيديو: تقنيات تساعد على الهدوء والسيطرة على الغضب

ثانياً: كيف يمكن أن تعالج العصبية التي تصيبك خلال شهر رمضان؟

● وضع خطة مضبوطة بساعات محددة لتنظيم الوقت والحصول على عدد ساعات من النوم كافية للجسم، وتوجد مجموعة من التدابير يمكن الأخذ بها للحصول على قسط كافٍ من النوم في المساء ومنها:

  • ضبط بيئة غرفة نومك: أي الحرص على عدم وجود أصوات مزعجة أو ضوضاء أو إضاءة قوية أو أي شيء يمكن أن يسبب لك نوعاً من الأرق ويمنعك من النوم بهدوء.
  • الحصول على قيلولة في أثناء النهار لا تزيد عن ثلاثين دقيقة، فهذه القيلولة سوف تمنحك الشعور بالهدوء مساء وتجعلك تدخل في نوم عميق، وتذكَّر دائماً أنَّ النوم خلال النهار لا يغني أبداً عن النوم في الليل.

● شرب كمية كافية من الماء:

 اشرب ما يقارب 8 أكواب من الماء موزعة جيداً من الإفطار في المساء حتى وجبة السحور.

● ممارسة التمرينات الرياضية:

من الأشياء التي يجب متابعتها بانتظام خلال شهر رمضان الفضيل هي ممارسة التمرينات الرياضية؛ إذ إنَّ الجسم يفقد الكثير من الطاقة والسوائل خلال فترة النهار بسبب الصيام؛ لذا فمن الضروري القيام بالتمرينات الرياضية لتنشيط الدورة الدموية في الجسم والتخلص من الكسل والخمول الذي يصيبه، وأفضل وقت لممارستها هو قبل حلول موعد الإفطار أو بعد الإفطار بنحو ساعتين.

● الاسترخاء:

اللجوء إلى الاسترخاء واستخدام تقنياته من أفضل الخيارات المتاحة في إدارة التوتر والغضب الناتج عن الصيام وخفض آثاره في الجسم والعقل، ومن أساليب الاسترخاء استرخاء العضلات؛ إذ يركز الفرد على شد العضلات ومن ثم إرخائها مرة أخرى بدءاً من عضلات القدمين انتقالاً إلى العنق أو خلاف ذلك.

إذ يمكن شد العضلات لبرهة من الزمن وليكن عشر ثوانٍ ثم إرخاؤها، وكرر هذه الحركات، كما يمكن استخدام فكرة التخيل المرئي؛ إذ تتخيل نفسك في مكان تحبه وتشعر بالهدوء فيه، وكذلك تمرينات التنفس بعمق التي تساعد على تقليل التوتر تقليلاً ملحوظاً.

● ملء وقت الفراغ بأشياء تحبها:

ممارسة أي نشاط أو هواية مفضلة مثل القراءة أو الكتابة أو الرسم وغيرها تساعد على الاسترخاء وإدارة التوتر والتعامل مع حالات القلق، وتُحسِّن المزاج العام، وترفع من هرمونات السعادة، كما يمكنك مشاهدة برامج تلفزيونية رمضانية.

● التعامل مع المشاعر السلبية:

إنَّ الصيام هو فرصة لتنمية القدرة على الصبر والارتقاء بصفاء النفس والتحكم بالذات والتخلص من المشاعر السلبية كالحقد والغضب والعدائية والأنانية؛ لذا حاول الابتعاد عن كل ما يجعلك تتوتر، وتجنَّب التفكير السلبي، وابتعد عن أسلوب الانتقام في التعامل مع الآخرين والحديث مع الأشخاص الإيجابيين أو المحببين إليك الذين يملؤونك بالطاقة ويساعدونك على تجاوز عقبات وتقلبات الحياة، كما يجب عليك تعلُّم مهارات الذكاء العاطفي التي تساعدك على تقبُّل الذات وإدارة انفعالاتك بذكاء.

إقرأ أيضاً: لماذا لا تعد المشاعر السلبية سيئة للغاية؟ وكيف تتعامل معها؟

● اتباع نظام غذائي صحي:

توجد أغذية تُحدِث تغيرات كيميائية وفيزيولوجية في الدماغ؛ وهذا يفسر سلوك الفرد الإيجابي أو السلبي؛ لذا يُفضَّل اختيار الأغذية التي تحتوي على الكربوهيدرات التي تحتوي على الحمض الأميني المعروف بـ "التريبتوفان"، والذي كلما زادت نسبته، زادت نسبة مادة السيروتونين المسؤولة عن الحالة المزاجية للأفراد، وكذلك الأغذية التي تحتوي على فيتامين "D" والأوميغا 3 تُعَدُّ ضرورية لتحسين الحالة المزاجية والتخلص من العصبية والغضب؛ لذا ننصح بضرورة توافر وجبات على الإفطار مما يأتي:

  • الخضروات والبقوليات الغنية بالكربوهيدرات.
  • تناول البرتقال واللبن والفطر الغني بفيتامين "D"، بالإضافة إلى ضرورة التعرض لأشعة الشمس لمدة 10 إلى 15 دقيقة يومياً في الصباح الباكر.
  • الفاصولياء وفواكه البحر مثل السردين، والحبوب الكاملة مثل الأرز البني لاحتوائها على المغنيسيوم والزنك.
  • المكسرات.
  • الألبان قليلة الدسم.
  • استبدال البروتينات الحيوانية بالبروتينات النباتية، وتجنُّب تناول نسبة عالية من السكريات.
  • شرب كمية كافية من الماء وعدم الإسراف في شرب السوائل التي تحتوي على الكافيين، والاكتفاء بفنجان قهوة واحد.
  • عدم الإفراط في تناول الطعام، فقد يؤدي ذلك إلى ارتداد الحمض إلى المريء؛ وهذا يُحدِث مشكلات في النوم وعسر الهضم ومشكلات في التنفس.
  • التأكد من تناول وجبة سحور صحية وخفيفة، والابتعاد تماماً عن تناول الوجبات السريعة خلاله، فهي تزيد من القلق والعصبية.

● الإقلاع عن التدخين:

 وهذا يجب أن يكون قبل حلول شهر الصيام؛ وذلك لجعل الجسم يتخلى عن الحاجة إليه لتحسين حالة المزاج مؤقتاً.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح للاقلاع عن التدخين

● الخروج إلى الطبيعة والمشي فيها:

المشي أحد أفضل الأساليب للتخلص من العصبية والمزاج السيئ والبعد عن مسببات التوتر.

الخلاصة:

شهر رمضان هو الفرصة الحقيقية التي منحنا إياها الله سبحانه وتعالى للتخلص من السلوكات السيئة التي تنغص حياتنا وتفقدنا السعادة والراحة الحقيقية، وسواء كانت تلك السلوكات فكرية أم نفسية أم جسدية أم غذائية، فلا تجعل الغضب يقف حائلاً بينك وبين تحسين نفسك ونيل رضى الله عز وجل، وتحلَّ بالصبر والهدوء والتحمل قدر المستطاع.

المصدر.




مقالات مرتبطة