9 نصائح لتنمية ذكائك العاطفي

لقد أُشير إلى الذكاء العاطفي (EI) لأول مرة في عام 1964، بيد أنَّه لم يتحول إلى مصطلح شائع إلَّا حين ألَّف الصحفي دانييل جولمان (Daniel Goleman) كتاباً بعنوان "الذكاء العاطفي" عام 1995.



يعدُّ الذكاء العاطفي من المهارات الناعمة (Soft-skill)، ويبحث محترفو الموارد البشرية غالباً عن أشخاص يمتلكون معدلاً عالياً في الذكاء العاطفي (EQ)؛ ورغم أنَّه قد يبدو من الأسهل توفير التدريب لما يُسمَّى بالمهارات الصلبة (Hard skills)، إلَّا أنَّ تحسين الذكاء العاطفي هدف نحققه من خلال الممارسة.

ما هو الذكاء العاطفي؟

يُعرِّف خبير القيادة "روبرت ك. كوبر" (Robert K. Cooper) الذكاء العاطفي بأنَّه: "القدرة على الإحساس بالقوة والفطنة الكامنة في العواطف، وفهمها وتطبيقها بفاعلية بوصفها مصدراً للطاقة البشرية والمعلومات والتواصل والنفوذ".

يشير الذكاء العاطفي إلى قدرتك على إدراك المشاعر التي تشعر بها، وإدارتها بطريقة تسمح لك بتوظيفها بدلاً من تركها تسيطر عليك؛ كما يشمل أيضاً قدرتك على تفسير مشاعر الآخرين والاستجابة لها بالطريقة المناسبة.

شاهد بالفيديو: 7 علامات تدل على ضعف الذكاء العاطفي

كيفية تنمية الذكاء العاطفي:

سيساعدك إدراك قوة ذكائك العاطفي والقدرة على إيصال هذه القوة إلى الآخرين في تحقيق النجاح في علاقاتك وأهدافك الشخصية، ويتطلب هذا بذل جهد دؤوب ومستمر؛ لذا سنقدم إليك فيما يأتي 9 نصائح من أجل البدء بذلك:

1. تكلَّم "لغة العواطف" بطلاقة:

يُعلِّم الأهل الطفل حين ينضج أن يكبت هذه العواطف الستة: السعادة، والحزن، والخوف، والغضب، والدهشة، والاشمئزاز؛ إذ يُزرَع في أدمغة الطِّفلات الصغيرات أنَّ "الفتيات الناضجات لا يبكين"، ويُطلَب من الأولاد أن "يتصرفوا مثل الرجال"؛ ممَّا يعطي الأطفال من كلا الجنسين فكرة ضمنية بأنَّ قمع المشاعر طريقة "ناضجة" للتصرف.

المشكلة في هذا النوع من "دفن العواطف"، هي أنَّها ستخرج أو تتحول إلى عواطف سلبية في نهاية المطاف، وإذا لم يُعبَّر عنها لفظياً أو تحظى بالعناية المناسبة، فقد تظهر على هيئة أعراض جسدية أو مشكلات نفسية؛ ولعلَّ الأسوأ من الكبت هو ما يدعوه علماء النفس بالتجنُّب العاطفي (emotional avoidance)، حيث يُستبدَل الإحساس والتعبير عن العواطف بعادة غير صحية كالأكل بشراهة، أو العلاج الذاتي بالعقاقير والكحول، أو الإفراط في ممارسة الرياضة.

لذلك، ولمحاربة هذا الأمر، لا تتهرب من مشاعرك، وسَمِّ عواطفك بدقة وتفصيل، وتوسَّع في إدراك هذه العواطف الستة بغية التمييز بين الغضب وخيبة الأمل والإحباط، وبين الفرح والسعادة والإثارة.

تحتوي اللغات المختلفة على العديد من الكلمات التي تصف عاطفة واحدة مثل "الحب"؛ فمثلاً: تصف كلمة (ستورج - storge) في اللغة اليونانية مشاعر الحب بين أفراد العائلة الواحدة، وتصف كلمة (فيليا - philia) مشاعر الحب تجاه صديق مقرَّب، بينما تشير كلمة (إيروس - eros) إلى الحب الرومانسي؛ لذلك اطمح إلى أن تكون واضحاً ودقيقاً بمشاعرك، كدقة اللغة اليونانية في وصف مشاعر الحب.

2. افصل بين التحفيز والاستجابة:

يعدُّ الاعتقاد بأنَّ شيئاً ما قد يثير المشاعر فينا جزءاً من الثقافة الشعبية، فإن أراد أحد المتحدثين إخبار جمهوره عن حدث مأساوي، سيقول ببساطة: "قد يكون هذا الأمر حساساً بالنسبة إلى بعض الحاضرين"؛ ولكن توجد طريقة أكثر فاعلية لتذكر المشاعر، وهي طريقة طبيب الأعصاب النمساوي فيكتور فرانكل الذي اشتُهِر بنظريته: "توجد مساحة يتحكم بها الفرد بين التحفيز والاستجابة، ألا وهي معتقداته".

يعلم الأذكياء عاطفياً أنَّ العواطف لا تنشأ من تلقاء نفسها، بل أنَّها مجرد استجابة أنشؤوها بأنفسهم؛ فحين تبدأ إدراك ذلك، فتِّش عن سبب إيمانك بمعتقداتك، واعلم من أين بدأ هذا الاعتقاد؛ لتصبح حينئذ أكثر قدرة على التعرف على الأنماط العاطفية وردود الفعل التي لم تعد تفيدك بشيء.

3. مارس التفكير الواعي:

إنَّ الوعي التام (اليقظة الذهنية) أداة رائعة من أجل تجنب الإفراط في التفكير، إذ لطالما كان الوعي التام والتأمل والذكاء العاطفي مرتبطين بالأدبيات العلمية.

يساعدك التأمل على أن تكون حاضراً ذهنياً بطريقة تهدئ فسيولوجيا جسمك، وتمهد الطريق إلى الذكاء العاطفي؛ وقد تبين أنَّ الوعي التام يساعد على تعلم كيفية التعرف على مشاعر الآخرين من حولنا، وزيادة التعاطف، وتحسين قدرة الشخص على استخدام عواطفه من أجل التحكم بالضغوطات.

إقرأ أيضاً: 3 عادات بسيطة لممارسة تأمل اليقظة الذهنية

4. اعلم أنَّه من الأهمية أن تدرك كيف تعبر عن استجابتك العاطفية:

إنَّه لمن الشائع أن تسمع شخصاً يسأل: "ما هو شعورك حيال ذلك؟"، أو أن تقول: "أنت تجعلني غاضباً"؛ إذ تبدأ السيطرة على عواطفك من خلال التعبير عنها بطريقة غير محبطة، حيث يساعدك هذا على أن تصبح أكثر ذكاء عاطفياً؛ وبما أنَّ الأفكار التي تفكر فيها تتحول إلى حقيقة واقعة، ابذل أقصى طاقتك في الحديث عن مشاعرك بطريقة تجعلك تتولى زمام المبادرة.

5. اعلم أنَّ لما يمكن قياسه أهمية بالغة:

يمكن لأمور كالذكاء العاطفي أن تبدو أفكاراً مجردة أو نظرية؛ لكن في الواقع، توجد طريقة لقياس ذلك؛ فمثلاً: جرِّب الخضوع إلى إحدى اختبارات الذكاء العاطفي التي تقدمها مواقع مخصصة لمثل هذا الأمر.

6. تعاطف مع ذاتك والآخرين:

التعاطف هو اللطف والاهتمام والرغبة في تقديم المساعدة، والتقمُّص العاطفي هو قدرتك على أن تضع نفسك مكان الشخص آخر، بينما إظهار ذلك التعاطف هو رد الفعل والعمل الذي ينطلق من تلك التجربة.

وفقاً لبحث أجراه الباحث كريستين نيف، ينطوي التعاطف الذاتي على الوعي التام بدلاً من الإفراط في التفكير، والإنسانية مقابل العزلة، والعطف على الذات بدلاً من الحكم عليها؛ ويتطلب الأمر ذكاء عاطفياً كي ترى أنَّ التعاطف مع الآخرين والتعاطف الذاتي هما نقطتا قوة يمتلكهما الشخص الواثق من نفسه؛ لذا بغية تطوير كلا الصفتين، ركِّز على افتراض حسن النية فيما يتعلق بالآخرين، وكن لطيفاً وصبوراً تجاه نفسك.

إقرأ أيضاً: التعاطف في العمل، تنمية المهارات لفهم الآخرين

7. نمِّ قدراتك الاجتماعية:

عندما تختلط بالآخرين وتتواصل معهم، عوِّد نفسك على قراءة الإشارات العاطفية التي يرسلونها، وضع نفسك مكانهم؛ ولتنمِّي الذكاء العاطفي خاصتك، اشترك في أحد أندية المطالعة، وقدِّم نفسك إلى أشخاص جدد في مؤتمر، أو انضم إلى فريق رياضي.

يشبه الذكاء العاطفي عضلاتك جسمك؛ أي كما أنَّك لن تحصل على الشكل المثالي من زيارة واحدة إلى الصالة الرياضية، كذلك يحتاج الذكاء العاطفي إلى تنمية منتظمة.

8. أدِر ضغوطاتك وانفعالاتك بطرائق صحية:

تسود الضغوطات الحياة، وقد تسير الأمور نحو الأسوء، فقد تفشل في اختبار ما، أو تتعرض إلى حادث سيارة، أو تفقد وظيفتك؛ فإن قضيتَ وقتك في محاولة السيطرة على أمواج المحيط بدلاً من تعلم ركوبها، أتعبتَ نفسك.

حين يتعامل الناس مع الضغوطات والتوتر بطريقة سيئة، فإنَّهم غالباً ما يلجؤون إلى مداواة الذات أو الانسحاب الاجتماعي؛ لكن جرب بدلاً من ذلك عبارات تشجيع مثل:

  • يمكنني تقبُّل ملاحظات الآخرين دون غضب.
  • أنا قادر على الحفاظ على رباطة جأشي حتى في الأوقات العصيبة.

9. عبِّر عن نفسك:

ليست كل التعبيرات شفهية، بل قد تأتي بصور أخرى، كالرقص والرسم والنحت مثلاً؛ لذا حين تشعر بشيءٍ ما، عبِّر عنه بصوتٍ عالٍ، وأدرك ماهية مشاعرك.

لقد طُرِحَ سؤالٌ هامٌّ: "هل تعدُّ نفسك جهازاً لتنظيم الحرارة، أم مقياساً للحرارة؟"، سيكون من الجيد أن تطرح ذلك على نفسك، حيث يدل هذا على التنظيم الذاتي الذي لا يشبه الكبت، والذي يمكِّنك بدوره من تطوير ذكائك العاطفي.

شاهد بالفيديو: 6 قواعد أساسية لتعزيز الذكاء العاطفي

 

تمارين لزيادة الذكاء العاطفي:

تتعدد الأسئلة المطروحة حول إذا ما كانت مهارات الذكاء العاطفي موهبة فطرية أم أنها مهارات مكتسبة، وبغض النظر عن الإجابة التي يمكن أن نحصل عليها، إلا أنه من الثابت وجود تمرينات يمكن القيام بها لزيادة معدل الذكاء العاطفي عند الإنسان وهذه التمرينات هي:

1. راجع عواطفك ومشاعرك:

ويكون هذا من خلال الاحتفاظ بمدونة يكتب فيها المرء كل المشاعر التي تنتابه خلال يومه سواء كانت سعيدة أم حزينة، مريحة أم غير مريحة، وذلك لمراجعتها ومعرفة مصدر تلك المشاعر، وتقييم السلوك الذي نتج عنها، هل هو صحيح أو خاطئ؟ هل يحتاج السلوك إلى تعزيز أم إلى تغيير؟ هل تمت السيطرة على الانفعالات حين صدور تلك المشاعر، أم كانت الانفعالات ظاهرة ومن دون قيود؟ إنّ هذه الطريقة تساعد المرء على ضبط عواطفه ومشاعره ليتمكن لاحقا من حسن إدارتها وتوجيهها بشكل صحيح.

2. اطرح الأسئلة على نفسك:

من الجيد أن يضع المرء مقياسا من 0 إلى 10 وأن يسأل نفسه عن كل شعور يمر به هل هو جيد أم سيء أم متوسط، وليعطيه درجة على سلم الدرجات، ليأتي في نهاية اليوم ويقيم درجات تلك المشاعر؛ إذ إن هذه الطريقة تساعد على تحديد المشاعر بدقة وارتباط تلك المشاعر بالأفكار والسلوكيات مما يؤدي إلى تقييم صحيح ومنطقي لتلك العواطف. يعطي لكل حالة يمر بها المرء درجة من تلك الدرجات.

3. ربط المشاعر بالأفكار والسلوك:

عندما يرى المرء نفسه يفكر بطريقة غريبة، أو يتصرف بطريقة غير مألوفة، عليه أن يتوقف ليسأل نفسه عن المشاعر التي تنتابه والتي تؤدي إلى أن يفكر أو أن يتصرف بطريقة غير مألوفة، وإن هذه الطريقة تساعد المرء على ربط مشاعره بأفكاره وسلوكه، وبذلك يستطيع أن يدير مشاعره بطريقة حسنة تجعل أفكاره وسلوكياته مدروسة بعيدة عن الانفعال وردود الأفعال.

إقرأ أيضاً: ما هي مهارات الذكاء العاطفي؟ وكيف نطورها؟

4. لا تقاطع مشاعرك:

كثير منا يرغب في تجاهل المشاعر غير المريحة، من خلال اعتراضها بمشاعر أخرى أو من خلال تشتيتها، وهذا خطأ لأن هذا التجاهل يجعل المرء جاهلا بمصادر شعوره، فلا يعرفها ولا يستطيع إدارتها؛ فالأجدى أن يتقبل المرء مشاعره وأن يتعامل معها وأن يتمكن من تحديد الأشياء التي يريدها من مشاعره ليتمكن من تحسين نقاط قوته، ومعالجة نقاط ضعفه عند اجتياح المشاعر له.

5. أنصت إلى رسائل جسدك:

في كثير من الأحيان نهمل الرسائل التي ترد إلينا من الجسد، فعلى سبيل المثال إن انقباض المعدة قبل الدخول إلى مقر عملك، يعني أن هذا العمل هو مصدر توتر لك، وارتفاع نبض قلبك قبل التحدث مع المدير، يدل على مدى ارتباكك، وكثير غيرها من الإشارات التي تعد رسائل يبثها الجسد، والتي تنعكس على مشاعر المرء فتظهر على شكل أفكار وسلوكيات مختلفة، وفي مثل هذه الحالات على المرء ألا يهمل هذه الرسائل لما لها من دور هام في التعرف على المشاعر التي تصاحب تلك الرسائل من أجل تحديدها ومعالجة الخاطئ منها، وتعزيز الصحيح فيها.

6. أنشئ مخزنا للمشاعر:

وتقوم هذه الطريقة على المبدأ التالي: عندما يشعر المرء بشعور ما عليه أن يسأل نفسه: متى شعرت بهذا الشعور في وقت سابق؛ إذ إن هذه الطريقة تساعد المرء على تقييم الحالة الشعورية التي يمر بها، فيما لو كانت انعكاس لحالة شعورية سابقة أم أنه شعور جديد يمر به الآن.

7. راقب مشاعرك في اللاوعي:

عندما تكون في حالة راحة واسترخاء، أنصت لمشاعرك التي تدور في عقلك اللاواعي، وراقب الأفكار التي تجول في خاطرك، وحلل ما ينتج عنها من أحلام، واحرص على تدوين تلك الأحلام، والأهم من ذلك كله هو ألا تهمل تلك الأحلام والأفكار التي تتفاعل معها بمشاعر جياشة وقوية.

8. قم بإجراء اختبار ذكاء عاطفي:

إنَّ هذه الطريقة تعطي المرء النسبة الدقيقة لمعدل الذكاء العاطفي الذي عنده، وبذلك يتمكن الفرد من الاطلاع ومعرفة نقاط قوته، ونقاط ضعفه، فيعزز القوي منها، ويعمل على تحسين الضعيف.

المصدر




مقالات مرتبطة