9 أنواع للتحيزات المعرفية التي تؤثر في أحكامنا اليومية

هل تُعِدُّ نفسك مفكراً موضوعياً وغير متحيز؟ يمكننا القول أنَّ معظم الناس يفترضون أنَّهم كذلك؛ حيث نعتقد جميعنا أنَّنا قادرون على الكيل بالمكيال نفسه في جميع النواحي، والوصول إلى نتائج منطقية وغير متحيزة.



لكن ما لا يعرفه معظم الناس هو أنَّه يوجد الكثير من أنواع التحيز التي تمنعنا من التفكير بموضوعية، وأنَّ علماء النفس ما زالوا يعثرون على أنواع جديدة للتحيز يمكنها التأثير في أحكامنا ومنعنا من التوصل إلى أكثر النتائج إنصافاً ودقة.

على سبيل المثال: لقد تعرَّف الباحثون على أحد أنواع التحيز مؤخراً، وسُمِّي بـ "تحيز المبالغة في التقدير". يحدث هذا التحيز عندما تبالغ في تقدير مدى استمتاع الناس بشيء ما أو نفورهم منه؛ إذ إنَّنا نعرف وفق هذا التحيز كيف نشعر تجاه مختلف إيجابيات وسلبيات شيء ما، ونسمح لأنفسنا بتبني منظور دقيق عنه، ونفترض أنَّ الآخرين سيحبونه أو يكرهونه أكثر منَّا؛ فنحن نبالغ مثلاً في تقدير مدى رغبة شخصٍ آخر في قضاء إجازة في مناطق استوائية لأنَّنا نعرف كيفية شعورنا تجاه روعة الشواطئ والشمس الدافئة، لكنَّنا لا نفكر في الآخرين الذين يختلفون عنا كثيراً، أو أنَّنا نبالغ في مدى نفور شخصٍ ما من تناول الصلصة الحارة من العبوة؛ ونعيد ونقول أنَّنا نستطيع تقدير إيجابيات وسلبيات شيءٍ ما بالنسبة إلى أنفسنا، ولكن لا يمكننا تقديرها بالنسبة إلى الآخرين؛ ولذلك نميل إلى الاعتقاد أنَّ الناس سيكرهون الأشياء البغيضة أكثر ممَّا نفعل نحن.

إنَّ تحيز المبالغة في التقدير هو أحد الأنواع العديدة للتحيز، وتوجد طريقة سهلة للسيطرة على تفكيرنا ومنعنا من الوقوع فريسة له، والتي تتلخص في التعرف على تحيز المبالغة في التقدير وأخذه في عين الاعتبار، حيث يمكننا بذلك التوصل إلى نتائج أكثر إنصافاً ودقة حول مدى استمتاع الناس بالأشياء أو عدمه.

ستساعدك معرفة هذا التحيز على التفكير بعناية أكبر في المرة القادمة التي تشتري فيها هدية لشخصٍ ما أو تحدد السعر الذي قد يرغب الآخرون في دفعه مقابل شيءٍ تبيعه؛ وستكون بهذا قد هيأت نفسك أكثر لتبنِّي وجهة نظر دقيقة حول طريقة تفكير الآخرين فيما يخص تلك الهدية أو المُنتج.

فلنلقِ نظرة على 9 أنواع أخرى شائعة من التحيز وكيف يمكنك إدراكها حتى تحد من تأثيرها على أحكامك وقراراتك اليومية:

1. تحيز الارتكاز (Anchoring Bias):

يحدث حين نميل إلى التركيز على الجزء الأول من المعطيات التي نسمعها؛ فعلى سبيل المثال: تخيَّل أنَّك تريد بيع منزل، وأنَّ العرض الأول الذي تلقيته كان أقل بـ 50000 دولار من السعر المطلوب من قِبلك. في هذه الحالة، سيجعلك تحيز الترسيخ (الارتكاز) تركز وتعطي أهمية أكبر لهذا العرض لأنَّه أتى أولاً، ومن الوارد جداً أن يغير هذا العرض الأول رأيك بشأن قيمة منزلك أكثر ممَّا يفعل أيُّ عرضٍ مستقبليّ.

كيف تكون أقل تحيزاً؟

غالباً ما يتضمن تحيز الارتكاز المال والسعر الذي نعتقد أنَّ الأشياء تستحقه؛ لذلك من الهام أن تراعي هذا عند اتخاذ قرارات مالية، وأن تعرف أنَّ أول معلومة تتلقاها لا تزيد أهمية عن غيرها.

يمكنك أيضاً أن تتولى زمام المفاوضات عن طريق تقديم العرض الأول، حيث سيمنحك هذا فرصةً أفضل للتأثير فيما يعتقده الشخص الآخر حول قيمة ما تبيعه أو تشتريه.

إقرأ أيضاً: كيف يؤثر التحيز المعرفي في صناعة قراراتنا؟

2. التحيز للمتوفر (Availability Heuristic):

هذا التحيز طريقة رائعة للقول أنَّنا نبالغ في تقدير أهمية أي معلومات نصل إليها بسهولة، حيث إنَّنا نعتمد كثيراً على الأمثلة التي تتبادر إلى أذهاننا سريعاً بدلاً من التفكير في جميع المعلومات بالتساوي.

تُعدُّ مشاهدة الأخبار أحد أمثلة هذا التحيز، حيث نرى الكثير من القصص التي تدور حول العنف والكوارث؛ لذلك فمن المرجح أن نفكر في أنَّ العالم مكان خطير رغم أنَّه يمكننا ببساطة إجراء بعض عمليات البحث على جوجل (Google) لنرى أنَّ العالم في الواقع أكثر أماناً ممَّا كان عليه منذ عقود من نواحٍ كثيرة.

كيف تكون أقل تحيزاً؟

مرة أخرى، تُعدُّ المعرفة عامل قوة عند التعامل مع تحيز التوفر، وعليك تذكير نفسك بأنَّ الأدلة الوفيرة ليست ذات صلة إحصائياً بعملية صنع القرار؛ فمثلاً: لا يُحسِّن فوز شخص تعرفه في اليانصيب بأي حال من الأحوال احتمالات فوزك أنت.

3. تحيز تأثير العربة / القطيع (Bandwagon Effect):

إنَّ تحيز تأثير العربة نوع شائع إلى حدٍّ ما من أنواع التحيز، حيث من المحتمل أن نميل نحن والكثير من الناس المتواجدين حولنا إلى التفكير بطريقة معينة.

فكر في العمل في هيئة محلفين؛ فإذا قال الجميع ما عداك في التصويت الأولي أنَّ المتهم مذنب، فعلى الأرجح أنَّك ستعتقد أنَّه مذنب؛ حيث يتمحور تأثير العربة حول الضغوطات والإكراه الذي يمارسه الآخرون عليك كي تنسجم مع آرائهم ومعتقداتهم.

كيف تكون أقل تحيزاً؟

تمسك بالحقائق، واعلم أنَّ تفكير الناس في شيء معين لا يجعلهم على حق، وهذا صحيح حتى لو فكر عدد كبير منهم بالطريقة نفسها.

4. التحيز التأكيدي (Confirmation Bias):

قد يكون التحيز التأكيدي أكثر أنواع التحيز شيوعاً، والذي يحدث عندما يستمع الناس إلى معلومات تؤكد ما يؤمنون به بالفعل، وقد تكون وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة الجنة بالنسبة إلى هذا التحيز.

فكر في عمك الذي يحب أحد المرشحين السياسيين؛ إذ إنَّه يشاهد الأخبار وينشر البوستات التي تتحدث عن مدى روعة مرشحه، ويخلق هذا ما يشبه "غرفة الصدى" التي يتردد فيها كل ما يؤكد رأيه، ويتجنب فيها أي معلومات مناقضة لذلك.

كيف تكون أقل تحيزاً؟

أصغِ إلى الفكرة المضادة، وفكر فيها بجدية؛ فمثلاً: إذا كنت تشاهد قناة معينة تتوافق مع أفكارك السياسية، فابدأ بمشاهدة قناة تناقض ما تعتقده؛ وإذا كنت تقرأ صحيفة دون سواها، فاقرأ صحيفة أخرى؛ فكلما فكرنا بجدية في وجهات نظر أخرى، زاد احتمال وصولنا إلى استنتاجات أفضل.

5. تأثير دانينغ كروجر (Dunning-Kruger):

يوضح هذا التأثير أنَّه كلما زادت معرفتك بشيءٍ ما، قلَّت ثقتك بمدى خبرتك به؛ ومن ناحية أخرى، كلما قلَّت معرفتك بشيءٍ ما، ازدادت بساطة فهمك له؛ ولذلك تزداد ثقتك بنفسك لكونك تعتقد أنَّك تمتلك كل المعلومات اللازمة.

كيف تكون أقل تحيزاً؟

إذا وجدت أنَّك واثق جداً من خبرتك في شيءٍ ما، فارجع خطوة إلى الوراء، وركز على ما لا تعرفه أو ما لم تفهمه بعد، وابحث عن التعقيد؛ فإذا بدا الأمر بسيطاً جداً، فربَّما تكون المشكلة أنَّك لا تعرف ما يكفي عنه بعد ليصبح معقداً بالنسبة إليك.

إقرأ أيضاً: ما هو التحيز اللاواعي؟ وكيف تحد منه لتحقيق الأفضل؟

6. خطأ الإحالة الأساسي (Fundamental Attribution Error):

يحدث عندما تقدِّم أعذاراً ظرفية لأخطائك وإخفاقاتك، لكنَّك لا تفعل ذلك عندما يتعلق الأمر بأخطاء الآخرين، وأكثر الأمثلة دلالة على هذا التحيز هو القيادة السيئة للسيارة؛ فعندما نرتكب خطأ ما في أثناء القيادة، نسارع لتبنِّي وجهة نظر رحيمة حول قيادتنا، فنبرر لأنفسنا بالتفكير في أنَّنا نواجه يوماً عصيباً أو لدينا الكثير لنفكر فيه؛ ومع ذلك، يعني تحيز خطأ الإحالة الأساسي أنَّنا نسارع إلى إلقاء اللائمة على الآخرين عندما يخطئون في القيادة، ونركز على أنَّهم كبار في السن أو أنَّ السائق امرأة أو على بعض التعميمات النمطية الأُخرى، رغم أنَّ وضع السائق الآخر قد يتشابه جداً مع وضعنا.

كيف تكون أقل تحيزاً؟

عليك مراجعة نفسك حين تضع شخصاً ما في قالب نمطي ما بسبب عيوبه، فربَّما تكون قد وقعت ضحية تحيز خطأ الإحالة الأساسي.

قل لنفسك أنَّهم ربَّما يمرون بيوم سيئ، أو أنَّك ببساطة لا تعرف ما هو وضعهم؛ واعلم أنَّ الجميع لديهم ظروفهم الخاصة التي قد لا تختلف عن ظروفك.

7. التحيز للجماعة (In-Group Bias):

يشبه التحيز للجماعة تحيز الإحالة الأساسي؛ ولكن بدلاً من التفكير في أنَّنا أفضل من غيرنا، نعتقد أنَّ أعضاء مجموعتنا أفضل من أعضاء المجموعات الآخرى، حيث تكون وجهة نظرنا أكثر إيجابية تجاه الأشخاص في مجموعتنا لمجرد أنَّنا ننتمي إليهم.

كيف تكون أقل تحيزاً؟

كما هو الحال تماماً مع تحيز خطأ الإحالة الأساسي، أنت بحاجة إلى التفكير بجدية في الفروقات الدقيقة والتعقيد فيما يخص الأشخاص خارج نطاق مجموعتك، وذلك إذا كنت ترغب في تقليل تحيزك للمجموعة.

8. تحيز التفاؤل / التشاؤم (Optimism/Pessimism Bias):

هذا التحيز هو في الحقيقة نوعان مختلفان من التحيز، حيث يحدث تحيز التفاؤل عندما تفكر في أنَّ الأمور ستنتهي على الأرجح على نحوٍ جيد إذا كنت في مزاجٍ جيد؛ في حين يحدث تحيز التشاؤم عندما تفكر في أنَّ الأمور ستنتهي نهاية سيئة إذا كنت في مزاج سيئ.

كيف تكون أقل تحيزاً؟

كن ذكياً عاطفياً؛ فإذا أردت التغلب على أنواع التحيز هذه، عليك أن تعرف وتفهم ما تشعر به حالياً، وترجئ اتخاذ القرارات الهامة حتى يكون مزاجك أكثر اعتدالاً.

إقرأ أيضاً: أبرز الصفات التي تدلُّ على صاحب الذكاء العاطفي

9. الإدراك الانتقائي (Selective Perception):

يفسر هذا التحيز أنَّ بعض الأشخاص لا يرون إلَّا ما يريدون رؤيته، حيث يتعلق هذا التحيز بتوقعاتنا التي تؤثر في إدراكنا؛ فمثلاً: قد تتوقع أن يقوم صديقك بعمل جيد في عرضه التقديمي لأنَّه صديقك، ولأنَّك تعتقد أنَّه مذهل؛ فالإدراك الانتقائي هو السبب في أنَّك لا تلاحظ أخطاء صديقك، ولكنَّك تلاحظ كل أخطاء الآخرين في المقابل.

كيف تكون أقل تحيزاً؟

راقب توقعاتك كي تتجنب الإدراك الانتقائي، وتذكَّر أنَّك غالباً ما تدعي أنَّه ليس لديك أي توقعات؛ وببساطة، فلتكن على معرفة بجميع أنواع التحيز، ولتبذل قصارى جهدك للحفاظ على عقل منفتح حول كل شيء.

أفكار أخيرة:

يمنحنا تحيز واحد أخير أفضل علاج للتغلب على جميع أنواع التحيز الأخرى وهو تحيز النقطة العمياء (the blindspot bias)؛ حيث يفسر هذا النوع من التحيز سبب ملاحظة الناس للتحيزات المعرفية عند الأشخاص الآخرين بينما لا يلاحظونها في أنفسهم.

لذا، فإنَّ أفضل حل للتغلب على جميع أنواع التحيز هو أن ننظر إلى أنفسنا بتمعن في المرآة، ونثقِّف أنفسنا حول أنواع التحيز، ثم نجري جرداً مدروساً حول تحيزاتنا الخاصة؛ وإذا كنت لا تعتقد أنَّ لديك أي تحيزات، فاستمر في النظر في المرآة؛ ذلك لأنَّ هذا الاعتقاد شكل من أشكال تحيز النقطة العمياء.

لدينا جميعاً تحيزات مختلفة، لكن أن تكون مدركاً لها ومتفهماً بعمق للطريقة التي تؤثر فيها على صنع قرارك هي وسيلة جيدة لكبح تأثيرها فيك وفي حياتك عموماً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة