ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الدكتور جليب تسيبورسكي (Dr. Gleb Tsipursky)، والذي يحدثنا فيه عن تجربته الشخصية في الحدِّ من التحيز اللاواعي.
مع تعدِّد أنواع التحيُّزات التي يمكن أن تسبِّب الإرباك، سنتناولُ أولاً موضوع التحيز المعرفي، ومن ثمَّ سنركِّزُ على التحيز اللاواعي؛ إذ لكلا النوعين تأثيرٌ مباشرٌ في حياتك، فهما يتعلقان بطريقة تفكيرك بنفسك وبغيرك.
إذا كنت ترغبُ في حماية علاقاتك واتخاذ قراراتٍ جيدة فيما يخصُّ الآخرين، فعليك معرفة ما تعنيه هذه التحيزات؛ إذ بمجرد أن نوضِّح ذلك، يمكننا اكتشاف التحيز اللاواعي بشكلٍ أكثر عمقاً ومعالجته.
التحيُّز المعرفي:
يعدُّ التحيز المعرفي نمطاً من الأخطاء العقلية التي تؤدِّي إلى سوء فهم الواقع، والتي قد ننحرف نتيجةً لها عن الطريقة الأضمن لتحقيق أهدافنا.
عادةً ما تؤثِّر هذه الأخطاء في جميع مجالات حياتنا، بدءاً من الصحة، إلى العلاقات، وحتَّى التسوق؛ إذ يُلحِق وقوعنا في شرك التحيز المعرفي الضرر بنا دوماً؛ ذلك لأنَّه يقلل من احتمالية حصولنا على ما نسعى إليه.
ترتبط التحيزات المعرفية بالقرار والحُكم، لا بالحالة المزاجية؛ غير أنَّه يمكن لبعض التحيزات المعرفية أن تؤدي إلى مزاجٍ إيجابي، مثل: الميلِ إلى التفاؤل، والثقةِ المفرطة؛ لكن عموماً، سيتركنا مجرد اكتشافنا لتحيزاتنا المعرفية في مزاجٍ سلبي، وذلك بسبب النتائج الكارثية الناتجة عن هذا القرار الخطير.
التحيز اللاواعي:
يختلف التحيز اللاواعي (التحيز الكامن) عن التحيز المعرفي؛ فهو يشير إلى الأشكال اللاوعية من التمييز، والأفكار النمطية المرتبطة بالجنس (الميول الجنسية) والعِرق والقدرة والعمر، وغيرها.
رغم أنَّ التحيزات المعرفية قد تؤدي أحياناً إلى أنماطِ تفكير وشعور تمييزي، لكنَّهما مفهومان منفصلان ومختلفان؛ إذ تعدُّ التحيزات المعرفية شائعةً بين البشر، وترتبطُ بأدمغتنا ارتباطاً مباشراً؛ في حين يتعلق التحيز اللاواعي بالتصورات بين المجموعات المختلفة، وهي مُميِّزةٌ للمجتمع الذي نعيشُ فيه.
على سبيل المثال: نحن لا نهتمُّ الآن بالحكمِ على الأشخاصِ بناءً على كونهم من عائلةٍ نبيلةٍ أم لا، لكنَّ هذا التمييز كان شائعاً في أوروبا منذ قرونٍ مضت.
التحيز اللاواعي والسلوك التمييزي:
غالباً ما تدعوني المنظمات كمتحدثٍ عن التنوع والاندماج لمعالجةِ التمييز السلوكي اللاواعي، وعندما أشاركُ في الخطابات التي تتحدث عن الأمريكيين السود ومعاناتهم من مضايقات الشرطة والتعنيف بمعدلٍ أعلى من البيض؛ يحاولُ بعض المشاركين -هم عادةً من البيض- الدفاع عن الشرطة أحياناً، مُتذرعين بحجة أنَّ السود أكثرُ عنفاً وخرقاً للقوانين من البيض؛ إذ إنَّهم بذلك ينسبون مضايقات الشرطة إلى الصفات الداخلية للسود، لا إلى السلوك الظاهري للشرطة؛ بمعنى أنَّ السود يستحقون ذلك.
تُظهِر الأبحاث -كما أشرتُ في ردَّي على هؤلاء الأشخاص- أنَّ السود يتعرَّضون إلى المضايقات والإيذاء من قبل الشرطة بمعدل أعلى بكثير عند قيامهم بالفعل نفسه، فعلى سبيل المثال: في حينِ قد ينجو شخصٌ أبيض بفعلته دون توقيف، غالباً ما يتعرَّض السود إلى التوقيف والتحقيق.
من جهةٍ أخرى، يكون الشخصُ الأبيضُ الذي يقاومُ الاعتقال أقلَّ عرضةً إلى الضرب المُبرِح من الشخص الأسود؛ حيث تشير الإحصائيات إلى ارتفاع معدل المضايقات والعُنف ضدَّ الأمريكيين السود من قبل الشرطة، ويعودُ ذلك إلى التحيز الذي يمارسه الضباط إلى حدٍّ كبير.
ومع ذلك، فإنَّني حريصٌ على توضيح أنَّ هذا التمييز ليس مقصوداً بالضرورة؛ فقد يكون الأمر في بعض الأحيان متعمَّداً بالفعل مع اعتقاد ضباط الشرطة البيض الواعيين بأنَّ الأمريكيين السود يستحقون التدقيق أكثرَ بكثيرٍ من البيض؛ لكن في أحيانٍ أخرى، ينتجُ هذا السلوك التمييزي عن عملياتٍ فكريةٍ غير واعيةٍ وضمنيةٍ لا يوافق عليها ضابط الشرطة عندما يكون واعياً لما يحصل.
بعد إدراك أنَّ التحيز اللاواعي موجودٌ بالفعل، فإنَّ الخطوة التالية هي تعلُّم كيفية التعرف عليه من أجل تقليله؛ لذا أوجزتُ فيما يأتي ثلاث نقاطٍ حاسمةٍ يجبُ وضعها في الاعتبار في أثناء استكشاف مزيدٍ من التحيز اللاواعي الذي نُوقِش أعلاه.
كيف تقلل من التحيز اللاواعي؟
تذكَّر هذه النقاط الثلاث الهامَّة إذا كنت ترغبُ بالحدِّ من التحيز اللاواعي:
1. يشكِّلُ التحيز اللاواعي مسألةً منهجية:
عندما ندركُ بأنَّ التحيز اللاواعي يشكِّلُ مسألةً منهجية، نفهمُ أنَّ الثقافات الداخلية تحتاج إلى فحصٍ ومعالجةٍ أولاً.
تُظهِر الأبحاث أنَّ العديد من ضباط الشرطة السود لديهم تحيزٌ غير واعٍ ضدَّ المواطنين السود من بني جلدتهم، وينظرون إليهم نظرةً أكثرَ سلبيةً من البيض عند تقييم الأشخاص المشتبه بهم.
يساعدُ التحيُّز اللاواعي الذي يمارسه بعض -وليس كل- ضباط الشرطة السود على توضيحِ أنَّ مصدر مثل هذه التحيزات هو الثقافة الداخلية لأقسام الشرطة إلى حدٍّ كبير، وليسَ المواقف العنصرية الموجودة مسبقاً قبل انضمام الشخص إلى مركزِ الشرطة؛ وتتعزز هذه الثقافات من خلال القواعد الداخلية، والسياسات، والإجراءات التدريبية.
لذلك، يجبُ على أيِّ قسم شرطة يرغبُ في معالجةِ التحيز اللاواعي أن يعالج الثقافة الداخلية أولاً، بدلاً من نسبِ العنصرية إلى الضباط الأفراد.
بمعنىً آخر: بدلاً من قول "أنَّ هنالك القليل من التفاح السيئ في صندوقٍ من التفاح الجيد"، فإنَّ المفتاح هو إدراكُ أنَّ التحيز اللاواعي مسألةٌ منهجيّةٌ من الواجبِ إصلاحُها والتقليل منها.
2. لا عارَ في التحيز اللاواعي:
يجب تسليطُ الضوء على أمرٍ حاسمٍ آخر؛ وهو: أنَّه لا يوجدُ خجلٌ أو عارٌ في فكرة التحيز اللاواعي، كونه لا ينبع من أخطاءِ الفرد.
يُمكن عند اتباعِ هذا النهجِ في التفكير، تجنُّب التعامل مع الأمر بموقفٍ دفاعيٍّ أو تجاهله من قبل الأشخاصِ المعنيين؛ إذ إنَّه يُساعدهم على تقبله ومعالجته بشكلٍ أفضل.
يعدُّ التحيز اللاواعي شائعاً، وهو غالباً لا يمثل قيمنا الواعية؛ فكلُّ شخصٍ منَّا لديه معتقداتٌ وتحيزاتٌ غير واعيةٍ، ونابعة من ميلنا إلى تصنيف الناس إلى فئاتٍ اجتماعية، وقد تطور هذا بشكلٍ طبيعيٍّ كطريقةٍ لأسلافنا لتحديد حجم التهديد المحتمل بسرعة؛ ولكن لسوء الحظ، لا ينعكسُ ذلك بشكلٍ جيدٍ على الحياة المتطورة.
3. يتطلب الحدُّ من التحيز اللاواعي والوقاية منه بذلَ جهدٍ مستمر:
بعد تقديم إحصائياتٍ إضافيةٍ ومناقشة فكرة التحيز اللاواعي، يجري تسوية المشكلة مع الجمهور بشكلٍ عام؛ ومع ذلك، يتضح من السلوك اللاحق لبعض الأشخاص أنَّهم لا يستوعبون هذه الأدلَّة فوراً، إذ يكون من المريح لهم الاعتقاد بأنَّ ضباط الشرطة على حق، وأنَّ أيَّ شخصٍ تستهدفه الشرطة يستحقُّ ذلك؛ وبالمقابل، يترددون كثيراً في قبول فكرة الحاجة إلى بذل مزيدٍ من الجهود لحماية الأمريكيين السود من عنف الشرطة، بسبب التحديات الهيكلية التي يواجهها ذلك.
قد لا تتطابقُ قضية التحيز اللاواعي مع غرائزهم وطريقةِ تفكيرهم، فيرفضون هذا المفهوم، على الرغم من وجودِ أدلةٍ كثيرةٍ على تفشي دوره بين رجال الشرطة.
يتطلبُ الأمرُ سلسلةً من المحادثات والإجراءات المتلاحقة لإحداث فارق؛ إذ لا يُمكن لتدريبٍ مفردٍ أن يكون فعالاً في الحدِّ من التحيز اللاواعي لديهم.
الخلاصة:
توضح الأمثلة والنقاط المذكورةُ أعلاه أنماطاً واسعةً نحتاجُ اتباعها للتعرف على التحيز اللاواعي، ولنتمكَّن من تحديد فيما إذا كان التدخل مطلوباً لمعالجته وتحديد نوعه.
لسوء الحظ، تقودنا ردود أفعالنا الغريزية إلى اتخاذِ اختيارات حُكمٍ سيئة عندما نتبع حدسنا؛ لذا تعدُّ التحيزات اللاواعية مسألةً منهجيةً يجب معالجتها من أجل اتخاذ أفضل القرارات.
نحن نحتاج إلى معرفة نوع المشكلات الناتجة عن التحيز اللاواعي، ثمَّ تطوير العادات الذهنية الصحيحة لتساعدنا على اتخاذِ أفضل القرارات؛ ويجب أن تعرف أنَّ التدرب مرةً واحدةً لا يكفي للقيام بذلك، بل يتطلَّبُ الأمر التزاماً طويل الأمد، وانضباطاً دائماً، وجهوداً للتغلب على التحيز اللاواعي وتقليلِ آثاره؛ لذا ابدأ الآن.
أضف تعليقاً