حيث يتَّخذ الشخص العادي حوالي 35,000 قراراً في اليوم الواحد، ويتطلب كلُّ واحد من تلك القرارات وقتاً وطاقةً، وشيئاً فشيئاً تستهلك هذه القرارات عزيمتنا.
ذلك هو ما يسمى إرهاق القرارات، وهو مختلف عن الإرهاق الجسدي، فحين تصاب به لا تدرك بأنَّك مرهق، ولكنَّ مخزون طاقتك الفكرية يكون منخفضاً، وبعد كلِّ قرار جديد يصعب عليك اتخاذ القرار الذي يليه، وفي النهاية يبدأ دماغك بالبحث عن طرائق مختصرة لكي يتجنب التفكير واتخاذ تلك القرارات، مما قد يدفعك إلى التهور والتصرف باندفاعية دون دراسة الوضع، أو قد لا تقرر فعل شيء على الإطلاق، والذي قد يكون بالخطورة نفسها أو أسوأ، فيسبب لك المشكلات على الأمد الطويل.
لحسن الحظ، تتوافر العديد من الطرائق لتجنُّب الوصول إلى تلك الحالة؛ لذا تعلَّم محاربة إرهاق القرار وإنعاش عزيمتك وتعزيز إنتاجيتك خلال الأيام الحافلة بالقرارات عبر الخطوات التسع البسيطة التالية:
1. اتخاذ قرارات أقل:
أفضل طريقة لتخفيف إرهاق القرار هي تقليل عدد القرارات التي عليك اتخاذها خلال اليوم، فابحث عن طريقة لتنظيم قراراتك، وتجنَّب القرارات العشوائية باستخدام القوائم؛ حيث تساعدنا قوائم المهام على اتِّباع مسار محدد، فعلى سبيل المثال، توفر قوائم التبضع علينا عناء التجول في محلات البقالة مرات عدة قبل أن نقرر ما سنشتريه.
حدِّد وجباتك التي ستتناولها قبل يوم، بحيث تعرف مسبقاً ما ستتناوله على الفطور، وما إذا كنت ستحضِّر الغداء أو لا، وما الذي ستعدُّه على العشاء، ولا تجرِّب أكثر من رداء في الصباح؛ بل اختر ما سترتديه مبكراً، واعثر على طريقة لتحويل بعض القرارات إلى جزء من روتين لا يتطلب التفكير، مثل تسديد الفواتير، أو استخدم خدمة نظام تحديد المواقع عوضاً عن اختيار أي الطرق ستسلك في أثناء رحلتك.
شاهد بالفيديو: نصائح للتخلّص من التردد في اتخاذ القرارات
2. تفويض القرارات:
يمكنك تفويض القرارات بالطريقة نفسها التي تفوِّض بها المهام، فبتسليمك مسؤولية اتخاذ القرارات لشخص آخر، ستقلل عدد القرارات التي عليك اتِّخاذها؛ لذا خذ في الحسبان التزاماتك في الحياة المنزلية والعمل وغيرها، وفكِّر فيما إذا يمكنك تفويضها إلى شخص آخر، بالطبع يعني ذلك أن تتوقف عن إدارة الناس من حولك إدارةً تفصيلية، وأن تثق بقدرة الآخرين على تأدية دورهم.
يمكن للمديرين تفويض مهمَّة اتخاذ بعض القرارات للموظفين، ويمكن للآباء السماح لأطفالهم القيام ببعض المهام المنزلية، كما يمكنك أن تعتمد أحياناً على عائلتك أو أصدقائك؛ حيث يمكن أن تكون تلك الأمور بسيطة كأن تطلب من أحد أصدقائك اختيار الموسيقى، أو أن تطلب من شخص ستلتقي به اختيار المطعم، وعند الطلب بأسلوب صحيح، يعمل التفويض على تمكين الآخرين ويُظهِر لهم مقدار ثقتك بهم.
3. رسم خطة لاتخاذ القرارات:
حين تقف أمام خيارٍ صعب يتطلب أخذ أمور كثيرة بالحسبان، يمكنك الاستعانة بمصفوفة اتخاذ القرارات لتصل إلى أفضل خيار؛ حيث تساعدك مصفوفة اتخاذ القرارات على تحليل الخيارات المتاحة عبر تعدادها وتحديد العوامل التي يجب دراستها، ومن ثم تقييم الخيارات تبعاً لأهمِّية تلك العوامل، وقد يبدو كلُّ ذلك معقداً بعض الشيء، لكن حين تعتاد عليه ستجده مفيداً جداً.
تُزيل مصفوفة اتخاذ القرارات الالتباس وتعزل العواطف حين تواجه خيارات كثيرة وعدداً هائلاً من العوامل المتعلقة بها، وبشكل مغاير لقائمة الإيجابيات والسلبيات التقليدية، كما تسمح لك مصفوفة اتخاذ القرارات بتحديد أهمية كل عامل منها.
4. اتخاذ القرارات الهامَّة في الصباح:
وجد الباحثون أنَّ وقت النهار يؤثر في أحكامنا وقدرتنا على اتِّخاذ القرارات، ومن المنطقي أن يتخذ الأشخاص الذين يفضِّلون العمل صباحاً أفضل قراراتهم خلال تلك الفترة، بينما يتوصَّل الأشخاص الذين يفضلون العمل مساءً إلى أفضل القرارات خلال فترة المساء؛ لكن تبعاً للباحثين، ذلك ليس صحيحاً، فبالنسبة إلى معظمنا يعدُّ النهار أفضل وقت من اليوم لاتخاذ القرارات؛ حيث نفكر خلاله بدقَّة وبتروٍّ، ولكن بحلول فترة الظهيرة يكون مخزون طاقتنا شارف على الانتهاء، وبحلول المساء تصبح قراراتنا متهوِّرة ومتسرعة.
تبعاً للدراسة نفسها، يميل الناس إلى تغيير استراتيجيتهم لاتخاذ القرارات مع مرور اليوم، ففي الصباح، يكونون أكثر حذراً ودقة، لكن مع مرور اليوم وبدء الشعور بإرهاق القرار، تصبح قراراتنا أكثر استهتاراً؛ لذا حين يكون لديك قرار هام يتطلب التمعن بالتفكير، حاول اتخاذه خلال الصباح.
5. الحدُّ من الخيارات:
يسبِّب عدد الخيارات الكبير القلق، فيغرق الإنسان بينها ويشكك بنفسه، وهذا ما يحصل لك في أثناء التبضع حين تجد عدداً هائلاً من الخيارات أمامك، كما تزيد رغبتنا في استعراض الخيارات المتاحة للحصول على أفضل صفقة من احتمال تعرُّضنا لحالة إرهاق القرار، ويتطلب كلُّ ذلك طاقة، ويزيد الحمل على الدماغ.
حاول تخفيض عدد الخيارات بحيث يكون أمامك عدد محدود من الاحتمالات، ففي أغلب الأحيان تكاد الفوائد التي تجنيها من استعراض كافة الخيارات لا تُذكَر، قد توفر القليل من المال لكن على حساب نفسيتك؛ لذا بدلاً من ذلك، حدد احتمالين أو ثلاثة واختر منها ولا تضيِّع الكثير من الوقت بمقارنة الإيجابيات والسلبيات؛ بل اتخذ قراراً والتزم به.
6. تحديد موعد نهائي والمباعدة بين القرارات:
يحصل إرهاق القرار غالباً في نهاية عملك على مشروع معقَّد وطويل استغرق أسابيع أو أشهراً أو حتَّى سنوات، فحين تقترب نهاية المشروع، ستجد نفسك أمام الكثير من القرارات التي أجلتها إلى آخر دقيقة، وفي تلك الفترة تبدأ باتخاذ قرارات متسرِّعة وخيارات سيئة؛ وذلك لأنَّ فترة المشروع الطويلة وضغط المشروع قد أنهكاك.
الحلُّ هو أن تضع لنفسك مواعيد نهائية تجبرك على الوصول إلى القرارات قبل حلول وقت محدد، وبهذا لا تقضي وقتاً طويلاً متأملاً خياراتك؛ لذا لا تؤجل أخذ القرارات لآخر دقيقة، وباعد بين قراراتك بحيث تستخدم كامل قدرتك في تقييم الخيارات.
7. تبسيط الحياة:
يستنزف اتخاذ القرارات باستمرار طاقتك ويُضعف عزيمتك، ولهذا، بعد يوم حافل ومتعب، تغرينا المأكولات السريعة، ونميل إلى التخلُّف عن ممارسة التمرينات الرياضية، ونفضِّل قضاء بقية اليوم جالسين على الأريكة؛ حيث تبدو الخيارات الصحية خارج مقدورنا في تلك الأوقات.
الهوايات والنشاطات والعمل التطوعي، جميعها رائعة ومن الجميل ممارستها، لكن حين تصل إلى نقطة تصبح فيها كثرتها مرهقة أكثر مما تكون مفيدة؛ عليك التخلي عن بعض من هذه الالتزامات الإضافية في حياتك؛ حيث سيؤدي تقليل عدد المهام إلى اتخاذ قرارات أقل، مما يساعدك على الانتعاش والسيطرة على الخيارات التي تأخذها.
8. التوقف عن التشكيك بأنفسنا:
قد تجد نفسك غالباً حبيس طريقة تفكير تملي عليك إنجاز كل شيء إنجازاً مثالياً، لكنَّ ذلك يضعك تحت ضغط كبير لانتقاء الخيار "الصحيح"؛ لأنَّ الخيار "الخاطئ" سيفسد كل شيء لسبب ما، والحقيقة هي أنَّ ذلك نادراً ما يحصل، ومع ذلك لا يمكننا التوقف عن الندم على خياراتنا والتشكيك بها، إلا أنَّ ذلك مضيعة للوقت؛ لذا عليك أن تتحرَّر من طريقة التفكير هذه وتمضي قدماً.
امتنع عن التشكيك بنفسك، وتوقف عن التفكير بقراراتك بعد اتخاذها؛ حيث لن ينفعك ذلك بشيء، ولكن قد يدفعك إلى الندم على الوقت الذي ضيعته، ففي الغالب، ما كنت لتعثر على أفضل من خيارك الذي اتخذته أو الطريق الذي انتقيته، والآن عليك أن تركز على الاستفادة منه لتحصل على نتيجة رائعة.
شاهد بالفيديو: 8 طرق لمحاربة إرهاق القرار
9. تطوير روتين يومي بحيث لا تضطر إلى التفكير في أثناء اتخاذ القرارات غير الهامة:
كوِّن روتيناً يومياً يقلِّص من عدد خياراتك ويبسِّطها، فعند تأسيس عادات وروتين صارم، لن تتكبد عناء اتخاذ بعض القرارات، وستصبح أموراً تلقائية في حياتك؛ لذا حدد وقتاً للاستيقاظ والتزم به، وبدلاً من التفكير بينك وبين نفسك ما إذا كنت ستتمرن أم لا كلَّ يوم، ضع جدولاً بالأيام والأوقات لممارسة التمرينات الرياضية.
تناول الوجبة الصحية نفسها كلَّ صباح مع بعض التنويع وحضِّر غداءاً بسيطاً، وبدلاً من أن تحتار أيٌّ من ملابسك سترتدي، اختر مجموعة ملابس معينة وتناوب في ارتدائها كلَّ أسبوع؛ حيث يتَّبع العديد من الأشخاص الناجحين هذه الاستراتيجية، فيملكون عدداً قليلاً من الملابس التي يمكنهم ارتدائها دائماً، فقد تحدَّث الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما (Barack Obama) عن ارتدائه البدلات الرمادية أو الزرقاء فقط في المكتب وبهذه الطريقة لا يقضي وقتاً طويلاً في التفكير في ملابسه، كما اشتهر رجل الأعمال ستيف جوبز (Steve Jobs) بزيه الأسود المؤلَّف من كنزة ذات قبة وبنطال جينز بسيط، في حين يرتدي مارك زوكربيرغ قميصه الرمادي الأيقوني من الماركة الإيطالية "برونيلو كوتشينيلي" (Brunello Cucinelli)، أيَّاً كانت ميولك، حوِّلها إلى روتين.
سيساعدك اتِّباع كلِّ ما سبق على الحدِّ من الوقت الضائع، وخلق نوع من الروتين في حياتك بحيث تعلم مسبقاً ما سيحصل بدون أن تضطر إلى التفكير واتخاذ القرارات في كلِّ لحظة، كما سيساعدك على الحفاظ على طاقتك ويدرِّبك على ضبط النفس.
أضف تعليقاً