ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "جينيس فيلهاور" (Jennice Vilhauer) والتي تُحدِّثنا فيه عن كيفية تحقيق الصحة النفسية والعافية العاطفية.
لذا حاولت التفكير في اكتئابهم بأسلوب علم النفس الإيجابي، مؤمنة بأنَّني إذا تمكَّنت من تعليم الناس مهارات كي يزدهروا ويركزوا على مستقبل أفضل ويكونوا بخير؛ ستتحسَّن أعراض الاكتئاب، باستخدام هذا الأسلوب شهدتُ العديد من الناس يتغلَّبون على الاكتئاب ويحققون عافية عاطفية مستدامة، وهذا فاق توقعاتي وآمالي كثيراً.
على مرِّ السنوات توصَّلت إلى الاعتقاد أنَّ أي شخص مستعد لبذل الجهد يمكن أن يعيش سعيداً طبيعياً ويحافظ على عافيته العاطفية لمدة مطوَّلة، وكما تعلَّمتُ من تجاربي أنَّ السعادة ليست قوة غامضة بعيدة المنال؛ بل هي مجموعة مهارات يمكن لأي شخص تعلُّمها، فهناك سبب لسعي الجميع نحو السعادة، التي أُعرِّفها أنا شخصياً على أنَّها مجموعة المشاعر الإيجابية مثل الفرح والاهتمام والرضا والحب؛ وذلك لأنَّ المشاعر الإيجابية هي مشاعر مرغوبة وجيدة، وحين نشعر بالسعادة تتحسن حياتنا بأكملها؛ حيث نتخذ قرارات أفضل ونستمتع بعلاقات أفضل وتكون صحتنا أفضل عموماً حين نشعر أنَّنا بخير.
تساعدنا المشاعر الإيجابية أيضاً على التعامل بشكل أفضل مع صعوبات الحياة، مما يساعدنا على الحفاظ على عافيتنا العاطفية الإيجابية مع مرور الوقت، وتوضِّح "نظرية التوسيع والبناء" (Broaden and Build Theory) للمشاعر الإيجابية أنَّ المشاعر الإيجابية توسِّع عقليتنا، مما يمكِّننا من بناء مخزون من الموارد الاجتماعية والشخصية والفكرية التي تسمح لنا بتحسين حياتنا.
تتطلَّب الصحة النفسية والعافية الإيجابية بذل الجهد، بالطريقة نفسها التي تتطلبها الصحة الجسدية، فإذا أردتَ أن تكون سليماً جسدياً، فلن تجلس على الأريكة وتشرب المشروبات الغازية وتتناول الحلوى؛ بل ستمارس نشاطات تؤدي إلى صحة أفضل، مثل تناول الطعام الصحي وشرب كمية كافية من الماء وممارسة الرياضة وتناول الفيتامينات والحصول على قسط كافٍ من الراحة، وإذا كنت ترغب في التمتُّع بصحة نفسية إيجابية، فهناك أشياء يمكنك ممارستها بانتظام.
بالطبع، لا يعني فعل الأشياء التي تعزِّز المشاعر الإيجابية أنَّك لن تشعر أبداً بالمشاعر السلبية؛ وذلك لأنَّ المشاعر ليست جيدة أو سيئة، حتى تلك التي نصنفها على أنَّها سلبية، مثل الخوف والحزن والقلق وما شابهها، هي مجرد انعكاس لأفكارنا ومعنى الموقف الذي ترتبط فيه بالنسبة إلينا.
على سبيل المثال، حدثٌ حزين مثل وفاة أحد الوالدين، هو أمر محزن بالنسبة إلى معظم الناس، لكنَّ قوة أو شدة المشاعر السلبية التي نشعر بها والفترة الزمنية التي نستغرقها قبل العودة إلى حالة إيجابية تتأثر بشدة بحالتنا العاطفية العامة، ما إذا كانت عادةً إيجابية أم سلبية، ومهارات التأقلم التي نستخدمها للتعامل مع تلك المشاعر السلبية.
لذا فإنَّ اكتساب واستخدام مجموعة من المهارات التي تسهِّل تحقيق العافية العاطفية الإيجابية، يساعدك على الشعور بالرضا والسعادة لفترات أطول، ويسمح لك ببناء حياة أفضل، كمل يسهِّل التعامل بفاعلية أكبر مع أحداث الحياة الصعبة التي لا مفرَّ منها؛ لذا نستعرض فيما يلي 8 أنشطة أساسية للصحة النفسية تساعدك ممارستها بانتظام على الشعور بالعافية مما يحسِّن نوعية حياتك:
1. اختيار استجابتك عوضاً عن السماح لردَّات الفعل التلقائية بالتحكُّم بك:
أسلوبنا في التعامل مع المواقف والأحداث التي تطرأ على حياتنا هو غالباً رد فعل تلقائي، ويقوم تفكيرك التلقائي على خبراتك السابقة، ويتم بسرعة كبيرة لدرجة أنَّك لا تدرك أنَّه يحصل أحياناً، وقد يؤدي إلى إثارة مشاعر قوية جداً، لكنَّ مشكلة التفكير التلقائي أنَّ اعتماده على الماضي قد يعني أنَّ لا صلة له بالوضع الحالي، فإذا كان الموقف يثير مشاعر سلبية لديك مثل الخوف أو الغضب أو الإحباط أو غيرها؛ توقَّف للحظة واسأل نفسك ما إذا كانت ردة فعلك هي الطريقة التي تريد أن تستجيب بها على الموقف، وإن لم تكن كذلك فكِّر كيف تريدها أن تختلف؛ قد يساعدك الوعي بأنماط تفكيرك التلقائي أكثر في هذه العملية، إما عبر القراءة عن موضوع "العلاج المعرفي السلوكي" (cognitive behavioral therapy)، أو كتابة اليوميات، أو مقابلة معالِج متخصِّص في "العلاج المعرفي" (cognitive therapy).
شاهد بالفديو: 8 طرق مثبتة علمياً لنيل السعادة
2. ممارسة اليقظة الذهنية:
تعلُّم أن تكون حاضراً وواعياً عوضاً عن العمل دون تفكير أمرٌ بالغ الأهمية؛ حيث تسمح لك اليقظة الذهنية أن تكون واعياً لما تقوم به، فتتمكَّن من اتخاذ قرارات تطغى على التفكير التلقائي وإجراء تغييرات إيجابية على أفكارك وسلوكك، فحين تكون يقظاً، تكون قادراً على مراقبة الأحداث دون إطلاق الأحكام، مما يسمح لك بفصل نفسك عن المشاعر السلبية عوضاً عن السماح لها بأن تتحكَّم بك؛ ونتيجة لذلك ستتغير طريقة استجابتك للأحداث في حياتك، وتتمكن من ضبط مشاعرك ضبطاً أفضل، فلا تنزعج أو تغضب أو تخاف من الأمور التي لا يمكنك السيطرة عليها، كما أنَّك لن تشغل تفكيرك بالخوف والقلق بشأن المستقبل أو الاستياء من الماضي، الأمر الذي يؤثر إيجابياً بعمق في حالتك العاطفية فيعمُّها الهدوء والسلام؛ لذا أنصحك بممارسة نوع من تأمُّل اليقظة الذهنية لمدة 10-15 دقيقة يومياً على الأقل، إذا لم تكن قد جرَّبت التأمُّل مطلقاً فإنَّ تطبيق "هيدسبيس" (Headspace) رائع ومناسب للمبتدئين.
3. تلقِّي الإيجابية:
تعتمد صحتك العاطفية على الأمور التي تتلقَّاها من بيئتك المحيطة إلى حد بعيد؛ لأنَّ تلك الأمور تبقى عالقة ونشطة في عقلك اللاواعي لمدة من الوقت حتى بعد انتهاء الحدث المرتبط بها بفترة طويلة، على سبيل المثال، إذا سبق لك أن استمعت لأغنية على المذياع ثم تبادرت إلى ذهنك بعد أسبوع، أو شاهدت فيلماً مخيفاً وراودك كابوس في الليل؛ فذلك لأنَّ تلك الأحداث كانت لا تزال نشطة في عقلك وتؤثر فيك عاطفياً.
معظم الناس لا يعيرون الأمور التي يتلقونها انتباهاً، فإذا كنت تشاهد الأخبار عن أحداث سلبية طوال الوقت، أو تستمع دائماً للأغاني الحزينة، أو تشاهد كثيراً من أفلام الرعب، أو تلعب كل يوم ألعاب الفيديو العنيفة، أو تقضي قسماً كبيراً من وقتك في الاستماع لأشخاص يشتكون من حياتهم، فأنت تعرِّض نفسك على الدوام إلى مشاعر سلبية ستنعكس على حالتك النفسية لا محالة.
لتشعر بفائدة تلقي أمور إيجابية حقاً، أقترح عليك التخلُّص من الأمور السامة والسلبية في بيئتك لمدة أسبوعين، ولفعل ذلك استمر بممارسة روتينك اليومي المعتاد، لكن أزل أي شيء يُولِّد لديك مشاعر سلبية حين تفكر فيه، توقَّف عن مشاهدة الأخبار، وتوقَّف عن التواصل مع أي شخص أحاديثه سلبية، وتوقَّف عن مشاهدة أو الاستماع للأشياء الحزينة أو العنيفة أو المخفية، وعوضاً عن ذلك ابذل جهداً واعياً لتركيز انتباهك على الأشياء التي تُشعرِك بالإيجابية والسعادة، استمع للموسيقى واقرأ الكتب التي تلهمك، وشاهد مقاطع الفيديو التي تضحكك، واقضِ وقتاً مع الحيوانات الأليفة والأشخاص السعيدين، وتنزَّه في الطبيعة، واحتفظ بمذكَّرة للامتنان، وتذكر أنَّ الموضوع ببساطة؛ الانتباه الذي توليه للأمور السلبية ينتج عنه مشاعر سلبية، والاهتمام الذي توليه للأمور الإيجابية ينتج عنه مشاعر إيجابية.
4. ممارسة التقدير والامتنان:
تركيز انتباهك على الأمور التي تشعر بالامتنان لوجودها في حياتك له العديد من الفوائد المدروسة جيداً مثل المساعدة على الإحساس بالمشاعر الإيجابية؛ حيث تعدُّ كتابة قائمة يومية للامتنان طريقة جيدة لتدريب نفسك على التركيز على الأشياء الموجودة في حياتك بالفعل وتبعث فيك مشاعر إيجابية حين تفكر فيها.
درَّب العديدون أنفسهم على ملاحظة الأشياء التي يحبونها أو لا يريدونها في حياتهم، فتصبح هذه هي الطريقة التي ينظرون بها إلى العالم طوال الوقت، بما أنَّ الدماغ يعمل بأسلوب التنشيط والتثبيط، فحين تبحث بنشاط عن الأمور السلبية أنت تمنع عقلك من ملاحظة الأمور الإيجابية؛ حيث يُعيد اختيار التركيز على الأمور التي تقدِّرها وتشعر بالامتنان لوجودها تنظيم أنماط تفكيرك بحيث تنظر إلى العالم وتشعر بإيجابية.
5. التطلع إلى المستقبل:
على الرغم من أنَّ الضوء مسلَّط على الوعي بالحاضر حالياً، وفي حين أعتقد أنَّ ممارسة اليقظة الذهنية هي مهارة صحية ضرورية، فقد ثبت أنَّ التوقعات الإيجابية هي إحدى أهم مصادر المشاعر الإيجابية؛ يعمل جزء كبير من دماغك على مبدأ المكافأة، والمكافآت هي الأشياء التي تتطلَّع إليها في الحياة، وينتج دماغك عند الحصول عليها مواد كيميائية تبعث على مشاعر إيجابية مثل "الدوبامين" (dopamine).
إنَّ تعلُّم تحديد شي لتتطلع إليه دائماً بترقب إيجابي هو مهارة هامة للعافية؛ قد يكون أمراً كبيراً مثل إجازة، أو أمراً بسيطاً مثل التطلع إلى مقابلة صديق أو مشاهدة فيلمك المفضَّل أو التنزُّه؛ لذا نظِّم يومك وأسبوعك وعامك بحيث يكون لديك دوماً شيء تتطلَّع إليه، ومارِس أحلام اليقظة عن التجارب الإيجابية التي تترقَّبها قدر ما تريد، تلك طريقة رائعة لتحافظ على اهتمامك دون أن تفقدك الجوانب المملة للحياة اليومية حافزك.
6. ممارسة العطف الذاتي:
العطف الذاتي هو أحد أهم عناصر العافية العاطفية، ولا يمكنك تحقيق السعادة الحقيقية دونه؛ إذ من المستحيل أن تكره نفسك وتستمتع بالحياة في الوقت نفسه، كما يضر الحديث الذاتي السلبي باحترامك لذاتك وقد يُسبِّب اضطرابات مثل القلق والاكتئاب؛ حيث يتمحور العطف الذاتي حول تعلُّم كيفية التعامل بلطف مع نفسك ومسامحة نفسك على العيوب التي تشوبنا جميعاً والأخطاء التي نرتكبها كبشر؛ فهو أفضل نوع من حب الذات وشرط أساسي للثقة بالنفس، أنصحك بشدة بقراءة كتاب "العطف الذاتي" (Self-Compassion) للمؤلِّفة "كريستين نيف" (Kristin Neff)، ولكي تدرِّب نفسك على تبنِّي عقلية حب الذات، فإنَّ قراءة فصل منه كل أسبوع كفيلة بتغيير نظرتك إلى نفسك خلال بضعة أشهر.
7. ممارسة حب الآخرين:
يفرز دماغك مواد كيميائية في قشرة المخ قبل الجبهية ومركز المكافأة في الدماغ حين تحب وتتعاطف مع الآخرين، ويدعى الشعور المرافق لذلك "نشوة المساعدة" (Helper’s High)، وهي شعور بالسعادة يراود الناس بعد قيامهم بعمل صالح أو عمل لطيف، يقول الأشخاص الذين يساعدون الآخرين إنَّ لذلك العديد من الفوائد الصحية النفسية والجسدية الإيجابية، مثل انخفاض مستويات التوتر وخفض ضغط الدم والتخفيف من الاكتئاب والألم الجسدي.
تُظهر الأبحاث أيضاً أنَّ الأشخاص الذين يمارسون سلوك الإيثار يعيشون حياة أفضل ولفترة أطول، تساعدك المشاركة في نوع من النشاطات التطوعية بانتظام، أو قضاء المزيد من الوقت في فعل أشياء لطيفة ومُحبة للأشخاص في حياتك على التفكير في أمور مختلفة، وتحسِّن من عافية الآخرين، وتُشعرك بالرضا عن نفسك.
8. عدم تجاهُل الصحة الجسدية:
لا يمكن فصل الجسد عن العقل، ولهذا من الصعب أن تتمتَّع بالصحة العقلية إن لم تعتنِ بجسدك أيضاً؛ في حين وصف المختصون لفترة طويلة جميع الأمراض العقلية على أنَّها اضطرابات دماغية، إلا أنَّ هناك أبحاث متزايدة توضِّح أنَّ مستويات النواقل العصبية في الدماغ المرتبطة بمشاعر العافية، مثل "السيروتونين" (serotonin)، تتأثر مباشرة بحالة أجزاء هامة أخرى من جسمك مثل ميكروبات الأمعاء؛ ولذا أصبحت التغذية اليوم أحدث العلاجات للاضطرابات النفسية، وتشير الأبحاث الحديثة إلى أنَّ اتباع حمية البحر الأبيض المتوسط (The Mediterranean Diet) وتقليل السكر والأطعمة المقلية والكحول يمكن أن يحسِّن الاكتئاب إلى حد كبير.
على الرغم من أهمية النظام الغذائي، لكنَّ التمرينات الرياضية بالأهمية نفسها لتحقيق العافية العاطفية الإيجابية، من المعروف منذ فترة طويلة أنَّ التمرينات الرياضية تحفِّز إفراز هرمون "الإندورفين" (endorphin) في الجسم الذي يُشعرُنا بالسعادة، وتُظهِر الأبحاث الحديثة أنَّ 10 دقائق أو أكثر من ممارسة تمرينات القلب والأوعية الدموية يومياً كافية لتحسين المزاج ونوعية النوم بصورة ملحوظة، مما يساعد الناس على ضبط مشاعرهم والشعور بالعافية.
أضف تعليقاً