إلا أنَّه من الصعب رؤية هذا في حياتك العاطفية، فأنت على دراية بالسجل الحافل لعلاقتك (وكذلك سجل أصدقائك) لدرجة أنَّه من السهل عليك أن تشعر بالثقة بشأن علاقتك. لسوء الحظ، فإنَّ اليقين بشأن الاستنتاج ليس مؤشراً كبيراً على دقته، فالحقيقة هي أنَّ الثقة تصبح أسهل كلما قلتَ معلوماتك، وهذا ما يُدعى بتأثير دانينغ كروجر (Dunning-Kruger). يكمن جزء من المشكلة في أنَّنا لا ندرك تماماً حدود تجاربنا الخاصة.
علاقاتك السابقة مهما كانت كثيرةً فهي ضئيلةٌ للغاية مقارنة بعدد العلاقات التي يمكِن للعلماء دراستها، وهذا فرق هام لأنَّه عندما يكون لديك المزيد من المعلومات، فستحصل على فكرة أفضل عن النتيجة المرجح حدوثها، وعندما تكون لديك معلومات محدودة، فإنَّ ما هو "صحيح" يكون أكثر هشاشةً؛ حيث تؤدي البيانات الأفضل إلى استنتاجات أفضل.
إذا كنتَ تريد أن تصبح علاقتك أفضل، فأنت بحاجة إلى معلومات أفضل، ولكن عندما تفكر في الأمر، أين تعلَّمتَ عن العلاقات؟ هل هذه المعلومات دقيقة؟ قد تكون تصرفاتك نابعةً عن حقائق مثبتة أو من خيالات حسنة النية، ولن تعرف أبداً الفرق بين الحالتين، وللمساعدة في وضع الأمور في نصابها الصحيح، إليك سبع خرافات تُظهر أنَّ المعرفة بالعلاقات ليست سهلةً كما تعتقد:
1. هل ينجذب الأشخاص المختلفون إلى بعضهم بعضاً؟
قد ينجذب المختلفون إلى بعضهم في البداية، إلا أنَّ اختلافاتهم هي ما ستخلق الخلافات بينهم في نهاية المطاف، والسبب في هذا أنَّ تلك الصفات المتعاكسة التي تكون في البداية جديدةً ومثيرةً للاهتمام يصبح من الصعب تحمُّلها، وخُذ على سبيل المثال مبدأ "تأثير الزوجين غير المستقر" (Precarious Couple Effect)، الذي يجمع ما بين نقيضين حقيقيين؛ كأن يكون أحد الشريكين خجولاً والآخر حازماً وناقداً، وفي البداية، يكون التباين جذاباً، لأنَّ أساليب التواصل الخاصة بهما ستنسجم، ولكن مع تطوُّر العلاقة، يصبح هذا الاقتران المتناقض غير قابل للاستمرار، ويؤدي إلى ضعف جودة العلاقة.
شاهد بالفديو: 9 طرق لتحسين مهارات التواصل
2. هل بُعْد المسافة بين الشريكين يُدمِّر العلاقات؟
نظراً لأنَّنا نستمتع بكوننا قريبين جسدياً من شركائنا، فإنَّنا نفترض أنَّ البُعد يضر بجودة العلاقة. ومع ذلك، يمكِن للبعد أن يجعل الأزواج أقرب، لأنَّ الشركاء يجب أن يتواصلوا أكثر ويجعلوا وقتهم معاً هاماً من خلال القيام بأشياء ممتعة ومسلية. وفي الواقع، أفاد ما يقرب من ألف شخص يعيشون في علاقات بعيدة المسافة بوجود المزيد من الحب والمرح والمحادثات والتفاني في علاقتهم، وبانخفاض العداء والشعور بأنَّهم محاصرون، وبأنّّهم أقل عُرضةً للانفصال من الأزواج الذين يقضون الوقت معاً بانتظام؛ لذلك فالبُعد لفترة قصيرة يمكِن أن يقوي العلاقة.
3. هل الرغبات الجنسية غير المتشابهة للشريكين تُدمِّر العلاقة؟
يبدو زواج شخص دائم المرح من آخر مُتزمِّت وكأنَّه تركيبة كارثية، ومع ذلك، وجدَت الأبحاث من عام 2020 أنَّ الرغبة الجنسية غير المتطابقة ليست إشكاليةً كما قد تتوقع، ولكن إذا كانت هذه التناقضات غير هامة، فما هي الأمور الهامة إذاً؟ الجواب هو: رغبة الأزواج العامة؛ فالزوجان اللذان لديهم رغبة جنسية أكبر بينهما يتمتَّعان برضا جنسي وعلاقة أفضل، حتى لو لم يكن الشركاء متوافقين في ميولهم كل الوقت.
4. هل الشعور بالحزن سيء للعلاقة؟
هذا غير صحيح دائماً؛ فقد لا تكون بعض السلبية جيدةً فحسب؛ بل مفيدةً أيضاً وفقاً للأبحاث. فهناك عدد من الطرائق المختلفة لتشعر بشعور سيء في علاقتك، ويمكِنك تجربة المشاعر السلبية القاسية (مثل الغضب)، أو البسيطة (مثل الألم أو الحزن)، أو الناتجة عن الخوف (مثل القلق أو التهديد)، وعلى الرغم من أنَّنا لا نحب فكرة الشعور بالحزن أو الألم، إلا أنَّ هذه المشاعر البسيطة ترتبط بعلاقات أفضل وأقل صراعاً وأكثر رضا، ومع ذلك، فإنَّ المشاعر السلبية القاسية أو القائمة على الخوف هي إشكاليات متوقَّعة، ولكنَّ هذا البحث يُظهر أنَّ بعض المشاعر السلبية ليست العلامات التي تشير دائماً إلى علاقة فاشلة، وفي بعض الحالات قد تساعد في الواقع.
5. هل الشعور بالمزيد من الإيجابية سينقذ العلاقة؟
عندما يكون هناك مشكلات في علاقتك - كما يَحدث في العلاقات جميعها - فإنَّه من السهل وضع إيمانك في قوة التفكير الإيجابي، ويبدو هذا منطقياً، ولكنَّ هذا النهج يمكِن أن يأتي بنتائج عكسية، فالإيجابية تساعد عندما تكون العلاقة بها مشكلات عرضية صغيرة، ولكنَّ تلك العلاقات التي تعاني من القضايا البسيطة فقط لا تحتاج إلى إنقاذ، أما عندما يعاني الزوجان من مشكلات أكبر أو أكثر تواتراً، يرتبط وجود توقُّعات إيجابية وتقديم تفسيرات إيجابية بانخفاض الرضا؛ فالنظر بشكل إيجابي للغاية إلى العلاقة ذات المشكلات الحقيقية يُثني الشركاء عن التعامل مع القضايا الأساسية. وإذا لم تعترف بالخطأ، فمن المستحيل تصحيحه.
6. ألا يجب أن يدعم الشركاء بعضهم دائماً؟
عندما يشعر شريكك بالسوء، فمن الطبيعي أن ترغب في مساعدته على الشعور بتحسُّن، ومع ذلك، يمكِن أن يكون للاستراتيجيات التي تهدف إلى جعل شريك حياتك يشعر بالرضا في الوقت الحالي آثار سلبية على الأمد الطويل بدلاً من أن تكون لطيفاً للغاية، فما يحتاجه شريكك حقاً في بعض الأحيان هو الصدق، حيث يريدك أن تكون ذلك الشخص الذي يقول الحقيقة، دون أن يجمِّلها؛ إذ لا تريد أن يهتف لك شريكك قائلاً: "هذا الزي يبدو مذهلاً، أنت مثالي تماماً كما أنت"، لتتساءل بعدها لماذا تتلقى نظرات غريبة وأنت في مواجهة العالم ترتدي ملابس غير ملائمة، فشريك حياتك لديه وجهة نظر فريدة من نوعها على نقاط الضعف الخاصة بك، وعندما يتيح لك معرفتها، فإنَّه يتيح لك فرصة للتحسن.
7. هل يجب أن نغفر لشركائنا؟
عندما يُخطئ الشخص الذي نحبه، يبدو لنا أنَّ المغفرة هي أفضل استجابة لذلك، ولكنَّ المغفرة يمكِن أن تأتي بنتائج عكسية؛ إذ تؤدي مسامحة الشريك الذي لا يحاول التكفير أو الاعتذار إلى نتائج عكسية، لأنَّها تؤدي إلى القضاء على احترام المسامح لنفسه وجعله أقل ثقة بنفسه، وليس هذا فحسب، فالغفران لا يجعل بالضرورة شريكنا يُظهر سلوكاً أفضل، ووجدَت دراسةٌ أُجرِيَت على المتزوجين حديثاً أنَّ الشركاء - بَعْد مسامحتهم - يبدؤون المزيد من الجدالات، ويصبحون أكثر إثارةً للتذمر وأكثر انتقاداً ومزاجية، فلا يحل التسامح المفرط بالضرورة المشكلات؛ بل قد يجعلها أسوأ.
في الختام:
فكِّر فحسب: إذا كنتَ مخطئاً بشأن أي من هذه الخرافات، فبماذا أنت مخطئٌ أيضاً؟ على الرغم من أنَّ الأخطاء قد تبدو صغيرةً، إلا أنَّها تتراكم.
"الفشل هو مجموعة من الأخطاء الصغيرة التي لم يتم تحديدها أو تصحيحها على طول الطريق" ستراوس زيلنك (Strauss Zelnick).
لا يريد أي شخص لعلاقته أن تفشل، ولكنَّ الانهيارات لا تَحدث دفعةً واحدة؛ إذ لا توجد لحظة واحدة تلغي كل شيء قبلها؛ بل تَحدث الانهيارات بسبب مجموعة من الشقوق الصغيرة، والافتراضات التي لا أساس لها، والقرارات السيئة، والمعتقدات المُضلِّلة التي تضعف ما كان يشكل أساساً قوياً، وتحتاج إلى رؤية حقيقة هذه الأمور قبل أن تسرق مستقبل علاقتك.
أضف تعليقاً