في الواقع؛ يعني التحكُّم المعرفي مواءمة الإجراءات والأفكار والعواطف لمعرفة متى يجب اتباع القواعد ومتى يجب خرقها، ولكن كيف يمكننا القيام بذلك دون أن نشغل تفكيرنا بالحفاظ على الهدوء؟
السر هو في تعلُّم التحكُّم المعرفي؛ بيد أنَّ مفتاح إتقان ذلك هو القدرة على التعامل مع القلق، وفي نهاية الأمر، حتى القليل من التوتر يعرقل من سيطرتنا المعرفية.
يقدِّم علم السلوك هنا بعض الأفكار، فوفقاً للأبحاث، من خلال مراقبة عادات الأشخاص الناجحين، يمكننا أن نرى كيف تتداخل هذه العادات مع استراتيجيات الحفاظ على الهدوء؛ لذا إليك سبع عادات يتبعها الأشخاص الناجحون للحفاظ على هدوئهم:
1. التصرف بحماسة عوضاً عن الهدوء:
يفترض معظمنا أنَّ أفضل ردة فعل لنا خلال المواقف العصيبة هو إجبار أنفسنا على الهدوء، لكنَّ علماء السلوك في كلية هارفرد للأعمال (Harvard Business School) وجدوا أنَّ هذه تعدُّ فكرة سيئة، وقد لاحظوا أنَّ مصدر القلق غالباً هو التفكير في وقوع أشياء سيئة - حتى لو كان من غير المُحتمَل أن تحدث، وفي هذه الحالة، لا يزيل إرغام النفس على التصرف بهدوء هذه الأفكار السيئة؛ بل يدفنها.
تنحرف الأفكار السيئة والمخاوف وتفسح المجال لتراكم مشاعر التوتر؛ لذلك فإنَّ أفضل طريقةٍ للتعامل مع الأفكار السيئة والمخاوف هي التحمُّس لاحتمال حدوث أمور إيجابية؛ بعبارةٍ أخرى، من المنطقي أن يولِّد توقُّع النتائج الجيدة بدلاً من النتائج السيئة هدوءاً حقيقياً، بالطبع، الشيء الذي يجب تذكُّره هنا هو الحفاظ على التحكُّم المعرفي - أي هدوء الأعصاب - وعدم الإفراط في الحماسة أيضاً، وهذا يجعل التعامل مع التوتر أسهل وأكثر فاعلية.
2. فهم حدود المهام التي تستطيع تنفيذها:
بالطبع، لسنا جميعاً متساوين من ناحية قدراتنا الطبيعية على التزام الهدوء؛ ونتيجةً لذلك، من الجيد معرفة حدودنا، وفي الواقع، وجد باحثون من جامعة "كيس وسترن" (Case Western) أنَّ الأشخاص الذين يمارسون تعدُّد المهام بفاعليَةٍ أكثر، هم الأفضل في التعامل مع الإجهاد؛ حيث ينطبق هذا انطباقاً خاصاً على المرات التي نواجه فيها ضغوطاتٍ سببها انتقادات الآخرين.
قد يعتقد المرء أنَّ الأشخاص الذين يقومون بمهام متعددة يتعاملون مع التوتر تعاملاً أفضل؛ وذلك لأنَّهم يستطيعون التوفيق بين العديد من الأشياء في وقتٍ واحد، لكنَّ هذا الأمر ليس دقيقاً؛ حيث وجد العلماء أنَّ الأشخاص الذين يقومون بمهامٍ متعددة قادرون على الحفاظ على هدوئهم بشكل أساسي من خلال القيام بشيء يسمى "الإفراط في المطالبة"؛ أي عندما يتعرضون للتوتر والنقد، فإنَّهم يتفاخرون، وهذا يجعلهم يهدئون.
إنَّ هذا الأمر غير مقبول اجتماعياً، إذا جرى على مسمع الناس، ولكنَّ هذه الطريقة فعالة أحياناً، وفي المقابل، فإنَّ الأشخاص الأقل قدرة على إنجاز العديد من المهام أقلُ تفاخراً عند انتقادهم، ويتفهمون مزيداً من دواعي قلقهم نتيجة لذلك، فالمهم أن تعرف موقفك من تعدد المهام؛ فلنفترض مثلاً أنَّك خرجت للعشاء مع مجموعة من زملائك، وبدأت تحسب قيمة الفاتورة وتقيِّم الأشخاص وتنتقد سلوكاتهم وتتباهي بنفسك؛ هذا يعني أنَّك تمارس أسلوب تعدد المهام بطبيعتك، فإذا لم تكن كذلك، حاول أن تمارِس التباهي بهدوءٍ أكثر.
شاهد بالفديو: 9 أمور يفعلها الناجحون من الناس
3. التوقف عن وضع التوقعات:
أحد أسباب القلق التقليدية هو انشغال تفكيرنا بخيبات الأمل التي قد نتعرَّض لها مستقبلاً، وأعمق الآليات تأثيراً هنا هي نوعٌ من أنواع التحيز المعرفي يُعرَف باسم تجنُّب الخسارة (loss aversion)، ويشوِّه تجنُّب الخسارة نظرتنا إلى المخاطر وطريقة تعاملنا معها، مع العلم أنَّ المخاطرة مرتبطة دائماً بالتطلع إلى المستقبل.
على سبيل المثال، إذا كنا نعتقد أنَّ الأشياء لن تحدث كما نريدها، فإنَّنا نتعرَّض لنوبة هلع نوعاً ما، ونخوض مغامراتٍ خطيرةً لتحقيق ذلك مهما حدث، ومن ناحيةٍ أخرى، إذا اعتقدنا أنَّنا نسير على الطريق الصحيح لتحقيق هدفٍ ما، فسوف نشعر براحة كبيرة وربما لا نفعل ما هو ضروري لتحقيقه بالفعل؛ ونتيجةً لذلك، سوف نتجاهل الفرص لتقديم أداءً أفضل.
ليس هناك ما يمكن أن يسعدنا، ومن المثير للاهتمام أن تعلم أنَّه على الرغم من أنَّ الأعراض التي تظهر على الجسد نتيجة تجاهل الفرص أقل وضوحاً من الأعراض التي تظهر عليه نتيجة مواجهة الخسارة، فإنَّ التوتر ليس كذلك، ففي الواقع، بدلاً من الخوف من الخسارة، فإنَّنا نلوم أنفسنا بشدة لا شعورياً بسبب الندم، وتزداد حساسيتنا زيادة كبيرة.
في كلتا الحالتين، نحن نفتقر إلى التحكُّم المعرفي والمرونة المعرفية، وفقط من خلال تجنُّب التوقعات المسبقة يمكننا التزام الهدوء؛ وللقيام بذلك، يجب أولاً أن نحاول جاهدين ألا نتخيل نتيجةً معينة، سواء كانت سيئة أم جيدة، ومع ذلك، إذا بدأت الأمور بالظهور ظهوراً سيئاً، أو جيداً للغاية؛ ركز ذهنك على أشياء أخرى يجب تحقيقها، فهذه الطريقة في التفكير فعالة بشكل ملحوظ لتجنُّب الشعور بعدم تقبُّل الخسارة.
4. الترويح عن النفس:
تعتمد الأفلام المشوقة على الاستعانة بالأبطال الذين يهربون من الأشرار ويقاتلونهم، ومع ذلك، وجد الباحثون في جامعة إلينوي (University of Illinois) أسلوباً أفضل من التركيز الشديد، ومن خلال التجارب، وجدوا أنَّ أخذ بعض الوقت لتريح ذهنك، سيؤدي إلى أداءٍ أفضل؛ بعبارة أخرى، فإنَّ التركيز الشديد على مهمةٍ ما يولِّد ضغطاً إضافياً يؤدي في النهاية إلى إضعاف السيطرة المعرفية؛ لذلك على الرغم من أنَّه من المشكوك فيه ما إذا كان أخذ فترات راحة قصيرة لتفعل شيئاً مسلياً خلال وقت العمل سينجز لك بعض الأعمال؛ إلا أنَّه قد يجعلك أكثر فاعلية في أداء عملك المكتبي.
5. الابتعاد عن المواقف العصيبة:
يعدُّ التعامل مع زميل أو رئيس مُحبط أحد أكثر المواقف المجهدة التي يمكن أن تتعرض لها، ومع ذلك، وبسبب المخاطر الكبيرة، فهي أيضاً واحدة من أهم الأمور بالنسبة إليك للقيام بها بشكل صحيح، ولسوء الحظ، يتَّبع معظم الناس حدسهم عندما يحدث ذلك، فنحن نستوعب الإهانة، ونفكر فيما يفعله الشخص الآخر بنا، ثم نشعر بالغضب.
اكتشف علماء من ولاية أوهايو (Ohio) أنَّ كل هذا خاطئ؛ حيث يعدُّ الابتعاد عن تلك المواقف أكثر فاعلية، وفي الواقع، يساعد التعامل مع الموقف عن بُعد على تقليل المشاعر السيئة، والقيام بذلك في اللحظة نفسها، على وجه الخصوص، يقلل من الغضب والتوتر، ويجلب المزيد من الشعور بالهدوء، وعلاوةً على ذلك، تعمل هذه الاستراتيجية حتى بعد فترة طويلة من حدوث مشاجرة مرهقة وإعادة التفكير بها مرة أخرى.
6. التحدُث مع نفسك:
ربما تعتقد أنَّ التحدث مع نفسك هو علامة على مرضٍ عقلي، ومع ذلك، في ظل الظروف المجهدة، يمكن أن يكون ذلك في الواقع صحياً ومريحاً عقلياً وعاطفياً، ففي الواقع، وجد علماء الأعصاب من جامعة ولاية ميشيغان (Michigan State University) أنَّ التحدث إلى الذات بصمت بصيغة الغائب يقلل من المشاعر المتقلبة ويعزز التحكُّم المعرفي، ولتوضيح وجهة نظرهم في هذا الأمر، تخيَّل أنَّ أحد السائقين تجاوز سيارتك في أثناء الازدحام، قل لنفسك بصيغة المخاطب: "لماذا أنت على وشك أن تصرخ بكلماتٍ نابية على هذا الشخص؟". من المحتمل جداً أنَّك ستشعر بالتحسن.
7. الحصول على مزيدٍ من النوم:
أنا أؤكِّد على هذه النقطة؛ وذلك لأنَّ معظمنا يتجاهلها؛ مما يعرِّضنا للخطر، فنحن نميل إلى الاعتقاد بأنَّ تحقيق النجاح يعني أن تقوم بالسهر طوال الليل، ومع ذلك، تُظهِر سلسلة طويلة من الأبحاث أنَّ الحرمان من النوم يضر تفكيرنا؛ بل يدمِّر أدمغتنا أيضاً؛ حيث إنَّه بالتأكيد يقلل من سيطرتنا المعرفية، وفي الواقع، غالباً ما يؤدي التقليل من النوم إلى تعطيل أدائنا في أسوأ الأوقات.
علاوةً على ذلك، إنَّ كل شخص مشهور وناجح، من رجل الأعمال جيف بيزوس (Jeff Bezos) إلى لاعب كرة السلة ليبرون جيمس (LeBron James)، يؤكدان حصولهما على قسط كافٍ من النوم، وبالطبع، يظل من الممكن في مرحلة الشباب أن يعمل المرء بجد حتى لو لم يحصل على ما يكفي من النوم، لكن إذا كان المرء يعيش حياته عيشاً منظَّماً، فإنَّ الحصول على قسط كافٍ من النوم - حتى عندما يكون شاباً - هو وسيلة أكيدة للبقاء هادئاً عند حدوث التوتر.
إنَّ التحلي بالهدوء عندما تسوء الأمور، هو فن وعلم، ولكن بينما يأخذ الجانب الفني الإبداع والموهبة الفطرية، فإنَّ الجانب العلمي أسهل في التعلم؛ باختصار، يجب أن نحاول الدفاع عن قوى التحكُّم المعرفية لدينا وتعزيزها، فنحن بحاجةٍ إلى تنمية العادات التي تملي علينا متى يجب أن نتصرف وفقاً للقواعد، ومتى يجب ألا نفعل شيئاً؛ لذا خذ فترات راحة، وتجنَّب الميل إلى رؤية السلبيات، وتوقَّف عن إصدار التوقعات وتعلَّم كيفية الإدارة الذاتية استجابةً للضغوط، فكل ذلك، وفقاً للعلم، يعدُّ معادلةً للنجاح.
أضف تعليقاً