قد يبدو هذا مُحبِطاً، لكنَّه أيضاً السبب الرئيس الذي يجعلنا بحاجة إلى العناية بأدمغتنا بينما لا يزال ذلك ممكناً؛ ذلك لأنَّك إن أردت الإبقاءَ على تفكيرك المعرفي قوياً حتى تصل إلى سنوات عمرك الذهبية، فلا بد لك من البدء باتخاذ خطوات جادة لتحسين تلك المهارات والحفاظ عليها.
من حسن الحظ أنَّ الدماغ لا يتوقف عن التطور والنمو حتى عندما تصبح بالغاً؛ فأدمغتنا مرنة، ويعني هذا أنَّ بإمكانها الاستمرار في التغيُّر؛ لذلك فإنَّ اتباع بعض النصائح والحيل من أجل تحسين تفكيرك المعرفي بينما ما يزال ذلك ممكناً سيكون جيداً جداً.
سيمنحك هذا المقال 6 طرائق مثبتة علمياً ومبنية على الأبحاث لتحسين التفكير المعرفي؛ حيث تضع الطرائق الثلاثة الأولى الأساس الجيد لتحسين عمل وظائف الدماغ السليمة، وتشمل الثلاثة الأخيرة استراتيجيات لتحسين مهارات التفكير المعرفي عالي المستوى على مدار اليوم.
تعريف القدرة المعرفية:
القدرة المعرفية هي أي شيء له علاقة بالنشاط الفكري؛ ومن الأمثلة عليها: التذكر والتفكير والاستدلال؛ ذلك لأنَّ المعرفة أساساً هي أي شيء يتعلق بعمليات التفكير الواعي.
يمنحنا تصنيف بلوم (Bloom's Taxonomy) خيارات لمجموعة متنوعة من مهارات التفكير المعرفي هذه، وما يزيد صعوبة وتعقيد تصنيف بلوم هذا هو أنَّه يتضمن التذكر والفهم والتطبيق والتحليل والتقييم، ومن ثم الإنشاء.
نصائح لتحسين التفكير المعرفي:
1. قلِّل التوتر:
لا يعمل الدماغ البشري بكامل طاقته عندما يكون في حالة توتر؛ حيث تُبيِّن الأبحاث أنَّ التوتر قد يتفاقم ويتسبب بحدوث بعض الأمراض كالاكتئاب والخرف واضطراب ما بعد الصدمة.
لذلك، فإنَّ السيطرة على التوتر أمر بالغ الأهمية من أجل التفكير المعرفي الأمثل ومن أجل صحة الدماغ عموماً؛ وفيما يأتي بعض الطرائق التي تساعدك على تخفيف توترك:
1. 1. تمرينات التنفس:
يمكننا الحد من التوتر بطرائق عديدة، وأكثرها فاعلية هي تمرينات التنفس والتأمل والمشي.
يجب أن تتضمن تمرينات التنفس التي نقوم بها لتقليل التوتر أخذ أنفاس عميقة وبطيئة، كما يجب أن نركز على عملية التنفس نفسها في أثناء الشهيق والزفير؛ حيث يُبعِد هذا عقلك عن التفكير في الضغوطات، ويوصل كمية أكبر من الأوكسجين إلى الدماغ، وهو أمر ضروري لتفكير معرفي أمثل.
1. 2. التأمل:
يساعد التأمل أيضاً في تقليل التوتر، وقد يكون لخمس دقائق من التأمل في اليوم تأثير كبير في مستويات التوتر.
يتمحور التأمل حول مراقبة أفكارك، دون إرغام نفسك على عدم التفكير؛ فعندما تلمع الأفكار الجديدة في رأسك، دعها تتدفق فقط.
1. 3. المشي:
عندما تكون متوتراً، فمن الأفضل أن تبتعد على أن تحاول البقاء قوياً، وأن تأخذ قسطاً من الراحة لتقليل التوتر.
استنشق بعض الهواء النقي لتساعد نفسك على تصفية ذهنك وتجنُّب التصرف برد فعل؛ فالخروج إلى الطبيعة أمر جيد لرفع الروح المعنوية.
2. مارس التمرينات الهوائية:
توجد طريقة أخرى لتحسين تفكيرك المعرفي تتجلى في القيام ببعض التمرينات الهوائية، والتي تُسمَّى أيضاً تمرينات الأيروبيك أو الكارديو؛ حيث تبيَّن أنَّ تحريك جسمك وزيادة معدل ضربات قلبك وتنفسك يوقف التدهور الطبيعي في خلايا القشرة الدماغية الجبهية والجدارية والصدغية، والذي يقلل فاعلية التفكير المعرفي.
إنَّ تدهور هذه المناطق أمر طبيعي مع التقدم في العمر، لكنَّ ممارسة الأنشطة الرياضية يمكن أن يساعد في إبطاء هذا التدهور من خلال تقليل تلف الخلايا.
2. 1. المشي السريع:
قد لا تظن أنَّ المشي فعال بما يكفي ليُعَدَّ أحد الأنشطة الرياضية، لكنَّه كذلك تماماً، وما عليك سوى اختيار السرعة الذي ترغب في السير وفقها، ومن ثم المشي بأسرع ما يمكنك؛ إذ إنَّك ستقطع شوطاً طويلاً باتجاه تعزيز تفكيرك المعرفي عندما تمارس المشي السريع لمدة عشرين دقيقة كل يوم.
شاهد بالفيديو: فوائد المشي لمدة 20 دقيقة يومياً
2. 2. السباحة:
تُعَدُّ ممارسة السباحة أحد خيارات الأنشطة الهوائية الرائعة، وهي تمرين سهل وخفيف على المفاصل.
2. 3. اليوجا:
يمكن لأنواع معينة من تمرينات اليوجا أن تعزز تأثير الأنشطة الهوائية، بالإضافة إلى أنَّها تساعدك على التأمل والتحلي بالمرونة.
3. احصل على قسط كافٍ من النوم:
تشير الأبحاث أيضاً إلى أنَّ النوم عنصر هام من أجل الإنجاز الأمثل لوظائف الدماغ المعرفية؛ حيث تشير الدراسات إلى أنَّ النوم قد يكون جزءاً لا يتجزأ من عملية الذاكرة، حيث يتخلص الدماغ خلال النوم من بعض الاتصالات المشبكية العصبية من أجل تقوية اتصالات أخرى؛ كما أنَّ دماغك يحتاج إلى النوم كي يستطيع مراجعة كل الأحداث اليومية التي تحدث معك، ويقدر على تذكر الأشياء الهامة وتجاهل الباقي.
إنَّه لمن المستحسن أن ينام البالغون لسبع ساعات على الأقل كل ليلة، وعليك أن تتذكر أنَّ النوم ليس شيئاً يمكنك تعويضه؛ لذلك فإنَّ الاستمرارية والانتظام أمر أساسي عندما يتعلق الأمر بالحصول على نوم ذي جودة عالية.
3. 1. ضع روتيناً ثابتاً لوقت النوم:
إنَّه لمن الهام الحفاظ على روتين ثابت لوقت النوم؛ لذلك يُفضَّل أن تنام في الموعد نفسه كل ليلة؛ ذلك لأنَّ تغيير روتينك قد يتسبب بإحداث فوضى في جدول نومك الزمني.
3. 2. حدد كمية الوقت التي تقضيها على الشاشات:
كجزء من روتين وقت نومك الثابت، احرص على الحد من الوقت الذي تمضيه على الشاشات قبل النوم بساعة على الأقل؛ ذلك لأنَّ الشاشات تحرر الدوبامين في عقلك، ممَّا يتسبب بضخ الأدرينالين، والذي يؤدي بدوره إلى زيادة التوتر عند بعض الأشخاص لدرجة تمنعهم من النوم بسهولة.
احرص أيضاً على ضبط هاتفك على وضيعة "عدم الإزعاج"، بحيث لا تقاطع الإشعارات نومك، وتغطَّ في نوم عميق.
3. 3. الميلاتونين:
يمكن للميلاتونين أيضاً أن يساعد على النوم نوماً هنيئاً، والذي يعدُّ هرموناً يتشكل طبيعياً في الجسم في أثناء فترات النوم الليلية؛ لذلك يمكن أن يساعد تناول حبوب الميلاتونين كمكمل غذائي في ضبط إيقاعات الجسم اليومية، ممَّا يجعلك تنام بالقدر الكافي الذي يحتاجه جسمك كي يتحلَّ دماغك بقدرات التفكير المعرفي الأمثل في النهار.
4. أجرِ عمليات المحاكاة المعرفية:
تشكل النصائح الثلاثة السابقة أساساً متيناً لتحسين التفكير المعرفي، ولكن عليك القيام بثلاثة استراتيجيات أخرى يمكنك تنفيذها خلال اليوم من أجل تعزيز عمل دماغك حقاً.
إنَّ عمليات المحاكاة المعرفية هي في الحقيقة مجرد خدع ذهنية، حيث يجب على الشخص استخدام معرفته الحالية للتوصل إلى حلول لمشكلات جديدة.
تعزز المحاكاة المعرفية قدرات الدماغ على المعالجة المعرفية؛ فإذا لم تستخدم قدرة دماغك من أجل الحصول على معلومات جديدة وحل المشكلات، فستخسر هذه القدرات مع الزمن؛ لذلك، فمن الهام للغاية أن تحافظ على نشاط دماغك وتختبر أداءه، وإنَّ عمليات المحاكاة المعرفية إحدى الطرائق التي تساعدك على القيام بهذا.
5. فكر بصوت عالٍ:
الاستراتيجية التالية لتحسين تفكيرك المعرفي هي تقنية تُدعَى تقنية التفكير بصوتٍ عالٍ، وهي تقنية بسيطة بقدر ما تبدو عليه؛ إذ ما عليك سوى أن تعبِّر عمَّا يجول في ذهنك من أفكار بدلاً من التفكير بصمت في رأسك.
التفكير بصوت عالٍ أداة تدريب رائعة، وتساعد المدرسين على إدراك المواضع التي تحتاج إلى تحسين استيعاب التلاميذ فيها، كما ثبت أنَّه يساعد في تحسين النتائج السريرية عند مناقشة الحالات المرضية؛ ذلك لأنَّ التفكير بصوت عالٍ يرغمك على مناقشة كل جوانب المشكلة، ممَّا يساعدك على تجنب الوقوع في الهفوات.
6. اتبع خرائط المفاهيم:
يمكن لخريطة المفهوم أن تساعد أيضاً في تحسين التفكير المعرفي؛ فهي بمثابة تمثيل مرئي لأفكار شخص ما، حيث إنَّها مجرد رسومات تُظهِر الروابط والعلاقات بين الأفكار.
كان تأثير خرائط المفاهيم في إحدى الدراسات إيجابياً في تحسين التفكير الدقيق عند طاقم التمريض الخريجين؛ وعلى غرار التفكير بصوت عالٍ، فقد أظهرت خرائط المفاهيم أوجه القصور في طريقة تفكير الطالب، ولكنَّها عززت أيضاً مهارات التفكير الدقيقة لديه.
إنَّه شيء يشبه قول: "إذا كنت تريد حقاً أن تتعلم شيئاً ما، فعلِّمه"؛ فنحن نرغم أنفسنا من خلال تحديد مخطط لما نعرفه على التفكير ملياً في كل ما نعرفه أو لا نعرفه عن موضوع معين، ويدعم هذا فهمنا، ويبيِّن لنا الثغرات المعرفية لدينا.
أفكار أخيرة:
يختلف مفهوم التفكير المعرفي عن التفكير النقدي؛ إذ يشمل التفكير المعرفي التذكر والفهم والتطبيق والتحليل والتقييم والإنشاء؛ لذلك فإنَّ تقليل التوتر وممارسة الرياضة والحصول على قسط كافٍ من النوم أمر حاسم للحرص على أن تكون أدمغتنا في وضع صحي مثالي، وللحصول على كمية وافرة من الأوكسجين، والتفكير بتمعن في الذكريات كل ليلة.
يمكن أن تستمر عقولنا في النمو والتطور حتى يوم وفاتنا؛ لذلك احرص على أن تعمل بجد لتحسين تفكيرك المعرفي من خلال استخدام هذه النصائح الستة.
أضف تعليقاً