من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنَّ ضبط النفس يعمل بطريقة العضلات نفسها؛ أي يتعب بعد الاستخدام المتكرر، وفي مقابلة أُجريت مع الباحث روي ف. بومستر (Roy F Baumeister)، الذي أجرى دراسة في ضبط النفس؛ استنتج أنَّ ضبط النفس هو مورد محدود، ومن الصعب القيام بأعمال متواصلة تتطلب ضبط النفس.
في فحص أجراه لجمع البيانات عن قوة الإرادة، طُلب من مجموعة من المشاركين تناولُ كعكات من الشوكولاتة بينما طُلب من المجموعة الأخرى عدم الاقتراب منها، وتناول الزبيب بدلاً من ذلك.
ثمَّ بعد ذلك، طُلب منهم حل لغز هندسي ليس له حل؛ انسحبت المجموعة الأولى التي سُمح لها بتناول كعكات الشوكولاتة بعد نحو عشرين دقيقة، بينما انسحبت المجموعة التي اضطرت لضبط نفسها وأكل الزبيب - وسطياً - بعد نحو ثماني دقائق فقط.
إذ يوضح لنا هذا الأمر أنَّ ضبط النفس لدينا يتعب تماماً مثل العضلات، لكن يمكن ترميمه بمرور الوقت بممارسته، وسيسمح لك بتقديم عمل رائع تفتخر به على مستوى الإرادة.
إليك 6 فوائد لضبط النفس:
1. زيادة القدرة على اتخاذ القرار:
عندما نمارس ضبط النفس بعد اتخاذ قرار ما، يصبح الأمر أكثر صعوبة، لكن عندما نمارس ضبط النفس أولاً، يصبح اتخاذ القرارات أسهل لأنَّ عقولنا تؤدي عملياتها بطريقة سهلة، على سبيل المثال، قد يتجنب الشخص الذي يتبع حميةً غذائية تناول الحلويات بوصفها أول وجبة في الصباح، لكن بعد اتخاذ قرارات صعبة بشأن العمل والحياة طيلة اليوم، قد يكون ضبط النفس لديه قد تراجع بحلول الوقت الذي يجب ألا يتناول فيه الحلويات.
2. زيادة فرص النجاح:
لقد استنتج البحث الذي أُجري في مختبر داكورث (Duckworth Lab) في مركز علم النفس الإيجابي بجامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania)، أنَّه عندما وُوزِن ضبط النفس بالموهبة بمرور الوقت، فإنَّ الأشخاص الذين أظهروا العزم بدلاً من الاعتماد على الموهبة كانوا أكثر نجاحاً.
على سبيل المثال، في تجربة أُجريت بين مجموعتين في أكاديمية ويست بوينت (West Point) العسكرية في الولايات المتحدة، كان لدى أولئك الذين اعتمدوا على ضبط النفس فرصة لتجاوز فترة التجارب المكثفة أكبر من فرصة أولئك الذين لديهم مواهب مثل اللياقة البدنية.
3. الحدُّ من بعض السلوكات مثل الكذب:
عُرِض دواءٌ وهميٌّ على الطلاب في دراسةٍ أُجريَت في المدارس الأمريكية، وسُئلوا إذا ما كانوا قد تناولوه، وكم مرَّةً فعلوا ذلك في حال تناولوه، فمن بين المشاركين جميعهم، قال 40 شخص منهم إنَّهم يعرفون هذا الدواء وقد تناولوه في الماضي.
يوضح هذا الأمر أنَّ بعض الأشخاص لا يسعهم إلا الكذب، وأنَّ أولئك الذين لديهم قدرة منخفضة على ضبط النفس هم أكثر عرضة للاستسلام - كما في هذه الحالة - وإن لم يكن لديهم مكسبٌ من الأمر.
شاهد: كيفية التحكم بالانفعالات وضبط النفس
4. تحسين التركيز:
في دراسة أجرتها مجموعة بحث بيرترامز (Bertrams research group)، طُلب من المشاركين حل مسائل رياضيات تحت الضغط، بالنسبة إلى المشاركين الذين يعانون ضعف ضبط النفس تشتَّت انتباههم بسبب الأفكار السلبية، وكان أداؤهم أسوأ بكثير من نظرائهم المنضبطين.
يسمح لنا ضبط النفس بتركيز طاقاتنا على المهمة المطروحة أمامنا، وعدم الاهتمام بعوامل التشتيت، ممَّا يجعلنا نقدم أفضل ما لدينا من قدرات كما يسمح لنا بطرد الأفكار السلبية من رؤوسنا، والتي تمثِّل عائقاً كبيراً أمام النجاح على الأمد الطويل.
5. زيادة فُرَص الثراء:
على الرَّغم من أنَّ ضبط النفس ليس الأمر الأساسي عندما يتعلق الأمر بكسب المال، إلا أنَّه عامل هام للغاية.
حُدِّد في دراسة أُجريت في نيوزيلندا (New Zealand)، والتي تتبَّعت 1000 شخصاً طوال 30 عاماً أنَّ أولئك الذين لديهم مستويات عالية من ضبط النفس عملوا في وظائف ذات دخل مرتفع، وكان لديهم مستويات أقل بكثير من الإدمان، و10% فقط من الأشخاص ذوي الانضباط العالي عملوا في وظائف منخفضة الدخل، في المقابل عمل أكثر من 30% من الأشخاص ذوي الانضباط الضعيف في وظائف منخفضة الدخل.
6. تعزيز الانسجام:
هل سبق لك أن كانت لديك رغبتان متعارضتان في آن واحد، مثل الرغبة في تناول قطعة من الحلوى بعد العشاء، لكن في الوقت نفسه الرغبة في إنقاص وزنك؟
يتمتع الأشخاص القادرون على ممارسة ضبط النفس بحياة أكثر انسجاماً؛ لأنَّهم يتجنبون المواقف التي يتعين عليهم فيها الاختيار بين الرغبات، فبدلاً من الدخول في صراعٍ نفسيٍّ للامتناع عن تناول قطعة الحلوى، والالتزام بنظامهم الغذائي، لا يشترون الحلوى في المقام الأول؛ ومن ثمَّ يمنعون أنفسهم من التعرض لرغبات متعارضة.
في الختام:
يعدُّ ضبط النفس من أهم المهارات التي يمكننا الاستفادة منها؛ إذ تمتد التأثيرات الإيجابية إلى أجزاء مختلفة من حياتنا، وتسمح لنا باتخاذ قرارات أفضل، وتجربة واقع أفضل.
لا يتعلق ضبط النفس بمنع نفسك عن الملذات فقط؛ بل يشمل أيضاً العمل من أجل بلوغ حالة مثالية والتضحية ببعض الأشياء من أجل تحقيق أهداف طويلة الأمد، معظم الناس غير قادرين على بذل ما يلزم من قوة الإرادة لإجراء التغييرات التي يرغبون فيها في حياتهم، يوجد شيء واحد صحيح بصرف النظر عن مكانك أو إلى أين تتوجه، وهو عدم وجود شيء نافع حقاً دون بذل قليل من الجهد.
كما قال المؤلف الإيطالي بيترو أريتينو (Pietro Aretino): "أنا ملك حقاً، لأنَّني أعرف كيف أحكم نفسي".
أضف تعليقاً