وهنا نتساءَل: كم من الوقت يقضيه القادة عادةً في التواصل، حتى أضحى أحد أهم المهارات القيادية؟
يمتلك القادة الأكفاء القلوب ويسلبون العقول بتواصلهم الفعّال وقدرتهم على الإقناع والتوجيه والإلهام؛ فهم يقضون أكثر من 80% من أوقاتهم في التواصل بمختلف أنواعه: اللفظي وغير اللفظي، المباشر وغير المباشر؛ من خلال قنوات التواصل المتجددة باستمرار.
لا نقصد بالتواصل هنا رسالةً صوتيّةً فحسب، فهو يتعداها ليشمل أيضاً نبرة الصوت المناسبة، ولغة الجسد المُتَّسقة، والاختيار الصحيح لقضاء الوقت المناسب مع الأشخاص المناسبين.
فهو مهارةٌ رائعةٌ عبَّر عنها الشاعر الإيرلندي "ويليام بتلر ييتس" (William Butler Yeats) بقوله: "فكر بعقل الحكيم وتواصل بلغة العوام".
يُذكر أنَّ ونستون تشرشل الذي خدم كرئيس للوزراء في المملكة المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، والذي أُثيرت حول أسلوبه القيادي الكثير من علامات الاستغراب والإعجاب معاً؛ يتذكره الجميع كقائدٍ قويّ بسبب قدراته الفائقة في التواصل مع الآخرين؛ ولكم في قصته مع عمال الفحم أثناء الحرب العالمية الثانية أنموذجاً رائعاً في المهارات التي كان يمتلكها في التواصل والإقناع أثناء الأزمات. كان يعلم ما الذي يتحدّث عنه بدقة، ويعرف جمهوره ويحرص على إفهامهم ما كان يقوله بالتحديد.
يُبقِي القادة العظماء موظفيهم على اطلاع دائمٍ بما يحدث في مؤسساتهم؛ فالموظفون ليسوا معزولين ضمن مواقع عملهم، بل هم في الحقيقة أكثر اطلاعاً؛ وذلك بسبب تواصلهم الفعال مع رؤسائهم.
كيف يستطيع القادة أن يُطوّروا مهاراتهم في التواصل؟
إليكم مجموعة من التقنيات والمهارات والتوصيات المُجَرَّبة:
1. التواصل بثقة:
يجب أن يكون القائد واثقاً بدرجةٍ كافيةٍ أثناء التواصل مع الآخرين؛ بحيث يُصَدِّق الناس الكلمات والمشاعر التي يُعَبّر عنها. إذ يمكن لانعدام الثقة أثناء التواصل أن يجعل أعضاء الفريق غير مرتاحين وغير متحمّسين في عملهم؛ في حين تساعد الثقة الفريق على العمل معاً لتحقيق الأهداف المرجوة.
2. الوضوح في التواصل:
يتعيّن على القادة الحقيقيين التواصل بوضوح وبشكلٍ مباشرٍ مع فريقهم؛ لتبيان ما الذي ينبغي عليهم القيام به. ليس هذا فحسب؛ إذ يتعيّن على القادة العيش وفق هذه التعليمات وتطبيقها في عملهم وحياتهم المهنية؛ فهي مرآةٌ لأحاديثهم، وانعكاسٌ حقيقيٌّ لقيمهم ومبادئهم. إضافة إلى ذلك؛ فهي تُقَدِّم رسائل مباشرة وغير مباشرة لكلّ من يتواصلون معهم؛ بأنَّهم قادرون على تنفيذ ما ينتظرون من الآخرين أن يقوموا به.
3. التواصل بإيجابيّة:
يجب أن يكون القائد العظيم فاعلاً ويمتلك دوافع ذاتية في التواصل، فلا تنتظر من أعضاء الفريق الاستجابة المناسبة، إذا كان القائد متردداً أو سلبيّاً أو غير متوافقٍ مع رسالته. وحدهم القادة الذين يمتلكون قوةً ذاتيةً هائلة، وحيويةً ودافعاً داخلياً قوياً، يُعتَبَرُون قادةً فعالين؛ فهم يمتلكون إمكاناتٍ هائلة للتحفيز ورفع الروح المعنويّة لفرقهم.
4. قيمة التواصل:
يجب أن يتمتَّعَ القادة العظماء بثباتٍ في التواصل وجدارةٍ بالثقة أثناء وجودهم وتواصلهم مع مرؤوسيهم؛ بمعنى آخر: يجب أن يمتلكوا قيمةً ومعنى للتواصل عندما يتفاعلون مع فرقهم، ويكون لديهم قدرة فائقة على مواكبة المتغيرات وتبني أنماط مبتكرة في التواصل، بما يتناسب مع الجمهور ومستوياته. كما يجب أن يمتلكوا القدرة على التَّوفيق بين مستوى حديثهم وشخصيتهم؛ من أجل خلق قنوات تواصل جديرة بالثقة بينهم وبين فريقهم من جهة؛ وبين قنوات التواصل المختلفة حسب متطلبات عالم الأعمال المتسارع من جهةٍ أُخرى.
5. سهولة التواصل:
يجب أن يكون من السهل دائماً التعامل مع القائد الجيّد بدون وجود حواجز وعوائق، فلا يجب أن يُتركَ أعضاء الفريق في دائرة الشَّك حول المعلومات المشتركة أثناء عملية التواصل. كما يجب أن يكون القائد متاحاً بسهولةٍ لفريقه؛ وذلك من خلال قنوات تواصلٍ رسميّة وغير رسمية؛ إذ يضع عدم إمكانيّة الوصول إلى القائد علامات استفهام حول مدى نجاحه وكفاءته.
6. التعامل مع المُتغيّرات بوعي:
لكي تكون قائداً فعالاً؛ يجب أن تمتلك طريقةً واضحةً لمعالجة الأمور والمستجدّات؛ بحيث يقدر فريق العمل على استيعابها. كما يجب أن يكون هناك وضوحٌ في اختيار تقنيات وقنوات ومنهجيات التواصل، مع وضع المستوى الفكري للمستمعين وقدرتهم على الفهم والتفاعل بعين الاعتبار. ويتعيَّن على القائد أن يكون مؤهلاً بشكل متميّزٍ لفهم وإدارة المهام على اختلافها؛ وتبسيطها وتقديمها للفريق بحيث يتمّكن فريقه من فهم الغاية من المهام المطلوبة؛ وكيفية أدائها بشكلٍ احترافيّ.
7. تقدير أفكار ومشاعر الآخرين:
يجب أن يكون التواصل من قبل القادة واضحاً وموجزاً؛ بالإضافة إلى تقدير أفكار وآراء ومشاعر الآخرين بذكاء. إنَّ القيادة الواعية مطالبةٌ بمراعاة وتقدير مختلف الثقافات والمعارف والخلفيّات العلميّة والقيميّة والأخلاقية والثقافية لفرق العمل؛ والانتباه للتركيبات السكانية والمناطقيّة المختلفة ميولاً واتجاهاً وممارسةً.
8. الشفافية في التواصل:
لابُدّ للقائد من إنشاء نظام تواصلٍ يتمتَّع بالشفافية، ولا ينبغي له السماحُ بوجود مساحة للقيل والقال -أو ما يسمى بالجيوب- في بيئة العمل. وما لم تكُ هناك قضايا سريّة للغاية، فلا يجب أن يكون هناك سرٌّ بين القائد وفريقه.
9. الاستقرار والثبات:
ينبغي أن يكون القائد شديد التركيز ومستقراً في التواصل مع فريقه. وأثناء المواقف الصعبة التي يمر بها أيُّ فريق، فعلى المرؤوسين أن يجدوا من قائدهم موقفاً مسانداً وفعّالاً للحصول على الاستقرار والثبات. فعندما يصبح القائد مشتتاً ومتقلّب المزاج؛ فإنَّه يُضفِي على شخصيته الغموض ويُثيِرُ استياء فريقه؛ وخاصةً في الأزمات والمواقف المعقّدة.
10. الشمولية في الحديث والاستماع:
يجب أن يكون القائد شاملاً في التواصل ويسعى للتغلب على الخلافات بشكلٍ إيجابيّ وعمليّ، مع التركيز على الاستماع الإيجابيّ، والتركيز على التحدث الفعّال. كما أنَّ الاستماع بصبرٍ لا يقل أهمية عن التحدث بفعاليّة. إنَّ هذا التوازن بين الاستماع والحديث؛ هي مهارةٌ تحتاج بحدّ ذاتها إلى تدريبٍ وتنميةٍ من قِبلِ القادة.
11. الانتقال من إعطاء المعلومات إلى تبادل الخبرات:
يجب على القائد التركيز دوماً على التواصل من أجل نقل الخبرات وتبادل الآراء؛ وليس مشاركة المعلومات فحسب. إذ يُلهِمُ التواصل الفريق ويفتح آفاق الحوار وتبادل الآراء والمنهجيّات المناسبة. في حين يُوحي نقل المعلومات بالسلبية وعدم الحاجة إلى القيام بأيّ خطوة لاستثمارها.
12. التواصل بحريّةٍ وبدون ارتباك:
يحمل التواصل من دون خوفٍ في طياته أهميَّةً بالغةً بالنسبة إلى القائد؛ وخاصةً حينما نعلم أنَّ التواصل يأخذ جُلّ وقت القائد. يجب أن يتمّكن القادة من التواصل بدون أن يخشوا من ارتكاب الأخطاء. وإن حدث ذلك؛ يجب عليهم أن يمتلكوا الشجاعة الكافية للاعتراف بها علانيةً؛ بما يضمن لهم كسب ثقة واحترام أعضاء الفريق.
13. وضوح المعاني ومطابقتها للرسالة:
يجب أن يَحرِصَ القائد على وضوح رسائله؛ إذ يتعيّن أن تكون الرسالة واضحةً ودقيقةً، ومكتوبةً بشكلٍ صحيحٍ؛ فكلماته بمثابة مرجعٍ للفريق، وأثرها ممتدٌ على كافة أنشطته. إنَّ وضوح الرسالة ودقتها ومطابقة معانيها المباشرة وغير المباشرة؛ هو فنٌّ لا يُتقنه سوى القادة. إذ قد تؤدي الرسالة الخاطئة إلى نشوب صراعٍ واختلاف في الرأي بين أعضاء الفريق الواحد.
14. التواصل بعقليّة منفتحة:
يجب على القائد التواصل بعقلية منفتحة تُرَحِّبُ بالاقتراحات والأفكار؛ وذلك لتحسين أسلوبه وتعزيز عملية التعلّم لديه. وأفضل طريقةٍ للتعلّم هي مقايضة الكِبَر (الأنا) بالفهم العميق؛ بحيث لا يسمح للكِبَرِ أن يُعِيَق عملية التَّعلم؛ والذي قد يؤدي إلى العديد من المشاكل بين أعضاء الفريق الواحد. كما يجب على القائد الفعاّل أن يشجع على تقديم التغذية الراجعة لتحسين بيئة العمل؛ إذ يُسهم ذلك في التغلّب على أوجه القصور؛ وتصحيح الأخطاء إن وجدت.
15. فن التواصل الفردي:
قد لا يتوفّر للقائد وقتٌ للتواصل مع جميع أعضاء الفريق بشكلٍ فردي، لذا يجب عليه تطوير فن التفاعل مع الأعضاء فردياً حتى وإن كانوا يعملون ضمن مجموعات. يجب أن يخاطب المجموعة بطريقةٍ تُظهِرُه وكأنَّه يتحدث مع الأفراد وجهاً لوجه. إذ يضيف التواصل الفرديّ الشيءَ الكثير إلى الفريق، ويعطيه قدراً من الخصوصيّة والتميّز، ويُلْهِمُ الأفراد لبذل المزيد وتحقيق أشياء عظيمة.
16. استخدام تقنيات التواصل الحديثة:
يجب أن يبرعَ القائدُ في استخدام تقنيات وقنوات التواصل الحديثة بكافة أشكالها، ويواكب تطوراتها المتسارعة، مثل: الاجتماعات باستخدام تقنية الفيديو، والمؤتمرات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.
المصادر:
- المصدر 1.
- 17 قانونا لا يقبل الجدل في العمل الجماعي – جون ماكسويل
- 5Great Traits From 5 Great Leaders
أضف تعليقاً