5 نصائح تمكن القادة من قيادة التغيير بفاعلية

التغيير أمر لا بدَّ منه، لكنَّ هذا لا يعني أنَّه يتم دوماً بسهولة، فعلى الرَّغم من كوننا نحن البشر كائنات مرنة إلا أنَّنا أيضاً نقاوم التغيير.



نحن ننظر للتغيير بحكم طبيعتنا على أنَّه شيء مخيف، وغامض، وصعب، وفي مرحلة الطفولة تكون لدينا قدرة مذهلة على تعلُّم كميات هائلة من المعلومات الجديدة، لكن بينما نتعلم الصواب من الخطأ، والخير من الشر، والأمان من الخطر، تبدأ أدمغتنا بوضع مسارات تدعم هذه المعتقدات من أجل اتخاذ القرارات بسرعة، وتحقيق الكفاءة المعرفية.

يتلقى العقل الباطن هذه المحفِّزات البيئية، ويستخدمها بوصفها روابط لتأسيس معتقداتنا التي بدورها توجِّه سلوكنا توجيهاً عاماً، ويمكن للدماغ في هذه المراحل المبكِّرة من التطور المعرفي أن يتغير وينمو ويتكيف تبعاً لظروف البيئة؛ أي إنَّ لديه استعداداً للتكيف مع الظروف السيئة والجيدة على حدٍّ سواء.

فقد تتشكل لديك معتقدات معينة عن الوالدين والمجتمع والمال والعلاقات، بسبب نشأتك في أسرة مضطربة وتؤمن بهذه المعتقدات على الرَّغم من أنَّها قد لا تتطابق مع الواقع.

المشكلة هي أنَّ هذه المعتقدات المبكِّرة، ستؤثِّر في تشكيل وجهات نظرنا وعاداتنا في وقت لاحق من الحياة، ممَّا يتسبب بمجموعة من المشكلات التي تعوقنا في حياتنا المهنية وتمنعنا من إنشاء علاقات صحية وتحقيق أهدافنا.

قيادة التغيير عملية ممكنة:

على الرَّغم من أنَّ الوضع ليس مثالياً، إلا أنَّه ما يزال لدينا إمكانية لتحقيق النجاح عندما نعلم أنَّ التغيير يمكن أن يكون واحداً من أكثر الأشياء التي تحقق الرضى للفرد.

خاصةً عندما يكون التغيير مقصوداً، ويسعى إلى تحقيق هدف أو إنجاز، ويمكن أن يؤدي إلى التحوُّل نحو الأفضل خاصةً إذا ما أشرف أحد النظراء المحترمين الذي يقود التغيير بوعي بوساطة تطبيقات بناء الفريق، والتجربة، والقيادة الخدمية.

يجب أن يمتلك قادة المستقبل القدرة على جعل التغيير عملية جماعية سهلة سواءً بالنسبة إلى الفرق التي يقودونها أم بالنسبة إلى زملائهم، حتى يتمكنوا من مواكبة التطورات، والتغيرات السريعة التي تحدُث من حولنا.

بصرف النظر عن تجارب الطفولة، إلا أنَّنا جميعاً نعاني صعوبة في تقبُّل التغيير، والسبب أنَّ الوظيفة الأساسية لأدمغتنا هي المحافظة على سلامتنا، وليس مساعدتنا على خوض تجارب جديدة، فيعمل الدماغ البشري إلى الحفاظ على سلامتنا من أجل البقاء على قيد الحياة أطول فترة ممكنة؛ وذلك حتى نتمكن من الحفاظ على نوعنا بالتكاثر وتربية أبنائنا.

هذا هو واقع الحال، لم يكن أبداً التغيير جزءاً من وظائف الدماغ، وهذا هو السبب في أنَّه يمكن أن يسبب لنا قلقاً وتوتراً كبيراً عندما نعمل على إحداثه أو نمر به.

إقرأ أيضاً: كن نسراً، كن أنت التغيير الذي تنشده في هذا العالم

5 نصائح أساسية تساعدك على قيادة التغيير:

إذا كنا نريد حقاً القيام بتغيير هادف، فعلينا أن نبدأ بتغيير طريقة تفكيرنا، وللقيام بذلك ينبغي اتباع بعض النصائح التي سنذكرها فيما يأتي:

1. كن قدوةً لأعضاء الفريق:

دائماً ما تكون الأفعال ذات أثر أعمق من الكلمات، وهذه هي الطريقة المُثلى لجعل التغيير عملية سهلة، فهي تمكِّن الآخرين من المشاركة في العملية.

البشر كائنات اجتماعية؛ ولذلك عندما يمر أحد أعضاء فريقك بمرحلة انتقالية، أو يُجري تغييراً إيجابياً في حياته أو يصبح لديه شغف جديد بشيء ما، فإنَّه يحث الآخرين على إجراء التغيير أيضاً؛ إذ يرغب بشدة في إجراء التغيير، ويبدأ بالتغيير بنفسه، ومن هنا تصبح عملية قيادة التغيير سهلة، فأنت توضِّح للآخرين أنَّهم قادرون على أن يحذوا حذوك والقيام بما قمت به.

نحتاج في معظم المجالات إلى رؤية الآخرين يفعلون شيئاً ما قبل أن نمتلك الثقة الكافية للقيام به، على سبيل المثال،  قبل السادس من شهر مايو/ آذار عام 1954 لم يستطع أيُّ إنسان أن يقطع مسافة ميل (1.6 كيلومتر) في أقل من أربع دقائق، وكان يُعتقد أنَّ هذا مستحيل من الناحية البدنية والفيزيولوجية.

إلى أن قطع روجر بانيستر (Roger Bannister) نجم سباقات المضمار البريطاني مسافة الميل بأقل من أربع دقائق على الرَّغم من الظروف الجوية السيئة والرياح القوية.

الأروع من ذلك أنَّه في غضون عامين كسر تسعة أشخاص آخرين رقم الأربع دقائق، إذاً ما الذي تغيَّر؟

لقد تغيَّرت قدراتهم السيكولوجية، وتوقعاتهم لما كانوا قادرين على تحقيقه؛ بمعنى أنَّه عندما يرى الإنسان شيئاً ما يحدث أمام عينيه فلا يسعه إلا أن يؤمن به، وهكذا عندما تقوم بالتغيير فإنَّك تصبح قدوة، ويؤمن الآخرون أنَّ بوسعهم القيام بالشيء نفسه، ويتحقق مفهوم القيادة الحقيقية.

2. تفهَّم وجهة نظر الموظفين وتقرَّب منهم:

يكاد يكون من المستحيل أن تتفاهم مع الشخص دون أن تتفهم وجهة نظره، وعلى الرَّغم من ذلك فإنَّه كثيراً ما يُغفل هذه الحقيقة في عملية قيادة التغيير، والسبب هو بساطة هذا العنصر من عناصر العملية، وإنَّ تفهُّم وجهة نظر الآخرين أمر حاسم في عملية التغيير؛ لأنَّه يُنشئ أساساً متيناً يمكن للجميع العمل به.

من الخطأ أن تطلب من زميل أو صديق أن يجري تغييراً في سلوكه، ويتبنى سلوكاً غريباً بالنسبة إليه؛ لأنَّ ذلك سيجعله يشعر بأنَّه معدوم الأهمية وغريب، ممَّا يؤدي إلى شعوره بالتوتر والقلق والإرباك بسبب الفجوة بين ما هو عليه وما يُطلب منه أن يكون.

يمكن أن يؤدي التنافر إلى مشكلات عدة باختلاف ظروف حدوثه، سواء في اجتماعات العمل أم في المنزل بدءاً من القلق إلى الاكتئاب وانخفاض القدرة على التواصل، الأمر الذي قد يصل أحياناً إلى انعدام أيِّ وسيلة للتفاهم، وتراجع أساليب التواصل، مثل: التواصل بالعين وتغييرات في عادات العمل.

عندما تكون قادراً على تفُّهم وجهة نظر شخص ما فإنَّك بذلك تمنحه شعوراً بالراحة، وهذا أساسي نظراً لأنَّ التغيير غير مريح، إلا أنَّك عندما تبدأ مع الشخص تدريجياً من إحدى المسلمات لديه، فإنَّ ذلك يمنحه شعوراً بالراحة، والأمان، ويزيد من فرص النجاح زيادة ملحوظة؛ وذلك بسبب شعور الشخص أنَّ الأمر الذي يُقدِم عليه يصبح مألوفاً نوعاً ما.

هذا الشعور بالراحة النفسية ضروري لإحداث التغيير وتبنِّي عادات جديدة؛ لذلك في المرة القادمة التي تجد نفسك فيها تقود عملية تغيير احرص على تفهُّم وجهة نظر الأشخاص الذين تقودهم.

3. احرص على جعل الموظفين يشعرون بالأمان:

إذا كان دور القائد وقدرته على تفهُّم وجهة نظر الأشخاص الذين يقودهم بمنزلة حجر البناء لعملية التغيير، فإنَّ توفير الشعور بالراحة والأمان لدى الموظفين يكون بمنزلة مخطط البناء.

كما ذكرنا سابقاً، فإنَّ أدمغتنا تتعامل مع التغيير على أنَّه خطر؛ لأنَّه يخرجنا من منطقة الراحة الخاصة بنا، ويُدخلنا في المجهول، وتثير أدمغتنا في الأوقات التي نشعر فيها بعدم اليقين نوعاً من الاستجابات يُسمى استجابة الضغط، التي تقلل من قدرتنا على المعالجة المعرفية، وتجعلنا متأهبين لوضعية الكر والفر.

لكن للأسف، لا يعدُّ أيٌّ من هذين الخيارين مفيداً؛ لأنَّهما ليسا نتيجة لنمط التفكير النقدي ويؤديان إلى قرارات سيئة يمكن أن تتراكم بمرور الوقت، وتؤثِّر تأثيراً كبيراً في النتيجة النهائية.

لكن عند إنشاء بيئة تشِّجع على عدِّ الأخطاء تجارب يمكن التعلُّم منها وتحث على تقبُّل التغيير، يمكن للناس تبني سلوكات من شأنَّها تغيير ما يحصلون عليه من نتائج.

هذه مشكلة بالنسبة إلى قادة الأعمال الذين يستخدمون أسلوب القيادة التفصيلية، فهؤلاء ينشئون بيئة مليئة بالقلق والتوتر، ممَّا يضعف ثقافة الشركة ويحدُّ من قدرة قادتها على التخطيط، ونتيجةً لذلك تُحدَّد النتائج النهائية للشركة بإمكانات موظفيها، وقراراتهم اليومية التي تخص تقبُّل التغيير.

إذاً، ما ينبغي أن تفعله بصفتك قائداً هو أن تمنح فريقك الحرية في تقبُّل تجارب جديدة وإن كانت تنطوي على ارتكاب أخطاء، والتعلُّم منها؛ فالتغيير ينبغي ألا يكون صعباً.

شاهد بالفديو: 10 نصائح لتطوير المهارات القيادية

4. ساعد الموظفين على بلوغ حالة التركيز:

وجد عالم النفس ميهالي شيكسينتميهايي (Mihaly Csikszentmihalyi) في عمله المتعلق بحالات تركيز الوعي أنَّ الأشخاص الذين ينخرطون في حالة تركيز، تزداد لديهم القدرة على الشعور بالمتعة، ويشعرون بطاقة أكبر، ويندمجون في عملهم بسهولة أكبر؛ وهذه هي الحالة الذهنية المثالية التي يجب أن نسعى إليها جميعاً في عملنا وحياتنا الشخصية.

بلوغ حالة التركيز الجماعي بالنسبة إلى فريق العمل هو الطريقة المُثلى لقيادة التغيير؛ لأنَّه يؤسس بيئة تشجع على الإنتاجية، وتحقيق الإنجازات، وبلوغ أقصى درجات الأداء، وأفضل ما في ذلك هو أنَّ بلوغ مرحلة التركيز يجعل الشخص يشعر بالرضى في أثناء إجراء التغيير، وعندما يصل الأفراد إلى حالات تركيز الإنتاجية هذه، فإنَّهم يندمجون كلياً في عملهم، ويصبح من السهل عليهم إجراء التغيير.

إضافةً إلى المزايا الآتية التي يحققها بلوغ حالة التركيز:

  1. زيادة التنظيم العاطفي.
  2. زيادة الشعور بالمتعة والرضى.
  3. زيادة الشعور بالسعادة.
  4. بلوغ مستويات عالية من التعلُّم وتطوير المهارات.

بصفتك قائداً يهتم بقيادة التغيير، فإنَّ التركيز هو أفضل وسيلة لتحقيق النمو ورفع الإنتاجية، فعندما ينشر القادة ثقافة تشجع على التركيز، يصبح العمل الصعب سهلاً، وتتحول المهمات المعقدة إلى مشاريع قابلة للتنفيذ، ويزداد شعور الموظفين بالرضى الوظيفي.

إذاً، إنَّ إيصال الفريق إلى حالة التركيز هو اللمسة النهائية المطلوبة لقيادة التغيير؛ وذلك لأنَّها توفر تغذية راجعة فورية وشعوراً بالرضى، وتحقق نتائج أفضل.

5. كن صبوراً وتبادل النصائح:

لا يحدث التغيير بين ليلة وضحاها؛ بل قد يستغرق الأمر وقتاً للحصول على النتائج المرجوة، ولذلك يجب ألا نعتقد أنَّ بوسعنا تسريع العملية أو حرق المراحل.

كما أنَّه من الممكن أن يكون التغيير تجربة مخيفة بالنسبة إلى بعض الناس، إلا أنَّه بالنسبة إلى بعضهم الآخر شيء يفعلونه بانتظام، ولذلك نرى بعضهم يتفنن في قيادة التغيير من حيث العثور على المعدَّل الصحيح للانتقال من مرحلة إلى أخرى، والإيقاع المناسب والدافع الملائم، وهذا هو سبب تباين الآراء المتعلقة بهذا الموضوع.

عندما يتحلى قادة الأعمال، والشركات بالصبر في التعامل مع زملائهم، فإنَّهم يقدِّمون لهم دعماً إضافياً؛ وذلك لأنَّهم يتركون لهم حرية إجراء التغيير بالوتيرة التي تناسبهم، وللأسف، لا تأخذ عملية قيادة التغيير منحىً خطياً؛ لذلك يجب على القادة ألا يبالغوا في توقعاتهم، ويكونوا منفتحين لتلقِّي التغذية الراجعة.

حين يطلب قادة الأعمال من الموظفين نصائح بدلاً من التغذية الراجعة، فإنَّهم يعززون بذلك الشعور بالأمان لدى الموظف، ويشجعون زملاءهم وأقرانهم على تجربة أساليب جديدة في العمل، والتعلُّم من الأخطاء، وطرح الأسئلة، وتحدي أنفسهم دون القلق من عواقب الفشل.

بمعنى أنَّه عندما يُمنح الموظفون الفرصة لتقديم الاقتراحات، يتعزز لديهم الشعور بأنَّهم جزء من الفريق الذي تتماهى أهدافه مع أهدافهم، ويعزز هذا بدوره رغبتهم في بذل مزيد من الجهد لإنجاز المشاريع والمهام.

لكنَّ هذه العملية تبادلية، فكما تحتاج أنت إلى نصائح أعضاء الفريق يحتاج أعضاء فريقك أيضاً إلى نصيحتك لتحسين أدائهم والبقاء متوافقين مع أهداف الشركة، ويجب ألا تكون النصيحة عبارة عن مجموعة من الانتقادات الصارمة؛ بل يجب أن تهدف إلى المساعدة على تحقيق الأهداف قصيرة الأمد وبعيدة الأمد، وبذلك يبقى الموظفون مركزين على الهدف النهائي دون أن تتشتت أذهانهم بمراحل العملية.

يجب أن تتواءم الجهود مع حالة عدم اليقين الحالية داخل الشركات؛ وذلك لإزالة أكبر قدر ممكن من عدم اليقين والتوتر لتجنيب الموظفين ذهنياً الدخول في حالة التأهب للكر والفر.

إقرأ أيضاً: توزيع المهام على أعضاء الفريق

في الختام:

يصنع قادة اليوم قادة المستقبل، وعندما تقود التغيير ستُدهش من عدد الأشخاص الذين يقدِّمون لك يد المساعدة لإنجاح العملية، ويتمتع القادة العظماء بتأثير أكبر في شركاتهم، ممَّا يعزز الزخم ويغذي ثقافة الشركة، وهذا هو السبب في أنَّ النتائج تفوق في كثير من الأحيان التوقعات المبنية على البيانات والمقاييس الخطية.

بالنتيجة فإنَّ أكثر الكيانات تأثراً بقيادة التغيير هو المجتمع ككل؛ وذلك لأنَّه في نهاية المطاف ليست الشركات سوى عبارة عن مجموع هؤلاء الأفراد؛ إذاً، العمل قضية فردية بالدرجة الأولى طالما أنَّه ينطوي على بناء العلاقات والثقة وتسهيل النمو عبر جوانب متعددة للشركة.

إذا اتبع القادة التكتيكات والأدوات المناسبة، فإنَّ قيادة التغيير تصبح عملية سهلة، وقد يكون أكثر ما يحقق للقائد نتائج مبهرة؛ لذلك يتجه كثير من القادة نحو تبني هذه العملية وتطبيقها.

التغيير أمر لا مفر منه، ومن أجل الاستمتاع به يجب أن نفهمه على أنَّه عملية تغيير المفاهيم والأفكار أولاً، وهذا سيجعله عملية سهلة بلا شك.

المصدر




مقالات مرتبطة