ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "مارك كرنوف" (Marc Chernoff)، ويُشاركنا فيه بعض الأفكار المتعلقة بقلق المرء حيال آراء الآخرين فيه.
ربط قيمتك الذاتية بآراء الآخرين يشوه نظرتك إلى الواقع:
إنَّ ربط قيمتك الذاتية بآراء الآخرين يشوه نظرتك إلى الواقع، علينا أن نفهم بدايةً سبب هذه النزعة لدينا، ثمَّ نبدأ بإصلاحها.
تُعَدُّ رغبتنا في أن يرانا الآخرون جذَّابين، وتفقُّد عدد الإعجابات والتعليقات على منشوراتنا في مواقع التواصل الاجتماعي دلائل على أنَّ معظمنا يهتم بآراء الآخرين، ويُعزى جزء كبير من هذا السلوك إلى رغبة فطرية تُولَد مع الإنسان؛ إذ أثبتت الدراسات أنَّ الأطفال الصغار يستمدُّون عواطفهم مباشرةً من سلوكات الآخرين من حولهم.
مع تقدُّمنا في العمر نتعلم أن نفصل أفكارنا وعواطفنا عن الآخرين، لكن يستمر معظمنا في طلب التقييم الاجتماعي الإيجابي والتماسه من الآخرين؛ ممَّا يسبب مشكلات خطيرة فيما يخص التقدير الذاتي والسعادة، وأُجرِي منذ فترة استطلاع على 3000 شخص، وأقرَّ 67% منهم أنَّ قيمتهم الذاتية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بآراء الناس فيهم.
من الطبيعي أن يرى البشر كل تجربةٍ يخوضونها من منظور توقعاتهم المكتسبة، وهي مجموعة من المعتقدات المتجذرة عن الطريقة التي يسير بها العالم وكيف ينبغي أن تكون الأمور، وأحد التوقعات السائدة لدينا تشمل تأييد الآخرين لنا وطريقة استجابتهم لنا.
الذات ذات المظهر الزجاجي:
عرَّف عالم النفس الاجتماعي تشارلز كولي (Charles Cooley) منذ حوالي قرن ظاهرة "الذات ذات المظهر الزجاجي" (looking-glass self) وهي تصف العملية التي يعتمد فيها الأفرادُ إحساسَهم بأنفسهم، فلا يقوم تعريف المرء لذاته على نظرته الشخصية ولا على آراء الآخرين فيه؛ وإنَّما على ظنه بآراء الآخرين به.
يقوم هذا النوع من طلب التأييد الخارجي في صميمه على عدم الأمان، واعتماده ولو لوقت قصير يدمِّر إحساسنا بالقيمة الذاتية والثقة بالنفس.
تكمن المشكلة في أنَّنا ننسى أنَّ حكم الناس علينا يستند إلى مجموعة من التأثيرات المرتبطة بحياتهم التي لا تتعلق بنا مطلقاً؛ فقد يفترض أحدهم أموراً عنك اعتماداً على تجربة ماضية عصيبة واجهها مع شخص يشبهك أو يحمل اسمك مثلاً، ومن ثمَّ بناء قيمتك الذاتية بناءً على أحكام الآخرين يضعك في حالة دائمة من الضعف تحت رحمة وجهات نظرهم غير الموثوقة والمتحيزة.
إذا رآك الآخرون وفق منظور مناسب وتجاوبوا معك بطريقة إيجابية فإنَّك ستشعر بالرضى عن نفسك، وستشعر بخلاف ذلك بأنَّك اقترفت خطأ ما؛ باختصار، عندما تربط جميع أفعالك برضى الآخرين، وتبني سعادتك وقيمتك الذاتية على آرائهم، فإنَّك ستعيش حياة شخص آخر.
يتمتع الإنسان بقدرته على مراقبة أفكاره وتوقعاته وتحديد ما ينفعه وتغيير ما يؤذيه؛ لذلك من أجل التوقف عن القلق المتعلق بآراء الآخرين فيك، عليك معاملة الحياة بموضوعية، وتطوير نظام تقييم لا يعتمدُ الآخرين في كل مراحل حياتك.
إليك 5 طرائق؛ لتتوقف عن القلق إزاء آراء الآخرين بك:
1. تذكير نفسك بأنَّ معظم الناس لا يفكرون بك بالأساس:
قالت الكاتبة إثل باريت (Ethel Barrett) ذات مرة: "سيقل قلقنا حيال آراء الآخرين بنا عندما ندرك أنَّهم قلَّما يفكرون بنا"، هذا أقرب ما يمكن للحقيقة؛ لذا تجاهَل ما يفكر الآخرون بك اليوم؛ فهم على الأرجح لا يأبهون بك، وفي حال اعتقادك أنَّهم يفكرون بك دائماً؛ فعليك أن تفهم أنَّ تصورك لمراقبتهم وانتقادهم لجميع تحركاتك هو من نسج خيالك بالكامل، وإنَّ مخاوفك الداخلية وانعدام الأمان لديك تخلقان هذا الوهم، وتكمن المشكلة الحقيقية في أنَّك أنت من تحاكم نفسك.
شاهد بالفيديو: 8 أشياء لا تحتاج إلى موافقة الآخرين للقيام بها
2. الإقرار بأنَّ طلب التأييد الخارجي يعوق تقدُّمك:
عليك أن تمضي بعض الوقت لتوضح لنفسك بجلاء ووعي كيف تنشأ أفكارك المتعلقة بآراء الآخرين حيالك في حياتك، فكر في المواقف التي أعاقت فيها هذه الأفكار حياتك، وحدد أسبابها وردود الفعل المؤسفة التي تسببها في حياتك، ثمَّ حدِّد السلوكات الجديدة التي تؤدي إلى استجابات أكثر نفعاً.
أخبر نفسك: "بدلاً من الاستجابة وفق الطريقة القديمة باعتماد تصوري لرؤية الآخرين لي، فإنِّي سأستجيب وفق طريقة تفكير جديدة حيال نفسي"، في كل مرة تقاطع فيها استجابتك التلقائية وتستجيب استجابة مختلفة؛ فأنت تعيد برمجة دماغك وتغير عقليتك وأنماط التفكير بحيث تعمل بكفاءة أعلى.
يكمن الهدف النهائي بعدم السماح لآراء الآخرين بأن تشكِّل واقعك، وألا تضحي بهويتك لأنَّها لم تُعجب أحدهم، وأن تحب نفسك بمحاسنها وعيوبها، وتمضي قدماً في حياتك.
3. الشعور بالراحة لعدم معرفة آراء الآخرين:
عندما بدأت العمل على مدونتي فكرت كثيراً إذا كان الناس سيجدون كتاباتي جيدة بما فيه الكفاية، وتمنيت بشدة أن تعجبهم، وكنت أتخيل في الغالب أنَّها لن تنال إعجابهم، ثمَّ أدركت في أحد الأيام كمَّ الطاقة الذي كنت أهدره على القلق حيال الأمر؛ فبذلت جهدي للتصالح مع فكرة تجاهل آرائهم.
بعض المشكلات في الحياة مثل أن تجهل رأي الآخرين بك لا يفترض بها أن تُحل، كما أنَّ انطباعات الآخرين عنك ترتبط بهم أكثر منك؛ فقد يحبونك أو يكرهونك ببساطة لأنَّك حفَّزت فكرةً في عقولهم ترتبط بشخص أحبوه أو كرهوه في الماضي، وهذا الأمر لا يتعلق بك مطلقاً.
يمكنك ترديد هذه العبارة التحفيزية: "هذه هي حياتي، وخياراتي، وأخطائي، ولأنَّني لا أؤذي أحداً؛ فأنا بغنى عن القلق بشأن أفكار الآخرين حيالي".
4. إعادة تركيز الانتباه على الأمور الهامة:
لا يمكنك التحكم بطريقة تفكير الناس مهما كنت حذراً في انتقاء كلماتك وأسلوب تعاملك؛ فثمة احتمال كبير أن تُفسَّر تفسيراً خاطئاً وتُحَرَّف، وهذا غير هام عند النظر للحياة بكُلِّيتها، وما يهم فعلاً هو رؤيتك لنفسك؛ لذلك عند اتخاذك قراراً مصيرياً احرص على التمسك بقيمك وقناعاتك، ولا تخجل من فعل ما تراه صواباً.
لمساعدتك على تطبيق هذه العادة الإيجابية ابدأ بتعداد 5-10 أشياء تهمك عندما يتعلق الأمر في بناء شخصيتك وعيش حياتك بطريقة مشرفة؛ على سبيل المثال:
- الصدق.
- الأمانة.
- احترام الذات.
- الانضباط الذاتي.
- التعاطف.
- التقدُّم.
- الإيجابية.
- وغيرها.
يمنحك امتلاك قائمة مرجعية مثل هذه فرصة لاستحضار سلوكاتك/صفاتك المنتقاة بعناية بدلاً من القيام بأشياء عشوائية من أجل التأييد الخارجي، على الرغم من بساطة الأمر إلا أنَّ معظم الناس لا يحددون الصفات الهامة بالنسبة إليهم عندما يتعلق الأمر بصورتهم الذاتية؛ وإنَّما يتركون المهمة للآخرين.
شاهد بالفيديو: كيفية تقدير الذات
5. الابتعاد عن الأفكار الكارثية:
جميع أنواع القلق بما فيها القلق من الرفض تزدهر في بيئة من التفكير الكارثي، وتوهمنا عواطفنا بأنَّ نتائج أفعالنا غير المرغوبة أسوأ بكثير من الواقع.
- ماذا لو لم ألقَ استحسانهم؟
- ماذا لو رفضني؟
- ماذا لو أنَّني لم أندمج في الحفلة وأمضيت الوقت وحيداً؟ وغيرها.
لن يؤدي أيٌّ من هذه المواقف إلى نهاية العالم مثلاً، ولكن إذا أقنعنا أنفسنا بأنَّها كذلك فإنَّنا سنهاب النتائج بصورة غير منطقية وسنسمح لمخاوفنا بالسيطرة علينا؛ لكنَّنا في الواقع نحن عاجزون عن توقع كيفية تأثير المحن المستقبلية بدقة في مشاعرنا، في الواقع في معظم الوقت نتعمد تجنب التفكير في الأمر من أساسه؛ ما يسهم في ترسيخ مخاوفنا الباطنية.
لذلك اسأل نفسك: "إذا حلت المصيبة، وتحققت نبوءة مخاوفي وتعرضت للرفض، ما هي الطرائق البناءة التي ستمكنني من معاملة الأمر والمضي في حياتي؟".
أخبر نفسك قصة أو اكتب واحدة عن شعورك بعد الرفض، كيف ستسمح لنفسك بالانزعاج لبعض الوقت، ثمَّ كيف ستبدأ عملية النضج بعد التجربة والمضي في حياتك؛ سيساعدك هذا التمرين على تقليل خوفك من احتمال إساءة تقدير أحدهم لك، وعندها ستبدأ بإدراك أنَّ ما يظنه الناس حيالك لا يهم لهذه الدرجة.
في الختام:
أنت جدير بالاهتمام ومتكامل وكافٍ على طبيعتك الحالية، كما أنَّك بِغِنىً عن مصادر التأييد الخارجية من قبيل التصفيق الحار أو الترقية أو النقود، ليس عليك إثبات شيء.
لا تشغل نفسك بنظرة الآخرين لك؛ وإنَّما عليك الاهتمام بصورتك الذاتية، ستوفر على نفسك كثيراً من الحزن والخيبة عندما تتوقف عن طلب التأييد من الآخرين الذي أنت وحدك تستطيع منحه لنفسك.
أضف تعليقاً