من الناحية الاقتصادية، تُقدّر إحدى الدراسات أنَّ عدد ساعات النوم غير الكافية تُكلّف الاقتصاد العالمي 411 مليار دولار أمريكي سنوياً. كما تُعَرِّضُ قلة النوم صحتنا للخطر؛ إذ يعتمد كلٌّ من الجهاز المناعي والذاكرة وصنع القرار العقلاني على النَّوم الجيد ليلاً من أجل حُسنِ سير العمل. في إحدى الدِّراسات التي تظهر الجانب المروع لهذا الأمر، ارتكب الجراحون أخطاء أكثر بنسبة 20٪ عندما كانوا يعانون من قلة النوم، بالمقارنة مع نظرائهم الذين حصلوا على عدد ساعات نوم كافية.
يلجأ كثير من الناس إلى الحبوب المنومة عند معاناتهم من مشاكل في النوم، لكنَّ مشكلة الحبوب هي أنَّها تهدئ القشرة الدماغية دون توفير الراحة البيولوجية الطبيعية. بعبارة أخرى، لا تُحسن الأدوية نوعية نومك، وإنَّما تزيد كمية الوقت التي تقضيه وأنت غير واعٍ.
لماذا يُعتبر النَّوم مهماً؟
غالباً ما يتم التَّغاضي عن أهمية النَّوم في حياتنا المزدحمة. لكن حقيقة أن جميع الكائنات الحية لا تستطيع العيش من دونه تُشير إلى مدى أهمية النَّوم لصحتنا عقلياً وجسدياً. لقد ثبتَ أنَّ النوم يجعلنا أكثر إبداعاً وسعادة، وأقل قلقاً وأكثر مقاومة للأمراض. كما يُقلِّلُ من خطر الإصابة بالأزمات القلبية، ويقوي الذاكرة.
وبالنَّظر إلى فهمنا المتزايد لأهمية النوم، فليس من المستغرب أن تبدأ الأندية الرياضية مثل نادي مانشستر يونايتد، في تعيين "مدربين للنوم" من أجل ضمان حصول لاعبيه على أفضل نومٍ ممكن. إذ يتنقل هؤلاء المدربون مع الفريق ويتأكدون من جودة الهواء والإضاءة وثبات الأسرَّة في غرف نوم اللاعبين من أجل ضمان أفضل نوم ممكن للاعبي الفريق.
لا تتوقف فوائد النوم عند الرياضيين المحترفين فحسب، إذ يمكن أن يوفر لك أنت أيضاً المزيد من الوضوح الذهني طوال اليوم. لذا إن كنت تستيقظ مترنحاً وتبقى في حالة من الخدر طوال اليوم، أو إذا لم تقدر على أن تنام لمدة 8 ساعاتٍ كاملة، فإليك بعض الحلول العلاجية التي يمكن أن تساعد في الحصول على نومٍ هانئ:
1. العلاج السلوكي المعرفي للأرق (CBTI):
إنَّه من أكثر الطرائق استخداماً في علاج مشاكل النوم، والذي أثبت نجاعته مع العديد من المرضى خلال مدة تتراوح بين 5 إلى 8 أسابيع من العلاج. تعالج تقنية العلاج السلوكي المعرفي التَّفكير السلبي وأنماطَ السُّلوك. فإن اعتدت تكوير الأوراق ورميها، فغالباً ما يكون ذلك نمطاً عقلياً، مثله مثل الإجهاد المفرط والقلق اللذان يتسببان في اضطراباتٍ في النَّوم. باختصار، تتضمن طريقة العلاج السُّلوكي المعرفي تحديد الأفكار والمعتقدات السَّلبية وإبطالها، وإيجاد نمط تفكير يكون أكثر فائدة.
2. تقييد عدد ساعات النَّوم (SRT):
الهدف من هذا العلاج هو الحدُّ من الوقت الإجمالي الذي يقضيه المريض في السَّرير من دون أن يستطيع النوم، وخلقِ ارتباط أقوى بين موعد النَّوم والنوم فعلياً.
تتَّبع هذه التقنية التي طورها عالم النَّفس المشهور آرثر سبيلمان، جدولاً صارماً من أجل زيادة مقدار الوقت المسموح فيه بالتواجد في السرير تدريجياً. فلنفترض مثلاً أنَّك تذهب إلى فراشك عند السَّاعة العاشرة مساءً وتستيقظ في السَّاعة السابعة صباحاً، ولكنَّك تنام لمدة خمس ساعات فقط. ستبدأ حينئذٍ بستة ساعات يُسمَح لك فيها بالراحة، كأن تذهب مثلاً إلى سريرك في السَّاعة 11 مساءً وتستيقظ في الساعة 5 صباحاً. يمكنك بعد ذلك إضافة 15 دقيقة نوم أو نصف ساعة تدريجياً كل أسبوع، إلى أن تنام عدد ساعات نوم كافية.
لقد تبيَّنَ أنَّ هذه التقنية هي أكثر التِّقنيات فعالية من أجل الحصول على نومٍ صحي. بيد أنَّها ليست حلاً سريعاً؛ إذ يستغرق الأمر أسابيع من العمل الدَّؤوب لإعادة تنظيم مواعيد نومك، لذا لن تحصل على نتائج فوريَّة من خلال اتِّباعك هذه الطريقة.
شاهد بالفيديو: 6 أسباب وراء الحرمان من النوم العميق
3. التَّأمل وممارسة اليوغا:
نحن نستطيعُ توظيفَ التَّأمل كشكلٍ من أشكالِ علاجِ مشاكلِ النَّوم. يُعتبر الوعي التام (Mindfulness) شكلاً بسيطاً من أشكال التَّأمل، والذي يمكنك من خلاله السَّيطرة على الأفكار والسُّلوكيات غير المنضبطة. ومن خلال تعلُّم أن نعيش أفكارنا وعواطفنا وأحاسيسنا عن كثبٍ من دون الحُكم عليها، نستطيع تهدئة وتجهيز عقولنا من أجل نومٍ عميق وهادئ.
يُتيح التَّأملُ التَّامُ للأفراد تسليط الضَّوء على خططهم العقلية فيما يسمى بالوعي المعرفي المعمَّق (introspective metacognitive awareness). عند القيام بذلك، تتمكن من التواصل مع أفكارك أكثر، وتخفيف القلق والاضطرابات العقلية الأخرى التي قد تقلل من عدد ساعات النَّوم.
4. التنويم المغناطيسي:
تَضعُ تقنيات التَّنويم المغناطيسي المريضَ في حالة استرخاء وتجعله سهل الاقتناع، بحيث يَسهُلُ إعادة برمجة أفكاره وآرائه. كما أنَّ المرضى الذين لا يقدرون على تغيير أنماط تفكيرهم السَّلبية باستخدام العلاج السُّلوكي المعرفي، قد يجدون في التَّنويم المغناطيسي البديل المناسب.
يوظف التَّنويم المغناطيسي الكلمات التَّحفيزية كالإيحاءات الضمنية مثل كلمة "استرخِ" و"تغاضى عن الأمر"، من أجل دفع المرضى إلى الاسترخاء. وبما أنَّ مركز اتخاذ القرار في عقلك مسؤول إلى حدٍّ كبير عن التَّأمل وأنماط التَّفكير الأخرى التي تبقيك مستيقظاً، يسمح التَّنويم المغناطيسي للمتخصص بأن ينفذَ إلى عقلك الباطن، ويزرع فيه الأفكار التي تساعدك على النَّوم بشكلٍ أسرع.
5. تقنيات التَّنفس:
يؤثر التَّنفس بشكلٍ مباشر على الجهاز العصبي الذاتي (اللاإرادي)، والذي يؤثر بدوره على نشاطك العقلي. ترتبط مشكلات النوم في بعض الأحيان بفرط نشاط الجملة العصبية الودية، لذا يكون التَّنفس عبارةً عن وسيلة سريعة للتَّقليل من حدة هذا الأمر.
هناك الكثير من طرائق التنفس التي تؤثر على عمل جسدك وعقلك. فيما يلي ثلاثة تقنيات تنفس مهمة، والتي تؤثر فورياً على حالتك الذهنية:
- التَّنفس بسلاسة: أيُّ تنفسٍ بخلاف ذلك سيكون تنفساً متشنجاً ومتقطعاً. بينما من الأفضل أن يكون تنفسنا عبارةً عن هواءٍ يدخل ويخرج إلى رئتينا بسهولة ويُسر، مع فاصل زمني مريح بين كل عملية شهيق وزفير.
- التنفس المتوازن: من المهم أن يُحقِّق تنفسك نسبةً متوازنة بين الشَّهيق والزَّفير. لذا من أجل تهدئة نفسك أكثر، حاول الزَّفير لفترة أطول من الشهيق، على شكل 4 ثواني للشهيق مقابل 6 ثواني من الزَّفير.
- التنفس الحجابي: يحدث ما يسمى التَّنفس الحجابي أو (التَّنفس البطني - belly breathing) عن طريق تلامس الحجاب الحاجز مع جوف البطن. حيث يدخل الهواء إلى الرِّئتين وينتفخ البطن خلال هذا النوع من التنفس. وإن رغبت في رؤية مثالٍ على ذلك، انظر إلى طريقة تنفس الأطفال.
تعمل جميع مظاهر التَّنفس الثلاثة على تنشيط الجهاز العصبي الودي، مما يُريحُ الجسم والعقل.
نصائح إضافية من أجل الحصول على نومٍ أفضل:
- الذَّهابُ إلى السَّرير في نفس التَّوقيت، والاستيقاظ في نفس التَّوقيت كل يوم.
- ضبط درجة حرارة غرفتك على درجةٍ معتدلة.
- عدم الأكل أو ممارسة الرياضة قُبيلَ النوم مباشرة.
- الاستحمام بماءٍ ساخن قبيلَ الذهاب إلى النَّوم.
- التَّعرض لأشعة الشَّمس صباحاً.
- قراءة كتابٍ قُبَيلَ الخلودِ إلى النوم.
- تجنُّب القيلولة بعد السَّاعة 3 بعد الظهر.
- تجنُّب الكحول والتَّبغ والكافيين وغيرها من العقاقير.
- عدم النَّظر إلى شاشات الهواتف والحواسيب والتِّلفاز قبل الذهاب إلى النَّوم بساعتين على الأقل، أو استخدام تقنية فلترة اللون الأزرق في تلك الشَّاشات.
إذا استمرت المشكلات بعد تنفيذك لهذه النَّصائح، فقد يكون من المفيد الاتصال بطبيب نومٍ متخصِّصٍ من أجل المساعدة على تحسين نوعية نومك. فالنوم ليس بعادة، وإنَّما ضرورة. وبينما يُنفِقُ الناس المليارات من الأموال على المكملات الغذائية وآلات التَّمارين الرياضية والحميات الغذائية، يوجد مجال كبير غير مستثمر قد يفيدنا جميعاً.
وإذا كان هناك مظهر واحد من مظاهر حياتنا لا نوليه اهتماماً كافياً، سيكون على الأغلب ذلك الثلث من عمرنا الذي نقضيه ونحن نيامٌ في أَسرَّتِنا.
أضف تعليقاً