4 طرق لتحبَّ حياتك أكثر

لقد وهب الله الإنسان هذه الحياة وخصَّه هو تحديداً بنعمة العقل العظيمة التي يعقل من خلالها حياته في هذه الدنيا، وهيَّأ له كل الأسباب التي تُيسِّر له الحياة والعيش على سطح هذا الكوكب، فليَّن له المعادن الصلبة وأنبت له الأرض ومكَّنه من السيطرة والتحكُّم بباقي مخلوقاتها، وكل هذا لم يكُن عبثاً؛ وإنَّما ليعمِّر فيها الخير ويكون خليفته على هذه الأرض، وخلافة الله على هذه الأرض وإعمارها لا تكون إلَّا من خلال العمل والمثابرة والاجتهاد والإخلاص والتعاون مع الآخرين، لكن كيف يمكن أن يتم ذلك دون وجود حب في هذه الحياة؟ وإنَّ أولى درجات الحب وأكثرها أولوية هي حب الإنسان لذاته وتقديره لهذه الذات وعدم احتقارها.



قد يتساءَل أحدهم: وهل يوجد من لا يحب حياته أو يحتقرها؟

الجواب ببساطة: نعم، وما عليك سوى أن تتطلَّع إلى أعداد حالات الانتحار وإحصاءات الأمراض النفسية، وتراقب مؤشرات السعادة العالمية ومعدلات الطلاق والجريمة، وغيرها من الحالات التي تدل على عدم حب الحياة واحتقار الذات، والتي يجب أن تكون أقدس ما يملكه الإنسان.

مهما كانت ظروف الحياة معقدة هل ينتحر شخصٌ يحب حياته؟ وهل القاتل أو السارق يقدِم على ما يفعله لو أنَّه يحترم ذاته، وأكاد أكون جازماً لو قلتُ إنَّ غالب الموبقات الاجتماعية من جرائم الانتحار والقتل والسرقة وغيرها من الأفعال السيئة مردُّها الأول يعود إلى احتقار المرء لذاته وعدم تقدير تلك الجوهرة التي منحه الله إياها.

تعاني مجتمعاتنا بشكل عام من كثرة أولئك الأشخاص الذين أصبحوا يائسين من حياتهم وكرهوا يومياتها، فلا أمل ولا طاقة لديهم، فهُم أشبه بتلك السفينة التي فقدت ربَّانها وبوصلتها وتاهت في البحر تلاطمها الأمواج، وكثيرة هي الحجج التي يسوقها أمثال هؤلاء، فمَن منَّا لم يسمع من أحدٍ ما كلمة انعدام الفرص، ولا أمل لديه، والأنظمة والقوانين لا تشجِّع على كذا وكذا، والواسطة هي التي تحكُم هنا، ومجتمعنا لا يمكن الإنجاز فيه، وغيرها الكثير من العبارات التي لا تدل سوى على الإحباط من الحياة، وكره الذات، وقبل أن نغوص في التفاصيل لنقف قليلاً لنطرح على ذواتنا أسئلة هامة وهي:

  1. هل أنا سعيد في حياتي؟ أم أنا تعيس؟
  2. هل أحب نفسي؟ وما هي دلائل هذا الحب؟
  3. هل أنا مقتنع بما أفعل؟ أم عليَّ فعل المزيد؟
  4. لماذا يوجد أشخاص سعداء في حياتهم؟ وآخرون يكرهون الحياة؟
  5. هل صحيح أنَّ الإنجاز في الحياة يجب أن يكون مقروناً بعدم وجود صعوبات فيها؟
  6. هل أعرف هدفي في هذه الحياة؟
  7. لماذا أنا دائماً ما أكون تعيساً في حياتي؟
  8. كيف أستطيع أن أملك زمام حياتي فأحبها؟

إنَّ الإجابة عن تلك الأسئلة تتطلَّب من كل فرد منَّا أن يكون صادقاً مع نفسه لكي يتمكَّن من تحديد ما يريد تماماً في حياته؛ إذ إنَّ مقياس السعادة في الحياة هو مقياس نسبي، فكم من فقير رأيناه في حياتنا يعيش حياته بكل حب وبكل سعادة؟ وكم من غني وجدناه تعيساً لا يعرف كيف يعيش؟ وعلى هذا فإنَّ المال لا يُعَدُّ مقياساً لحب الحياة.

إنَّ القناعة بما هو موجود لدى الفرد تُعَدُّ من أهم أسباب السعادة، لكن على المرء فينا أن يميز بين القناعة والاستسلام؛ إذ إنَّهما مفهومان مختلفان تماماً، فالقناعة هي الأخذ بكامل الأسباب والاكتفاء في النصيب المقسوم، في حين أنَّ الاستسلام يُعَدُّ الخضوع إلى سلطة الواقع دون الأخذ بأسباب البحث عن السعادة في الحياة.

إنَّ تحقيق الإنجازات في هذه الحياة لم يكُن في يوم من الأيام مقروناً بانعدام الصعوبات؛ بل يمكن أن يكون على خلاف ذلك تماماً، فالأمل والنجاح غالباً ما يُولَدان من رحم المعاناة، وكثيرة هي الأمثلة في هذا المجال، فمَن منَّا لا يعرف بدايات حياة أعظم لاعب في كرة القدم "مارادونا" وما عاناه من فقر مدقع؟ ومن منَّا لم يسمع عن البطل المصري "بيغ رامي" بطل مستر أولمبيا مرتين على التوالي، وما عاناه حتى حقَّق ما يريد، وهل يوجد مَن لم يسمع بمعاناة أسرع رجل في العالم الجمايكي يوسين بولت؟

حتى على مستوى الأمم والدول الأخرى، فقد عانت اليابان من ويلات الحرب وتبعات الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، إلَّا أنَّها استطاعت النهوض بكل قوة لتكون في مصاف الدول المُتقدِّمة، وكذلك ألمانيا التي تُعَدُّ الاقتصاد الأقوى في أوربا، وأيضاً دولة الإمارات العربية المتحدة التي نجحت نجاحاً باهراً في تحويل الصحراء إلى جنَّة غنَّاء يطمح الجميع إلى زيارتها والسكن في ربوعها، وبناءً على ذلك نستنتج أنَّ إعمار الحياة والبلاد يحتاج بداية إلى إعمار الإنسان، ودفعه إلى حب حياته، وإعمار ذاته من الداخل لتنعكس على أفعاله وسلوكاته وأفكاره.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح مهمة لتحب حياتك وتسعد بها

كيف أحب حياتي؟

كثيرون هم الأشخاص الذين يعانون في حياتهم إلى درجة قد يصلون فيها إلى كره يومياتها، ويعانون من اليأس والإحباط، وبكل صراحة فإنَّنا نعلم يقيناً أنَّ الحياة ليست خالية من الصعوبات والتعقيدات التي تؤثر في حياة كل فرد فينا، لكن هل الاستسلام إلى تلك الصعوبات هو الحل الذي ينقذنا؟ بالتأكيد لا؛ لذا فإنَّنا نقدِّم لك من خلال هذا المقال خطوات فعَّالة تنجح من خلالها في حب حياتك، لتنفتح عليها وتتجاوز صعوباتها وتحقق النجاحات فيها؛ وهذه الخطوات هي:

أولاً: تغيير النتائج مقرون بإعادة النظر في يوميات حياتك

إنَّ تغيير نمط الحياة نحو الأفضل والحصول على نتائج إيجابية يتطلَّب من المرء أن يغيِّر نمط حياته، وأول طريقة لتغيير نمط الحياة تكمن في التوقُّف لبرهة ومراجعة الذات والاعتراف بالأخطاء المُرتكبة خلال يوميات حياة المرء؛ وذلك من أجل التفكُّر فيها وتصحيح المسار للحصول على أفضل النتائج، ومن ثم حب الحياة وتقديرها.

لنتخيَّل للحظات قليلة ماذا سيحدث لو أنَّ كل فرد منا راجع وحاسب نفسه من خلال إعادة النظر في السلوكات والأفكار، والتي لم ينتبه إليها مسبقاً، بكل تأكيد فإنَّه سيتمكَّن من التعرُّف إلى كل العادات والسلوكات والأفكار التي تعكر صفو حياته؛ بل أكثر من ذلك أيضاً؛ إذ إنَّ هذه المراجعة الصادقة ستمكِّن المرء من إيجاد الحلول لمشكلات حياته وإيجاد البدائل الإيجابية التي تغيِّر من نمط حياته، ومن ثم تتغير النتائج التي يحصل عليها.

كثيرة هي الأمثلة في هذا المجال، فعلى سبيل المثال يوجد موظف دائماً ما توجَّه إليه إنذارات عن التأخير عن موعد العمل، والتعب الدائم في أثناء الدوام الذي يؤثر في إنتاجيته، ولو أراد هذا الموظف تغيير حالته، فما عليه سوى النوم مبكراً لكي يتمكَّن من الاستيقاظ المبكر، وأن يتبع نظاماً غذائياً معيناً يجعله مرتاحاً خلال نومه ليلاً، ومن ثم فإنَّه حتماً سيستيقظ في الموعد المناسب لعمله، ويتجنَّب كل الإنذارات والتنبيهات الموجَّهة إليه.

إقرأ أيضاً: كيف تحب حياتك؟

ثانياً: عيش حياتك وتحمُّل كامل المسؤولية

إنَّ معظم الذين لا يحققون أهداف حياتهم ولا يسعدون بها؛ يملكون مبرراتهم الخاصة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وأغلبهم لديهم حجة واحدة وهي إلقاء اللوم على الظروف والمجتمع والأهل والأنظمة والقوانين، إلَّا أنَّ حب الحياة وتقدير الذات وتحقيق السعادة جميعها أمور لها شرط أساسي لازم وهو تحمُّل المرء لمسؤولية حياته وبنسبة 100% بكل ما فيها من نتائج لكي تتحقَّق السعادة فيها.

بعد أن يتحمل المرء مسؤولية حياته، فإنَّه تلقائياً سيبدأ ويسأل نفسه: كيف سمحتُ لنفسي أن يحدث ذلك؟ كيف ولماذا فعلت هذا؟ ما هو الشيء الذي كنتُ أفكر فيه؟ ماذا كانت معتقداتي التي تصرَّفتُ وفقها؟ ما الذي قلته أو لم أقُله؟ ما الذي فعلته أو لم أفعله لأحصلَ على هذه النتيجة؟ أين كان عقلي في أثناء قيامي بتلك الأفعال؟ وكيف سمحت للآخرين بالتدخُّل في حياتي على هذا النحو؟ ما الذي أحتاج إليه للتصرف بشكل مختلف في المرة القادمة من أجل الحصول على النتيجة التي أريدها؟ وإنَّ طرح مثل هذه الأسئلة يساهم بشكل فعَّال في تغيير الأفكار وتعديل السلوكات، وتصحيح مسارات الحياة لتحقيق الأهداف والحصول على تقدير للذَّات.

شاهد بالفيديو: 8 أمور تميز الأشخاص الذين يحبون حياتهم

ثالثاً: الالتزام بالصبر أولاً وأخيراً

قد يعقُد بعض الناس الهمة على تغيير حياتهم والانتقال بأنفسهم نحو الأفضل، وما إن يبدؤوا حتى تنخفض الهمَّة ويعودوا إلى سابق حياتهم، وكلمة السر هنا تكمُن في الصبر، وقبل التعمق أكثر في الحديث عن الصبر دعني أسألك سؤالاً واحداً: هل زرعت يوماً ما ورداً أو شجرة ما ونبتت في اليوم التالي مباشرةً؟

بالتأكيد لا، وستتعجَّب من سؤالي؛ إذ إنَّ نمو الزهرة أو الشجرة يحتاج إلى وقت، وكذلك عناية خاصة حتى تكبر تلك الوردة أو تلك الشجرة، وكذلك هي الحياة تماماً؛ إذ إنَّ تحقيق القفزات الكبيرة في الحياة وتحقيق النجاحات يتطلَّب وقتاً وجهداً مقرونين بالتزام الصبر واليقين بالأهداف التي سيحققها المرء في نهاية المطاف، فاكتساب المهارات وتعلُّم العادات الجديدة وتغيير السلوكات ومراجعة الذات وتنقيح الأفكار كل ذلك لا يكون إلَّا من خلال بذل الجهود الصادقة.

إنَّ الأهداف الكبيرة والعظيمة والملهمة لا يمكن أن تتحقق بين ليلة وضحاها، فهي تتطلَّب من المرء العمل الدؤوب والصحيح، ويقول "جيمس كاميرون" مخرج فيلم تايتنك الشهير: "يتهمونني بأنِّي شخص يسعى إلى الكمال، ولكنَّني لستُ كذلك؛ إذ إنَّني شخص يسعى إلى ما هو صحيح، إنَّني أقوم بالعمل إلى أن يتم بالشكل الصحيح وبعدها أنتقل إلى العمل التالي بعده".

رابعاً: الانصياع إلى صوت ضميرك الحي

تُعَدُّ هذه الفكرة من أهم الأفكار التي تقود المرء نحو تغيير حياته، لكن قبل الخوض أكثر عليك أن تعرف أنَّ الضمير هو ذاك الصوت الداخلي الذي يوجِّه حياتك نحو القيام بالأشياء الصحيحة؛ إذ يُعَدُّ الضمير بمنزلة البوصلة التي توجِّه دفة حياتك نحو الأفضل، وإنَّ أفضل طريقة لكي يحبَّ المرء حياته تكمن في الاستجابة إلى صوت ضميره الصادق الذي يُعَدُّ مفتاح التغيير نحو الأفضل؛ وذلك لأنَّ كل فرد منَّا على هذا الكوكب لديه بذرة الخير في نفسه، فإمَّا أن يستجيب إلى صوت ضميره وينمِّي بذرة الخير فيه ليحقق الأفضل له، أو لا يستجيب إليه لتضمر بذرة الخير، ويستسلم المرء إلى واقع الحياة بكل ما فيها من مرارة وصعوبات.

إنَّ كل الأشخاص اليائسين من حياتهم والذين لا يتوقعون حدوث تغيير فيها هم في حقيقة الأمر يهربون من مواجهة الضمير الصادق، ويصمُّون آذانهم عن سماع صوته، وإنَّ الإنصات إلى صوت الضمير يجعل المرء منفتحاً على مجموعة من الحقائق الكونيَّة التي طالما تجاهلها، ومن تلك الحقائق:

  1. يعرف المرء قيمة نفسه والهدف الذي خُلِق من أجله.
  2. يعرف أحلامه وأهدافه التي ملأت حياته ويسعى إلى تحقيقها.
  3. يعرف كيف لا ينصاع إلى الآخرين ولا يستسلم إليهم؛ بل ويعمل على أن يقود حياته بدلاً من أن يقودها الآخرون.
  4. يدرك المرء كم الأخطاء التي ارتكبها في حق نفسه، فيتوقف عن ارتكابها، ويصحح مساره.

إنَّ أكبر فائدة يمكن للمرء أن يحققها هي أن يعرف تماماً أنَّه المسؤول الأول والأخير عن حياته، فلا يلقي اللوم على أحد؛ بل يتحمَّل مسؤولية النتائج التي وصل إليها، فيُقيم تلك النتائج ويصحح المسار ليبدأ تغيير السلوكات والأفكار ليحصل على النتائج الجديدة التي تغيِّر حياته نحو الأفضل.

إقرأ أيضاً: كيف تعثر على معنى الحياة؟

في الختام:

إنَّ حياتك بكل ما فيها من سنوات وأشهر وأسابيع وأيام وساعات ودقائق أمانةٌ في عنقك ستُحاسَب عليها أمام الله، فهل ترضى أن تقابلَ ربك لتقول له إنِّي كرهت حياتي ولم أقدِّر المنحة التي وهبتَني إياها فقط لأنَّ الظروف لم تسمح، ولأنَّ القوانين والأنظمة والعادات وقفت في طريقي، وأنا متأكد من أنَّك لا ترضى أن تكون في هذه الحالة، وهنا أستذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه فيمَ فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه"، ولو تأملنا في حديث الرسول الكريم، لوجدنا فيه دعوة صريحة لحب الحياة وحب ذاتنا بما يخدم أنفسنا ومجتمعنا، والقرار لك في أي الضفتين تريد أن تكون.




مقالات مرتبطة