إذ يتابع ويشرح أنَّه على الرَّغم من حبِّه الكبير للشطائر، إلَّا أنَّه يبدأ بالملل منها بعد فترة، فأول ثلاث تُسعده كثيراً، لكن في النهاية تبدأ الشطائر التالية بفقدان لذتها شيئاً فشيئاً، وبعد ست شطائر يتلاشى حبه لها، ربما هذه المقارنة غريبة بعض الشيء، لكنَّها طريقة فعَّالة لشرح فكرة معقدة لمجموعة من الطلاب غير المُهتمِّين في المرحلة الثانوية.
يصف قانون الإنتاجية المتناقصة أنَّه لا يمكنك تحقيق كفاءة مستمرة في أي نظام؛ أي بمعنى آخر، لن يؤدي توظيف مزيد من العمال في مشروع البناء دائماً إلى إنهائه بسرعة أكبر، ولن يضمن تسريع خط التجميع إنتاج مزيد من الأدوات في الساعة.
بالنسبة إلى طلاب في عمر المراهقة، ليسوا مهتمين بمشاريع البناء أو خطوط التجميع، لكنَّهم يعلمون ما هي الشطائر، ويعرفون أنَّهم إذا أكلوا كثيراً منها فلن تعود لذيذة بعد عدد محدد منها، وكان مدرس الاقتصاد يعلم أنَّ هذا كل ما احتاجوا إليه لفهم الدرس؛ لذا قارن شيئاً يفهمونه بشيء لم يفهموه، وهكذا يفهمونه هو الآخر أيضاً، فذلك ما يسمَّى "التعلُّم بالربط" (Schema learning)، وهو أداة تعليمية موثوقة.
أنت على الأرجح لست مدرِّس اقتصاد، لكنَّك شخص لديه أفكار هامَّة يحتاج إلى شرحها بفاعلية لتثقيف الناس ومساعدتهم على اتخاذ قرارات ذكية؛ لذلك من الهام أن تفهم كيفية شرح أفكارك باستخدام التعلُّم بالربط؛ وذلك لأنَّه ما من أداة أفضل منها لتعليم شخص ما بسرعة وإقناعه باتخاذ قرارات ذكية وقبول النصائح الجيدة.
شاهد: ما هي إيجابيات التعليم عن بعد للأطفال؟
العلم السهل وراء التعلُّم بالربط:
لنلعب لعبة سريعة، قل كلمة "قطة" بصوت عالٍ، ثم قُل الكلمة التالية التي تتبادر إلى ذهنك على الفور بعدها، افعل هذا مرتين أو ثلاث مرات أخرى، فما قمتَ به للتوِّ هو تمرين على الارتباط؛ إذ تكون كل كلمة مرتبطة في ذهنك بالكلمة التي تسبقها.
على سبيل المثال، قد يجيب أحدهم "قطة، فهد، شرطة، حجز"، فيفكِّر بالفهد لأنَّه نوع من القطط، وثمَّ تخطر له الشرطة لأنَّ الفهود تجري بسرعة والشرطة توقفك إذا كنت تقود السيارة بسرعة، ويمكن للشرطة أن تضعك في السجن فتتذكَّر الحجز.
يشكِّل دماغك جميع أنواع الروابط الحرفية والمجردة بين الأشياء التي تعرفها وتفهمها، ولا توجد طريقة واحدة لربط جزء من دماغك مع جزء آخر، وكلما زادت المعلومات التي تعرفها، زادت فرص ربطها بمعلومات جديدة.
تتيح لك فرص الارتباط هذه تعلُّم مفاهيم جديدة بسرعة أكبر واسترجاعها بسهولة، وهذا هو أساس التعلُّم بالربط، وسبب كون المقارنة بين تناول الشطائر في أثناء مشاهدة مباراة بالعمَّال على خط التجميع أمراً منطقياً.
فعندما تشارك شيئاً جديداً مع شخص ما، كلما زادت الارتباطات المحتملة التي يمكنك تكوينها مع شيء يعرفه، كانت الفرصة أفضل في فهمه وحفظه؛ على سبيل المثال، يمكنك تعليم:
- الهندسة عن طريق ربطها بكيفية ترتيب الأثاث في غرفة المعيشة.
- كيفية إصلاح هاتفك الذكي عن طريق مقارنته باستكشاف أخطاء جهاز الحاسوب وإصلاحها.
وإذا كنت ترغب في تعليم الناس شيئاً معقَّداً، أو إرشادهم لحل مشكلة صعبة، أو إقناعهم بطريقة تفكيرك، فهناك بعض الطرائق الذكية لاستخدام التعلُّم بالربط لمساعدتك على القيام بذلك.
ترسيخ الأفكار مستعيناً بالربط:
لا يقتصر استخدام التعلُّم بالربط على المعلِّمين في الفصول الدراسية فقط، فهو مفيد في عدة سيناريوهات في الحياة الواقعية؛ على سبيل المثال يمكنك استخدامه لـ:
- شرح كيفية عمل شيء ما لشخص لا يفهم آلية عمل هذا الشيء؛ تعليم الأقران.
- نقل رسالة هامَّة للأشخاص الذين يحتاجون إلى سماعها؛ التحدث أمام الجمهور/ القيادة.
- توضيح وجهة نظرك لشخص ما؛ ليفهمها ويقبلها؛ إقناع.
واستخدامات التعلُّم بالربط كثيرة، وقد جرت دراستها بأسلوبٍ مكثَّف، وفيما يأتي
أهم 4 استراتيجيات لاستخدام التعلُّم بالربط:
1. الربط بموضوعات شخصية:
لن تنجح مقارنتك إذا افترضت مخطئاً أنَّ الشخص الذي تشرح له يعرف الأمر الذي تقارن به؛ فعليك أن تتذكَّر، لا يعرف جميع الحاضرين نفس الأشياء التي تعرفها؛ لذا فإنَّ اختيار الروابط التي تناسب المتلقِّي أمر بالغ الأهمية، وعندما تستخدم مفهوماً مألوفاً له جيداً، يصبح التعلُّم شبه تلقائي؛ لذا عندما يكون لديك شيء هام لمشاركته، حضِّر أفكار مختلفة، واستطلع رأي جمهورك للعثور على ما هو مألوف لديهم واستخدمه.
2. استخدام معلومات مسبقة:
يقدم التعلُّم بالربط أفضل أداء عندما لا يكون المعلِّم هو الذي يبذل الجهد، ولتحقيق النجاح، اترك تكوين الرابط للمتعلمين، وللقيام بذلك، اطرح كثيراً من الأسئلة التي تُحفِّز معرفتهم الحالية كي يتمكَّنوا من تكوين رابط ذهني بين الموضوعات، وهذا التكتيك ليس محصوراً بالتعليم فقط؛ بل مناسب لجميع الظروف حين تحتاج إلى إقناع أحدهم بشيء ما.
لسنوات، وُجِد جدل محتدم عن الاحتباس الحراري وتأثيره في الكوكب، ووَفقاً لجميع العلوم، تلك حقيقة سيئة، لكن توجد أقلِّية ترفض قبولها؛ بل وتحاول إقناع الآخرين برأيها.
ومن الأمثلة عن ذلك، عندما استخدم النائب الأمريكي "ستيف ستوكمان" (Steve Stockman) مقارنة ذوبان الجليد في الماء لشرح سبب عدم وجود داعٍ للقلق بشأن ارتفاع مستوى سطح البحر، والمشكلة بالطبع، هي أنَّ المقارنة خاطئة ولا تعكس الواقع، لكنَّ الأشخاص الذين يتابعون النائب "ستوكمان" ولا يهتمُّون بالفيزياء، ربما لن يلحظوا ذلك.
لتُظهِر لشخصٍ يستخدم هذه الحجة أنَّ ما يقوله خاطئ، لن يفي شرح السبب بالغرض، لكنَّ الكوميدي "جون ستيوارت" (Jon Stewart) وجد طريقة فعَّالة؛ إذ استخدم نفس المقارنة التي استخدمها "ستوكمان"، لكنَّه غيَّر عليها بإضافة هامَّة لإظهار كيفية حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري على أرض الواقع.
3. طلب مزيد من الأمثلة:
عندما كنتَ طفلاً، ربما طلب منك معلِّموك شرح كيفية حدوث الأشياء، وكان ذلك أسهل حين ربطت المعلومات بسيناريو تفهمه من الحياة الواقعية؛ على سبيل المثال، في مادة الرياضيات، عند حساب تأرجح البندول - رقاص الساعة - لن يكون من المفيد تشبيهها بالساعات القديمة لطلاب يستخدمون الهواتف الذكية لمعرفة الوقت، عوضاً عن ذلك، اطلب منهم التفكير بأمثلة من حياتهم، من رافعات البناء وحتى الأرجوحة في الملعب، هكذا سيفهم الطلاب الفكرة، وستترسَّخ في أذهانهم لأنَّهم سيفكِّرون ويشكِّلون ارتباطات جديدة بأنفسهم، وسيزداد تفاعلهم.
فإذا واجهت صعوبة في شرح شيء تشعر أنَّه هام، لكن لا يبدو أنَّ أحداً يهتم به، فيوجد احتمال بأنَّك لا تربطه بشيء يهم جمهورك.
شاهد أيضاً: كيف تتعلم باستمرار لتطور نفسك وتنمي قدراتك؟
4. التطبيق حتى الإتقان:
عندما تحاول ترسيخ معلومة، فإنَّ الربط سيزرع البذرة، ولكنَّ الشخص الذي زرعتها في ذهنه يجب أن يبني عليها بنفسه لتنمو، فلا تنتهي مهمَّتك إلَّا بعد أن تترك الشخص قادراً على أخذ ما أظهرته له وتحويله إلى شيء مميَّز، هكذا تُرسَّخ الأفكار وتنمو أيضاً، وتُفهَم الدروس وتُطبَّق.
لتعرف أنَّك وصلت إلى هذا المستوى من الفهم، استخدم المعلومة الجديدة في الحياة الواقعية، فكل شيء صعب حتى تجد تطبيقاً عملياً له، ولا يمكنك إخبار شخص ما بأنَّه قد استوعب ما علمته حتى يكون قادراً على تطبيقه؛ وذلك لوجود تعقيدات تطرأ في أثناء الاستخدام في الحياة الواقعية ولا يمكنك تفسيرها نظرياً.
يأتي الإتقان عندما يمكنك حل مشكلات لم تكن تتوقعها؛ على سبيل المثال، عندما يبدأ شخص وظيفته الأولى بعد التخرج، سيظنُّ أنَّه يعرف كل ما يحتاج إلى معرفته من الفصول الدراسية، لكن حين يحدث خطأ غير متوقع، لن يكون لديه أي فكرة عمَّا يجب فعله إذا لم يطبِّق ما يعرفه من قبل، ويواجه هذا النوع من العقبات التي غالباً ما تكون شائعة جداً في مجال العمل.
يمكنك تعليم أي شخص تقريباً أساسيات أي شيء، ولكنَّك ستحقق نتائج أفضل عندما تمنح المتعلِّمين مشكلات حقيقية لحلِّها، وحينها ترى ما إذا كان كل شيء تعلَّموه يمكن تطبيقه، وتعلم أنَّ المعرفة التي نقلتها إليهم لم تعد معرضة لخطر النسيان.
في الختام:
إذا كنت ترغب في تعليم شيء ما أو نقل رسالة هامة أو إقناع شخص ما برأيك، فإنَّ التعلم بالربط هو من أسرع الطرائق وأكثرها فاعلية للقيام بذلك، وإليك ملخَّص لما يجب أن تركِّز عليه عند استخدام هذا الأسلوب:
- الربط بموضوعات شخصية: لا تفترض أنَّ أحداً يعرف شيئاً؛ بل اختر مقارنات يفهمها الشخص الذي تحاول تدريسه جيداً.
- استخدام معلومات مسبقة: سترسخ رسالتك عندما تكون مرتبطة بعمق بما يفهمه المُتعلِّم.
- طلب مزيد من الأمثلة: ستظل رسالتك ثابتة عندما يكون لديك أمثلة متعددة لتذكُّرها.
- التطبيق حتى الإتقان: ستزداد فاعلية رسالتك عندما يتمكَّن الأشخاص الذين يستخدمونها من تعديلها لتخدمهم في عديد من ظروف العالم الحقيقي.
اسأل نفسك هذه الأسئلة لتوضيح رسالتك وتسليط الضوء عليها عند مشاركتها:
- ما هي الرسالة الرئيسة التي أريد أن أدلَّ الناس إليها؟
- ما هي بعض الأمثلة الشائعة التي يمكنني مقارنتها بها؟
- ما هي الروابط المحددة التي يمكنني استخدامها للمقارنة؟
- كيف يمكنني التحقُّق من قدرة المتعلِّم على تطبيقها؟
أضف تعليقاً