يُعد التعلم في حد ذاته نشاطاً مفيداً، فكلما كان الشخص أفضل في تعلم مهارات أو مفاهيم جديدة؛ زاد نجاحه في مجال معين؛ لذا فقد حاول العديد من الخبراء فهم الآلية الكامنة وراء طريقة تعلم دماغنا الأمور الجديدة، وطوَّروا نماذجَ مختلفة لأساليب التعلم، من بينها نموذج فارك (VARK) المشهور جداً.
يرمز مصطلح فارك (VARK) إلى أساليب التعلم الأربعة، وهي:
- أسلوب التعلم البصري (visual).
- أسلوب التعلم السمعي (auditory).
- أسلوب التعلم عبر القراءة / الكتابة (reading/writing).
- أسلوب التعلم الحسي الحركي (kinesthetic).
ووفقاً لهذا النموذج، نحن نتعلّم الأشياء عن طريق المشاهدة أو الاستماع أو القراءة - الكتابة أو الممارسة والحركة. سنناقش في هذه المقالة أسلوب التعلم الحسي - الحركي.
ما هو أسلوب التعلم الحسي الحركي؟
يمكن تعريف التعلم الحسي الحركي بعبارات بسيطة، فهو التعلم بالممارسة، والمتعلم الذي يعتمد على هذا الأسلوب يتعلم على نحو أفضل من خلال المشاركة النشطة في عملية التعلم.
يحتاج هؤلاء المتعلمون إلى المشاركة في بعض الأنشطة من أجل التعلم بشكل فعَّال، ويمكن أن يكون النشاط جسدياً أو ذهنياً؛ فعلى سبيل المثال، إذا كان المتعلم الحسي الحركي يريد تعلم مفردات اللغة الإنجليزية، فيمكنه فعل ذلك عن طريق لعب الكلمات المتقاطعة بدلاً من إحضار قاموس والبحث عن الكلمات فيه.
سواءٌ كنت متعلماً حسياً حركياً أم لم تكن، يمكنك بالتأكيد استخدام بعض أساليب التعلم الحسي الحركي، فهل تتذكر عندما كنت طفلاً وتعلَّمت ممارسة رياضة ما من خلال ممارستها فعلاً؟ سواء كانت كرة القدم أم الكريكيت أم كرة السلة، أنت لم تكن قادراً على تعلمها من خلال قراءة كتاب أو النظر إلى أشخاص آخرين يقومون بها؛ حيث كان يجب أن تجرب بنفسك كي تتعلمها تعلماً صحيحاً؛ فهذا نوع من أنواع التعلم الحسي الحركي.
خصائص المتعلم الحسي الحركي:
يُعرَف المتعلمون من هذا النوع بأنَّهم الأشخاص الذين يتعلمون بشكل أفضل عندما يؤدون بعض الإجراءات المناسبة؛ لذلك قد لا يكون حضور المحاضرات أفضل مكان بالنسبة إليهم، فهم يفضلون التعلم من خلال القيام بالأنشطة، ويعد الجلوس والاستماع للآخرين أمراً صعباً عليهم.
قد لا تكون المواضيع التي تركز بشدة على الجوانب النظرية هي الخيار الأفضل بالنسبة إليهم؛ حيث سيكون أداؤهم أفضل بكثير في المجالات التي تتطلب تحريك العضلات والممارسة، على سبيل المثال من المرجح أن ينجح المتعلم الحسي الحركي كرسام أو موسيقي، وليس كعالم فيزياء نظرية.
نقدم إليك فيما يلي 5 خصائص للمتعلم الحسي الحركي:
1. لا يشعر بالملل من التعلم:
دائماً ما تكون عملية التعلم ممتعة بالنسبة إلى المتعلم الحسي الحركي؛ ذلك لأنَّه يشارك فيها شخصياً؛ حيث إنَّ الجلوس في فصل دراسي أو الاستماع إلى محاضرات الأستاذ أو مشاهدة الأفلام الوثائقية هو ما يسمى بالتعلم السلبي (passive learning)؛ ويسمى كذلك لأنَّه لا يتطلب المشاركة النشطة الفعالة من المتعلم، وإنَّما يحتاج فقط إلى التركيز على حاسة البصر أو السمع لديه.
لكنَّ المتعلم الحسي الحركي متعلِّم نشط، فهو يُحوِّل عملية التعلم إلى نشاط، مثل لعبة ممتعة أو تجربة عملية؛ ولهذا السبب لا يشعر بالملل أبداً من أسلوبه في التعلم.
في الواقع، كل عملية تعلم هي فرصة له لتجربة أنشطة جديدة.
2. يتعلم المهارات أفضل من المفاهيم:
يمكن تعلم الحقائق والمفاهيم من خلال القراءة والاستماع، لكن لا يمكن اكتساب المهارات بدون الممارسة؛ لهذا السبب فإنَّ المتعلم الحسي الحركي ينسجم أكثر مع الأنشطة القائمة على المهارات بدلاً من الموضوعات القائمة على المفاهيم.
وليس المقصود أنَّ المتعلم الحسي الحركي دائماً ما يكون سيئاً في المجالات النظرية مثل العلوم أو الرياضيات، وإنَّما يعني أنَّ تعلم المهارات سيكون أسهل بالنسبة إليه من استيعاب المفاهيم النظرية؛ حيث إنَّ عملية ممارسة المهارات وتحسينها لها تأثير أفضل في أسلوب التعلم لديه.
ومع ذلك، لا يزال بإمكانه تعلم الموضوعات النظرية أيضاً، طالما أنَّه يجد طريقة لربط هذه المفاهيم بنوع من النشاط الحركي.
شاهد بالفديو: 6 عادات يمارسها الأشخاص الذين يتقنون التعلُّم
3. من غير المحتمل أن ينسى ما تعلَّمه:
لا ينسى المتعلم الحسي الحركي ما تعلمه مسبقاً؛ حيث يمكن لدماغنا تخزين المعلومات والذكريات، والذكريات أسهل في التذكر والاسترجاع مقارنة بالمعلومات المجردة، كما يمكننا أن نتذكر بوضوح ذكريات من سنوات مضت، لكنَّنا ننسى بسهولة ما سمعناه في الأخبار قبل شهر.
مما يعني أنَّه من السهل تذكر الأفعال (الأمور التي نقوم بها أو قمنا بها) أكثر من المعلومات الحسية (الأشياء التي نراها أو نسمعها أو نقرؤها)، ونظراً لأنَّ المتعلم الحسي الحركي يتعلم من خلال الأفعال؛ فمن غير المحتمل أن ينسى ما تعلمه خلال وقت قصير.
4. يجيد الابتكار أكثر من التنفيذ:
يمكننا تقسيم الناس إلى فئتين، الفئة الأولى هم الأشخاص الذين يبتكرون والفئة الثانية هم الأشخاص الذين يُنفِّذون؛ فالمبتكرون هم الأشخاص الذين يُقدمون مفاهيم واكتشافات واختراعات جديدة، أما المنفذون فهم أولئك الذين يستخدمون المفاهيم والأفكار والنظريات والمعلومات الموجودة أصلاً.
يُعد المتعلم الحسي الحركي فضولياً بطبيعته، وبسبب تفضيله التعلم من خلال العمل والممارسة، فإنَّه يحب التجربة؛ ولذلك يُظهِر اهتماماً أكبر باكتساب معلومات وخبرات جديدة، وقد يستمتع بالعمل في مجالات البحث أو الهندسة.
5. يجعل التعلم ممتعاً لمن حوله:
يستمتع المتعلم الحسي الحركي حقاً بالتعلم في مجموعات، وفي الواقع يعزز ذلك عملية التعلم الخاصة به عندما يكون هناك المزيد من الأشخاص المشاركين؛ حيث يوجد المزيد من الفرص للانخراط في أنشطة تعليمية ممتعة عندما يشارك أكثر من شخص واحد.
يعتمد التركيز الرئيس للمتعلم الحسي الحركي على الاستثمار جسدياً وذهنياً في عملية التعلم، وعندما يتواجد ضمن مجموعة سيرغب في مشاركة الجميع في عملية التعلم؛ لذلك يستمتع الناس بالتعلم معه حتى لو لم يكن هذا أسلوبهم المفضل في التعلم.
المعاناة التي يواجهها المتعلم الحسي الحركي وطريقة معالجتها:
تكمن المشكلة الرئيسة التي يواجهها المتعلم الحسي الحركي في أنَّه لا ينسجم جيداً مع أسلوب التعليم الرسمي، فمثلاً يحتاج الأطفال إلى التكيف مع التعلم في الفصول الدراسية، وحتى الكبار يضطرون إلى الجلوس في الاجتماعات ومناقشة المسائل شفهياً أو بصرياً؛ لذا قد يعاني المتعلم الحسي الحركي عند مواجهة مثل هذه السيناريوهات.
ومن التحديات الأخرى لهذا المتعلم، هو اختيار الموضوعات والمسارات الوظيفية المناسبة، حيث يجب عليه اختيار المجالات التي تتضمن المزيج الصحيح من الإجراءات والتعلم، مثل الرياضة أو الموسيقى أو البحث أو الهندسة.
ومع ذلك، لا يعني مجرد كون الشخص متعلماً حسياً حركياً أنَّ عليه تجنب التعليم الرسمي تماماً؛ فإذا كان المعلمون أو أولياء الأمور على علم بأنَّ الطفل متعلم حسي حركي، فإنَّ مسؤوليتهم تتجلى في مساعدته، على سبيل المثال، يمكن للمدرسين إجراء بعض الأنشطة في الفصل من وقت لآخر؛ بل من الأفضل أن يكون هذا النشاط مرتبطاً بالمواد التي تُدَرَّس.
إذاً، كيف يمكن للمتعلم الحسي الحركي التغلب على هذه التحديات؟
1. المزيد من الممارسة والقليل من النظريات:
يجب أن يختار المتعلم الحسي الحركي البالغ مجالاً للدراسة يعتمد على الممارسة أكثر من الأمور النظرية.
حتى لو شعر بالملل أو لم يفهم ما يُدرَّس في أثناء المحاضرات، يمكنه تدوين ملاحظات صغيرة حول المواضيع الهامة التي نوقشت، وفي وقت لاحق، يمكنه اكتشاف طرائق مبتكرة لفهم تلك المواضيع من خلال ملاحظاته، كما يمكنه أن يطلب المساعدة من الأساتذة لإيجاد طرائق عملية لتعلم ما نوقش في المحاضرات.
2. جعل التعلم ممتعاً:
بغض النظر عن سيناريو الفصل الدراسي، يواجه المتعلم الحسي الحركي أيضاً مشكلات عند التعلم بنفسه؛ على عكس المتعلمين الآخرين؛ حيث لا يمكنه الجلوس وفتح كتاب والبدء بقراءته؛ وإنَّما يجب عليه دمج بعض الأساليب الممتعة مع موضوعات التعلم لجعلها عملية نشطة وممتعة.
فإذا كنت متعلماً حسياً حركياً وترغب في التعلم بصورة أكثر فاعلية، يمكنك صنع بطاقات تعليمية خاصة بك، فبهذه الطريقة يمكنك تحويل عملية التعلم إلى لعبة ممتعة؛ وسوف يساعدك ذلك على تذكر ملاحظاتك بشكل أسرع أيضاً.
شاهد بالفديو: 7 مواصفات للمتعلم السمعي
3. ممارسة أو تطبيق ما تعلمته على الفور:
هذا أسلوب جيد آخر، فبعد كل بضع دقائق من دراسة محتويات كتاب ما أو تعلم شيء جديد، اقضِ الدقائق القليلة التالية في ممارسة أو تطبيق ما تعلمته، وفي الحقيقة، يشبه الأمر التبديل بين القراءة والقيام ببعض الأنشطة المتعلقة بما قرأته.
على سبيل المثال، ربما تتعلم بعض المفردات أو العبارات الجديدة لبضع دقائق، ثم تقوم بالممارسة الشفهية مع نفسك وتسجل كلامك وأنت تنطق هذه المفردات أو العبارات؛ حيث سيكون تغيير أسلوب التعلم بهذه الطريقة فعالاً للغاية في تعلم المفاهيم وحفظ الحقائق.
الخلاصة:
مثل جميع أساليب التعلم، فإنَّ التعلم الحسي الحركي له مزايا وعيوب، والأمر عائد للمتعلم لتحقيق الاستفادة القصوى من خصائصه الإيجابية والتغلب على مواطن الضعف لديه.
وفي نهاية المطاف، لا يجب أن تقلق بشأن ما لا يمكنك فعله؛ بل يجب عليك التركيز التام على ما تقوم به على نحو أفضل، والأهم من ذلك، يجب ألَّا تتوقف أبداً عن استكشاف العالم من حولك، فبالنسبة إلى المتعلم الحسي الحركي، أفضل مصدر تعليمي له هو المحيط من حوله.
أضف تعليقاً