4 استراتيجيات فريدة للتخلص من الفشل

إنَّه شعور بالثقل بداخلك، تحاول تجاهله، لكن لا يمكنك ذلك، الرهبة والإحباط يتسلَّلان تدريجياً إلى أفكارك، وسرعان ما يتبع ذلك الحزن والشعور بالذنب حتى تستسلم تماماً لهذه المشاعر، هذا ما أشعر به عندما أفشل؛ إذ يجعلني الفشل أرغب في الجلوس والبكاء، وأشعر بالضياع والوحدة والرغبة بالاستسلام، أريد أن أنام، لكن تلاحقني هذه الأفكار حتى إلى سريري، إنَّ الفشل مؤلم جداً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك كرنوف" (Marc Chernoff)، ويُحدِّثنا فيه عن 4 استراتيجيات فريدة للتخلُّص من الفشل.

يظنُّ الناس أنَّني لا أفشل أبداً؛ لأنَّني أكتب وأعرف كثيراً من الأمور عن النجاح والسعادة والحياة الواعية، لكن أنا إنسان، وما يظنُّه الناس ليس صحيحاً، فأنا أفشل في الأشياء أكثر ممَّا قد تتخيَّل، وأكثر بكثير ممَّا أود أن أعترف به؛ إذ أفشل في مرحلة أو أخرى في كل شيء مثلك تماماً، وأشعر بشعور مزعج جداً مثلي مثل أي شخص آخر.

أشعر بالإحباط والذنب، وأحاول تجنُّب التفكير في الأمر، وأفضِّل إخفاءه، لكن في أعماقي أعرف أنَّ ردود الفعل السلبية هذه ليست مفيدة؛ لذا فأنا أعترف بما حدث، وأتعلَّم درساً أو درسين من تجاربي الفاشلة، ثمَّ أعود وأحاول مرة أخرى، فالجزء الأخير هو الجزء الأكثر أهمية وهو المحاولة مرة أخرى:

  • أفشل في بعض الأحيان في تناول وجبات صحية، لكنَّني أحاول مرة أخرى.
  • أفشل في الالتزام بمواعيد ممارسة التمارين الرياضية، لكنَّني أُعوِّض ذلك من خلال الذهاب إلى النادي الرياضي وممارسة التمارين بنشاط أكبر.
  • أفشل في حب نفسي أحياناً، لكنَّني لا أتخلَّى عن نفسي أيضاً وأحاول مرة أخرى.
  • أفشل في أن أكون أباً رائعاً في بعض الأحيان، وخاصةً عندما يتشتَّت انتباهي في العمل، لكنَّني أواصل المحاولة، وفي كثير من الأحيان أُعيد الابتسامة على وجه أطفالي.
  • حتى إنَّني فشلت في كتابة المقال الذي تقرؤونه الآن، ولقد قمت بمحاولة أولية وحذفتها؛ لأنَّها لم تكن جيدة، لكنَّني بدأت مرة أخرى وانتهيت منه.

أنجح غالباً في تحقيق غايتي عندما أحاول مراراً وتكراراً، وأحد أهم الأمور التي يجب أن تتعلَّمها من هذا المقال هو أنَّ المحاولة مرة أخرى تستحق العناء دائماً، وبمجرد أن تفهم هذا المبدأ البسيط يمكنك تطبيق هذه الاستراتيجيات الأربع الفريدة لمنح نفسك فرصة أخرى، عن طريق التخلي عن إخفاقاتك والتعلم منها.

إقرأ أيضاً: 6 أمور تجعلك تفشل في حياتك

إليك هذه الاستراتيجيات الأربع الفريدة للتخلص من الفشل:

1. مراقبة أفكارك وعواطفك:

نحن نحتاج إلى مراقبة أفكارنا دون أن نفرط في التفكير بها، بدلاً من محاولة تغييرها في كل لحظة من خلال الامتنان أو التسامح، فأنت من يصيغ مشاعرك، فعندما تظهر الأفكار السلبية بناءً على التجارب السابقة أو المخاوف المستقبلية، عليك أن تُدرك أنَّها أفكار يتعامل عقلك معها؛ لذا توقف، وكن حاضراً، وانتبه جيداً، وفكِّر في هذه الأفكار والعواطف بوعي كما لو كنت متفرِّجاً ينظر إلى أفكارك.

افصل نفسك عن أفكارك، ومع مرور الوقت ستقل مشاعرك وعواطفك السلبية، وينمو الوعي الحقيقي والحب والقبول، وستبدأ في إدراك أنَّ عقلك هو مجرد أداة، وأنَّك أنت مَن تتحكَّم به وليس العكس، من خلال عدم الحكم على أفكارك، أو إلقاء اللوم على نفسك أو أي شخص آخر، وبمراقبتها فقط سيحصل تحوُّل كبير بداخلك.

سينمو إحساسك بتقدير الذات، ليس الأمر كما لو أنَّك لن تفشل أو تنزعج أو أنَّك لن تشعر أبداً بالقلق، ولكنَّ معرفة أنَّ أفكارك وعواطفك مجرد مشاعر عابرة ومستقلة عنك، ستساعد على تخفيف توترك وزيادة حضورك الإيجابي، ممَّا يتيح لك الفرصة للتعلم والبدء من جديد.

2. مراقبة وتصحيح تفكيرك السلبي:

تقوم لا شعورياً بمطابقة تجارب الماضي مع الحاضر، وعندما تكون لتجربة ما في حياتك أهمية عاطفية تُصنَّف في عقلك على أنَّها هامَّة، وعندما تكون التجربة العاطفية مأساوية، فإنَّها تحفِّز مشاعر الخوف في عقلك، والتي تعطي أوامر لعقلك أن يظلَّ متيقظاً لأي ظروف مستقبلية تذكِّرك بهذه التجربة المأساوية، وهو يفعل ذلك لحمايتك من الأذى في المستقبل، ثمَّ يحاول عقلك مطابقة التجارب الجديدة مع التجربة القديمة، لكن اعتماداً على مدى ارتباطك عاطفياً بالتجربة الأصلية يمكن أن يؤدي ذلك إلى تكوين مشاعر خاطئة تؤدي إلى الضياع، وهذا صحيح وخاصة عندما يتعلَّق الأمر بالفشل الشخصي والأخطاء وسوء التقدير، مثلاً:

  • لقد انهارت علاقتكما؛ لذلك تظنُّ الآن أنَّ جميع علاقاتك المستقبلية ستنهار أيضاً.
  • لقد حصلت على درجة منخفضة في امتحان في المدرسة الثانوية؛ لذا فأنت تشكُّ الآن في قدرتك على أداء أي شكل من أشكال الامتحان الكتابي.
  • لم تتفق مع مديرك القديم؛ لذلك لديك الآن مشكلة في احترام مدير جديد.

مرة أخرى؛ تحدث عملية الربط الخاطئة هذه عندما تستجيب بطريقة سلبية وعاطفية لتجربة ماضية معيَّنة، وكل هذا يحدث لا شعورياً، فأنت تعلم أنَّ جميع العلاقات مختلفة تماماً، لكنَّك تستجيب عاطفياً كما لو كانت متطابقة، وإذا كنت تشعر أنَّك عاجز لأنَّك لا تستطيع تجاوز تجربة فاشلة سابقة، فإنَّ عقلك يرتبط بها كما لو كانت ما تزال تحدث الآن، ممَّا يعني أنَّه يربط ما بين التجربتين ربطاً غير صحيح في الوقت الحاضر.

إليك حل من خطوتين قد يساعدك:

  • اسأل نفسك: "ما هي تجربة الماضي الفاشلة والمشاعر المرتبطة بها التي تذكِّرني بها مشاعري الحالية؟" ابحث بعمق وكن صادقاً مع نفسك.
  • بعد تحديد أصل مشاعرك الحالية، ضع قائمة بجميع الأمور التي تختلف بها ظروفك الحالية عن الماضي؛ التجربة الفاشلة الأصلية، يجب أن يشمل ذلك الأماكن والأشخاص والتفاصيل التي تسبَّبت في الألم وعدم الراحة، وراجع الاختلافات مراراً وتكراراً حتى تفهمها تماماً، فيمكن أن يساعدك هذا على إدراك وتذكُّر أنَّ الظروف قد تغيَّرت بالفعل.

شاهد بالفديو: كيف تضع حداً للأفكار السلبية؟

3. مراجعة تقدُّمك باستمرار وتحديد إلى أي مرحلة وصلت:

مع أنَّك تعرف فكرياً أنَّك أقوى ممَّا كنت عليه في الماضي، لكن غالباً ما ينسى عقلك الباطن أنَّ قدراتك قد نمت، إليك مثال مجازي سريع: يربط حرَّاس الحديقة عادةً سلسلة معدنية رفيعة بساق فيل كبير، ثمَّ يربطون الطرف الآخر بوتد خشبي صغير يُدفَن في الأرض، فيمكن للفيل الذي يبلغ طوله 10 أقدام (3 أمتار)، ويبلغ وزنه 10000 رطلاً (4.5 طن)، أن يقطع السلسلة بسهولة ويقطع الوتد الخشبي ويهرب إلى الحرية بأقل جهد ممكن، لكنَّه لا يفعل؛ لأنَّه لم يحاول أبداً.

أقوى حيوان بري في العالم، والذي يمكنه اقتلاع شجرة بسهولة كما يمكنه كسر عود أسنان، يظل مهزوماً بواسطة وتد خشبي صغير وسلسلة واهية؛ وذلك لأنَّه عندما كان صغيراً استخدم مدرِّبوه نفس الأساليب بالضبط لتربيته؛ إذ رُبِطَت سلسلة رفيعة حول ساقه ورُبِطَ الطرف الآخر من السلسلة بوتد خشبي في الأرض، وفي ذلك الوقت، كانت السلسلة والوتد قويتين بما يكفي لكبح جماح الفيل الصغير عندما حاول التخلُّص منها، فعندما كانت السلسلة المعدنية تسحبه للخلف، كان الفيل يسحب بقوة، ولكنَّ السلسلة لم تتزحزح، وسرعان ما أدرك الفيل الصغير أنَّ محاولة الهروب غير ممكنة؛ لذلك توقَّف عن المحاولة، والآن بعد أن كبر يرى السلسلة والوتد ويتذكَّر ما تعلَّمه عندما كان صغيراً وهو أنَّه المستحيل الهروب من السلسلة والوتد، فلم يعد هذا صحيحاً، فالفيل الذي كان يبلغ وزنه 100 كغ، أصبح الآن فيلاً يبلغ وزنه 5000 كغ.

إذا فكَّرت في الأمر فنحن جميعاً مثل الفيلة، لدينا جميعاً قوة عظيمة بداخلنا، ومثله تماماً لدينا ما يقيِّدنا؛ كالمعتقدات الذاتية التي تعوقنا، مثل تجربة طفولة، أو فشل مبكِّر، أو شيء قيل لنا عندما كنا أطفالاً؛ لذا نحن نحتاج إلى التعلم من الماضي، لكن يجب أن نكون على استعداد لتحديث ما تعلَّمناه بناءً على كيفية تغير ظروفنا.

إليك أمران يجب مراعاتهما:

  • إذا كنت تشك في أنَّك تعيش حالياً حياتك من خلال معتقدات من الماضي، فذكِّر نفسك بما هو مختلف الآن من حيث الظروف وقدراتك الخاصة، ما الذي تغيَّر بداخلك؟ وماذا تعرف الآن ولم تكن تعرفه بعد ذلك؟
  • تحقَّق ممَّا تعلَّمته من إخفاقات الماضي والمصاعب التي يمكن أن تساعدك بالفعل الآن، وبدلاً من الندم على الماضي، اسأل تحديداً كيف ساعدك على النمو، وهل علَّمك ماضيك أن تكون حازماً ومعتمداً على الذات ومدركاً وقوياً ورحيماً وما إلى ذلك؟ ركِّز على ما اكتسبته، بدلاً ممَّا خسرته من التجارب السابقة السلبية.

4. تعلُّم رؤية الجمال في عدم اليقين:

لا شيء يمكن توقعه ولا شيء مؤكَّد في هذا العالم، هذه هي الحقيقة، عليك أن تفهم أنَّ لا أحد منَّا مميَّز، أحياناً نفوز وأحياناً نخسر، الحياة دائماً متوازنة؛ لذا لا تتوقع أن تحصل على كل ما ترغب به، ولا تتوقع تقديراً لكل جهد تقوم به، ولا تتوقع أن يُعتَرف بعبقريتك على الفور، أو أن يفهم حبك كل شخص تقابله، فثمَّة أشياء لا تريد أن تحدث، لكن عليك قبولها، أشياء لا تريد أن تعرفها، لكن عليك أن تتعلَّمها، وأشخاص وظروف لا يمكنك العيش دونهم، لكن عليك التخلي عنهم.

تأتي بعض الأشياء إلى حياتك فقط لتقويتك حتى تتمكَّن من المضي قدماً دونها، ويسمِّي بعض الناس هذه التجارب بالفشل، لكنَّها دروس إيجابية، ففي أثناء عيشك وتجربتك للأشياء يجب أن تدرك ما ينتمي لحياتك وما لا ينتمي، وما الذي يصلح وما لا يصلح، ثمَّ ترك الأمور تسير عندما تعلم أنَّه يجب عليك ذلك، وليس بسبب الكبرياء أو عدم القدرة أو الغطرسة؛ بل لأنَّه ليس من المفترض أن يتناسب كل شيء مع حياتك.

لذا انسَ الماضي، ونَقِّ روحك، وتخلَّص من الذكريات المؤلمة، وتوقَّف عن كونك ما كنت عليه من قبل حتى تتمكَّن من أن تصبح ما أنت عليه اليوم، فقد حان الوقت للتخلِّي عمَّا حدث بالأمس وإطلاق العنان للإمكانات الحالية لحياتك.

إقرأ أيضاً: أهم الإرشادات لنسيان التجارب المؤلمة التي عشتها في الماضي

في الختام:

أتمنَّى أن تكون قد وجدت قيمة في الاستراتيجيات الأربع المذكورة أعلاه، لقد شاركتها لأنَّها ساعدت المئات من عملائنا على مدار العقد الماضي، أنا بعيد عن الكمال مثلك تماماً، فنحن جميعاً نشترك في القواسم المشتركة المتمثِّلة في الفشل وفي الارتقاء إلى مستوى أفضل، كما نشارك في رابطة القدرة على البدء من جديد، وهذا ما يجب علينا فعله معاً.




مقالات مرتبطة