الندم على الماضي:
يقولُ الكاتب والشاعر الإنكليزي الايرلندي أوليفر جولد سميث: "لن تجد في الندم والانتظار إلا منبع هائل للصدمة، لذا فالمرء العاقل هو من لا يتأمل إلا الحاضر بغض النظر عن الماضي أو المُستقبل".
يقدم الدكتور جاي وينتش بعض المعلومات حول شعور الندم على الماضي، نلخصها بالنقاط التالية:
- الندم هو أشبه بمنبه لا يتوقف عن الرنين، ومن المُمكن أن يستمر لفترة طويلة من الزمن.
- للندم تأثير سلبي جداً على الإبداع والتفكير والإنتاجية.
- من المُمكن أن يشعر الإنسان بالندم أسبوعياً، وبمعدل وسطي خمس ساعات.
- الندم يؤثر بشكل سلبي على خياراتك فيجعلُها غير مُمتعة، ومن المُمكن أن يجعلها رديئةً أيضاً.
- إنَّ إحساسك المُستمر بالندم يجعلك تتجنب الأماكن، أو المواضيع وحتى الأشخاص الذين لهم أي علاقة بسبب ندمك، ودافِعك لذلك هو تجنُب إثارة الندم بداخلك أكثر، ولكن مُمكن أن تكون النتيجة عكسية بالنسبة إليك.
شاهد:7 خطوات تساعدك على التعلم من أخطاء الماضي
- مُمكن أن يكون إحساس الندم وهمياً تماماً عند البعض، فمن المُمكن أن يندموا لاعتقادهم أنهم ألحقوا الأذى بشخصٍ ما، ولكن هذا الاعتقاد خاطىء أساسأً.
- عندما تجعل الآخرين يشعرون بالندم أو الذنب، فإنَّ ذلك من المُمكن أن يُساعد في السيطرة والتحكم بسلوكهم، ولكن وبالمُقابل ستجعلهم يشعرون بالاستياء أيضاً.
- أكثر الأشياء التي تدفعك لمُعاقبة نفسك هي الشعور بالندم، ومن المُمكن أن تكون أكبر بكثير من السبب الذي جعلك تندم أساساً.
- لو تخيّلت مثلاً أنَّ الشعور بالندم والذنب يجعلك تشعر بزيادة في الوزن، عندها الأشخاص الذين يُعانون من الندم يحسون بزيادة وزنهم أكثر من غيرهم.
- من المُمكن أن يكون الندم هو أكبر دافع للتراجع عن الخطأ إن أمكن طبعاً، كما أنَّ الندم مُمكن أن يكون لهُ تأثيراً إيجابياً كبيراً في علاقاتنا من الأشخاص المُحيطين بنا، لأنَّهُ سيُشكل رادعاً للسلوكيات المُسيئة التي مُمكن أن نقوم بها تجاه الآخرين.
وسواس الندم على الماضي: كيف نتعامل مع الأفكار التي تؤرقنا؟
من الصعب تجنب الندم على الماضي، في لحظة ما قد نجد أنفسنا مغمورين بأفكار تؤرقنا وتجعل حياتنا مليئة بالقلق والضغط النفسي. لكن العديد منا يتطور الأمر لديهم فهم يعانون من وسواس الندم على الماضي، وهو شعور شديد الانتشار بين الناس الذين يعتقدون أنهم أخطأوا في مراحل سابقة من حياتهم فيتحسرون ويلومون أنفسهم بشكل مفرط.
لذا من الضروري أن نتعلم كيفية التعامل مع مشاعر الندم ولوم النفس وكبحها كي لا تتفاقم وتنقلب إلى وسواس يقض مضاجع هنائنا، فيما يلي أهم النقاط التي يجب التركيز عليها إذا أردنا فك ارتباطنا بماضي سيء نريد تجاوزه:
1. الإدراك:
بداية عليك أن تدرك أن الندم على الماضي لا يغير شيئا في الحاضر أو المستقبل، فما حدث قد وقع بالفعل ولا يمكن العبث فيه من جديد، لكن يمكننا تعلم الدروس والنمو والتطور نحو الأفضل، الإدراك بأن ما مضى لن يعود يسهل علينا القبول، تقبل تلك الأمور التي حدثت بمعزل عن إرادتنا وبذل قصارى الجهد لتجاوز الأخطاء التي ارتكبناها.
2. العفو عن الذات:
ممارسة التسامح والعفو عن النفس على الأخطاء المرتكبة هو من أولويات وصولنا سلم السلام النفسي، فنحن بشر والكل خطّاء، فمن هو الذي بدون خطأ أو ذنب؟ يجب أن ندرك أن النجاح يتطلب التعثر والوقوع، والأهم هو الارتقاء والنمو والصعود نحو القمة.
3. التركيز على الحاضر:
دع عنك كل ما سبق، الآن هو ما يهم. حدد الأهداف التي تريد تحقيقها في المستقبل، واعمل بجد لتحقيقها دون ترك أي مساحة فارغة يتسلل منها وسواس الندم ليعيق تقدمنا عن تحقيق الأحلام، عيش الحاضر بكل ثقة بقوة اليوم والغد وتجاوز الماضي لنعبر بسلام ووعي الطريق الوعر للحياة.
4. الاعتناء بالنفس:
قد يطبطب أحد ما على كتفك، لكن ربما الطبطبة على النفس هي مسؤوليتك أنت وحدك، إذا تعلمنا أن نعتني بأنفسنا ونداري أوجاعها سننجح بالتأكيد في تحقيق النمو الشخصي والتحول الإيجابي في مسار حياتنا، بعيدا عن قيد الماضي ووسواس الندم عليه.
الندم على الماضي في الإسلام:
فرّق الإسلام بين موقعين في الندم، فالندم على ما فات من الدنيا مذموم، أما الندم على الذنب فهو من أمر الآخرة ومحمود في أغلب الأحيان، يقول الزمخشري في الكشاف: إن قلت: فلا أحد يملك نفسه عند مضرة تنزل به، ولا عند منفعة ينالها، أن لا يحزن، ولا يفرح!
قلت: "المراد الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر، والتسليم لأمر الله، ورجاء ثواب الصابرين، والفرح المطغي الملهي عن الشكر، فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه، مع الاستسلام، والسرور بنعمة الله، والاعتداد بها، مع الشكر: فلا بأس به". وقد ذهب إلى هذا القول الكثير من علماء الإسلام والمفسرين مثل، القرطبي، والنيسابوري.
يقول ابن الجوزي رحمه الله: "العاقل لا يخلو من الحزن؛ لأنه يتفكر في سالف ذنوبه، فيحزن على تفريطه، فأما إذا كان الحزن لأجل الدنيا وما فات منها، فذلك الحزن، فليدفعه العاقل عن نفسه، وأقوى علاجه أن يعلم أنه لا يرد فائتًا، وإنما يضم إلى المصيبة مصيبة، فتصير اثنتين، والمصيبة ينبغي أن تخفف عن القلب وتُدفَع، فإذا استعمل الحزن والجزع، زادت ثقلًا.
في قول الجوزي تعليم لنا، أن التفريط بالحزن على أمور الدنيا لا يحمل نفعا لصاحبة ولا يرد مصيبة، أما التفكر والتجاوز والإيمان بعدها بحكم الله وقدره فهو خير الندم.
أما آيات الله فبيِّنات في وجوب الإيمان بقضاء الله وقدره، يقول الله تعالي في سورة الحديد: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)).
ينهى الله تعالى عن الأسى والأسف على أحوال الدنيا، والتفريط في تحميل النفس أكثر مما ينبغي من شعور بالحزن والألم، كما أنه يبين لنا أن ما حدث لنا هو أمر قضاء منه ومكتوب عنده فلم تذهب الحسرات عليه؟
الخطوات الخمس للتخلص من الندم:
1. التوقف عن التأجيل أو التسويف:
من أهم الحقائق التي عليك أن تُدركها حقيقة أساسية، وهي أنَّ تصحيح الأخطاء الماضية التي قُمت بارتكابها لا يحتاج إلى أي تأجيل أو تسويف، فالتسويف هو خدعة النفس العاجزة والهمة القاعدة، لذا يتوجب عليك أن تبدأ ومن هذه اللحظة بالتفكير بشكل جدّي بتحديد فترة زمنية لتراجع فيها كل حساباتك، وكل الأخطاء الماضية، لتعمل على حل أكبر عدد منها بشكلٍ سريع قبل أن تكبر، وتتفاقم لتؤثر على حياتك بشكلٍ سلبي مع الأيام.
إقرأ أيضاً: 6 نصائح من الخبراء للتخلص من التسويف والمماطلة
2. اغفر لنفسك ولا تُحملها أكبر من الذنب الذي اقتَرفَته:
لتنجح في التخفيف من مشاعر الندم على بعض الأخطاء التي قُمت بارتكابها في الماضي، عليك ألا تحصر فكرك بأحداث مضت وانتهت، وألا تُحمل نفسك ذنباً أكبر من الذي ارتكبته، بل اطّلع بشكلٍ دائم إلى حاضرك الذي تعيشُ بهِ لتُحافظ على كل تصرفاتك وردود أفعالك كي لا تُكرر مرة أخرى تلك الأخطاء الماضية.
3. استخرج درس يمكنك تطبيقه في المُستقبل:
يقول الدكتور نيل روزي أستاذ التسويق بكلية كيلوغ للإدارة في جامعة نورث وسترن: "يمكن أن يُمثل الندم مُشكلة، لكن إحدى مزايا الندم أنه يُشير إلى تحسُنٍ مُحتمل، يكمن السر إلى تجنب الهوس وتفاديه،واستخراج درس يُمكن تطبيقه في المواقف المُستقبلية". لكي تنسى الأحداث السلبية الماضية والتي أصبحت تُسبب لك الندم الشديد عليك أن تتوقف عن طرح بعض الأنواع من الأسئلة المُزعجة لنفسك، كأن تسأل، ماذا لو لم أقم بهذا الفعل؟ وماذا لو لم أقل تلك الكلمة؟ وماذا كنت سأكسب لو قمت بهذا العمل؟ وذلك لأنَّ مثل هذه الأسئلة ستُغذي الجانب السلبي في شخصيتك، وستحول حياتك المُستقبلية إلى جحيمٍ لا يُطاق، واستبدل تلك الأسئلة بتوجيه بعض العبارات إلى نفسك كأن تقول: لن أكرر أخطاء الماضي، سأحاول قدر المُستطاع تصحيح أخطائي، سأجعل حياتي المُستقبلية أفضل من حياتي الماضية.
4. المواجهة:
بدلاً من أن تتهرب من أحداث الماضي وبدلاً من أن تواجهها بالندم القاتل الذي أصبح يُهدد حاضرك ومُستقبلك، عليك أن تكون على أتم الاستعداد لمواجهة المخاوف، والمشاعر السلبية، وأن تُحاول أن تقضي عليها بكل ما منحك الله من قوةٍ وعزيمةٍ وصبر، وذلك لتحول أيامك المُستقبلية إلى أيامٍ مليئةٍ بالإنجازات الإيجابية.
إقرأ أيضاً: 12 نصيحة لنسيان ذكريات الماضي الحزين
5. اللجوء إلى الله سُبحانه وتعالى:
كي تتوقف عن التفكير بالندم على أخطاء ارتكبتها في الماضي عليك أن تؤمن بمبدأ أساسي وهو أنَّ الإنسان خطّاء بطبعه، وأنَّ الندم هو طريق التوبة والصلاح في الأمور كُلها، وبأنَّ الله عز وجل كريم مُسامح لعباده الصالحين التّوابين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صل الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربِّه تبارك وتعالى قال: "أذنبَ عبدٌ ذنباً، فقال: اللهمَّ اغفر لي ذنبي، فقال-تبارك وتعالى-: أذنبَ عبدي ذنباً، فعلم أنَّ له ربَّاً يغفرُ الذنبَ، ويأخُذُ بالذنبِ، ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ اغفر لي ذنبي، فقال-تبارك وتعالى-: أذنبَ عبدي ذنباً، فعلم أنَّ له ربَّاً يغفرُ الذنبَ، ويأخُذُ بالذنبِ، ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ اغفر لي ذنبي، فقال-تبارك وتعالى-: أذنبَ عبدي ذنباً، فعلم أنَّ له ربَّاً يغفرُ الذنبَ، ويأخُذُ بالذنبِ،قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء".
يجب عليك أن تواظب على الصلاة وأداء العبادات التي فرضها الله علينا، فالقُرب من الله عزَّ وجلّ هو طوق النجاة والتوفيق في هذه الحياة الدنيا وهو دليلنا للهُدى والحياة المُستقيمة التي لا نخشى فيها الندم، فإيماننا العميق بأنَّ الله سُبحانه وتعالى رحيم ورؤوف بنا يُدخل الطمأنينة إلى نفوسنا الضعيفة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: "يا ابن ادم إنَّك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن ادم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن ادم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئاً لأتيتك بِقرابها مَغفِرةً".
شاهد بالفيديو: 10 أسباب وراء شعورك بالندم
في الختام:
تذهب الأفكار التي تثير الندم والحيرة بالشخص بالعجز والغرق في هاوية الإحباط والاكتئاب وقد يصل لمرحلة الانطواء على النفس وسيطرة وسواس الإحساس بالندم على النفس وتقييدها من تحقيق الأهداف والأحلام. لذا، من الضروري تعلم كيفية التعامل مع وسواس الندم على الماضي وتجاوزه دون الوقوع بحبال العجز واليأس.
أضف تعليقاً