4 أسئلة ستغيِّر يومك

التقيتُ الليلة الماضية بفتاة مُنهكة ومرهقة في فعَّالية خيرية محليَّة، وقد أجرينا محادثة بعد أن ساعدتها على التقاط بعض الأوراق التي سقطت منها على الأرض؛ إذ قالت إنَّها متطوعة في هذه الفعَّالية وعديد من الفعَّاليات الخيرية الأخرى على مدى الأسابيع القليلة المقبلة؛ لأنَّها لم يكن لديها مكان آخر لقضاء العطلة، بصرف النظر عن التفاصيل، فقد أخبرتني أنَّها تعاني من نقص في العلاقات الصحية، وانعدام الثقة بالنفس، والافتقار إلى الهدف في حياتها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "مارك كرنوف" (Marc Chernoff)، ويُحدِّثنا فيه عن أربع أسئلة من شأنها أن تغيِّر يومنا بالكامل.

حاولت أن أُواسيها قدر استطاعتي خلال محادثتنا التي استمرت 10 دقائق، وأكَّدت لها أنَّ العمل التطوعي الذي تقوم به ذو أهمية بالغة، ثمَّ أعطيتها بطاقة عملي قبل أن أغادر على أمل أن تتواصل معي، فثمَّة كثير ممَّا أودُّ مشاركته معها، فأنا أعلم تماماً ما هو الشعور بالتعب والإرهاق، والشعور بالإحباط والاكتئاب، وعدم وجود أحد للتحدث معه، وقد كافحت يائساً مع القلق ومشكلات الثقة بالنفس مرات عديدة في الماضي.

لذا؛ أكتب هذا المنشور القصير لها ولجميع زملائي المتعبين والمُرْهَقين الذين يكافحون اليوم من أجل العثور على السعادة، أنتم تعانون، وربما تكونون مُحطَّمي القلب، وهي حالة يصعب التعامل معها؛ إذ يمكن أن تشعروا بالوحدة، والاستنزاف، وحتى اليأس في بعض الأحيان، فكيف تُحَفِّزُون أنفسكم حين تشعرون بالإحباط؟ كيف تتعافون حين يكون الأمل ضئيلاً؟ كيف تتواصلون مع الآخرين حين لا تشعرون بالثقة اللازمة للمخاطرة؟

أعلم أنَّكم تريدون الإجابات، وأنا آسف جداً لأنَّكم تكافحون وتتألمون في أعماقكم، لكن أرجوكم اعلموا أنَّكم لستم وحدكم، قد تشعرون بأنَّكم كذلك، لكنَّكم لستم وحيدين أبداً، فأنا معكم لأنَّني أفكِّر فيكم في هذه اللحظة بالذات، ولأنَّني مررت بما مررتم به، فنحن نشترك في إرهَاقِنَا وحيرتنا وانكسار خواطرنا ووحدتنا ويأسنا؛ لذا أنا على ارتباط وثيق معكم، وقلبي يفيض بالتعاطف، ولست وحدي من يفهم ما تمرون به فحسب؛ بل كل حيٍّ يُرزَق على هذه الأرض قد مرَّ بشيء مماثل في مرحلةٍ ما.

جميعنا نكافح في الحياة جنباً إلى جنب، وتربطنا المحن والمصائب المشتركة، وقد نشعر بالوحدة في أعماقنا، لكن ما يجمعنا أقوى ممَّا يُفرقنا، فالشعور بالانكسار والوحدة والانعزال عن المجتمع، هو وهم بالتأكيد، قد يبدو حقيقياً، ولكنَّني أوكِّد لكم أنَّه ليس كذلك، وفيما يأتي مجموعة من الأسئلة التي من شأنها أن تغيِّر يومكم.

أسئلة من شأنها أن تغيِّر يومك:

لستُ قادراً على تخليصك من كل آلامك في غمضة عين، إلا أنَّني قادر على أن أقدِّم لك بعض الأسئلة والملاحظات التي قد تغيِّر منظورك، والتي ساعدتني على اجتياز أيامي الصعبة، وقد طرحت وزوجتي "إنجل" (Angel) أيضاً هذه الأسئلة والملاحظات لاحقاً في تمارين تدريبية مختلفة لمساعدة عملائنا في الدورة التدريبية ليتغلَّبوا على أشكال مختلفة من الألم.

إليك فيما يأتي هذه الأسئلة:

1. ما هي التوقعات الماضية التي ما تزال متمسِّكاً بها حتى الآن؟

التخلي عن توقعاتك دائماً ما يكون فكرة سديدة، فإن كان لديك القليل من التوقعات القابلة للتغيير، فلن تدمِّرك خيبة الأمل، فقد يكون من الصعب أن تتخلَّى عن بعض التوقعات؛ لأنَّك ما تزال تأمل احترام قيمك الشخصية، ولا تتوقع الإصابة بمرض موهن، وقد تتوقَّع حسن النية من معظم الناس، ومع ذلك، كلما زادت التوقعات التي يمكنك التخلي عنها اليوم، كان ذلك أفضل.

لكن، ماذا يحصل حين ترتبط إحدى توقعاتك بحدث سابق غير قابل للتغيير؟ وماذا يحصل حين تتوقع حتى الآن ودون وعي منك نتيجة لم تتحقَّق أبداً وقد فات الزمان والمكان لحدوثها؟ ستشعر بالعجز واليأس.

حان الوقت لتقبُّل الأمر؛ تقبُّل الأمر لا يعني القدرة على نسيان الماضي؛ بل يعني امتلاك الحكمة والقوة لتقبُّل الحاضر، فلا يمكنك استخدام تجاربك في الماضي لتغيير النتائج فيه، لكن يمكنك استخدامها لتغيير النتائج الحالية، وأنت الآن تملك فرصة ثمينة لتتدرَّب على تقبُّل الأمور، وتتخلَّى عن توقعاتك السابقة، وتستثمر هذه اللحظة بطريقة أفضل وأكثر إيجابية.

إنَّ معرفة متى تتوقع النتائج وترجو تحقيقها، ومتى تتخلى عن الماضي وتتغيَّر مع تغيُّر الزمن هو التحدي الرئيس الذي يجب أن تنفق عليه مواردك المحدودة بحكمة، فالحل إذاً هو الحكمة، والحكمة لا تُخْلَقُ من العدم، ولامتلاكها تحتاج إلى الخبرة في الحياة، بما فيها التجارب السلبية، مثل: الإحباط، والفشل، والمرض، والوحدة، والفقدان، لكنَّها ليست الخبرة التي تسعى جاهداً من أجلها، لكن حين تباغتك على حين غرَّة، فعليك التعلُّم منها واستثمارها لمصلحتك.

شاهد بالفديو: 5 علامات تخبرك أنه يجب أن تغيّر طريقة حياتك حالاً

2. ما الذي يجعلك إيجابياً، إن كنت تريد أن تكون كذلك؟

ما لم تكن مكتئباً جداً، فالحزن هو مجرد شعور، وكما هو الحال مع كل المشاعر، فأنت من يختارها، فأنت تتخذ خياراً (بقصد أو بغير قصد) لتشعر بهذه الطريقة، فإن أردت أن تكون إيجابياً وتبتسم الآن، فأنت تقصد ذلك، وكذلك الحال إن أردت العبوس.

الابتسامة هي خيار وليست معجزة، وهي ما يجعلك تشعر بالتحسُّن؛ لأنَّك وبمجرد أن تبتسم يتلقَّى عقلك رسالة مفادها أنَّك سعيد، ثمَّ يفرز جسمك هرمونات شتَّى تشعرك بالراحة، وقد دُرِس رد الفعل هذا من قبل العشرات من المتخصصين في علم النفس الإيجابي ونُوقِشَ على نطاق واسع في مجالهم، لكن حتى لو اخترت أن تكون إيجابياً وتبتسم في كثير من الأحيان، فإنَّ الحزن ما يزال جزءاً من الحياة، ومع أنَّه استجابة نختارها بأنفسنا، فإنَّه استجابة طبيعية لتجربة سلبية، وعادة ما لا يكون شعوراً سيئاً على الأمد القصير، وإن كنت لا تسمح له بإنهاكك، فالحل هو الحفاظ على الأمور في نصابها، ثمَّ تغيير منظورك حين تستدعي الضرورة.

قد تشعر أنَّك لا تملك شيئاً عندما لا تسير الحياة لمصلحتك، لكنَّ ذلك ليس صحيحاً، فغالباً ما تتعارض رغباتنا الأنانية مع الواقع؛ لذا ابحث عن التوازن بين التخطيط والحضور الذهني؛ أي بين التوقع والقبول، واعمل من أجل ما تريده، لكن لا تبحث عمَّا هو أفضل بحثاً مُلِحَّاً؛ إذ يجب أن تكون على استعداد للتخلي عن الحياة التي خططت لها حتى تتمكَّن من تقبُّل الحياة التي تنتظرك في هذه اللحظة، فقد لا تشمل كل ما تريده، لكنَّها كل ما تحتاج إليه الآن.

أظهرت دراسة علمية حديثة نُوقِشَت في كتاب "فوائد السعادة" (The Happiness Advantage)، أنَّ الأطباء الذين يكونون في حالة مزاجية جيدة قبل إجراء التشخيص، يشعرون بارتفاع مستوى قدراتهم الفكرية عند مقارنتهم بالأطباء ذوي الحالة المزاجية المحايدة، ممَّا يسمح لهم بالتشخيص الدقيق بطريقة أسرع بنسبة 20% تقريباً.

انتقلت الدراسة ذاتها إلى مهن أخرى ووجدت أنَّ مندوبي المبيعات الذين يفكِّرون بإيجابية يتفوَّقون على أقرانهم المتشائمين بنسبة تفوق 50%، كما وجدت الدراسة أنَّ الطلاب المستعدين للشعور بالإيجابية والبهجة قبل إجراء الامتحانات تفوَّقوا كثيراً على أقرانهم المحايدين؛ وبذلك اتَّضح أنَّ عقولنا مفطورة للعمل بكامل طاقتها، ليس حين تكون بحالة سيئة، أو حتى في حالة محايدة؛ بل حين تكون بحالة جيدة.

إقرأ أيضاً: كيف تفكر تفكيراً إيجابياً عندما تراودك مشاعر سلبية؟

3. ما هو المعنى الذي أعطيته للتحديات الحالية التي تواجهها؟

حتى عندما تكون إيجابياً، ما يزال لديك تحديات لتواجهها ولا مفرَّ منها، لكنَّ شعورك تجاه حياتك لا علاقة له بتحدياتها أو بما حدث لك (أو لم يحدث)؛ إذ يتحكَّم المعنى الذي تعطيه لهذه التحديات بجودة حياتك، وقد تكون غير مُدرك تماماً لعدد المرات التي يعطي فيها عقلك الباطن معنى سلبياً لكل إزعاج صغير؛ لذا تحقَّق من نفسك:

  • عندما يحدث شيء يخلُّ بحياتك (مرض، إصابة، خسارة، وما إلى ذلك)، هل تميل إلى الاعتقاد بأنَّها النهاية أم البداية؟
  • إن واجهك شخص ما، فهل تظنُّ أنَّه يُهينك، أم يقدِّم لك الكوتشينغ، أم يحاول الاعتناء بك؟
  • هل الوقوع في مشكلة يعني أنَّ الله عز وجل يعاقبك أم يمتحنك؟ أم أنَّه من الممكن أن هذه المشكلة ليست مشكلة، بل هي فرصة؟

عندما نغيِّر المعنى الذي نعطيه للتحديات التي نواجهها، فلن يكون هناك قيد على ما ستصبح عليه الحياة؛ إذ يمكن لتغيير مجال التركيز والمعنى أن يغيِّر حرفياً الكيمياء الحيوية لأجسادنا ويغيِّر مسار حياتنا خلال فترة زمنية قصيرة جداً.

لذا؛ خذ نفساً عميقاً وتذكَّر: المعنى يساوي العاطفة، والعاطفة تساوي القوة، فاختر بحكمة، وتعلَّم إعادة تأطير التحديات التي تواجهك، واعثر على معنى إيجابي مشجِّع في كل حدث، وسيكون الطريق الأفضل للمضي قدماً ملكك دائماً.

شاهد بالفديو: 5 أفعال جريئة عليك القيام بها الآن

4. ما الذي لا تريد للآخرين أن يعرفوه عنك اليوم؟

هذا السؤال يصبُّ في قلب مخاوفك؛ لذلك دعه يذكِّرك بأنَّ المشكلات والأخطاء والتحديات هي جزء من حياة الجميع، ولا تشعر بالخجل، أو تقلق بشأن حكم الآخرين عليك أو رفضهم لك، فلا يهم رأيهم بك؛ لذا حرِّر نفسك من أحكامهم؛ إذ إنَّ جُلَّ ما يرونه فيك هو رأيهم الخاص وما يعكسه العالم لهم، فقد ينظر إليك بعض الأشخاص على أنَّك ذكي وطريف وموهوب، في حين قد يظنُّ آخرون أنَّك شخص عادي على أفضل تقدير، أو حتى غير مرغوب بك، فقد تبدو جميلاً لبعضهم، وبديناً أو نحيلاً جداً لغيرهم، بصرف النظر عن رأي الآخرين فيك، فالأمر يتعلَّق بمعاييرهم للجمال أو الذكاء أو الوعي، ولا علاقة لذلك بك مطلقاً.

مع ذلك؛ في كثير من الأحيان نسمح للرفض الذي نمرُّ به أن يُملي علينا كل خطوة نخطوها، فنحن فعلياً لا نظنُّ أنَّنا أفضل ممَّا قاله عنَّا شخص جاهل معتد بآرائه؛ إذ إنَّ الرفض لا يعني أنَّنا لسنا أكفاء؛ بل يعني فقط أنَّ أحدهم وفي ظلِّ ظروف معيَّنة فشل في الانسجام معنا.

الرفض غير هام؛ لذا ركِّز انتباهك على ما يهم فعلاً، وهو نظرتك لنفسك، أخلِص دوماً لقيمك وقناعاتك، بصرف النظر عمَّا يظنُّه الآخرون، ولا تخجل أبداً من فعل ما تراه صائباً، ولمساعدتك على تطبيق هذه العادة الإيجابية، ابدأ بسرد 5-10 أشياء هامَّة تتعلَّق ببناء شخصيتك وعيش حياتك، على سبيل المثال:

  • الأمانة.
  • المصداقية.
  • احترام الذات.
  • ضبط الذات.
  • التعاطف.
  • التقدم.
  • الإيجابية.

إنَّ وجود قائمة قصيرة كهذه بوصفها مرجعية، سيمنحك فرصة لاستحضار صفاتك وسلوكاتك التي اخترتها، بدلاً من القيام بأمر لا يمتُّ لك بصلة لمجرد إرضاء الآخرين، ومع أنَّ الأمر قد يبدو بسيطاً جداً، فإنَّ معظم الناس لا يتريَّثون أبداً ليقرِّروا ما هو هام بالنسبة إليهم فيما يخصُّ تصورهم الذاتي عن أنفسهم، فهم يتركون الآخرين يقرِّرون نيابة عنهم، خاصة في الأوقات العصيبة.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح لتبدأ التغيير الإيجابي في حياتك

في الختام:

بصرف النظر عن جميع التفاصيل، فإنَّ أفضل حل لتغيير يومك عندما تكون في مزاج سيئ هو التركيز على الحاضر فقط، والخطوات الحالية التي تحتاج إلى اتخاذها؛ لأنَّه مهما حصل، يمكن لأي شخص خوض معارك يوم واحد فقط بكفاءة، لكنَّ حياتك تخرج عن السيطرة فقط عندما تجمع بين معارك الماضي والمستقبل البائسة.

لذا تذكَّر أنَّ تجربة اليوم ليست ما يعوقك؛ بل هو الندم والاستياء من شيء حصل بالأمس، أو الخوف والرهبة ممَّا قد يحمله الغد، فيجب إذاً أن نعيش كلَّ يوم بيومه، وأن نكون حاضرين في اللحظة الحالية، وأن نبذل جهدنا وحسب.




مقالات مرتبطة