ملاحظة: يتحدث هذا المقال عن تجربة شخصية للمدون "مايكل بيرتزاك" (Michael Pietrzak)، والذي يُخبرنا فيه عن تجربته في إعادة برمجة نشاطه الفكري.
لقد سئمت من علامات التحذير المُغرية التي تسحبني في كلِّ مرّة، وقررت أنَّ الوقت قد حان لاستخدام بعض التقنيات القوية لإعادة برمجة أفكاري بنشاط.
"العلم في الصغر كالنقش على الحجر"، يتحدَّث العلماء عن المثل الشعبي الشهير الذي لا يستطيع البالغون التخلّي عنه، لكنَّ الأمر ليس كما يظنُّه الكثيرون، فتطورُنا لم ينتهِ لمجرد أنَّنا كبرنا، نحن قادرون دائماً على التعلُّم، وأدمغتنا على استعدادٍ دائمٍ للتطوّر.
تشير المرونة العصبية إلى قدرة الدماغ على تكوين مساراتٍ عصبيةٍ جديدةٍ، وتحقيق الترابط بين أجزاء نظامنا العصبي. يحدث هذا عادةً بعد التعرض إلى إصابةٍ ما، كما يحدث أيضاً استجابةً لبيئتنا وأفكارنا وعواطفنا.
وكما هو الحال مع بناء العضلات، فإنَّ "عملنا" على مساراتٍ عصبيةٍ معينةٍ، سيجعل هذه المسارات أقوى، لتصبح هذه المساراتُ القويّة "الطرق السريعة" النفسية المفضلة لدينا.
استخدمنا طوال حياتنا هذه التقنية عن غير قصدٍ لبرمجة المشاعر السلبية، ولكن يمكننا أن نفعل الشيء نفسه لبرمجة الصبر والحبِّ والعاطفةِ والفرح، كما يُمكننا أن نولِّدَ مزيداً من السعادة والهدوء واللطف في حياتنا من خلال ممارسة هذه العواطف.
كم واحدٍ منكم يعرف شيئاً نظرياً، ولكنّه يفشل في تطبيقه عملياً؟
مثلاً: أنت تعلم أنَّ الغيرة ستدفع شريكك بعيداً، لكنَّك بالرغم من ذلك تغضبُ عندما يتحدّث إلى أحدٍ من الجنس الآخر لفترةٍ طويلةٍ.
تقول "تاييس جيبسون" (Thais Gibson) - خبيرة التنمية الشخصية: "عندما تُطلِق الأحكام، أو تتصرف بسلبية، فهذا يعني أنَّ حوارك الداخليَّ مغلق".
لحسن الحظ، هناك حلٌّ بسيط لدى جيبسون، يتلخص في قولها: "إنَّ عقلك الباطن يعمل من خلال الشعور أكثر من اللغة"، فمن خلال الاستفادة من المشاعر القوية، نقوم بإنشاء خطّ مباشر يُملي علينا اللاوعيُ الخاص بنا التعليمات من خلاله.
1. طريقة توني روبنز الأولية:
يقول توني روبنز أنَّ العاطفة تنشأ من الحركة، فأيُّ تغييرٍ في "حالتك" الجسدية سيغير حالتك النفسية. في الشهر الماضي، حضرت ندوةَ إطلاق العنان للسلطة، وتعلَّمتُ منها عن التمهيد، والذي يدعم هذا المبدأ. وإليك كيف يعمل:
- اجلس وعيناك مغلقةٌ، وارفع يديك فوق رأسك.
- خذ نَفَساً عميقاً من خلال أنفك لثلاث مجموعاتٍ من 30 نَفَساً.
- في كلِّ نَفَس، اسحب ذراعَيك لأسفل، مع إغلاق قبضتي يديك.
- بعد ثلاث مجموعات، اشعر بالامتنان وحبِّ الذات.
وبالنتيجة، يمكنك بسهولةٍ زرع أفكارٍ ومعتقداتٍ صحيّةٍ جديدةٍ في عقلك.
2. طريقة ديمارتيني:
يستخدم أخصائي السلوك البشري، الدكتور "جون ديمارتيني" (John Demartini)، المرونةَ العصبية لإعادة برمجة الدماغ. يسألُ ديمارتيني عملاءه سلسلةً من الأسئلة؛ لمساعدتهم على تحييد الشحنات العاطفية السلبية، واستبدالها بشحناتٍ تمنحُ التوازنَ العاطفي. ويغيّرُ أسلوبه هذا من هيكلية الدماغ، بما في ذلك المِهادُ واللوزة، المسؤولان عن التعبيرِ عن الخوفِ والشعورِ بالذنب والعدائيّة. وأمّا عن السؤال: كيفَ يعملُ هذا عندما يواجه موقفاً صعباً؟ فتقولُ جيبسون: "استفسر عن الموقف نفسه، واسأل عمّا يأتي منه".
ربَّما تأتي قوّتك الهائلة، التي تقدّرها بشكلٍ كبير، من تخلّي أحدِ والديك عنك وأنت طفل، أو من مرضٍ جسديّ، كما ويُمكن لرؤيةُ الخيرِ أن تُساعِدكَ في التخلّي عن المعتقداتِ غيرِ المفيدة بسرعة. لذا ابحث عن الفوائد؛ لأنَّ هناكَ دائماً ميزةٌ واحدةٌ على الأقل.
3. الإثباتات:
يمكننا أن نُحدِّدَ طرقنا الخاصةَ بمرورِ الوقت. حيث يؤدّي التفكيرُ المبني على التكرار إلى إنشاءِ روابطَ أقوى بين الخلايا العصبية، وبذلك يُهمِل الدماغ المسارات الأكثر عمقاً، فنكون بذلك عالقين في الروتين، لكن من الممكن أن يكون هناك حل، ومن الممكن أن تكون المهندس المعماري الذي سيغيّرُ حياتنا نحو الأفضل، باستخدامك للتأكيد والتكرار بشكلٍ يومي.
العقل الباطن لدينا هو المصنع الذي يولِّدُ العديد من أفكارنا -الإيجابية والسلبية- ويمكن إعادة برمجته ليس بقوّةِ العاطفة فحسب، ولكن أيضاً من خلال التكرار. تُقدِّم التأكيدات التي يُشكّلها التكرار تعليمات تشغيلٍ جديدةٍ في اللاوعي الخاص بك، بنفسِ الطريقة التي يتركها الاستماع إلى أغنيةٍ عند تكرارها عالقةً في رأسك لعدة أيام.
يسدُّ توني روبنز الفجوةَ بين التكرار والعاطفة، حيث أنَّ "المانترا" التي يُقدمها تأكيداتٌ تَحدُثُ نتيجة مشاعر متفجرةٍ وقناعة. بمعنى أنَّه إذا كان التأكيد الخاص بك هو "أنا متحدثٌ مُقنِع"، فإنَّ المانترا الخاصةَ بكَ ستكونُ هي الكلمات ذاتها، ولكن هذه المرة ستكرّرها وأنت تقفز وتصيح وتضرب صدرك بقبضتيك. الفكرة هنا، التي يدعمها علم المرونة العصبية، هي أنَّ أدمغتنا أكثرُ عرضةً لإعادة البرمجة في ظل ظروفٍ من المشاعر الشديدة.
4. التصور:
"ما تتصوَّرهُ، أنتَ من يبدعه" - بوذا.
يعملُ التخيّل مثلما تعملُ التأكيدات لإعادة تركيب الخلايا العصبية لدينا، وجذب الأفكار والمشاعر التي نريدها. إنَّ تخيّل نفسك بوضوحٍ وأنت تقوم بعملٍ تحبهُ، سيعمل بشكلٍ جيدٍ ليُمكِّنكَ من الحصول على وظيفة أحلامك أو منزلك أو علاقتك بسرعة، كما يمكنه أن يعمل أيضاً لجذب العواطف الصحية. فإذا كنت تتخيّل نفسك تتفاعل مع التحديات بهدوءٍ وتعاطف، فسيظهر هذا السلوك.
خصّص وقتاً كلَّ يومٍ لتُصوِّرَ لنفسك المرونة العاطفية، أو المعتقدات الإيجابية التي تريدها. مع خمس دقائق من الممارسة اليومية، ستبدأ برؤية تغييرٍ قوي.
بعد 15 عاماً، ما زلت أتأمّلُ لمدة 10 دقائقَ، على الأقل، كلَّ يوم. لكن وعلى الرغم من مرور 15 عاماً، ما زلت أعاني من انعدام الأمن والخوف والغضب. لم يكن لديَّ خيارٌ سوى البحث عن طريقةٍ لتثبيت أنماطٍ جديدةٍ من النشاط.
يسرقني التأمّل من سيل الأفكار، ولكن باستخدام الأدوات الجديدة، أقوم ببناءِ قاربٍ للتنقل بشكلٍ أفضلَ دون الانجراف كثيراً. يمكنك أن تفعل الشيء نفسه، ولكن كن صبوراً، فلقد قضيت عمراً حتّى اكتسبت هذه المهارة. الثبات والمهارة هما ما تحتاج للتمكن من الأمر. لذا تحلَّ بالصبر، لتنال ما تريد.
أضف تعليقاً