إنَّ الصمت وعدم فعل شيء أفضل من التعبير العنيف بالصراخ أو رمي الأشياء، فالغضب شعور فطري وطبيعي ولكنَّه بالتأكيد يُصنَّف ضمن المشاعر السلبية، والغضب المزمن يمكن أن يؤدي إلى تداعيات خطيرة على صحة الإنسان ولا فائدة منه؛ بل على النقيض من ذلك يمكن أن يدمِّر سعادة الإنسان وعلاقاته مع الآخرين عندما يتفاقم ويخرج عن السيطرة تماماً كأي إدمان يغيب فيه العقل والتفكير المنطقي، وأهم ما يجب تعلُّمه هو تهدئة النفس عند الغضب، ويفضَّل قبل أن يشتد من خلال فهم الأسباب التي أدت له، وهي في الغالب أفكار ومعتقدات بالإمكان التحكم بها أو تغييرها.
مفاهيم أساسية
إنَّ أفضل طريقة لإدارة الغضب والحد من آثاره السلبية؛ هي التعامل معه بشكل استباقي من خلال طرائق فعالة تصرف انتباهك عن مسببات الغضب وتساعدك على الحفاظ على الهدوء، مثل النوم الكافي ثم تخيل مشهد يساعدك على الاسترخاء إضافة إلى ممارسة الرياضة والتنفس العميق وأساليب الاسترخاء العضلي التدريجي، ويبقى الإجراء الأهم والذي يغفل عنه الكثيرون هو مراقبة المشاعر ونزع فتيل الغضب قبل أن يشتعل، هذه الإجراءات عامة وتنفع في أغلب الحالات وما دون ذلك يحتاج إلى أساليب نفسية أكثر دقة للتعامل مع الغضب.
4 طرائق فعَّالة للتحكم في الغضب:
إليك 4 طرائق فعَّالة للتحكم في الغضب:
1. الاتكاء للخلف:
اجلس مائلاً للخلف بزاوية 30 درجة لمدة خمس دقائق بوصفه حلاً سريعاً ومؤكَّداً، ويمكنك أيضاً استخدام طريقة التوصيف اللفظي للمشاعر، كأن تقول: "أنا أشعر بالغضب"، وقد يبدو هذا سخيفاً، ولكن تسمية المشاعر بأسمائها تنقلها من إطار الفوضى العاطفية وتضعها تحت حكم العقل والمنطق، ومن ثم يساعد ذلك على الحد من تفاقم الغضب وخروجه عن السيطرة، وأحياناً يكون من الصعب الجلوس والاسترخاء في خِضَمِّ جدال حاد في العمل، كما سيجعلك هذا تبدو غريبَ الأطوار وبعيداً عن الواقع، وقد لا يحقق النتائج المرجوة لاستعادة الهدوء والاتزان حتى لو كنت وحدك، ولذا يجب التفكير بخيارات أخرى جديدة.
2. التأكُّد من صحة الافتراضات:
يجب أن تتأكد من حقيقة الأسباب التي تشعل فيك الغضب؛ لتتجنَّب الندم لاحقاً، فكل شخص مر بمواقف ثم ندم فيها على غضبه من أشياء لا تستحق.
تُستخدم مجموعة تبريرات شائعة للغضب منها: "لقد فعلوا ذلك عن عمد"، "إنَّها غلطتهم"، "ما كان ينبغي أن يفعلوا ذلك"، "لدي كامل الحق بعدم التسامح بعد الآن".
تذكَّر أنَّ الهدف الأساسي؛ هو إنجاز شيء ما أو حل مشكلة ما، أما الغضب فلن يفيد سوى أن يجعل الموقف أكثر توتراً وأصعب تدبيراً، وحتى لو كنت تعتقد أنَّك محق في غضبك، فذلك لن يفيد شيئاً؛ بل بخلاف ذلك، ستسبِّب هذه العقلية نفور الآخرين منك وعدم قدرتك على بناء علاقات اجتماعية قوية.
ثمة تبرير آخر يستخدمه الأشخاص دائمو الغضب، وهو "لم أتمالك نفسي"، ولكن فكِّر قليلاً هل حقاً لن يتمالكوا أنفسهم من الغضب أمام مدير العمل؟ أو أمام رجل مُسلَّح؟
حان الوقت الآن للحديث عن معالجة جذور الغضب والتحكُّم به قبل أن يخرج عن السيطرة، ويفقدك صوابك بعد الحديث عن المفاهيم العامة والأساسية.
شاهد بالفديو: 6 نصائح حتى لاتجعل غضبك يسيطر عليك
3. تحدي المعتقدات غير المنطقية:
في الغالب يكون رد فعلك ومشاعرك تجاه حدث ما مرتبطاً بما تحمله من أفكار ومعتقدات وليس بالحدث نفسه، وعلى سبيل المثال إذا وضع أحدهم مسدساً في وجهك سترتجف من الخوف، ولكن بمجرد أن تدرك أنَّه مسدس مائي سيزول الخوف تلقائياً؛ والسبب هو تغيُّر معتقداتك الداخلية، ومثال آخر عندما يتصرف أحدهم بحماقة ستشعر بالغضب؛ لأنَّك تحمل معتقداً داخلياً بأنَّ الجميع يجب أن يتصرف بطريقة لائقة، وأنَّ الإزعاج غير مقبول بالنسبة إليك، ولكن ماذا لو كان تفكيرك كما يأتي: "أحب أن تسير الأمور كما أريد، ولكن الحياة الواقعية ليست كذلك، ومن الأفضل أن أعطي الآخرين فرصة ثانية، فربما يمرون بأوقات عصيبة وهذا حال الجميع".
أهم ما يجب فعله عندما تكون غاضباً هو أن تتحرى عن المعتقد الخفي الذي سبَّب لك الغضب؛ هل هو منطقي أم لا؟
على سبيل المثال لا يمكن أن يكون الانزعاج من تصرفات الآخرين سبباً منطقياً للغضب؛ لأنَّ هذه المواقف ستحدث دوماً وستضطر للتعامل معها، ومن المنطقي أن تتقبَّل اختلاف الآخرين عنك بالأسلوب وطريقة التصرف، وعندها سيقل شعورك بالغضب والإحباط في تلك المواقف إلى حد كبير.
لا يستطيع أحد التحكمَ بكل شيء في الحياة، واستخدام كلمة "ينبغي" يشبه الوهم أو التشبُّث بحلم جميل بعد الاستيقاظ ورؤية الواقع، وتوقعاتك هي المتحكم بردود فعلك، فلا تتوقع أن تسير الحياة كما تريد دائماً، وإلا ستبقى في حالة غضب واستياء مستمر.
الحل؛ هو القبول والتسليم، وكلمة التسليم تختلف عن الاستسلام، على سبيل المثال تعرُّضك لتصرف غير لائق لا يعني أن تقف مكتوف الأيدي؛ إذ يمكنك الدفاع عن حقك وفعل الصواب بهدوء وحكمة مع توقُّع حدوث مثل هذه الأشياء من حين لآخر، فعندما تكون جدياً في تحري المعتقدات التي تسبب لك الغضب، ستجد غالباً أنَّها إحدى الاحتمالات الآتية:
- "يجب أن أقوم بكل شيء بأفضل صورة ممكنة، وإلا فأنا فاشل وسيئ".
- "يجب أن يعاملني الآخرون كما أحب، وإلا فَهُم أشخاص سيئون ويستحقون العقاب".
- "يجب أن تكون الحياة عادلة وسهلة؛ لأتمكَّن من العيش".
بنظرة سريعة ستدرك أنَّها معتقدات غير منطقية، وفيها حب للسيطرة والتحكم بأشياء هي بطبيعتها خارجة عن إرادة الإنسان، وحتى لو كان هدفك نبيلاً وتريد أن تحقق العدالة في هذه الحياة ولكن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها؛ بل إنَّ الأمر سينعكس عليك بشكل سلبي إذا حاولت فرض السيطرة على أشياء فوق قدرتك.
حاول أن تستبدل الكلمات التي تدل على الفرض أو السيطرة مثل: "يجب" أو "ينبغي" إلى كلمات أكثر مرونة وتقبُّلاً، مثل: "أحب، أود، أفضِّل" وسترى التأثير الإيجابي من خلال سعادتك وسلامك النفسي.
4. إعادة التقييم المعرفي:
يحدُّ الغضب من قدرة الإنسان على التفكير ويدفعه إلى كسب صدام أو مواجهة، ولهذا ترى رجال السياسة في حالة غضب دائم، فهم متمسكون بأفكارهم ومقتنعون أنَّهم على صواب، أما في الحياة العادية، فهذا التراجع في القدرات الفكرية يستنزف قوى الإنسان، ويجعله عاجزاً عن التخلص من غضبه حتى بعد تحليل ومعالجة المعتقدات الخفية المسببة له.
تهدف تقنية إعادة التقييم المعرفي إلى مساعدة الأشخاص على توسيع وجهات نظرهم، واستبدال أنماط التفكير والتقييم غير المفيدة، وابتكار طرائق ووجهات نظر جديدة أكثر إيجابية في تفسير المواقف التي قد تكون أسبابها مجهولة، وعلى سبيل المثال، ماذا لو كنت غاضباً من شخص برأيك أنَّه أحمق، ثم علمت أنَّ والدته قد توفيت بالأمس؟
لا شك أنَّ رد فعلك تجاهه سيصبح أقل حدة، ومن ثم سيتجه هذا الاحتدام إلى الهدوء والسلام، وأما رد الإساءة بمثلها لن يحل المشكلة، ويمكنك أيضاً أن تقيم الموقف من وجهة نظر شخص آخر، وعلى سبيل المثال تخيَّل أنَّ صديقك الحكيم مكانك في الموقف، كيف سيكون رد فعله وتصرفاته؟
إنَّ محاولة إيجاد مبررات لتصرفات الآخرين لا يعني الاستسلام، وإنَّما الهدف من هذه التقنيات أن يكون رد فعلك أكثر إيجابية وحكمة بحيث تحمي نفسك من التأثيرات السلبية في مشاعر الغضب والإحباط، ولكن ليس بالضرورة أن تكون صحيحة 100%، ويمكنك أيضاً أن تعيد تقييم الموقف من خلال تغيير الأشخاص والزمان، فعلى سبيل المثال اسأل نفسك كيف ستتعامل مع الموقف لو أنَّ الشخص المقابل كان صديقك المفضَّل؟ وكيف سيكون تقييمك لأهمية الأمر بعد 10 سنوات؟ وهل ستكون راضياً عن رد فعلك؟
إعادة التقييم هي طريقة فعَّالة جداً ستتعلم من خلالها أنَّ تغييراً بسيطاً في طريقة الكلام يمكن أن يطفئ شعلة الغضب، ويجعل تعاملاتك مع الآخرين أكثر هدوءاً وسلاماً.
شاهد بالفديو: تقنيات تساعد على الهدوء والسيطرة على الغضب
تلخيص لما سبق:
1. مفاهيم أساسية:
التنفيس عن الغضب لن يفيد، والطريقة الفعَّالة هي التعامل بشكل استباقي من خلال أساليب تساعدك على السيطرة على الغضب والحفاظ على الهدوء، كالنوم الكافي وتخيُّل مشاهد تساعد على الاسترخاء والتنفس العميق وأساليب الاسترخاء العضلي التدريجي.
2. الاتكاء للخلف:
كحل سريع وفعَّال للحد من تفاقم الأفكار المسببة للغضب.
3. التأكُّد من صحة الافتراضات:
قبل أن يتفاقم الغضب لحالة لا يمكن السيطرة عليها، عليك أن تتأكد من حقيقة الأسباب قبل أن تتلفظ بشيء قد تندم عليه لاحقاً.
4. تحدي المعتقدات غير المنطقية:
ابحث عن المعتقدات غير المنطقية التي تسبب لك الغضب، وهي غالباً تعبِّر عن نزعة داخلية للتحكم وفرض السيطرة، مثل: "يجب أن تسير الحياة تماماً كما أريد"، واستبدلها بنظرة أكثر مرونة وتقبُّلاً: "أفضِّل أن يتعامل الناس بلطف، ولكنَّني أعلم أنَّ هذا لن يحدث دائماً".
5. إعادة التقييم المعرفي:
حاول أن ترى الجانب الإيجابي من كل خلاف مع الآخرين، ثم انظر إليه بوصفه تدريباً على التحكم في مشاعرك أو غضبك، وحاول التماس العذر للآخرين قبل أن تغضب من أفعالهم.
الحب مثل الكره قد ينشأ منذ التعارف الأولي، ولكنَّ تعبيرك عن هذا الشعور يجب أن يكون دقيقاً جداً، فما تقوله له دور كبير في تكوين صورتك عن الحياة والناس، ولهذا يجب أن يكون شعورك وانتقادك موجهاً للتصرفات والأفعال وليس للشخص نفسه.
وجد علماء اللغة أنَّ شعور الغضب يكون أكثر دقة وأخفَّ وطأةً عندما يوجَّه للأفعال وليس للأشخاص، كما أنَّ إخبار شخص عن انزعاجك من فعل قام به نادراً ما يؤدي إلى مشكلة، وهذا بخلاف الأحكام الشخصية التي تتسبَّب بخلافات حادة، فهي في الغالب متسرعة وخاطئة، وهذا ينطبق على الجميع كالمقربين وزملاء العمل والأشخاص الجدد.
في الختام:
يَصعُب التعامل مع الغضب؛ فهو من المشاعر القوية التي تعطي دفقة قوية من الثقة والتعصُّب للنفس، وتجعلك تردد عبارات تحب سماعها مثل: "لدي كامل الحق، وهم مخطئون تماماً ولا ذنب لي بذلك"، وهذا التغيُّر المفاجئ في طريقة التفكير يجب أن يكون مدعاة للشك، والتفكير، ومحاولة إصلاح ردود الفعل من خلال الأساليب التي ذُكِرت في هذا المقال.
أضف تعليقاً