ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الطبيب النفسي "جون بورا" (John Bouras) والذي يُحدِّثنا فيه عن فوائد الفكاهة في الحياة.
قد يدفعك هذا للتساؤل ما إذا كان لا بأس بالضحك خلال هذه الأوقات العصيبة والقاسية، والجواب هو بالتأكيد، بصفتي طبيباً نفسياً يعمل مع المرضى وعاش شخصياً أحداثاً مؤلمة، أبحث دائماً عن أوقات مناسبة لإضافة الفكاهة إلى حياتي اليومية؛ لذا ألقِ نظرة على هذه الطرائق الأربع التي تساعدنا فيها الفكاهة على التعامل مع التحديات التي نواجهها هذه الأيام:
1. الفوائد الاجتماعية والتواصل:
نحن كائنات اجتماعية، فمن منظور تطوُّري، نعزو بقائنا على قيد الحياة إلى قدرتنا على التواصل مع بعضنا؛ حيث أدت العزلة الاجتماعية بسبب البقاء في المنزل إلى شعور العديد من الأشخاص بالوحدة، وهذا صعب خاصة على الأفراد الذين كانوا يعانون من مشكلات الصحة العقلية بالفعل، لكن بفضل التكنولوجيا اليوم يمكننا التواصل "افتراضياً" مع بعضنا، فحين نشارك مع الآخرين منشوراً ويلقى الإعجاب نشعر بالقبول والاتصال، ويمكننا مشاركة مقطع فيديو أو قصة مضحكة والابتسامات، فأنا أتذكر عندما شارك معي أحدهم صورة شخص يحمل باقة زهور مصنوعة من ورق التواليت بدلاً من الزهور، ساخراً من كمية ورق الحمام التي يشتريها الناس.
شاهد بالفديو: 8 فوائد صحية للضحك
2. تخفيف التوتر وتحسين الصحة الجسدية:
نحن جميعاً نعلم أنَّ التوتر مُضِرٌّ بصحتنا، فقد يؤدي إلى مشكلات في القلب والأوعية الدموية مثل ارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية، ومشكلات الصحة العقلية، مثل الاكتئاب والقلق، وتُظهر العديد من الدراسات فوائد الضحك في مكافحة التوتر؛ حيث يخفف من التوتر الجسدي والقلق لأنَّ عضلاتنا تسترخي وتنخفض حسب مستويات هرمون التوتر "الكورتيزول" (cortisol) عندما نضحك.
وبالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحية، قد توفِّر الفكاهة والضحك حماية إضافية، فحين تتوسع الأوعية الدموية ينخفض ضغط الدم ويقل خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية، كما يقوى نظامنا المناعي عبر زيادة إنتاج "الخلايا التائية" (T cells) التي تحارب العدوى؛ وأظهرت دراسة استمرت لمدة 15 عاماً من النرويج أنَّ معدلات الوفيات من العدوى كانت أقل بين المرضى الذين استخدموا الفكاهة، وعلى الرغم من أنَّه ليس بديلاً عن التمرينات الجسدية، إِلاَّ أنَّني أشعر كما لو أنَّني انتهيت للتو من تمرين المعدة عندما أضحك بقوة.
3. تحسين الصحة النفسية:
نحن مخلوقات محكومون بالعادة والروتين، لكن بسبب الجائحة، أُجبِرنا على تغيير نشاطاتنا اليومية بين عشية وضحاها، فبين إغلاق المدارس وزيادة عدد الأشخاص الذين يلازمون المنزل، إما لأنَّهم خسروا وظائفهم أو لأنَّهم يعملون من المنزل، نرى المزيد من الأزواج والعائلات تقضي وقتاً أطول معاً أكثر من أي وقت مضى؛ ولتتصور الوضع الذي نعيشه اليوم في منازلنا أحياناً تخيَّل أي خلاف عائلي ثم تخيل أنَّه أسوأ بمرات عدة؛ ولذلك نحن عرضة للمشاعر السلبية وأعراض "اضطراب الصدمة الثانوي" (secondary traumatic stress).
اتباع أسلوب مرح في الحياة له وظيفة وقائيَّة؛ حيث يساعدنا على توسيع تفكيرنا ووضع الأمور في نصابها، ويساعدنا على التفكير في الشدائد كفرصة لإعادة تقييم أولوياتنا في الحياة، ولنقدِّر قدرتنا على قضاء المزيد من الوقت مع عائلاتنا، وانخفاض حركة المرور على الطرق، وقدرتنا على ممارسة هواياتنا القديمة مجدداً أو نشاطات جديدة.
4. تعزيز السعادة:
تحدد كيفية استجابتنا في الحياة درجة سعادتنا، ويبدو أنَّ الفكاهة تؤكد مفهوم "تأتي السعادة من الداخل"، فقد أظهرت دراسات عدة أنَّ البالغين الذين يستخدمون أنماطاً معينة من الفكاهة يميلون إلى أن يكونوا أسعد؛ حيث تزيد الفكاهة من تعاطفنا وتُثري جودة علاقاتنا الاجتماعية، ويساعدنا حس الفكاهة الذي يؤدي إلى "التعزيز الذاتي" (Self-enhancing) على الحفاظ على عافيتنا النفسية الإيجابية أو تعزيزها وفي الوقت نفسه الابتعاد عن الصعوبات التي نعاني منها مؤقتاً، مما يساعدنا على التعامل مع الواقع عبر التفكُّر ثم الاستجابة للتهديدات عوضاً عن الشعور بأنَّ الأمور خارجة عن السيطرة تماماً؛ فمشاركة الضحك، في بعض النواحي، يشبه مشاركة السعادة.
أهمية الضحك والفكاهة:
لا عجب أنَّنا نريد الاستمرار في مشاهدة البرامج التلفزيونية أو الأفلام المضحكة والكوميديين الارتجاليين في وقت متأخر من الليل؛ لأنَّ ذلك يُشعرنا بتحسن، ومع كل الأدلة التي تشير إلى فوائد الفكاهة، لم يعد هناك سبب للتساؤل إن كان الضحك مقبولاً في هذه الظروف؛ بل أسألك أنا ماذا تنتظر؟
أضف تعليقاً