3 طرق لتعتني بنفسك

لطالما عُني مجال اعتناء الفرد بنفسه بالكثير من الأهمية وقُدِّمت العديد من النصائح للرعاية الذاتية خصوصاً في ظل جائحة كورونا، فيُقال لنا مثلاً بأن نتأمَّل أو نأخذ حمامات طويلة للاسترخاء أو نشتري منتجات جديدة ومكلفة للعناية بالبشرة، وعلى الرغم من صحة هذه النصائح وفوائدها، إلا أنَّها نادراً ما تقنِع شخصاً بأن يأخذ العناية بالصحة العقلية والبدنية على محمل الجد، وقد أظهرت أبحاث وافرة أنَّ تغذية عقولنا وأرواحنا، بالإضافة إلى بناء أجسامنا، سيساعدنا على أن نكون أكثر فاعلية في كل ما نقوم به، وهذا هو مفهوم الرعاية الذاتية.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة أليسا ويسترينغ (Alyssa F. Westring)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها في الرعاية الذاتية.

درستُ هذه المسألة لما يقرب العقدين من الزمن كباحثة ومعلِّمة وكوتش مهني، ويوميَّاً، أسمع من الناس رغبتهم الشديدة في رعاية أنفسهم أفضل رعاية ولكنَّهم لا يجدون الوقت المناسب، فنلاحظ غالباً أنَّ إنهاء مسؤولياتهم الاجتماعية والمهنية تجاه رؤسائهم وزملائهم وعائلاتهم وأصدقائهم على رأس قائمة المهام بينما تأتي العناية بالذات في نهاية القائمة، ويزداد الأمر صعوبةً مع الطلاب والمهنيين الشباب؛ حيث إنَّ الأولوية تكون لمصلحة الدراسة والعمل والواجبات اليومية، فليس من المستغرَب أن نجد العديد من الناس بحلول نهاية اليوم قد استنزفوا طاقتهم، ولم يعُد لديهم أي رغبة في العناية بأنفسهم.

وتكمن المفارقة هنا في أنَّ قضاء الوقت في الاهتمام بالذات هو المفتاح الرئيس للنجاح والأداء الجيد على جميع الأصعدة في حياتنا، فمن جهةٍ إنَّ صحتنا العقلية والبدنية مهمة لتعليمنا وبناء المستقبل المهني، ومن جهة أخرى فإنَّ تعليمنا وعملنا يستنزفان الوقت والطاقة اللذين نملكهما لصحتنا العقلية والبدنية، إذاً كيف يمكن للمرء التوفيق بين هذا التناقض الواضح؟ لا يكمن الحل في إجراء دراسة جديدة أو القيام بتمرينات رياضية دورياً أو النوم الكافي أو حتى تحميل تطبيق إلكتروني لممارسة التأمل لإقناعنا بجدوى الاعتناء بأنفسنا، وإنَّما يكمن في تغيير طريقة تفكيرنا.

في بحثي مع عالِم النفس التنظيمي (organizational psychologist) ستو فريدمان (Stew Friedman)، وجدنا أنَّ معظم الناس يعملون بعقلية التفضيل (trade-off mentality)؛ أي "أنَّك لو رغبت في أداء أفضل في العمل، فأنت بحاجة إلى أخذ بعض الوقت بعيداً عن شيء آخر".

تتأصَّل هذه العقلية في عقلنا اللاواعي فننظر دائماً إلى جميع أمور حياتنا بنظرة المقارنة ونتساءل: أيَّهما يمكن التضحية به على حساب الآخر؟ حتى أنَّ مفهوم "التوازن" بين العمل والحياة يُمثَّل تمثيلاً متكرراً على مقياس يحمل التركيز على العمل من جانب وبقية الحياة من جانبٍ آخر، وعلى الرَغم من أنَّ وقتنا محدود جداً لتشتيته بأشياء عدة إلا أنَّ عقلية التفضيل تحاصرنا وتمنع حدوث أي تغيرٍ إيجابي، فمن أجل إحداث هذا التغيير الإيجابي، نحتاج إلى إعادة النظر في الترابط بين مختلف أجزاء حياتنا، ومن خلال مراجعة افتراضاتك القديمة حول الرعاية الذاتية، يمكنك العثور على نهج يناسبك، وفيما يلي ثلاث نصائح يمكن أن تساعدك:

1. صِغ مفهومك الخاص عن العناية بالذات:

نظراً لكثرة الناصحين بالرعاية الذاتية، أصبح كل شخص منا يتَّبع مجموعة مختلفة من الخطوات التي يظن أنَّها الطريقة المثالية للتمتُّع بصحة جيدة، وفي الحقيقة أنت الوحيد الذي يمكنك تحديد ما يحتاج إليه عقلك وجسمك وروحك للنمو والتطور نحو الأفضل، فقد تكون من النوع الذي يوفر له التلفاز حالة من الاسترخاء في نهاية اليوم، أو قد يؤمِّن وجود معالِج أو طبيب نفسي الدعم الكافي لك، أو ربما ما يريحك هو كتم إشعارات وسائل التواصل الاجتماعي التي تُشعِرك بالقلق والابتعاد عن هاتفك؛ لمعرفة ما تحتاج إليه بالضبط، ابدأ ببساطة بالملاحظة؛ ابحث عن أنماط متكررة في حياتك، واكتشف النشاطات التي تُشعرك بالتحفيز، والأمور التي تجعلك تشعر بالارتياح، وغيرها مما يجعلك تشعر بالاستنزاف والتوتر؛ ابدأ الآن في تكوين مفهومك الخاص عن الرعاية الذاتية.

إقرأ أيضاً: كيف تساعدك الرعاية الذاتية على عيش حياتك بشكل أفضل؟

2. لا تحطِّم ذاتك باتباع نهج "كل شيء أو لا شيء":

قد تُفاجأ بعدد الأشخاص الذين أعمل معهم والذين يعتقدون أنَّهم بحاجة إلى التحول من شخص يعاني من الحرمان من النوم والاستنزاف الكامل للطاقة إلى شخص يتمتَّع بالصحة واللياقة البدنية بين عشية وضحاها، ففكرة القيام بأي أمر أقل من تغيير الحياة تغييراً كلياً غير مقبولة لديهم؛ لذلك يتجنَّبون إجراء أي تغييرات على الإطلاق، مع العلم هذا ليس مستحدَثاً بعد موجة التسويق العارمة التي تركِّز على مفهوم "أنت إنسان جديد"، والتي بالطبع أحبطت الكثيرين لعدم قدرتهم على تغيير أنفسهم تغييراً جذرياً؛ لذا راقب طريقة تفكيرك عندما تقرر تخصيص بعض الوقت لنفسك، فهل تفترض أنَّك بحاجة إلى إصلاح حياتك بالكامل؟

إنَّ ملاحظة تبنِّيك لنهج "كل شيء أو لا شيء" هي الخطوة الأولى لخلق عقلية أكثر واقعية، فمن هذا المنطلق، يمكنك البدء باستكشاف تغييرات صغيرة قابلة للتنفيذ للعمل عليها وتعميمها على حياتك كلها؛ حيث ستتعلم ما يصلح لك وما لا يصلح، وتستكشف كيف ترضي فضولك بأنشطة جديدة تبعث لعقلك وجسدك الراحة والنشاط، وتتعلَّم كيف تتعاطف مع نفسك عند عدم تحقيق النتائج المرجوة، وكل تلك التغييرات الصغيرة هي بدائل عظيمة عن نهج "كل شيء أو لا شيء" وتميل إلى تحقيق تغيير على الأمد الطويل.

إقرأ أيضاً: 15 حقيقة عن حب الذات يجب على الجميع أن يتذكرها

3. ابحث عن فرص للدمج بين جوانب حياتك:

وثمة سبيل آخر للاقتناع بأهمية الرعاية الذاتية وهو من خلال تغيير الافتراضات المسبَقة بأنَّ إعطاء الأولوية للصحة النفسية والبدنية أمر يجب أن نفعله بمعزل عن الأجزاء الأخرى من حياتنا، وقد أظهرت أبحاثي أنَّ الرعاية الذاتية الأكثر استدامة تنبع من الجمع بين أجزاء مختلفة من حياتنا.

على سبيل المثال، فكِّر في كيفية الاستفادة من وقت الرعاية الذاتية البدنية للارتقاء بحياتك المهنية؛ فعقدُ اجتماعاتك سيراً على الأقدام سيكون أكثر حيوية من مكالمة على برنامج زووم (Zoom)، بالإضافة إلى أنَّ دعم مجتمعك عبر جمع القمامة حول الحي سيساعد على بناء جسدك، وتحديد وقت لبثِّ مقاطع فيديو تمارِس فيها اليوغا مع صديق يعيش في مكان بعيد أو أحد أفراد العائلة يعزز العلاقات الاجتماعية.

من خلال تغيير الطريقة التي تفكر بها في الرعاية الذاتية، يمكنك إجراء تحولات تدريجية وذات مغزى تجلب لك المزيد من السلام والطاقة والفرح، وبذلك ستتجلى لك صحة الأبحاث بوضوح؛ حيث إنَّ الاستثمار في سلامتك يمكن أن يعزز نجاحك المهني عبر خلق انسجام بين أجزاء مختلفة من حياتك وترك التصورات القديمة والمثالية المستحيلة.

المصدر




مقالات مرتبطة