3 تصرُّفات سامَّة ومؤذية تستنزف طاقتك الذهنية

دعوني أشارككم ثلاث قصصٍ مُختصرة وبعض الدروس والعبر التي من شأنها تغيير حياتكم:

"خلال نوبة رعايتي في المشفى بصفتي ممرضةً، اختبرتُ لحظة من لحظات الصفاء والصحوة حين أنهيتُ مكالمتي الهاتفية وأغلقتُ هاتفي المحمول، وقد كنتُ مُتوترةً ومرتبكةً تماماً بعد شجار دار بيني وبين زوجي، ليسألني مريضي الذي يبلغ من العمر 8 سنوات والذي يحتضر جرَّاء إصابته باللوكيميا إن كان كل شيءٍ على ما يرام في حياتي".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "مارك كِرنوف" (MARC CHERNOFF)، ويُحدِّثنا فيه عن أهم السلوكات السامَّة وغير الضرورية التي تستنزف طاقتنا وتُلهينا عن تحقيق أهدافنا.

  1. "تحلُّ اليوم الذكرى العاشرة لليوم الذي نويتُ فيه إنهاء حياتي، كما أنَّها الذكرى العاشرة أيضاً لليوم الذي اكتشفتُ فيه أنَّني حاملٌ بابني الذي يبلغ من العمر الآن تسع سنوات، فقد كان السبب الذي دفعني للعدول عن قراري بإنهاء حياتي، وقد استحقَّ فعلاً كلَّ التضحيات التي قدمتها من أجله والعناء الذي تحمَّلته، وربَّما الأكثر أهميةً هو أنَّني أدركُ الآن قيمتي وبأنَّني أستحقُّ الحب أيضاً".
  2. "علمتُ هذه الظهيرة أنَّ السيدة التي ظننتها أمَّاً يافعةً وسخيفة لفتاتَين توأمَين في الصف الخامس ترتادان حصة الرياضيات لديَّ هي في الواقع أختهما غير الشقيقة البالغة من العمر 25 عاماً، فقد تبيَّن لي أنَّ والديها انفصلا، ومن ثمَّ أنجبت والدتها التوأمتَين من زوجٍ آخر، لتتعرَّض والدتها وزوجها الجديد قبل 4 سنواتٍ مضت لحادث سيارة أدى لوفاتهما معاً، وقد تولَّت الابنة ذات ال 25 عاماً - والتي كانت تبلغ آنذاك 21 عاماً من عمرها - زمامَ الأمور بصفتها الوصيَّة القانونية على الفتاتَين لتربِّيهما منذ ذلك الحين".

لقد استخدمت هذه القصص الثلاث في المقال بعد أخذ موافقة أصحابها من جلسات الكوتشينغ التي أجريناها مؤخَّراً مع ثلاثة متدرِّبين، ولا بدَّ أنَّ الشيء الوحيد المُشترك بين تلك القصص الثلاث هو أهميةُ المنظور الذهني للإنسان؛ إذ يعتمد ما نراه في حياتنا وكيفية شعورنا تجاه أنفسنا وحياتنا والناس المحيطين بنا بدرجة كبيرة على طريقة تفكيرنا، والحقيقة المُخيفة بعض الشيء هي أنَّ منظورنا الذهني عن كل شيءٍ تقريباً ينشأ من حالتنا النفسية التي تمثِّل قفصاً يحبس أرواحنا بعد أن تكيَّفنا معه واعتدنا على العيش فيه؛ إذ تكون الأمور الآتية مسؤولةً عن إنشاء هذا القفص النفسي عن أرواحنا:

  • الماضي العصيب والمحبط والمخيب للآمال.
  • الحياةُ المُحصَّنة والمُميَّزة والثرية.
  • التأثير الاجتماعي.
  • الثقافة الشعبية السائدة والصورة النمطية التي ترسمها وسائل الإعلام.

يبدأ ذلك القفص تدريجياً دون علمنا باستنزاف طاقتنا الذهنية والنفسية بسبب تكيُّفنا معه واعتيادنا عليه، ممَّا يجعلنا أكثر عرضةً لاتخاذ القرارات السيئة في مُختلَف جوانب حياتنا، ومن ثمَّ إن أردنا تحرير عقولنا من ذلك القفص أو الحبس الذي يحيط بها، فلا يوجد حلٌّ يناسب الجميع أو ينطبق على كل الحالات، ولكنَّ أفضل ما يمكنك أن تراهن عليه إن كنتَ تبحث عن نقطة ذكية للانطلاق منها، هو إجراء تقييم عام لحياتك، ومن ثمَّ إيقاف واحد أو أكثر من السلوكات السامَّة الثلاثة الواردة أدناه إن لزم الأمر.

شاهد بالفديو: 10 طرق سريعة وبسيطة لرفع مستويات الطاقة الذهنية

لقد رأينا هذه السلوكات الثلاثة المرتبطة ببعضها تضايق المئات من متلقي الكوتشينغ الذي نقدِّمه والمتدرِّبين خلال العقد الماضي؛ إذ إنَّ معظم أصل كلٍّ من هذه السلوكات تأتي من امتلاك الفرد لمنظورٍ عقليٍّ محدود، وتتمثَّل تلك السلوكات السامَّة بما يأتي:

1. التوقُ الداخلي للتحكُّم بما لا يمكن السيطرة عليه:

يُعَدُّ التوقُّف عن السعي إلى السيطرة والتحكُّم وتقبُّل ذلك بطريقة جيدة واحداً من أعظم الصعوبات والتحديات التي يتعامل معها معظمنا - ومن ضمنهم أنا - ويحاولون معالجتها بصورة يومية؛ وذلك لأنَّ صرف النظر عن مسألة السيطرة والتحكُّم يُعارض أو يُناقض بصورة مباشرة طريقتنا العصرية والمتقدمة في العيش، فنحن أشخاصٌ حيويُّون ونشيطون، وننفِّذ أو نفعل كل ما نريده، ومسؤولون عن قدرنا الخاص وكل ما يحصل في حياتنا، كما أنَّنا نملك نفوذاً وسلطةً تمكِّننا من بناء الأشياء وإنجازها وفقاً لشروطنا وطريقتنا الخاصة، ولا ننتظر حدوث أي شيء في حياتنا بناءً على شروط الآخرين.

هذا ما تعلَّمته من معلمي وكوتشز الرياضة الذين كانوا يدرِّبونني، والأفلام التي حضرتها، والأغاني التي استمعت لها، ومقالات المجلات التي اعتدت على قراءتها، وهكذا دواليك؛ لذا فإنَّ ترك الأشياء تحدث وحدها لم يكن من الأمور الفطرية التي تجري في دمي، ولم أكن أبداً الشخص الذي يسترخي ويتخلَّى عن هوس السيطرة والتحكُّم ويدع الأمور تحدث وحدها بسلبية دون أي مقاومة.

لكنَّ منظوري للحياة قد تغيَّر على مرِّ السنين؛ فقد تعلَّمت بعد معاناة وتجارب صعبة أنَّ قدراً كبيراً من السيطرة أو الهيمنة - التي نظنُّ بأنَّنا نتمتَّع بها - على حياتنا هو مُجرَّد وهمٍ نخدع أنفسنا به، فقد قابلتُ مثلاً منذ ذلك الحين الأنواع الآتية من الأشخاص في حياتي:

  • شاباً يافعاً انقلبت حياته رأساً على عقب وتغيَّرت كلياً جرَّاء إصابته بالسرطان.
  • فتاةً شابة وأمَّاً لطفلين في الوقت ذاته تُوفي زوجها بعمر 27 عاماً.
  • أسرةً فقدَت منزلها نتيجة إعصارٍ ما.
  • ربَّ العمل الذي كان يشهد ازدهاراً ونجاحاً في أعماله إلى أن انهار الاقتصاد.
  • موظفةً مجتهدة خسرت وظيفتها حين أشهرَ ربُّ عملها لمدة 25 عاماً إفلاسه.
  • عدَّاءً فقد ساقه في حادث سيارة بعد أن هرب السائق من موقع الحادث.
  • أمَّاً يُعاني طفلها من متلازمة داون رغم فعلها كل شيءٍ بالطريقة الصحيحة خلال الحمل.
  • وكثيراً من الناس الذين تتشابه قصصهم مع هذه القصص.

إذ نصادف أو نتعرَّض يومياً لمواقف وحالات نظنُّ أنَّنا نملك سيطرةً عليها أو نتحكَّم بها في حين هذا ليس صحيحاً في الواقع؛ لذا فإنَّ الخيار الوحيد أمامنا في هذه الحياة هو أن نتخلَّى عن حب السيطرة وندع الأمور تجري على طبيعتها مع الحفاظ على وعينا وانتباهنا.

إقرأ أيضاً: 22 حقيقةً يصعب سماعها عن الحياة، لكنها ستجعلك شخصاً أفضل

نتلقى جميعنا في هذه اللعبة التي ندعوها الحياة مجموعةً فريدةً من القيود والعوائق والمتغيِّرات غير المُتوقَّعة في ميدانها، ويتمثَّل السؤال هنا بكيفية استجابتك لتلك القيود والمتغيِّرات التي تفرضها الحياة عليك وتعاملك معها، ففي إمكانك إمَّا التركيز على عدم وجودها وتجاهلها تماماً، أو تمكين نفسك وتقويتها لخوض غمار لعبة الحياة بمنطق واضح ودهاء وفاعلية كبيرة، مُحقِّقاً أقصى استفادة مُمكنة من كل نتيجة تحصل في حياتك، حتَّى وإن كانت تلك النتائج محزنةً جداً وصعبة التقبُّل.

سأكرِّر القول من جديد بأنَّ العقل أو الدماغ هو ساحة الصراع أو ميدان المعركة الأكبر لدى الإنسان، فهو المكان الذي يكمن فيه أقوى نزاعٍ يواجهنا، والذي لم تحدث فيه أبداً نصفُ الأشياء التي اعتقدنا أنَّها ستحدث، والذي تهزمنا فيه توقُّعاتنا على الدوام، كما أنَّه المكان حيثُ نقع ضحايا لشهواتنا وتَوقنا الشديد للتحكُّم بالأمور التي لا يمكن السيطرة عليها، وإن سمحنا لهذه الأفكار والشهوات بأن تسكن أو تستقر في أذهاننا وتشغل بالنا أكثر من اللازم، ستنجح في سلبنا السلام والفرح وحرماننا من حياتنا في النهاية، وسنُغرِق أنفسنا بالتفكير في الحزن والغم العميق، وقد يصل بنا الأمر حتى الاكتئاب.

ثمَّة كثير من الأمور في الحياة التي لا نستطيع التحكُّم بها، ومن ثمَّ فإنَّه من غير المنطقي أن نضيِّع كلَّ طاقاتنا في محاولة السيطرة عليها، ونهمل بعدها كل الأمور التي نستطيع التحكم بها بصورة سافرة؛ إذ يمكننا اختيار الطريقة التي سنقضي بها وقتنا حالياً، ويمكننا أن نختار الشعور بالامتنان تجاه النعم والبركات التي نتمتَّع بها، ويمكننا كذلك اختيار الأشخاص الذين سنتعاطى أو نتعامل معهم والذين سنقضي كلَّ يومٍ من حياتنا برفقتهم.

يمكننا أيضاً اختيار أن نحبَّ ونقدِّر الأشخاص في حياتنا لِما هم عليه تماماً أو أن نحبَّ ونقدر أنفسنا أيضاً، وبوسعنا كذلك اختيار الطريقة التي سنتجاوب بها مع مفاجآت الحياة وخيبات الأمل التي تحدُث لنا، وما إذا كنَّا سننظر إليها بوصفها لعنات ومصائب، أم فرصاً نستطيع استثمارها في تحقيق التطوُّر الذاتي.

لعلَّ الأكثر أهميةً من ذلك كلِّه هو قدرتنا على أن نختار تغيير تصرُّفاتنا وسلوكاتنا ونسيان جميع همومنا وصرف النظر عن قلقنا بشأن كلِّ ما لا نستطيع التحكم به، وهو ما يحرِّرنا بدوره ويمكِّننا من اتخاذ الخطوة التالية للتقدُّم في حياتنا، أمَّا إن رفضت التخلي عن حب السيطرة وتمسَّكت بهوسك بالتحكم بالأمور، فإنَّك ستستنزف تدريجياً كلَّ جزءٍ تقريباً من طاقتك الذهنية، وستستهلك نفسك وقوَّتك الجسدية أيضاً.

إقرأ أيضاً: ما هي الغاية من الحياة؟ وكيف تعثر على وجهتك فيها؟

2. مقاومتك للواقع الحالي لحياتك:

حين تظنُّ أنَّ الحياة يجب أن تسير بطريقة مُعيَّنة كي تصبح جيدةً بما يكفي في نظرك، فإنَّك تغلقُ الباب على نفسك في وجه جميع الفرص الحقيقية والمتاحة في الوقت الراهن وتحرم نفسك منها، وتهدر كلَّ طاقتك الذهنية في مقاومة الحياة ومنع نفسك من عيش حياة هادفة، بدلاً من الاستفادة منها لأقصى الحدود، ولكنَّها الطريقة التي تعيش بها الأغلبية الساحقة من البشر للأسف عالقين في دوامة مستمرة من مقاومة السعادة والإنجازات.

لكنَّك لست مضطراً للعيش ضمن دوامة المقاومة هذه؛ إذ يمكنك تحرير عقلك وتخليصه منها، فحين تقرِّر عمداً التخلي عن الرغبة بسير حياتك بطريقة مُعيَّنة وفقاً لما تظنُّ أنَّه الأصحُّ أو الأنسب لك كي تكون سعيداً، فأنت تحرِّر عقلك لتمكِّنَه من التعامل مع تغيرات الحياة وتحدياتها والفوضى التي تملؤها بأكبر قدرٍ ممكن من الفاعلية والنجاح.

إنَّك تفسح مجالاً في حياتك لقبول الحقائق والتعلُّم والتطوُّر، وتتمكَّن من التعلُّم من أخطائك وأخطاء الآخرين ورؤية العالم رؤيةً عادلة بعيداً عن التحيُّز، وتسمح لنفسك تدريجياً بالتقدُّم للأمام في حياتك بعقلٍ صافٍ وتركيز كبير، فالأمر ما هو إلَّا تقبُّل الحاضر الذي تعيش فيه، ونسيان الأحداث الماضية، والتحلِّي بالإيمان والثقة برحلتك في هذه الحياة.

ليس من الهام اللقبُ أو العنوان الذي ستطلقه على هذا التغيير في حياتك، سواء أسميتَه إغلاق باب الماضي، أم إنهاء فصلٍ مُعيَّن من حياتك، أم طيَّ صفحة الماضي، إنَّما ما يهم فعلاً هو قدرتك على إيجاد القوة لترك الأجزاء المنتهية من حياتك في الماضي كي تتمكَّن من الاهتمام بحياتك الحالية بصورة أفضل، فلا يمكنك أبداً ضبط الأشياء التي حدثت في الماضي أو التحكم بها، في حين يمكن لأفعالك وتصرُّفاتك الحالية تغيير كل شيء.

إنَّ مُجرَّد معرفة ذلك تختلف تماماً عن العيش بنمط حياة يعزِّز هذه الحقيقة ويقوِّيها، فليس من السهل أبداً النسيان والتسامح وتغيير طريقة تفكيرك، فهي عبارةٌ عن رحلة أو مسيرة طويلةٍ نسلكُها تدريجياً كلَّ يومٍ بيومه.

قد يكون من الصعب والمؤلم جداً نسيان وضع أو موقف عشته في حياتك لمدة طويلة وتركه في الماضي، حتى عندما يُخبرك حدسك أو حكمتك الداخلية بأنَّ الوضع ليس على ما يرام وقد حان الوقت للتخلي عن الماضي ونسيانه، وفي هذه المرحلة، يمكنك أن تقرِّر نسيان الماضي وتتحمَّل الألم المفاجئ الناجم عن ترك الأشياء المألوفة التي اعتدت عليها في الماضي ونسيانها مُفسِحاً المجال للبدء بفصلٍ أو مرحلة جديدة في حياتك، أو يمكنك أن تبقى على حالك وتعاني الألم الدائم والمُوجِع والذي يقوِّض قلبك وعقلك تدريجياً ويحطِّمك من الداخل وكأنَّه مرضٌ خبيث إلى أن تستيقظ يوماً ما وتجد نفسك مدفوناً بعمقٍ في عجزك الناجم عن ذلك الموقف أو الحالة التي لم تستطع نسيانها، لدرجةِ أنَّك بالكاد تتذكر هويَّتك الحقيقية والأشياء التي ترغب بها في الحياة.

لذا؛ أنصحك أن تقرِّر بحكمة وتختار بذكاء أي الطريقَين ستسلك؛ إذ ستحدث في حياتك أشياء غير مُتوقَّعة ولا ترغب بها ولا يمكنك السيطرة عليها حتى، لكن يمكنك أن تقرِّر دوماً اتخاذ الخطوة التالية مهما بلغت بساطتها؛ لذا كن شجاعاً وأقدِم على ذلك وقرِّر ارتكاب الأخطاء في حياتك وتعلُّم الدروس والعِبَر منها ومن ثمَّ نسيانها والمضي للأمام في حياتك، وقرِّر كذلك التوقُّف عن التمسُّك بالماضي وتحسين طريقة تفكيرك بشأن الماضي والحاضر كي تتمكَّن من تحقيق أفضل استفادة مُمكنة ممَّا تبقى من حياتك وتستثمر محاسنها بصورة مقصودة ومُتعمدة.

شاهد بالفديو: 7 خطوات تساعدك على التعلم من أخطاء الماضي

3. مشاركتك وانشغالك بالقصص التعيسة والمآسي غير الضرورية:

يؤدي السلوكان السابقان المذكوران أعلاه مباشرةً إلى هذا السلوك السام؛ فكلَّما طالبنا بالتحكُّم بأمور لا يمكن السيطرة عليها وأصرَّينا على ذلك أو قاومنا الواقع الحالي لحياتنا بعنادٍ وتعنُّت، تحدُث الدراما والمآسي غير الضرورية في حياتنا، والتي تُعَدُّ نتيجةً لصراعاتنا الداخلية مع الحوادث والمشكلات الخارجية من حولنا.

هكذا، فإنَّ المآسي التي تكابدها أو تمرُّ بها في أي لحظةٍ مُعيَّنة لا تؤجِّجها كلماتُ الآخرين أو أفعالهم ولا تغذِّيها أيَّة مصادر خارجية من حولنا؛ وإنَّما عقلك الذي يمنح تلك المآسي أهميةً ومعنى فهو المسؤول عن تأجيجها بصورة رئيسة، وهو الخطأ الذي نقترفه جميعاً بحق أنفسنا في بعض الأحيان.

لكنَّ السبب الذي يجعلنا نتوتر بسرعةٍ ونشعر بالإرهاق وننجرُّ للغرق في المآسي والدراما، هو أنَّ العالم المحيط بنا ليس المكان السعيد والرائع والمُنظَّم والذي يمكن توقُّع أحداثه ومُجرياته كما تمنيناه أن يكون؛ إذ نرغب بأن يكون كل شيءٍ سهلاً ومُريحاً ومُرتَّباً جيداً ليلاً ونهاراً على مدار الساعة، لكن إمَّا أن يكون العمل أحياناً حافلاً ومُتعِباً، أو أنَّ علاقاتنا مع الآخرين صعبة وتتطلَّب مجهوداً كبيراً.

يُطالب الناس المحيطون بنا بوقتنا، أو أنَّنا لا نكون مستعدين لأمرٍ ما كما نرغبُ تماماً، أو أن نشعر بالاستياء بسبب الإحباط الذي نتلقاه من عائلتنا، لكن لدينا كثير من الأمور لفعلها وتعلُّمها ومعالجتها في أذهاننا، ممَّا يؤدي إلى احتدام الصراع في داخلنا، ولكنَّني سأذكِّرك مرةً أخرى بأنَّ المشكلة لا تكمن في العالم المحيط بنا أو أفكار وتصرُّفات الأشخاص من حولنا؛ لأنَّ هذه الجوانب من حياتنا ستبقى دوماً فوضويةً وصعبةً بعض الشيء بصورة غير مُتوقَّعة؛ بل تكمن المشكلة في تمسُّكنا بقوة كبيرة بالأمور المثالية والأفكار الخيالية التي لا تتناسب مع الواقع أو تطابقه، كما أنشأنا لا شعورياً توقعاتٍ في أذهاننا لِما نريدُ أن يكون عليه الآخرون، وما نريد أن نكون عليه، والطريقة التي ينبغي أن تسير علاقاتنا وأعمالنا وحياتنا وفقاً لها؛ إذ يُثير تعلُّقنا بالكماليات والأفكار الخيالية والمثالية مشاعر القلق في أذهاننا والضغط النفسي في حياتنا.

بعبارةٍ أخرى؛ فإنَّ مقاومتَنا لتقبُّل الأشياء كما هي ورفضنا لذلك هو ما يؤجِّج الدراما والمآسي في حياتنا، ولا نرغبُ في الواقع أن نكون جزءاً من تلك المآسي - على الأقل هذا ما نقولُه لأنفسنا - لذا نُلقي اللوم على الآخرين ونحمِّلهم مسؤولية حدوثها، ممَّا يُفاقم بدوره تلك المآسي في حياتنا أكثر فأكثر.

لكن في إمكاننا التخلُّص من المآسي والابتعاد عنها وإيجاد السلام والتصالح مع الواقع وتقبُّله من خلال تدريبٍ بسيط سأقترحه، والذي يمكنك فعله كلَّما شعرت بالتوتر والضغط النفسي والمقاومة الداخلية والإحباط والقلق، أو وجدتَ نفسك تعاني من أي من العقليات أو طرائق التفكير المُرهقة الأخرى التي تستنزف طاقتك وتؤجِّج المآسي في حياتك.

لذا؛ ركِّز بدقة وانتباه شديد على مشاعرك، ولا تخدِّرها أو تتغافل عنها من خلال تشتيت تركيزك بالإلهاءات والأمور التي تصرف انتباهك، وإنَّما زِد من وعيك وإدراكك لها بإيلائها المزيد من الاهتمام بدلاً من ذلك، ورحِّب كذلك بمشاعرك وأحاسيسك مبتسماً لها ومانحاً إيَّاها انتباهك الكامل واهتمامك العميق.

لاحظ مرور تلك المشاعر في أنحاء جسدك وأماكن توضُّع كل منها تحديداً، والصفات الفريدة التي تتمتَّع بها، ولاحظ كذلك التوتر الذي يتملكك ويسيطر على جسدك وعقلك نتيجة إحساسك بتلك المشاعر بالتحديد، وحاوِل تليين المناطق المتوترة والمشدودة من جسدك، ومن ثمَّ تهدئة الأجزاء المتوترة من عقلك؛ وذلك من خلال تركيزك على صحتك بإغماض عينيك، واستنشاق الهواء مع الإحساس بدخوله إلى صدرك، ومن ثمَّ زفره مع الشعور بذلك، ويمكنك إعادة هذا التمرين مراراً وتكراراً إلى أن تشعر بمزيد من الهدوء والاسترخاء.

اعثُر على قليل من الفراغ أو المساحة الهادئة داخل نفسك بعد وصولك لحالتك الأكثر استرخاءً وهدوءاً نتيجة ذلك التمرين، وفي تلك المساحة:

  • اسمح لنفسك بإعادة اكتشاف الخير الجوهري والطيبة في داخلك، والتي تكون موجودةً وحاضرةً في كل لحظة من حياتك.
  • اسمح لنفسك بإعادة اكتشاف الخير الجوهري والطيبة في هذه اللحظة الراهنة بالذات، والتي دوماً ما تكون مُتاحةً لك كلَّما كنت مستعداً للتركيز عليها.
إقرأ أيضاً: أسباب التعاسة وطرق إبعادها عن حياتك

في الختام:

خُذ وقتاً للجلوس فقط والاستمتاع بالسلام الداخلي الذي يمنحك إيَّاه هذان الاكتشافان البسيطان، وهذه هي طريقة التدرب على التخلُّص من الدراما والمآسي، وتقبُّل اللحظة الراهنة كما هي بحُلوها ومرها، وتقبُّل نفسك كذلك كما أنت تماماً، ويمكنك فعل ذلك في أي وقتٍ وحيثما تريد، ويمكنك التدرب أيضاً على التركيز على الخير الموجود داخل الآخرين من حولك، ورؤية الخير والمنافع في التحديات التي تتعرض لها في عملك وعلاقاتك مع الآخرين وهكذا دواليك، ويمكنك إنشاءُ طقسٍ أو روتينٍ صحي يومي لنفسك يتمثَّل بإيقاف الدراما والمآسي التي لا ضرورة لها في حياتك، ومن ثمَّ إعادة اكتشاف السلام والفرح والحب والتي دوماً ما تكون على بُعد عدة أفكارٍ منك.




مقالات مرتبطة