3 أشياء يجب أن يعرفها الآباء عن مدة استخدام الهواتف والحواسيب

في حين أنَّني أكثر اهتماماً بالسعادة والرضا عن الحياة، إلا أنَّني كتبتُ كثيراً عن كيفية تأثير الشاشات في عافيتنا، بما في ذلك في كتابي، جيل التكنولوجيا (Tech Generation). تتطور التكنولوجيا بسرعة كبيرة لدرجة أنَّ الباحثين يحاولون دائماً اللحاق بركبها؛ لذلك يجب أن نسعى جاهدين إلى تعديل وجهات نظرنا وفقاً لنتائج البحوث الأخيرة، وأن نكون حريصين على عدم الوقوع فريسة للعناوين المخيفة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مايك بروكس" (Mike Brooks)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في موضوع استخدام الأطفال والمراهقين للهواتف والحواسيب.

"عندما تتغير الحقائق، أُغيِّر رأيي، فماذا تفعل أنت يا سيدي؟" - غالباً ما يُنسَب هذا القول إلى الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز (John Maynard Keynes).

لا تساعد الشاشات معظم الأطفال أو تضر بصحتهم كثيراً:

بالنسبة إلى معظم الأطفال والمراهقين، لا يكون لوقت الشاشة تأثير كبير في صحتهم، سواء كان تأثيراً إيجابياً أم سلبياً، وقد يكون هذا لأنَّنا - كبشر - مرنون بشكل لا يُصدَّق، فإذا فكرنا في الأهوال التي كان على أسلافنا تحمُّلها (مثل المجاعات والأوبئة والحروب)، فإنَّ الشاشات تُمثِّل تهديداً بسيطاً نسبياً على سلامتنا، ويمكِن تفسير قدرتنا على الصمود من خلال تكيف المتعة (أو تكيف اللذة)، حيث تتلاشى التجارب التي تُعزِّز السعادة أو تخفضها على الأمد القصير بمرور الوقت عندما نعود إلى مستويات السعادة الأساسية لدينا.

ولكن هناك بعض الاستثناءات؛ وبالتالي، يمكِن أن يكون صحيحاً أنَّ استخدام الشاشات يساهم في زيادة القلق والاكتئاب وتدنِّي المستوى الدراسي بالنسبة إلى طفل أو مراهق معيَّن، وبالمثل، بالنسبة إلى مراهق آخر، قد يساعده استخدام الشاشة على عيش حياة أكثر ثراءً وإشباعاً، فمثل هذه الأمثلة الفردية موجودة بالفعل، ويمكِن أن يكون صحيحاً أيضاً أنَّ الشاشات لا تؤثر كثيراً في صحة معظم الأطفال المراهقين.

يشعر الآباء بالإحباط، في كثير من الأحيان، وينتقدون أطفالهم الذين يستخدمون الأجهزة باستمرار، ولكنَّ الجدل الحاد حول الوقت الذي يمضيه أطفالنا أمام الشاشات والانتقادات الموجهة إليهم بشأن ذلك تُسبِّب نوعاً من الأذى؛ إذ قد تكون الخلافات المتعلقة بإمضاء الوقت أمام الشاشات أسوأ من أي مخاوف لدينا بشأن الوقت الذي يقضونه أمامها في المقام الأول.

بالنسبة إلى العديد من الأطفال والمراهقين الذين يبدو أنَّهم يعانون من الآثار السيئة للشاشات، من المحتمل أن يكون استخدامهم لها هو عرض من أعراض الاكتئاب أو القلق أو مشكلات الصحة النفسية الأخرى، وليس سبباً من أسبابها، حيث يجب أن نكون حريصين على عدم توجيه انتباهنا كله إلى استخدام الشاشة لأنَّنا سنغفل حينها على الأرجح المشكلات الأساسية، ومع ذلك، عندما ينسحب بعض الأطفال إلى شاشاتهم ليجدوا فترة راحة من معاناتهم، تتفاقم مشكلاتهم.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعد على تكوين شخصيّة الطفل السليمة

لا نعرف مقدار الوقت الذي يُعَدُّ ضاراً عند استخدام الشاشات:

لا يوجد إجماع قائم على التجارب يجيب عن السؤال: ما مقدار الوقت الذي تستغرقه أمام الشاشة ويُعَدُّ أكثر من اللازم؟ أفضل الإجابات التي يجدها معظمنا غير مُرضِية للغاية، وهي: "لا نعرف" و"يعتمد الأمر على عوامل أخرى"، نظراً لأنَّ الاستخدام المعتاد للشاشة، بشكل عام، لا يسبب ضرراً دائماً (أو سعادة)، فبالنسبة إلى معظم المستخدمين، يجب ألا يقلق الآباء بسبب ذلك ما لم يكن هناك مشكلات كبيرة.

غالباً ما تعكس وجهات نظرنا حول الشاشات مخاوف بشأن قِيمنا بدلاً من الأذى في حد ذاته؛ أي إنَّنا نرى أطفالنا على الشاشات، ونعتقد أنَّه يمكِنهم القيام بأشياء "أفضل" لقضاء وقتهم، على سبيل المثال: بالنسبة إلى الأطفال الذين يلعبون لعبة ماينكرافت (Minecraft)، قد نتمنى لو كانوا في الخارج يلعبون في الحي مع أصدقائهم في الحياة الواقعية، في حين أنَّه قد يكون هناك بعض المنطق في هذا الأمر، إلا أنَّ فقدان بعض إيجابيات اللعب مع أصدقاء الحي شخصياً ليس له علاقة برأي القائل بأنَّ الوقت الذي يقضيه في لعب "ماينكرافت" (Minecraft) يسبب ضرراً في الواقع.

ومع ذلك، في مرحلة ما، قد يبدأ استخدام الشاشة في التأثير في الاحتياجات الأساسية للجسم؛ كالنوم، والنشاط البدني، وقضاء الوقت في الخارج، والعلاقات الشخصية، وعندما تُسبِّب الشاشات ضرراً، فإنَّ فقدان النوم المزمن سيكون أحد أعراض هذا وربما أكثر الأعراض التي يمكِننا السيطرة عليها كآباء، على الأقل بالنسبة إلى الأطفال والمراهقين. بالإضافة إلى ذلك، يمكِن أن تبدأ الدرجات الأكاديمية في الانخفاض بشكل مفهوم عندما يقضي الأطفال وقتاً طويلاً على شاشاتهم، وفي مرحلة ما، قال كل والد تقريباً لأطفاله شيئاً مثل: "إذا قضيتَ وقتاً طويلاً في الدراسة كما فعلتَ على شاشتك، فستحصل على درجات تامة في كل فصل دراسي" وكم يحب أطفالنا سماع تلك الجملة!

تخميني المستنِد إلى الأبحاث هو أنَّ قضاء الطفل فترة من ساعتين إلى ثلاث ساعات أمام الشاشة بهدف الترفيه خلال أيام المدرسة قد يكون النقطة التي يبدأ عندها استخدام الشاشة في إحداث نوع من الضرر الملحوظ، فقد يتمكن الأطفال من مضاعفة هذا الوقت في عطلات نهاية الأسبوع والصيف والأعياد قبل التعرض لأي ضرر، ومع ذلك، فأنا لا أقترح على الآباء إتاحة هذا القدر من الوقت للأطفال. هناك فرق بين السؤالين: "ما هو المقدار المثالي لقضاء الوقت أمام الشاشة؟" و"متى يتسبب قضاء الكثير من الوقت أمام الشاشة في ضرر جدير بالملاحظة؟"

بصفتي والداً وطبيباً نفسياً، أعتقد أنَّ السماح للأطفال الأصغر سناً الذين تتراوح أعمارهم ما بين (3-10) عاماً بقضاء ما بين 30-60 دقيقة من الوقت أمام الشاشة للترفيه يومياً خلال أيام المدرسة وربما ضعف ذلك في عطلات نهاية الأسبوع والأعياد والإجازة الصيفية قد يكون هدفاً سهلاً ومناسباً، ومع ذلك، يجب أن نضع في الحسبان أنَّه يمكِننا السماح بالعديد من الاستثناءات، كما أنَّ الأطفال لا يعانون إذا تجاوزوا هذا المقدار.

التربية مهمة صعبة بحد ذاتها، ولا نحتاج إلى سحابة مظلمة من الذنب والحكم على الذات تلوح فوقنا إذا لم نتحكم بمدة قضاء أطفالنا وقتهم أمام الشاشات "بشكل مثالي"، وعندما يتعلق الأمر بإدارة وقت الشاشة، فيجب أن نهدف إلى التوسط والثقة في طريقة تربيتنا، وإذا كان أداء أطفالنا "جيداً بما فيه الكفاية"، فيجب علينا على الأرجح تجنُّب العراك بشأن استخدام الشاشات.

يقول الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير (Voltaire): "قد يحول السعي إلى تحقيق الكمال بيننا وبين تحقيق الجودة الممكنة".

إقرأ أيضاً: نصائح لتقوية الروابط بين الآباء والأطفال

التركيز على علاقتنا بدلاً من التركيز على الوقت الذي نقضيه أمام الشاشات:

كل هذا التركيز على وقت الشاشة يجعلنا نغفل عن النقطة الأكثر أهمية؛ فقبل التركيز على وقت الشاشة، يجب أن نركز على بناء علاقة قوية مع أطفالنا والحفاظ عليها، حيث تشكل العلاقة القوية مع أطفالنا عاملاً وقائياً، وبعد تلبية احتياجاتهم الأساسية، ربما تكون هذه العلاقة الجيدة أفضل شيء يمكِننا القيام به من أجل صحة أطفالنا (على الأمد القصير والطويل).

العلاقات القوية هي من النقاط التي تُعزِّز تأثيرنا في أطفالنا كآباء، حيث يؤدي وجود القواعد دون وجود علاقة متينة إلى التمرد، ومن المرجح أن يصغي أطفالنا إلينا، ويلتزموا بقواعدنا وحدودنا عندما تكون لدينا علاقة صحية معهم؛ إذ يجب أن نختار الأمور التي علينا التدخل فيها كآباء، مما يعني في كثير من الأحيان التراجع عن النقاش بشأن قضاء الوقت أمام الشاشات، خاصة عندما يكبر الأطفال.

شاهد بالفديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء

بمجرد حصول الأطفال على هاتف ذكي، من الصعب حقاً تحديد الوقت الذي يقضونه أمام شاشته - باستثناء وقت النوم - على الرغم من عدم وجود إجابة "صحيحة" حول الوقت الذي يجب أن يحصل فيه الطفل على هاتف ذكي، فإنَّ حصوله عليه خلال المدرسة الإعدادية يبدو معقولاً، وبالنسبة إلى الأطفال والمراهقين، الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عاماً، فقد يكون خيار الهاتف "الأكثر ذكاءً" مثل هاتف "بينويل" (Pinwheel) المُصمَّم ليكون أداةً وليس لعبةً خياراً أفضل؛ حيث يحتوي على قوائم جهات اتصال يديرها الوالدان، ولا يحتوي على بعض زخارف الهاتف الذكي الكامل الذي يثير قلق العديد من الآباء مثل: وسائل التواصل الاجتماعي، واليوتيوب (YouTube)، والألعاب، وغوغل (Google).

أخيراً، يجب علينا كآباء أن نكون قدوةً لأطفالنا في الاستخدام المتوازن للأجهزة، والأهم من ذلك، أنَّه كلما كانت العلاقة التي تجمعنا أقوى، زاد تأثيرنا في أطفالنا بطرائق إيجابية، ومع ذلك، نحن بحاجة للسعي من أجل تقديم مثال "جيد بما فيه الكفاية" يُحتذى به؛ إذ لا يوجد شيء يُدعى التربية المثالية، ولسنا بحاجة إلى إجهاد أنفسنا لمحاولة تحقيق المستحيل.

 

المصدر




مقالات مرتبطة