كانت تروي لي جدتي الحكاية الآتية كثيراً في طفولتي: "في المدرسة الابتدائية، أخبرني والداي أنَّه لا يهم العمل الذي سأختاره في المستقبل ما دام يسعدني؛ لأنَّ السعادة هي جوهر الحياة، ولكنَّ الأمر لا يتحقق بسهولة دوماً؛ فأحبَّت والدتي مساعدة المحتاجين؛ لذلك قررتْ أن تصبح ممرضة نفسية، أما والدي فكان يحب القراءة والكتابة والشعر، لذا أصبح مدرساً للغة الإنجليزية، فكلاهما يجدان السعادة في العمل الشاق الذي يقومان به يومياً.
بعد بضع سنوات عندما كنت في المرحلة الإعدادية عاقبني معلمي لكوني "صعب المراس"، فقد كان يسأل الطلاب عما يريدون أن يصبحوا عندما يكبرون، وعندما سألني أخبرته أنَّني أريد أن أكون سعيداً، فقال لي إنَّني لم أفهم معنى السؤال، فقلتُ له بأنَّه لم يفهم معنى الحياة".
لقد بقيت هذه القصة عالقة في ذهني؛ فعلى الرغم من أنَّها تبالغ في تبسيط مفهوم السعادة، ولكنَّها توضح أفكاراً جوهرية أيضاً، كفكرة العثور على السعادة في العمل، والتي ما تزال تؤثر تأثيراً عميقاً في ذاتي.
يواجه الكثيرون صعوبة في تقبُّل فكرة أنَّ العثور على السعادة يتطلب العمل بجد؛ إذ نتوقع أنَّ الحياة يجب أن تكون أسهل مما هي عليه الآن، فبصرف النظر عن المجال الذي نختار العمل به "عندما نكبر" نتخيل أنَّ المسار الذي اخترناه سيكون خالياً من العوائق والمشكلات، ومن ثم ترانا ننتظر طويلاً علَّ الأمور تصبح أسهل، بينما تمر علينا كثير من الفرص الرائعة دون أن نلقي لها أي بال.
3 دروس عليك تعلمها قبل فوات الأوان:
1. عليك التعامل مع أمور صعبة لتكون سعيداً في الحياة:
عليك أن تقوم بأمور يفضِّل معظم الناس تجنبها، الأمور التي تثقل كاهلك والتي لا يمكن للآخرين أن يفعلوها نيابة عنك تلك التي تجعلك أقوى، ولكنَّها تجعلك تتساءل أيضاً: كيف سأجد القوة للمضي قدماً؟
تنمِّيك تلك الأمور الصعبة في النهاية وتغير حياتك، فهي تجعل لحياتك هدفاً ومعنى، وتجعلك تمضي على المسار الصحيح، وذلك لتحيا حياة هادفة ملؤها التقدم والرضى.
سر تحقيق ذلك هو الاستمرار في العمل بشغف يومياً، لذا تعلَّم أن تعيش كل يوم من أيامك بشغف وهدف، واعلم أنَّ كل لحظة جديرة بالاهتمام، فالشغف ليس شيئاً تعثر عليه في الحياة؛ بل هو شيء تمارسه، لذلك عندما تريد أن تجد الحماسة والقدرة الداخلية التي تحتاجها لتغيير وضع ما، فيجب أن تُجبر نفسك على اتخاذ خطوة إلى الأمام.
ما يزال الكثيرون منا يحاولون بيأس أن يجدوا شغفهم، معتقدين أنَّهم بذلك سيحققون لأنفسهم السعادة والحياة التي يحلمون بها، ومتناسين أنَّ الشغف ليس شيئاً مفقوداً علينا البحث عنه، وإنَّما هو الإخلاص في كل عمل نقوم به صغيراً كان أم كبيراً، وعندما تعتقد أنَّ الشغف موجود خارج نفسك، فهذا يعني أنَّك تنتظر الظروف حتى تصبح مثاليةً، ومن ثمَّ تبذل كل جهدك وطاقتك لتحقق النجاح، ولكن نادراً ما تتحقق الظروف المثالية؛ وهذا يعني أنَّك ستنتظر إلى الأبد.
أما إذا سئمتَ الانتظار، وتتوق إلى أن تعيش حياتك بشغف بدءاً من اليوم، وتجري بعض التغييرات الإيجابية في حياتك، فما عليك سوى أن تشعر بالشغف تجاه الشيء الذي ستفعله لاحقاً، لذا لنبسِّط الأمر، فكِّر في آخر مرة أجريتَ فيها محادثة مع شخص عزيز عليك دون أن يتشتت انتباهك بعوامل خارجية، وآخر مرة مارستَ فيها الرياضة وبذلتَ أقصى طاقتك، وآخر مرة حاولتَ فيها بذل قُصارى جهدك في شيء ما، فمن المحتمل أنَّك مثل معظم الناس تقوم بمعظم الأشياء بعزيمة واهنة؛ والسبب أنَّك ما زلت تنتظر العثور على شيء تصبح شغوفاً به؛ شيء له تأثير السحر يجعلك تحقق الحياة التي تحلم بها، ولكن عليك التوقف عن الانتظار.
2. بذل كل جهدك وطاقتك في المواقف واللحظات العادية:
توقف عن انتظار الحصول على فرص أفضل، فلديك الآن أفضل الفرص، وتوقف عن التخطيط لإنجاز كل شيء بطريقة مثالية، واعمل على إنجازه بما هو مُتاح لديك، وتوقف عن الانتظار حتى تصبح الظروف مثالية، وابذل قُصارى جهدك لإنجاز ما ترغب به بالموارد المُتاحة أمامك، وحسِّن النتيجة لاحقاً.
جميع هذه النصائح مدعومة بأبحاث علم النفس الحديث؛ إذ لطالما اعتقد علماء النفس أنَّ حالتنا النفسية تؤثِّر تأثيراً مباشراً في حالتنا الفيزيولوجية، ولكن لا تؤثر حالتنا الفيزيولوجية في حالتنا النفسية، ولكن تبيَّن حديثاً أنَّ تعبيرات وجهنا، ووضعية وقوفنا مثلاً تؤثِّر بشكل مباشر في حالتنا النفسية؛ أي إنَّ الحالة النفسية والوضع الفيزيولوجي يتبادلان التأثير، وهو ما يمكنك استثماره لصالحك.
إذا أردتَ الشعور بمزيد من الشغف والسعادة، فوجِّه كل طاقتك ومشاعرك على المهمة التي تعمل عليها، ولا تنتظر حتى تُتاح لك فرص أفضل في المستقبل؛ بل ركِّز واستمتع بالفرصة المُتاحة أمامك في الوقت الحاضر، ولا تفكر بمهام الغد؛ بل وجِّه تركيزك على مهام اليوم، وامنح كل اهتمامك لعلاقاتك الحالية؛ إذ لديك بلا شك كثير مما يستحق وقتك وطاقتك، وثمة مواقف وأشخاص في حياتك يحتاجون إلى تركيزك، وأنت تمتلك مقداراً كبيراً من الشغف الذي ينتظر أن تطلق له العنان.
3. التوقف عن الانتظار:
لم يفت الأوان بعد، ولكن عليك أن تبدأ بالعمل، فلست بحاجة إلى أن تفهم كل شيء لتتخذ الخطوة التالية، ولكن عليك اتخاذ الخطوة التالية لتفهم ما تحتاجه، وتذكَّر أنَّه من الأفضل أن ترهقك الخطوات الصغيرة التي تتخذها للأمام، وذلك بدلاً من تعب الانتظار دون القيام بأي شيء على الإطلاق.
شاهد بالفيديو: 6 أخطاء نرتكبها في شبابنا ونندم عليها عندما نكبر
إذا انتظرتَ "الوقت المناسب" إلى أن تشعر بأنَّك جاهز تماماً، فسيطول انتظارك، وعلى الرغم من أهمية هذا الأمر إلا أنَّ معظمنا يعيش في حالة مزمنة من الانتظار؛ فترانا ننتظر انتهاء عملنا وقدوم يوم العطلة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإجازة السنوية، وننتظر في نهاية المطاف العمر بأكمله حتى نشعر بالسعادة، فلا تكن واحداً من هؤلاء الذين يعيشون على أمل أن تتحسن حياتهم في المستقبل.
نحن ننسى أنَّ ما نريده يتحقق بالعمل وليس بالانتظار، ونظن أنَّه يتعين علينا الشعور بالثقة قبل اتخاذ الخطوة التالية، وفي حين أنَّ الخطوة التالية هي ما تُكسب المرء الثقة الحقيقية، وتساعده على تحقيق التقدم في الحياة.
في الختام:
في خضم رحلتنا في هذه الحياة يجب أن ندرك أن اللحظات التي تمر لن تعود أبداً ويجب علينا أن نعيشها بكل ما لدينا من عزم وقوة، لذلك يبقى القول السائد هو أنه "لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد" ومن خلال ذلك يجب علينا أن نتقن في كل يوم مهارة جديدة نضيفها إلى شخصيتنا من أجل الوصول إلى السعادة والتقدم بطريقة صحيحة.
أضف تعليقاً