أول ما عثرت عليه كانَ عبارةً جميلةً تقول: "أعتقدُ أنَّهُ لو كانت لديك القدرة والموهبة في طريق ما، فلديك القدرة والموهبة في كل الطُّرق، وأنا لستُ صاحب سبع صنائع، ولكنَّني خبير في العديد منها، ولا أشعرُ بأنَّه يُوجَدُ ما لا يُمكِنُني القيام به إذا أردتُ ذلك"، ويبدو واضحاً من العبارة السابقة أنَّ صاحبها يحاولُ أن يقول لنا بأنَّ الجميع من الممكن أن تكون لديهم أكثر من مهارة وشغف وقدرة، وكلُّ ما عليهم هو العمل على تطوير هذه القدرات.
ماذا يعني أن تكون شخصاً مُتعدِّدَ الشغف؟ وهل هذا التعدُّدُ سيؤثِّرُ سلباً أو إيجاباً في حياتك المهنيَّة؟ هل يُمكِنُكَ النجاح وأنت غير قادر على حسم أمرك بشأن التخصُّص المهني الذي تريده؟ جميع هذه الأسئلة وغيرها ستجد لها إجابات واضحة، فقط تابع القراءة.
مَن هو الشخص مُتعدِّد الشغف؟
أولُ سؤال سيخطر في بالك بعد قراءتك لعنوان المقال هو: "هل أنا شخص متعدِّد الشغف؟" وحتى تكون كذلك عليك أن تمتلك مجموعة من القدرات الكامنة التي تؤهِّلُك لاختيار أكثر من مجال للعمل خلال مسيرة حياتك، فالشخص متعدِّد المواهب لا يستطيع الاكتفاء بشغف واحد لكامل حياته، ولا يجد نفسه في مهنة واحدة.
مثلاً من الصَّعب عليه أن يتخيَّلَ نفسه يمارس مهنة التعليم طيلة حياته، ومجرَّد التفكير في هذا يُشعِرُهُ بالضيق والتعب؛ وذلك لأنَّه شخص متعدِّد الهوايات ويمتلك الكثير من القدرات، فتراهُ يعرف في كل شيء تقريباً، ويهتمُّ بكل العلوم على حدٍّ سواء، ليس أكاديمياً؛ بل من خلال متابعته واهتمامه، وهنا يبدأُ السؤال الأهم يلوح في الأُفق وهو: "هل من الجيِّد أن أكون شخصاً مُتعدِّدَ الشغف أم هذا التعدُّد كتعدُّدِ الزوجات لا يجلب إلَّا المشكلات؟
لنبدأ بما يقوله العلم؛ إذ يرى العلمُ أنَّنا نتعلَّمُ بناءً على نوعين من الحوافز؛ فقسم من البشر يكون حافزهم التخصُّص، ويرون أنَّهم بهذه الطريقة يكونون أكثر تركيزاً وإنتاجية، في حين أنَّ بعضهم يهتمُّ أكثر بالتشعُّب ويُحِبُّ أن يمتلك معرفة في أكثر من مجال.
من خلال نظرة خارجية إلى الأمور وإلى الشخص متعدِّد الشغف؛ فقد تبدو حياته مُربِكَة بعض الشيء، فالشخص في هذهِ الحالة لا يستطيع أن يضع أمامه شغفاً واحداً يجد نفسه به، فترى جزءاً منهُ مهتماً بالرسم وجزءاً يسحرهُ عالَم الكتابة، في حين أنَّ عمله الأساسي مُعلِّم جغرافيا، وفي هذه الحالة هل يجبُ عليه التخلي عن أحد المجالات التي يحبُّها حتى يطوِّر المجال الآخر؟ الإجابة بسيطة جداً؛ تنتقل المهارات بين مُختلَف التخصُّصات وكل مجال أو تخصُّص تحبه سيُكسِبُك شيئاً جديداً يُمكِنُكَ استثماره في المجال الآخر.
على سبيل المثال لنفرض أنَّكَ عازف بيانو وفي الوقتِ نفسه تعمل كاتباً لأحد المواقع الإلكترونية؛ فإنَّ المهارة التي اكتسبَتها أصابعك بفضل العزف ستجعلك أسرع بالكتابة، وذاكرتك التي نميتها في أثناء حفظك للنوتات ستجعلك أكثر قدرة على الحفظ والتركيز.
هكذا يبدو بوضوح أنَّ كل مهارة تمتلكها ستنتقل معك إلى المهنة الجديدة التي ستمارسها، ومعظم الدراسات تؤكِّدُ أنَّه من الهام اختيار أشخاص متعددي الشغف والقدرات للعمل ضمن فِرَق؛ وذلك لأنَّ هذا يكسبهم مجموعة من الصفات والميزات التي تجعل التعامل معهم ممتعاً ومفيداً في الوقت ذاته.
فإذا كنتَ شخصاً متعدِّدَ الشغف وتشعر بين وقت وآخر بالخوف، فما عليك إلَّا متابعة القراءة لتكتشف أنَّ خوفك ليس في مكانه.
شاهد بالفيديو: كيف تكتشف شغفك وتصل إليه؟
هل يُمكِنُكَ النجاح وأنت شخص متعدِّد الشغف؟
هل من الممكن للشخص متعدد الاهتمامات النجاح مهنياً؟ هل يستطيع التوفيق بين المجالات العديدة التي يحبها وبين العمل؟ أي عمل سيؤمِّن الدخل المنشود إن تركناه وانتقلنا إلى غيره؟
في الواقع والنقطة الأهم التي يجب أن تضعها في بالك هي أنَّ الشخص متعدد الشغف ليس لديه مسار وظيفي مُحدَّد، لكنْ تُوجَدُ العديد من الطرائق لتحقيق النجاح؛ فمثلاً يُمكِنُ للشخص متعدد الاهتمامات العمل على جمع اهتماماته كلها ضمن مشروع واحد، فيصبح هذا المشروع مصدراً للدخل لديه بدلاً من كونه معوقاً؛ فمثلاً إذا كنتَ شخصاً عاشقاً للقراءة والكتب، تستطيع افتتاح مقهى وتخصيص جزء منه للمطالعة والقراءة وتزويده بمكتبة ضخمة.
يُمكِنَكَ أيضاً استغلال قدرتك على العمل في عدَّة وظائف مستقلَّة؛ كأن تكون مدرِّساً مثلاً وفي الوقت نفسه تعمل في الترجمة أو الكتابة، وأيضاً يُمكِنُكَ بصفتك شخصاً متعدد الاهتمامات العمل في وظيفة واحدة تؤمِّنُ لك دخلاً جيِّداً، واستثمار وقتك الباقي في ممارسة وتعلُّم تخصصات أخرى.
تقول رادميلا لولي وهي موسيقية ومُصمِّمَة أزياء: "أهم شيء يُمكِنُكَ القيام به بصفتك شخصاً متعدد الاهتمامات هو أن تعطي لكل مجال حقه من الاهتمام، وهكذا لن تخاف من الفشل، فليسَ من الخطأ أن تكون صاحب قدرات مُختلِفة ولديك شغف بأكثر من مجال، لكنْ من الهام أن تعرف كيف تستثمر شغفك هذا بما يفيدك.
قدَّمَت لولي مجموعة من النصائح لكلِّ شخص متعدد الشغف ويريد النجاح، وقد اخترنا لك فيما يأتي أهم هذه النصائح:
1. ابحثْ عن الإلهام:
لا تحاوِلْ دائماً العثور على الكمال؛ بل ابحث عن الأشياء التي تحبها أنت بصفتك شخصاً حتى لو كانت ناقصة وغير مكتمِلَة وغير جذابة للآخرين، وأجمل الأفكار على حدِّ قولِها تأتي من الأماكن الأكثر عشوائية.
2. ابتعِدْ عن المقارنة:
مهما كنتَ مبدعاً، دائما يُوجَدُ شخص قد سبقك، ومهما كنتَ جميلاً، دائماً ستجد مَن هو أجمل منك؛ لذلك كُفَّ عن مقارنة أعمالك بأعمال غيرك وقدراتك بقدرات غيرك واهتماماتك باهتمامات غيرك؛ وذلكَ لأنَّكَ ستكون دائماً الخاسر في هذه المقارنة، وستبدأ بالشكِّ بالقدرات التي تمتلكها، وهذا ما سيؤثِّر بطبيعة الحال في إبداعك.
3. طوِّرْ أهدافك:
لا تتوقَّف عند حد معيَّن، فظروف الحياة اليوم سهَّلَت الكثير من الأمور عليك بصفتك شخصاً متعدِّد الشغف، وأنت جالس في سريرك يُمكِنُك تطوير مهاراتك ويُمكِنُكَ التعلُّم، وعليك أن تضع شيئاً هاماً في بالك وهو أنَّ لا شيء يجبرُكَ على المضيِّ في عمل لا تحبه أو مللتَ منه، وما تُفضِّلُه وأنت في الـ 18 لن يكونَ كالذي تُفضِّلُه في الأربعين، فامنَحْ نفسك الوقت الذي تحتاج إليه لتحدِّدَ ماذا تريد، لا يهمُّ في أي عمر تكتشف شغفك الحقيقي؛ بل الهام فقط هو أن تعطي أهدافك وأحلامك ما تستحقه.
4. لا تتوقَّفْ عن الإبداع:
اجعَلْ من كل خطوة إلى الأمام فرصة لك لتبدع، جرِّبْ كل شيء ممكن، وحتى تلك الأشياء التي اعتقدتَ أنَّك جربتها حاوِلْ أن تضيف عليها لمستك الخاصة.
لماذا لا يكتفي بعضنا باهتمام واحد؟
يمتلك بعض الناس العديد من المواهب والكثير من الطاقة، فتجدهم دائمي البحث عن كل معلومة جديدة، ولديهم قناعة تامة بأنَّ لا شيء على الإطلاق لا يُمكِنُهم أن يبرعوا به، وهذا بالضبط ما يدفعهم إلى أن يتعرَّفوا إلى أكثر من مجال ويتعمَّقوا فيه، وما يساعدهم على تحقيق ذلك هو امتلاكهم العديد من المهارات التي تساعدهم على ذلك.
هذه المهارات هي:
- القدرة على رؤية الأشياء بطريقة مختلفة ومغايرة لنظرة الآخرين إليها.
- القدرة على توزيع الاهتمام على أكثر من شيء وبنفس المستوى من التركيز.
- القدرة على القيام بأكثر من دور دون طلب المساعدة من أحد، فالشخص متعدد الشغف يمتلك المؤهلات الكافية للقيام بكل ما يريد.
- القدرة على التعلُّم بسرعة واكتساب المهارات، وهذا ما يُشجِّعه على البحث عن أكثر من مجال وأكثر من اهتمام، فهو دائماً يمتلك الحماسة للبدء من جديد وتعلُّم أشياء جديدة.
- عدم اكتفاء الشخص متعدد الشغف بما يُعرَض عليه أو يُقدَّم له، فهو يضيف لمسته الخاصة لكل عمل أو مشروع.
- الإبداع.
- القدرة على التكيُّف مع الظروف المختلفة مهما كانت الصعوبات.
ما هي الصعوبات التي تواجه الشخص متعدد الشغف؟
تُوجَدُ العديد من الصعوبات التي تقف في وجه الأشخاص متعددي الشغف وتحاول إحباطهم، ويُمكِنُنا التأكيد أنَّ أعداء متعددي المواهب هم أربعة:
1. المسار الوظيفي:
أكثر ما يَصعُب على الشخص متعدد الشغف هو فكرة المسار الوظيفي المُحدَّد والمرسوم مسبقاً، فكيفَ لشخص لا يحب أن يسخِّرَ نفسه إلى تخصُّص معيَّن أن يجد خطة توصله إلى نهاية محدَّدة وتجبره على القيام بعمل روتيني يستنفذ طاقته؟ مما لا شكَّ فيه أنَّهُ يبدأ رحلته في أي عمل بحماسة وشغف، ولكنَّه بعد فترة - وخاصةً إذا لم يُشبِع العملُ الذي يقوم به تعطُّشَه إلى التعلُّم - سوف يملُّ ويفقدُ الحماسة ويبدأ السعي إلى تعلُّم شيء جديد.
2. الإنتاجية:
المشكلة الوحيدة هنا أنَّ الشخص متعدِّد الشغف لا يُمكِنُه أن يكون منتجاً إذا لم يكُنْ راغباً وشغوفاً بالعمل الذي يقوم به، فالشخص متعدِّد الاهتمامات لا تنقصه الكفاءة ولا القدرة، ولكنَّه يحتاج دائماً إلى الرغبة.
3. بناء الثقة:
في بعض المجتمعات وحتى قبل أن تكبر؛ يبدأُ المحيطون بك برسم مستقبلك وتحديد التخصُّص والمهنة التي ستمارسها، وهذا حقيقةً ما يُوقِعُكَ بمشكلة كبيرة أمام المجتمع الذي يحيط بك؛ فإمَّا أن تنصاع إلى رغبة المجتمع أو أن تختار طريقك المختلف عن آماله، وهذا ما يؤثِّرُ في علاقاتك، ومن جهة أخرى فإنَّ الظروف التي يعيشها الشخص متعدد الشغف وسيوف المجتمع والتحديات التي تُفرَض عليه بين وقت وآخر بسبب بدئِهِ من جديد في كل مرة قد تؤثر سلباً في نفسيته وتُفقِدُهُ ثقته بنفسه.
4. الوقت:
الشخص متعدد الشغف يفضِّلُ العمل بحرية ودون تقيُّد، ولكنَّه في أغلب الأحيان يجد نفسه مضطراً إلى التقيُّد بوقت مُحدَّد، وهذا ما يؤثِّر في إنتاجيته.
شاهد بالفيديو: كيف تزيد من شغفك نحو تحقيق أهدافك؟
في الختام: هل يمكن للشَّخص متعدِّد الشغف النجاح مهنيَّاً؟
لا تجعل المخاوف تسيطر عليك، ولا تسمح لتساؤلات الناس من حولك أن تحبطك، لديك إمكانات كثيرة وعليك استغلالها جميعها، فأنت شخص مميَّز ولديك قدرات كبيرة وعليك أن تؤمِنَ بذلك، والعالَمُ اليوم لكَ وتستطيع بفضل قدراتك تغييره إلى الأفضل دائماً، وإذا شعرتَ بالإحباط يوماً، فتذكَّرْ أنَّ طبعك هذا كان طبع العظماء جميعاً من علماء وفنانين كنيوتن ودافنشي وشابلن.
أضف تعليقاً