ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّن "شون كيم" (Sean Kim)، ويُحدِّثنا فيه عن أهم الفوائد التي يجنيها المرء عند تعلُّم لغات جديدة.
يتضمَّن هذا المقال 12 فائدةً غير متوقعة ستجنيها عندما تتعلم لغةً جديدةً:
1. تعلُّم أيِّ شيء بسرعةٍ أكبر:
إنَّ تعلُّم لغة جديدة هو أفضل تمرينٍ للذهن، فيُعلِّم الذهن حل المشكلات المعرفية بطريقةٍ يمكن تطبيقها على أي مشكلة تريد حلها في أي مجالٍ آخر، كما أنَّ قدرتك على تذكُّر المعلومات تتحسن أيضاً عند تعلُّم لغة جديدة، وإنَّ استيعاب مزيدٍ من المعلومات وتذكُّرها يُقصِّر فترة التعلم إلى حدٍّ كبيرٍ؛ لأنَّك ستقضي مزيداً من الوقت في تعلُّم معلومات جديدة بدلاً من إعادة حفظ شيء تعلَّمته من قبل.
لكنَّ الأمر لا يقتصر على هذا؛ فبمجرد أن تتعلم لغة جديدة لن تتمكن فقط من تعلُّم لغات أخرى بسرعة أكبر في المستقبل؛ بل إنَّك بالفعل تعلَّمت أيضاً عدة لغات أخرى دون أن تدرك ذلك؛ فمثلاً إذا تعلَّمت أخيراً اللغة الإسبانية؛ فقد تعلَّمت تلقائياً لغات أخرى من أصل لاتيني؛ مثل البرتغالية والإيطالية والفرنسية والرومانية، فيوجد بين هذه اللغات أكثر من ألف كلمة متطابقة تماماً، وغيرها كثير متشابهة جداً مع بعضها.
2. تحسين مهاراتك في الرياضيات:
بالنسبة إلى أولئك الذين لا يتمتعون بموهبةٍ فطرية في الرياضيات لا داعي للخوف؛ إذ أجرى المجلس الأمريكي لتعليم اللغات الأجنبية (The American Council on the Teaching of Foreign Languages) في ولاية ماساشوستس (Massachusetts) عام 2007 دراسةً كانت نتيجتها:
"إنَّ الأطفال الذين يدرسون لغةً أجنبيةً حتى لو أنَّ دراسة هذه اللغة شتَّتت الأطفال عن دراسة الرياضيات، فإنَّهم يتفوقون على الطلاب الذين يتعلمون مزيداً من الرياضيات خلال اليوم الدراسي؛ لكنَّهم لا يتعلمون لغة أجنبية".
في دراسة أخرى نُشِرَت في مجلة تعلُّم اللغة (Language Learning journal) في جامعة ميشيغان (University of Michigan) حصَّل الطلاب الذين درسوا لغةً أجنبيةً لفصل دراسي واحد لمدة 90 دقيقة فقط في الأسبوع درجاتٍ أعلى على نحو ملحوظ في الرياضيات وفنون اللغة.
إذا فكَّرت ملياً في الأمر ستجد أنَّ هذا منطقيٌّ؛ فإنَّ تعلُّم اللغة يتضمَّنُ عملياتٍ فكرية هيكلية ومنطقية، وهي عمليات التفكير التي يتطلبها النجاح في الرياضيات نفسها.
3. تحسين قدرتك على الإنصات:
إنَّها مهارةٌ مفيدةٌ جداً في أي موقف نعيشه في حياتنا، فإذا كنت تحاول بناء علاقة حقيقية مع أي شخص عليك الإنصات إلى ذلك الشخص بصدق دون انقطاع، فإنَّه أحد العناصر الرئيسة التي ذُكرِت في كتاب "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس" (How to Win Friends and Influence People) للكاتب ديل كارنيجي (Dale Carnegie).
عند تعلُّم لغة ما لا خيار لديك سوى تدريب نفسك على الإنصات بعناية؛ لأنَّك تحاول تمييز كل لهجة ولفظة ونبرة ينطقها الشخص الآخر، وإذا كنت قد بدأت للتو، فإنَّك مُجبَرٌ على الاستماع؛ لأنَّك لا تستطيع التحدث بتلك اللغة.
الأهم من ذلك أنَّ تعلُّمَ لغة جديدة يحثُّك على أن تضع نفسك مكان أشخاص آخرين، وأن ترى العالم من منظور مختلف تماماً؛ ممَّا يجعلك أكثر تعاطفاً في معاملتك الناس.
شاهد بالفيديو: وفقاً للباحث النفسي كريس لونسيدل "كيف تتعلم لغة جديدة بطلاقة في 6 أشهر؟"
4. تحسين تركيزك:
في دراسة نُشِرت عبر الإنترنت في مجلة "برين آند لانغويج" (Brain and Language) روقِبَ بعض الأفراد الذين يتحدثون أكثر من لغة واحدة من خلال جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي في أثناء أداء اختبار فهم الكلمات.
لقد أظهرت النتائج أنَّ الأفراد الذين يتحدثون عدة لغات كانوا أفضل في تمييز الكلمات من الأفراد الناطقين بلغة واحدة، وهذه القدرة على تمييز الكلمات تفيد في منع التشتت والتركيز على المهمة المطلوبة.
كلما تحسنت مهارة الاستماع لديك من المنطقي أن يتعزَّز تركيزك أيضاً، فتماماً مثل تعلُّم أي مهارة جديدة فإنَّ تعلُّم اللغات يتطلب منك اهتماماً تاماً؛ لأنَّ أيَّ إلهاء بسيط قد يُغيِّر معنى الكلمة تماماً، ومع مرور الوقت سيتعلَّم عقلك الحفاظ على هذا المستوى من التركيز.
5. تعزيز ثقتك بنفسك:
عندما نسعى إلى تحقيق شيءٍ ما ونحقق النجاح فعلاً، فإنَّ ثقتنا بأنفسنا ترتفع كثيراً مهما كان التقدم الذي أحرزناه ضئيلاً.
إنَّ مجرد القدرة على خوض محادثة مدتها 30 ثانية مع شخص يتحدث بلغته الأصلية قد يعزز ثقتك بنفسك كثيراً؛ لأنَّك تعلم أنَّه شيء لم تكن قادراً على القيام به من قبل، فيقول الشاعر الأمريكي "إي.إي كامينجز" (E.E. Cummings): "بمجرد أن نؤمن بأنفسنا يمكننا أن نخاطر بالتحلي بالفضول، والدهشة، والبهجة العفوية، أو أي تجربة تتكشف فيها الروح الإنسانية".
ما زلت أتذكر الارتباك الذي كنت أعيشه عندما سكنت في مدينة ميديلين في كولومبيا؛ فقد كنت أعيش مع رفيقٍ في السكن لا يتحدث كلمة واحدة باللغة الإنجليزية، وبعد بضعة أشهر من استخدام تطبيق "رايب" (Rype) لتعلُّم اللغة الإسبانية تمكنت من إجراء المحادثات بطلاقة.
لقد أدهشتني فكرة أنَّني فجأةً تمكنت من التحدث إلى شخص لم أكن أستطيع التحدث معه من قبل، ومع اختفاء حاجز اللغة أصبح كلٌّ منا يفهم الآخر، وتعمقت صداقتنا نتيجةً لذلك، ودفعتني ثقتي بنفسي إلى تعلُّم مزيد من تلك اللغة، والتفاعل مع مزيدٍ من المتحدثين الأصليين، وعزز ذلك ثقتي بنفسي في كل جانب من جوانب حياتي.
6. الوقاية من أمراض الدماغ:
يجب أن يكون تحسين صحتنا أولويةً لكلِّ واحد منا بصرف النظر عن العمر، فيفكر معظم الناس في تحسين صحتهم في بعض المجالات القليلة، مثل مظهرهم الجسدي غالباً؛ لكنَّنا ننسى الجزء الأهم الذي يتحكم بجسمنا بالكامل؛ وهو الدماغ.
إنَّ الإنسان لا شيء من دون الوظائف الحيوية التي يؤديها دماغنا؛ لذلك علينا أن نولي صحة الدماغ أولويةً قصوى مثل أي عضو حيوي آخر في أجسامنا، وفيما يخصُّ الدماغ فإنَّ تعلّم لغة جديدة يمكن أن يمنع تطور داء ألزهايمر (Alzheimer's disease) والخرف أو يؤخره نحو 4 سنوات ونصف وسطياً؛ أي إنَّ تأثيره أقوى بكثير من أفضل الأدوية الحالية التي تؤخر الأعراض لمدة 6-12 شهراً فقط.
أجرت الأكاديمية الأمريكية لطب الأعصاب (The American Academy of Neurology) دراسات عديدة أظهرت أنَّ التحدث بأكثر من لغة يزيد المسارات العصبية في الدماغ؛ ما يسمح بمعالجة المعلومات من خلال مجموعة متنوعة من المسارات.
7. تحسين لغتك الأم:
لقد ذكرنا أنَّ تعلُّم لغة جديدة يساعدك على التعرف إلى لغاتٍ أخرى تنحدر من الجذر نفسه، ولكن ما لا يذكره معظم الناس هو أنَّه يساعدك أيضاً على تحسين لغتك الأم؛ فوفقاً لبحث بعنوان "تأثير تعليم اللغة الثانية" (the Impact of the Second Language Education)، فإنَّ دراسة لغة ثانية سيحسن مهارات القواعد والقراءة والمفردات والتحدث بلغتك الأصلية إلى حدٍّ كبير.
هذا أمر منطقي طبعاً؛ لأنَّ تعلُّم لغة جديدة يسمح لك بفهم هياكل اللغة وتفاصيلها، في حين أنَّ هذا شيء تعلَّمته بديهياً عندما تعلَّمتَ لغتك الأم.
8. تعزيز إبداعك:
إنَّ تعلُّم اللغات يشبه إلى حد كبير أحجية الصور المقطوعة، فتفهم العديد من الكلمات التي تراها، ولكن ليس جميعها؛ لذلك عليك أن تكون مبدعاً وتسد الثغرات بنفسك، وتخلص الأبحاث الجديدة إلى أنَّ الأفراد الناطقين بعدة لغات يفكرون بطريقةٍ إبداعية أكثر من الأفراد الناطقين بلغة واحدة.
في حين أنَّ معظم التمرينات الإبداعية تكون على هيئة موجات؛ أي يأتي فيها الإبداع ويذهب، ولا توجد فترات راحة عند إجراء محادثة مع شخص ما؛ أي إمَّا أن تجبر نفسك على أن تكون مبدعاً في تفسير الكلام والرد عليه، أو أن تصمت في خجل.
9. التعرف إلى ثقافاتٍ جديدة:
إنَّ تعلُّم اللغة لا يقتصر على التواصل بلغة أجنبية فحسب؛ بل يُعرِّفك أيضاً إلى ثقافاتٍ جديدة؛ وذلك لأنَّ التحدث مع أشخاص أجانب هو جزء من جوهر تعلُّم اللغة، ومن أجل ممارسة لغتك الجديدة وتحسينها عليك التعلُّم من مدرِّس لغة، أو تبادُل المحادثات مع الناس، أو حضور اجتماعات اللغة، تماماً كما تتعلَّم ركوب الدراجات، بحيث عليك ركوبها بدلاً من مشاهدة مقاطع فيديو عنها؛ فالممارسة جزء من عملية التعلم.
إنَّ غالبية النزاعات بين الناس تتولد من عدم فهمنا الطرفَ الآخر، وإنَّ دراسة لغة جديدة لا تساعدك فقط على فهم وجهة نظر الشخص الآخر؛ لكنَّ المعرفة الثقافية التي تكتسبها ستسهِّل على الآخرين التقرب منك أيضاً.
10. فتح آفاق وظيفية جديدة:
خلال العقد الماضي شهدنا توجهاً سريعاً نحو العولمة، وفي عصر الإنترنت لم تعد هناك مشاريع محلية؛ فكل مشروع يُفتتح اليوم أصبح يعمل عبر الإنترنت، ولديه فرصة الوصول إلى السوق العالمية في غضون ثوانٍ.
تبذل الشركات الكبرى جهوداً كبيرةً للتوسع في قارات آسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية، وسيصبح فهم اللغات الأجنبية شرطاً أساسياً مثل الخبرة في استخدام برنامج مايكروسوفت وورد (Microsoft Word) لتحرير النصوص.
تقول "إرين ميسين" (Irene Missen) المتخصصة اللغوية في وكالة يورو لندن (Euro London) إحدى وكالات التوظيف الكبرى: "إنَّ اللغات يمكن أن تفتح لك آفاقاً واسعة، وتزيد حتى من راتبك".
فيما يخصُّ التقدم في حياتك المهنية فمن الضروري ألَّا تغفل الفرص الثمينة، فيستغرق تعلُّم لغة جديدة وقتاً طويلاً؛ لذا من الأفضل أن تتعلَّمها قبل أن تحتاج إليها بدلاً من الدخول إلى مقابلة العمل دون أن تستعد جيداً.
شاهد بالفيديو: 6 أسباب تجعلك تتعلّم أكثر من لغة
11. إتاحة نمطٍ جديدٍ من السفر:
إنَّها ميزة جيدة، وغالباً ما يصعب فهمها ما لم تكن تعرف لغةً أخرى؛ مثلاً إنَّ تعلُّم التحدث باللغة الإسبانية قبل زيارة إسبانيا لأول مرة سوف يمنحك تجربة سفر مختلفة تماماً.
عندما تستطيع التحدث بلغة المكان الذي تسافر إليه، فإنَّك لست بحاجة إلى نصائح السفر المعتادة التي تجدها على المواقع الإلكترونية السياحية مثل موقع تريب أدفايزر (Tripadvisor.com)، بدلاً من ذلك يمكنك بناء علاقات مع السكان المحليين واكتشاف المطاعم والمواقع الجميلة والرحلات المثيرة التي لن تخبرك عنها المواقع السياحية، عندها يمكنك عيش الثقافة الجديدة بعيون السكان المحليين، وليس بعين السائح.
12. تعميق علاقاتك الشخصية:
يمكن لكل شخص ينحدر من عائلة متعددة الثقافات أن يتفهم هذه النقطة، فنظراً لأنَّ لغتي الكورية كانت متواضعة؛ فقد واجهتُ صعوبةً في تكوين علاقة مع أقربائي الكوريين.
لحسن الحظ تمكنتُ من تحسين لغتي مع مرور الوقت، وجزء من ذلك بفضل تعلُّم اللغة الإسبانية؛ لكنَّني أرى باستمرار أشخاصاً يعانون التواصلَ مع أفراد أسرتهم أو أصدقائهم أو حتى شريك حياتهم؛ بسبب حاجز اللغة هذا.
في الختام:
إنَّ معظم المشكلات في حياتنا تنشأ من صعوبات التواصل، ولا عائق أمام التواصل أكبر من اللغات التي نتحدث بها مع بعضنا.
أضف تعليقاً