التعاون بين الأقسام هو أكثر من مجرد "تنسيق" مع فِرق أخرى، فهو ينطوي على رؤية مشتركة واحترام متبادل وفهم عميق لدور كلٍّ منهم في المشروع بهدف تحقيق أعمال وتجربة عملاء متميزة.
ضع في اعتبارك هذا السيناريو: "لقد طورت شركة تأمين كبيرة مجموعة جديدة من المنتجات لتلبية احتياجات العملاء الفريدة؛ ولكن مع طرح المنتجات، اتضح أنَّ فِرق التطوير والتسويق لم تعمل مع فِرق تكنولوجيا المعلومات وخدمة العملاء التي كان من المفترض أن تدعم هذه المنتجات. كانت هذه الفِرق على دراية بالاستراتيجية العامة لتطوير المنتج، لكن لم تُشرَك في قرارات التخطيط والتطبيق التفصيلية؛ لذلك تُرِكوا يتدافعون للحاق بالركب بحلول وقت إطلاق المنتجات؛ ونتيجة لذلك، واجه العملاء تأخيرات وأخطاء في المعالجة، ولم تكن مراكز الاتصال مستعدة للاستفسارات، وانتهى الأمر بزيادة التكلفة الشاملة للمنتجات الجديدة أكثر ممَّا كان مخططاً له".
مثال آخر: "أرادت شركة تصنيع عالمية تخصيص مكون منتج لأحد عملائها الرئيسين، وتطلَّب القيام بذلك إعادة تشكيل شاملة للتصميم مع تغييرات في الإلكترونيات والتبريد والطاقة والوزن والتسعير وتسليم المنتج؛ ورغم أنَّ كل قسم وافق على إجراء التغييرات في مجاله، فقد عملوا جميعاً عليها باستقلالية وأطر زمنية مختلفة، وما لم يدركه كل قسم هو أنَّ تغييراته أدت إلى تعديلات على عمل الأقسام الأخرى، وأدى ذلك إلى دورة مستمرة من تغييرات التصميم؛ ونتيجة لذلك، لم يتمكن مدير المنتج من إنهاء تصميم متكامل، ولا يزال غير قادر على منح العميل عرض أسعار ثابتاً أو جدول تسليم بعد 18 شهراً من بدء العمل".
هذه مواقف حقيقية للغاية يمكن أن تحدث في أي شركة مهما كان حجمها ومجال عملها؛ وبصفتنا مديري مشاريع، فنحن نمتلك القدرة على تشجيع التعاون بين الأقسام المختلفة على اختلاف مستوياتها من خلال هيكلة تفاعلات فريقنا مع الأقسام الأخرى عن طريق اتباع الطرائق التالية:
1. توضيح السياق:
قد يكون من الصعب على أعضاء الفريق الشعور بالالتزام تجاه المشروع وامتلاك الدافع للتعاون مع الأقسام الأخرى إذا لم يكن لديهم رؤية أو فهم واضح لكيفية تأثيرهم في الأداء العام للمنظمة؛ لذا امنح فريقك رؤية شاملة عن المشروع وهدفاً مشتركاً، وشجِّع تبادل المعلومات حول الأهداف المشتركة؛ وذلك من خلال عقد اجتماع استهلالي مشترك بين الأقسام في بداية المشروع، ودعوة فريق القيادة للانضمام إلى المحادثة ووضع رؤية واضحة للجميع.
سيؤدي ذلك أيضاً إلى الحفاظ على مشاركة فريقك؛ فوفقاً لمعهد (Human Capital Institute)، فإنَّه لمن المقدر أن يؤدي عدم التنسيق بين الموظفين إلى خسارة الاقتصاد الأمريكي ما يصل إلى 350 مليار دولار سنوياً بسبب نقص الإنتاجية والحوادث والسرقة ومعدل دوران العمالة.
توجد طريقة أخرى لترسيخ عمل فريقك ضمن السياق العام، وهي بناء حلقات التغذية الراجعة حتى يتمكن الموظفون من تجربة تأثير مساهماتهم؛ فعندما توجَّه الفِرق برؤية مشتركة ويفهمون كيف يتناسب عملهم مع السياق الأكبر للمنظمة، يصبحون أكثر قدرة على اتخاذ المبادرات.
2. تنمية التعاطف:
يمكن أن يؤدي وجود تفاهم متبادل بين الأقسام إلى جعل التعاون أكثر سلاسة وفاعلية؛ لذا شجِّع الفِرق على تبادل الأدوار مع الفرق الأخرى والاطلاع على تحديات الأقسام الأخرى من منظور مختلف، وساعد الموظفين على فهم القيود والتحديات التي تواجه الفِرق من الأقسام المختلفة، ونمِّ الشعور بالفضول لمساعدتهم على التعرف على عمل بعضهم بعضاً والخروج بأفكار حول كيفية قيام فريق ما بتحسين عملياته لمساعدة الفِرق الأخرى على أن تصبح أكثر فاعلية.
إنَّه لمن الهام تشجيع ثقافة اليقظة الذهنية التي يبقي فيها أعضاء الفريق على مشاعرهم الشخصية تحت السيطرة حتى يتمكنوا من التواصل مع زملائهم في العمل بطريقة إيجابية ومثمرة.
شاهد بالفيديو: كيف تستخدم التعاطف بفاعلية في العمل؟
3. تطوير لغة مشتركة:
يمكن أن تُنفِّر المصطلحات اللغوية المتخصصة واللغة الخاصة بالقسم الأشخاص في الفِرق الأخرى، وقد تجعل التواصل أكثر صعوبة؛ حيث تنشأ الارتباكات عندما لا يكون لدى أعضاء الفريق فهم مشترك للمصطلحات المستخدمة في التواصلات بين الأقسام؛ إذ لن يواجهوا بذلك الإحباط فحسب، بل قد يحدث أيضاً سوء فهم قد يعرقل مشروعاً بأكمله.
لتحسين التواصل بين الأقسام، طور لغة مشتركة يمكنك مشاركتها في أثناء عملية إعداد الأعضاء الجدد، وتعلَّم من أخطاء التواصل السابقة لمعرفة مكان حدوث سوء الفهم أو التواصل، واحرص على تقييم مدى التعلم عند تقديم اللغة المشتركة لأول مرة، واحصل على تأييد أعضاء الفريق من خلال إشراكهم في عملية التطوير.
قد يكون من الصعب تجنب استخدام اللغة التقنية في صناعات معينة ووظائف محددة؛ لذا شجع أعضاء الفريق على تعلم المصطلحات الأساسية المستخدمة من قبل الأقسام الأخرى حتى يتمكنوا من التواصل بصورة فعالة.
4. الانخراط في عمليات الأقسام الأخرى:
تخيل أنَّ فريقاً مبدعاً يقضي شهرين من العمل الجاد من أجل التوصل إلى تصميم دقيق ليخبرهم العاملون في التسويق أنَّ التصميم لا يعكس التوجه الاستراتيجي للعلامة التجارية؛ أو أن يستغرق مهندسو المعلومات أسابيع لتحسين تجربة المستخدم فقط ليكتشفوا من خبراء التكنولوجيا أنَّ الواجهة الخلفية لا تدعم وظائف معينة قدموها.
هذه السيناريوهات ليست مزعجة ومحبطة لأعضاء الفريق جميعاً فحسب، ولكن يمكن أن تؤثر أيضاً في الجدول الزمني والميزانية للمشروع بأكمله.
يمكن تجنب الإحباطات غير الضرورية إذا شاركت الفِرق في عمليات الأقسام الأخرى في أثناء تنفيذ المشروع للتأكد من كون الحلول المقترحة من قبل فريق واحد تتماشى مع الرؤية الاستراتيجية الشاملة، ويمكن دعمها من خلال الإمكانات المتاحة للأقسام الأخرى.
بصفتنا مديري المشروع، يمكننا تعزيز هذا التعاون من خلال جدولة جلسات تدقيق رسمية للفريق، والمراجعات المشتركة بين الأقسام، وتشجيع "قاعدة اللمس" -مصطلح يستخدم في عالم الأعمال ويعني البقاء على تواصل مع زملاء العمل- غير الرسمية بين أعضاء الفريق.
لا تنسَ أن تنقل بوضوح النتائج وعناصر العمل من اجتماعات الفريق إلى جميع الموظفين المشاركين في المشروع بحيث يكون الجميع على اطلاع بالوضع الحالي؛ إذ يمكن أن تساعد الاتصالات المتسقة والبنَّاءة في تجنب توجيه أصابع الاتهام واللوم عند مواجهة مصاعب في المستقبل.
5. تسهيل الاتصالات المتسقة:
تعني الوتيرة السريعة لبيئة العمل أنَّ كل شخص يشارك في احتياجات المشروع يجب أن يمتلك أحدث المعلومات في جميع الأوقات؛ ولتشجيع مشاركة المعلومات ومساعدة أعضاء الفريق في البقاء على اطلاع بالعناصر التي يحتاجون إلى مراجعتها والتعليق عليها، تحتاج إلى البرنامج المناسب لتسهيل هذا التفاعل.
تحتفظ معظم التطبيقات البرمجية بجميع الاتصالات المتعلقة بالمشروع في مكان واحد؛ وعندما يأتي عضو جديد في الفريق، يمكنه التأقلم بسهولة وسرعة من خلال مراجعة التفاعلات السابقة بين أعضاء الفريق.
تسمح لك هذه التطبيقات بأتمتة الإشعارات حتى يتمكن أعضاء الفريق المناسبون من الحصول على الاتصالات المناسبة في الوقت المناسب مع الحفاظ على المعلومات متاحة لأي شخص آخر في جميع الأوقات؛ كما أنَّها تساعد في التخلص من الاتصالات عبر البريد الإلكتروني، والتي يصعب تتبعها.
6. تهيئة الأجواء المناسبة:
يمكن أن يكون للعلاقات بين رؤساء الأقسام تأثير كبير في كيفية تعاون أعضاء الفريق، لذا من الهام خلق ثقافة تعاون داخل فريق القيادة.
يمكنك كمدير مشروع تشكيل ثقافة تعاونية من خلال بناء علاقات مع مديري المشاريع في الأقسام الأخرى، حيث تهيئ بذلك الأجواء المناسبة وتكون مثالاً يُحتذَى به لأعضاء فريقك.
ابدأ اجتماعات دورية مع نظرائك لفهم تقدمهم والتحديات التي يواجهونها وتبادل الأفكار وحل المشكلات؛ حيث يمكن أن يعزز هذا الشعور بالمسؤولية الجماعية نجاح المنظمة، ويبني شعوراً بالثقة بين الأقسام.
7. الاحتفاء بالفوز:
يساعد الاحتفال بالفوز والاعتراف بدور كل فرد في نجاح المشروع على تنمية الثقة والاحترام بين أعضاء الفِرق من الأقسام المختلفة؛ لكن لا تجعل احتفالك متوقفاً على استكمال مشروع كبير، بل ضع أهدافاً مرحلية واجعل الاحتفال بالمكاسب الصغيرة عادة دائمة، حيث تساعد المكاسب الصغيرة في الحفاظ على الزخم والتحفيز في أثناء تجاوز العقبات.
لا يجب أن تكون الاحتفالات مدروسة أو منظمة بصورة مبالغ فيها، حيث تمنح أمور بسيطة كاحتفال بسيط أو وجبة غداء جماعية ترعاها الشركة أو أنشطة أعضاء الفريق فرصة للاختلاط، وهي خيارات رائعة للاحتفال.
8. تشجيع التغذية الراجعة:
بصفتك مدير مشروع، تحتاج إلى تهيئة بيئة يشعر فيها أعضاء الفريق بالراحة في التحدث لمشاركة آرائهم؛ إذ يُعتمَد في بيئة عمل سريعة الوتيرة على كل فرد مشارك في المشروع للرد على التغييرات في الخطط والعمليات في الوقت المناسب.
يمكن أن يساعد تشجيع التغذية الراجعة في تمكين أعضاء الفريق، والمساهمة في تبسيط وتحسين سير العمليات وبناء التعاون على حد سواء؛ كما من الهام تعزيز ثقافة تقديم وقبول التغذية الراجعة البنَّاءة والمؤطرة بطريقة تركز على الظروف ولا تُوجَّه شخصياً إلى عضو الفريق.
9. تعزيز الثقة:
يُبنَى التعاون الناجح طويل الأمد على الثقة والشفافية؛ فالثقة هي أساس عمل أي فريق عالي الأداء، والشفافية عنصر حاسم في بناء الثقة بين أعضاء الفريق.
توجد العديد من الجوانب للثقة، كالنزاهة والأخلاق والكفاءة؛ وكلما زادت قدرتك على تشجيع الثقة في هذه المجالات المختلفة، زادت قدرتك على بناء علاقات ثقة بين الفِرق وبين الأفراد.
تعدُّ الاستمرارية أساس بناء الثقة، إذ يحتاج أعضاء الفريق إلى معرفة أنَّ بإمكانهم الاعتماد على بعضهم بعضاً كل يوم دون أن يفشلوا، وأنَّهم وزملاؤهم في العمل يبذلون قصارى جهدهم.
10. تعزيز السلامة النفسية:
كانت هناك درجة قوية من الأمان النفسي في العديد من الفِرق الأعلى أداء، والتي وصفتها الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال "إيمي إدموندسون" (Amy Edmondson) على أنَّها "اعتقاد مشترك لدى أعضاء الفريق بأنَّ الفريق آمن للمخاطرة الشخصية".
قد يكون من الشائع لأعضاء قسم واحد تولي منصب السلطة المطلقة في موضوع معين؛ ولكن دون وجود رادع، يمكن أن تصبح هذه السلطة نقطة ضعف، وغالباً ما يوفر المنظور الخارجي لغير الخبراء بعض الأفكار التي لا تُقدَّر بثمن.
عندما لا توجد أسئلة "سخيفة" لطرحها أو أفكار لمشاركتها، يكون للمتعاونين الحرية في توسيع مخيلتهم وإيجاد حلول مبتكرة حقاً للمشكلات الصعبة؛ ومع مراعاة الأفكار بين جميع الزملاء في المناقشة، يوجد مجال أكبر للنمو والتفاهم والتعاون الفعال.
11. توفير مكان عملٍ غير رسمي:
إذا كان أعضاء مؤسستك يتواصلون ويتعاونون بطريقة رسمية فقط في أثناء الاجتماعات أو المشاريع الخاصة، فيوجد عنصر بشري في غاية الأهمية مفقود من المعادلة، ولا يعني هذا أنَّك بحاجة إلى هدم جميع الجدران الداخلية في مكتبك ووضع الجميع في صالة مفتوحة وشراء طاولة بينج بونج لهم؛ لكنَّ المفتاح هو توفير البيئة الثقافية والمساحات المادية التي يحتاجها الناس من أجل "لقاء" بعضهم، وتشجيع المحادثات العفوية التي يمكن أن تنتج في كثير من الأحيان من تلك اللقاءات المرتجلة.
رغم وجود فرص أقل لبناء مساحات فعلية للتعاون غير الرسمي في الفِرق العاملة عن بعد، لا يزال من الممكن بناء هذه المساحات والخبرات لما لها من أهمية؛ ويمكن لشيء بسيط مثل استخدام قناة غير رسمية في تواصل فريقك أو محادثات الفيديو المنتظمة أن تحدث فارقاً كبيراً.
قد يكون من المفيد أيضاً توفير فرص غير رسمية أخرى للتعاون خارج المكتب، سواءً أكان ذلك على شكل نشاطات تطوعية ترعاها الشركة أم دوريات رياضية، أم أيٍّ من الأنشطة الأخرى التي يمكن أن تجمع طاقماً متنوعاً معاً.
كلمة أخيرة:
يتطلب التعاون السلس والفعال بذل الجهد، وأحياناً تغييرات على المستوى القيادي والثقافي للمنظمة؛ ومع ذلك، يمكن أن يؤدي العمل الذي ينطوي عليه إجراء هذه التغييرات إلى نتائج مذهلة.
أضف تعليقاً