تشبه القيادة الناجحة المشي على حبل مشدود في أثناء اللعب بالسكاكين بينما يطاردك أسد؛ فهي ليست بالأمر السهل إطلاقاً.
التواصل كقائد ليس بالأمر السهل إطلاقاً:
إنَّ التواصل الفعال والقيادة الناجحة أمران متلازمان، ويكمِّل كلٌّ منهما الآخر؛ فإذا غاب أحدهما، أصبحت المنظمات أشبه بيتامى يناضلون من أجل البقاء وسط أسرة مفككة.
يجد معظم القادة صعوبة كبيرة في الخوض بأحد جوانب التواصل الهامة أكثر من أي أمر آخر، ويتمثل هذا الجانب في تقديم التغذية الراجعة للمعنيين بذلك؛ فهي أشبه ما تكون بسلوك طريق وعر، حيث يوجد العديد من أوجه التباين والاختلاف لها.
يعدُّ فهم وتقدير قيمة هذا الأمر وأهميته أحد أوجه هذه العملة الهامة، بينما يُكرَّس الوجه الآخر لفهم آلية استخدام هذه الملاحظات والانتقادات كأداة لتحسين وتطوير أولئك المعنيين بها.
شاهد بالفيديو: 7 صفات أساسيّة يتميّز بها القائد المتواضع
يحمل اختلاف التغذية الراجعة تأثيراً مختلفاً على الناس:
تكمن الخطوة الأولى لتقديم التغذية الراجعة المناسبة في فهم ماهيتها، حيث يعدُّ نموذج التغذية الراجعة ذو الأربعة أنواع الذي وضعه كيفن إيكنبيري (Kevin Eikenberry) الوصف الأفضل الذي يؤطر مفهوم التغذية الراجعة بصورة مناسبة، حيث يقسِّم نموذجه التغذية الراجعة إلى أربع فئات مختلفة:
- التغذية الراجعة السلبية (Negative feedback): هي الملاحظات التصحيحية والتحسينية حول أداء أو سلوك شخص ما في الفترة السابقة؛ أي: "الأمور التي لم تسر على ما يرام".
- التغذية الراجعة الإيجابية (Positive feedback): تتضمن التأكيد والثناء على الأداء في الفترة السابقة؛ أي: "الأمور التي كانت على ما يرام، والتي يجب تكرارها دوماً".
- التغذية المسبقة السلبية (Negative feedforward): وهي الملاحظات التصحيحية والتحسينية حول أداء أو سلوك شخص ما في المستقبل؛ أي: "الأمور التي لا ينبغي تكرارها إطلاقاً في المستقبل".
- التغذية المسبقة الإيجابية (Positive feedforward): تتضمن التأكيد والثناء على الأداء أو السلوك المستقبلي؛ أي: "الأمور التي من شأنها تحسين الأداء في المستقبل".
يشجع "نهج إيكنبيري" على خلق توازن بين التغذية الراجعة الإيجابية والسلبية، مع التأكيد على تقديم النصائح التي من شأنها تحسين الأداء في المستقبل؛ حيث يُعدُّ التركيز على المستقبل والتغذية المسبقة أحد العناصر الأساسية التي يهملها القادة عادة عند تقديم التغذية الراجعة.
يجب أن يكون الهدف من تقديم التغذية الراجعة مساعدة الأشخاص على فهم الأمور التي لم تسر على ما يرام وتلك التي سارت بصورة جيدة، بالإضافة إلى الآلية التي يجب اتباعها للمضي قدماً دون تكرار السلوكات السلبية؛ كما لا يكفي تقديم تغذية راجعة سلبية أو إيجابية فحسب، بل يجب أن تكون أداة تُعلِّم الناس وتحفزهم لتطوير ذاتهم وأدائهم في المستقبل؛ وإذا لم تحقق التغذية الراجعة ما سبق، فلن تكون فعالة أبداً.
أساس التغذية الراجعة الفعالة هو الموازنة بين العناصر الإيجابية والسلبية، وليس تخطي الأمور السلبية:
الآن، وقد أصبح لدينا صورة واضحة لما تبدو عليه التغذية الراجعة المتوازنة، فلنوجِّه انتباهنا إلى "آلية" تقديمها.
يعدُّ المديح الشامل المخادع والمبهم أحد أكثر أشكال التغذية الراجعة غير الصادقة وعديمة الجدوى، فعلى سبيل المثال: "أود أن أشكر الفريق على العمل العظيم وكل ما بذله من جد واجتهاد في سبيل هذا المشروع".
يبدو ذلك لطيفاً، ويُعدُّ تغذية راجعة إيجابية من الناحية التقنية، لكنَّه لا يشير إلى السلوكات الجيدة التي ينبغي أن تتكرر في المستقبل، وما يجب على المعنيين القيام به لتحسين الأداء في المشروع التالي؛ كما قد يبدو ذلك مخادعاً لبعض أعضاء الفريق الذين يشعرون بأنَّهم قاموا بالجزء الأكبر من العمل مقارنة مع زملائهم.
يدرك الجميع أنَّ على القائد أن يشمل الجميع بقوله "فريق عمل رائع"، وأن يكون مشجعاً لهم؛ ومع ذلك، لا ينبغي أن توحي الملاحظات التقييمية بشعور "الاختيار من متعدد".
فيما يأتي بعض الأمور التي يجب مراعاتها في أثناء تقديم تغذية راجعة متوازنة تركز على المرحلة المستقبلية:
1. الحرص على أن تكون تغذيتك الراجعة موضوعية وغير عاطفية بطبيعتها:
يشكل ذلك أهمية بالغة عند التعامل مع الأخطاء الجسيمة التي ارتُكِبت، وإنَّه لمن الهام أن تأخذ بعض الوقت لتهدأ وتقيِّم الموقف بعناية، وأن تختار كلماتك مسبقاً.
حاول أن تنظر إلى الأمر من وجهة نظر موضوعية؛ فما تريده هو تقديم تغذية راجعة مفيدة وقابلة للتنفيذ تساهم في تطوير الفريق وتحسينه.
2. استهداف السلوكات، وليس الشخص أو الفريق:
تشكل الصراعات والنزاعات الشخصية جزءاً من التفاعل البشري، ولن يعجبك كقائد جميع أعضاء فريقك؛ ولكن ينبغي عليك احترامهم وتقديرهم جميعاً.
لا تدع مشاعرك وتفضيلاتك تتلاعب بحكمك على الأفراد وتقودك إلى التهجم على أحدهم أو صفاته، واحرص على أن تكون تغذيتك الراجعة صادقة دائماً ومصممة لإحداث تغيير إيجابي، ولا تستخدمها لإلحاق الأذى النفسي بالآخرين إطلاقاً.
3. الحفاظ على توازن التغذية الراجعة، مع التأكيد الدائم على السلوكات الإيجابية التي تريدها أن تتكرر مستقبلاً:
حاول دائماً الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات، فقد يؤدي تقديم الكثير من التغذية الراجعة السلبية إلى شعور الأشخاص المعنيين بخيبة أمل، وبأنَّك صعب الإرضاء؛ أمَّا عند تقديمك تغذية راجعة إيجابية، احرص على أن تكون متعلقة بسلوكات محددة وقابلة للتكرار في المستقبل.
استخدم قاعدة 70٪ لتقديم تغذية راجعة بنَّاءة، وذلك بأن تحرص دوماً على تقديم 30٪ من التغذية الراجعة الإيجابية إذا كان لديك 70٪ من التغذية الراجعة السلبية التي تركز على ما يجب تحسينه.
4. الحرص على تقديم اقتراحات وإرشادات حول آلية تحسين الأداء مستقبلاً عند تقديم تغذية راجعة سلبية:
لقد أثبتنا أنَّ تقديم تغذية راجعة سلبية أمر ضروري للنمو والتطور، ولكنَّ الإشارة إلى السلبيات قد تُشعِر فريقك باليأس، خصوصاً عند عدم تقديم اقتراحات بالإجراءات التحسينية.
على سبيل المثال: إذا قاطع أحد الموظفين زملاءه وأخَّرهم عن الاجتماعات، فأعلمه بما يفعله، وكيف يؤثر ذلك في الآخرين؛ ومن ثمَّ قدِّم اقتراحات حول آلية تحسين هذا السلوك، كالإشارة إلى أنَّ لديه ما يقوله ويرغب في مناقشته بمجرد انتهاء مجموعتهم من التحدث بدلاً من مقاطعتهم في أثناء عملهم.
5. التركيز على نقاط قوة فريقك، وتوضيح كيفية الاستفادة من نقاط قوتهم للتعويض عن نقاط ضعفهم:
ألحِق التغذية الراجعة السلبية بأخرى تكون إيجابية ومستفيضة؛ فإذا كان أحدهم يتأخر باستمرار عن الاجتماعات ممَّا يسبب تأخيراً عن الوقت المحدد، فأخبره أنَّ الحضور في الوقت المحدد أمر بالغ الأهمية لفاعلية الفريق؛ ثمَّ يمكنك بعد ذلك إسناد مَهمَّة له تستثمر إحدى نقاط قوته وتتطلب منه الوصول إلى الاجتماع في وقت مبكر، مثل: إعداد مكان الاجتماع، أو تسجيل المحضر، أو الإشراف على الاجتماع، أو دعوة الأشخاص إلى الاجتماع بالترتيب.
6. مشاركة حوار منفتح، عوضاً عن الحديث الفردي:
كلَّما انطوت المحادثة على خصوصية ومشاركة أكبر، كانت أكثر فاعلية؛ لذا اجعل فريقك يعرف أنَّك مهتمٌّ به وبنجاحه، وشجع الأعضاء على المشاركة في عملية تقديم التغذية الراجعة وإيجاد طرائق لتحسين الجوانب غير الجيدة في عملهم وتطوير أدائهم، وساعدهم على أن يكونوا مسؤولين عن تقدُّمهم وتحسنهم في العمل، وتحدث معهم وليس عليهم.
ببساطة، لن يكون لتقديم تغذيتك الراجعة من خلال حديث فردي وواعظ مع الأشخاص المعنيين التأثير نفسه لإشراكهم في محادثة هادفة تعود بالنفع على الجميع.
7. معرفة التوقيت هو كل شيء عندما يتعلق الأمر بتقديم التغذية الراجعة:
يعرف أفضل القادة متى يتكلمون ومتى يصمتون، ويمكن أن تساهم التغذية الراجعة -سواء الإيجابية أم السلبية- الموجهة والمؤطرة والمقدمَّة في الوقت المناسب في تشكيل فريقك أو تفكُّكه؛ فأنت لا تريد أبداً طرد الموظف عندما يكون أداؤه رديئاً، ولكن لا يجب عليك أيضاً أن تتخطى الأمر وتواصل المضي قدماً؛ حيث تُعدُّ القدرة على تحديد الوقت والمكان المناسبين لتقديم التغذية الراجعة مهارة يتوجب عليك إتقانها لتكون قائداً عظيماً.
لا يتعلق التواصل بك شخصياً كقائد، ولا بآرائك أو مواقفك أو ظروفك، بل بمساعدة الآخرين؛ حيث تكمن وظيفتك في تقديم التوجيه الذي يلبِّي احتياجات الموظفين لديك، وفهم مخاوفهم، وإضافة القيمة إلى فريقك. يكمن الأمر في إحباطهم قليلاً من خلال إعطائهم الملاحظات السلبية، ومن ثمَّ الارتقاء بهم لمستويات أعلى ودفعهم إلى المضي قدماً في عملهم.
أضف تعليقاً