يستطيع قادة الرعاية الصحية الذين يتمتَّعون بالذكاء العاطفي تحسين أداء مؤسساتهم على عدة مستويات، ففي المجتمعات ذات الطابع الروحاني، يكون التركيز على الارتباط الروحي والتعاطف، ويعزز الذكاء العاطفي القدرة على الربط بين العقل والجسد والروح، وعلى الرغم من أنَّ الذكاء العاطفي معترف به الآن بوصفه سمة أساسية للنجاح، فإنَّ المصطلح يشير فقط إلى ملاحظة النتيجة النهائية.
كانت بعض البحوث السبب في إدراك أنَّ الأشخاص الذين يتمتَّعون بالوعي الذاتي والرحمة والقدرة على فهم الآخرين وعلى الشعور بعواطف قوية واحتوائها، أكثر نجاحاً من أولئك الذين يفتقرون إلى هذه الصفات حتى لو كانوا يتمتَّعون بقدرات فكرية أكبر، وتشير البحوث إلى أنَّ بعض الأشخاص على الأقل يولدون بدرجة عالية من الكفاءة الشخصية والاجتماعية.
هذا رائع بالنسبة إلى الموهوبين عاطفياً، ولكنَّ السؤال الهام بالنسبة إلى البقيَّة هو: "هل يمكننا تعلُّم الذكاء العاطفي حتى لو لم نمتلك المهارات الشخصية والاجتماعية بالفطرة؟ الإجابة هي نعم، فعلى الرغم من أنَّ طرائق تدريس وتعلُّم هذه المجموعة من المهارات ما تزال محل جدل، فإنَّ الذكاء العاطفي يمكن تعلُّمه، ولكن ليس بالطريقة التي اعتدناها.
يشتمل الذكاء العاطفي بطبيعته على الجانبين الفيزيولوجي والنفسي، ويكمن مصدره في المشاعر والأحاسيس الأساسية التي تنشأ في الجزء الأقدم من أدمغتنا، وهو جذع الدماغ، هذه المشاعر والأحاسيس والعواطف الأساسية التي قد تبدأ حتى قبل الولادة وتتطور بحلول الشهر الثاني من الحياة، هي مصدر تميُّزنا وغريزتنا الشخصية والجماعية للبقاء، وإنَّ الوعي الذاتي وضبط النفس والبصيرة والتعاطف مع الآخرين هذه جميعها متجذِّرة في هذه الغرائز الأساسية، وقد تخلق الصدمة حاجزاً أمام الوعي الذاتي وغريزة البقاء لدينا، لكنَّ التعافي بإعادة الاتصال بهذه الغرائز الأساسية والذكاء العاطفي الذي توفره، هو أمر ممكن دائماً.
نصائح لتعزيز الذكاء العاطفي لدى القادة:
نظراً لأنَّ الذكاء العاطفي هو مورد غريزي يمكن إعاقته ولكن لا يمكن التخلُّص منه، فإنَّ القيادة باستخدام الذكاء العاطفي هي مهارة يمكن تعلمها وتعليمها طوال الحياة، فعندما نتحلَّى بالشجاعة الكافية للتعلُّم من آلام الأخطاء التي ارتكبناها في التعامل مع الآخرين، فإنَّنا نصبح قادة أذكياء عاطفياً بارتكاب الأخطاء والتعلم منها، ومن ثمَّ تنمو قدرتنا على إدارة الآخرين وأنفسنا، ولكن أحياناً تكون الطريقة الأسرع لتعلُّم القيادة باستخدام الذكاء العاطفي هي من خلال منتور يقدِّم لنا المنتورينغ حول مهارات الذكاء العاطفي.
10 نصائح لتعزيز الذكاء العاطفي لدى القادة:
1. انتبِه إلى غرائزك الأساسية:
تفكَّر كل يوم في ذاتك لتنسجم مع غرائزك الأساسية، فنحن نتعلم القيام بذلك عن طريق التأني بدرجة كافية لفهم الرسائل التي ترسلها لنا أجسادنا باستمرار من خلال مشاعرنا الجسدية والعاطفية، فلغة الجسد الحسية غير لفظية، ويستغرق فهمها وقتاً وجهداً، ويمكن تحقيق التأنِّي اللازم للانسجام مع مشاعرنا وأحاسيسنا بالصلاة أو التأمل عندما يكون التركيز في مثل هذه الممارسة على اكتشاف الذات الداخلية، وهذا هام تحديداً إذا كنت تعيش حياة مُجهِدة، فيمكن لأنماط الحياة المُجهِدة أن تنشِّط إفراز هرمون الإندورفين في الدماغ، وهذا يؤدي إلى حالة مشابهة لتأثير المخدرات لدى الشخص، مع تقليل وعيه للمشاعر والاحتياجات وحتى تقويض غرائزه للبقاء.
إنَّ المعرفة الغريزية التي تبقينا دائماً على اطلاع بمشكلاتنا الأكثر إلحاحاً وقيَمِنا الأعمق تُقوِّي أيضاً القدرة النقدية على إدراك عدم معرفتنا، عندما لا يكون لدينا ما يكفي من المعلومات، أو المعلومات الصحيحة لاتخاذ قرار صائب، ونظراً لأنَّ القادة الأذكياء عاطفياً يعتمدون في عملية صنع القرار على كل من الموارد الفكرية القائمة على التفكير والموارد الحسية الغريزية؛ فإنَّ لديهم قدراً أكبر من البيانات التي يمكنهم الاستفادة منها، وهذا يجعل تواصلهم أفعل وقراراتهم أصوب.
2. اربط بين الفكر والمشاعر:
اجعل أفكارك تعكس مشاعرك، ومشاعرك تعكس أفكارك، ولسوء الحظ، يهمِّش العقل لغة الجسد غير اللفظية، وغالباً ما يحدث ذلك، ففي هذه الحالة، لا يمكنك الانتباه إلى نفسك على المستوى الغريزي، وفي أوقات أخرى، تمثِّل الصدمة التي لم تُعالَج مشكلةً في حياتك، إذ قد يكون للجسم والعواطف تأثير أكبر في حياتك من تأثير الأفكار الواعية، وهي حالة يمكن أن تؤدي إلى نوبات ذعر، ونوبات غضب، وأعراض جسدية مثل الصداع النصفي أو اضطرابات المعدة أو آلام الظهر، ويتصرَّف الأشخاص الذين يبذلون جهداً للحفاظ على التواصل بين ما يفكرون به ويقولونه ويفعلونه من جهة، وما يشعرون به من جهة أخرى، بناءً على غرائزهم الأساسية الحكيمة التي تحكم قراراتهم وأفعالهم.
3. أصغِ إلى المشاعر:
أصغِ إلى المشاعر وكذلك إلى الكلمات، حتى يشعر الأشخاص الذين تخدمهم وتعمل معهم بأنَّك تفهمهم، وترتبط أيضاً القدرة على الإصغاء بطريقة تجعل الآخرين يشعرون بأنَّك تفهمهم بالقدرة على دمج المعلومات والغريزة، وعندما يضيف القادة إلى تدريبهم الوعي بمشاعرهم الغريزية والحساسية لتجارب الآخرين، فإنَّهم يتوصَّلون بسرعة أكبر إلى قرارات أكثر حكمة واستنارة.
4. مارس التواصل غير اللفظي:
التواصل الجيِّد، خاصة مع الأشخاص المرضى أو الخائفين، هو غير لفظي بالكامل تقريباً، فلاحِظ كيف يتواصل الطبيب أو الممرضة الجيِّدة بالعين، والابتسام، وتهدئة المريض، والإصغاء إلى مخاوفه، ولمسه بحنان، ثمَّ انظر إلى أخصائي الرعاية الصحية البارد الذي يتعامل بطريقة عملية، ولا يُدرك مشاعر المريض أو الموظف الذي يتعامل معه.
يُدرك الخبراء أنَّ للتواصل العاطفي الذي معظمه غير لفظي القدرة على تخفيف الصدمات الجسدية والعاطفية، في حين أنَّ الافتقار إلى التواصل العاطفي يمكن أن يزيد الأمر سوءاً، ويستطيع القادة الأذكياء عاطفياً الذين يمارسون التواصل غير اللفظي إرسال واستقبال معلومات تؤدي إلى التعافي أكثر من الكلمات.
شاهد بالفيديو: ما العلاقة بين الذكاء العاطفي والقيادة؟
5. طوّر قدرتك على التعاطف:
التعاطف هو القدرة على تقييم الموقف من وجهة نظر شخص آخر سواء كنت تتَّفق معه أم لا، وهو القدرة على أن تثق في وعيك بأفكارك ومشاعرك وقيمك، فيمكنك أيضاً إدراك وجهات نظر متعارضة دون إغفال احتياجاتك، وإذا كنت تفتقر إلى التعاطف، فإنَّك تقطع الطريق أمامك في عدة أنواع من المفاوضات، خاصة تلك التي تنطوي على الصراع.
إنَّها مسألة تواصل أو عزلة، فيمنحك التواصل مع الآخرين عن طريق الانفتاح الحقيقي على وجهة نظرهم بصيرة وفهماً لا يمكن الوصول إليهما دون التعاطف، إضافة إلى ذلك، عندما تتمكَّن من التعاطف بنجاح مع تصورات الآخرين ومشاعرهم، تصبح أفضل بكثير في فهم ما يحتاجون إليه وتلبية تلك الاحتياجات، فيشعر الناس عموماً بمزيد من الولاء، ويكونون على استعداد للعمل بجدية أكبر من أجل أولئك الذين يبذلون جهداً للانسجام معهم، فعندما تُظهر الاهتمام بما يشعر به الناس ويحتاجون إليه ويهتمون به، إضافة إلى ما يفعلونه، يتحقَّق مستوى أعمق من الرضى، فيشعر موظفوك بالفرق بين الاهتمام الحقيقي والسطحي بسلامتهم وعافيتهم.
6. احتوِ عواطفك:
تعلَّم كيفية احتواء عواطفك، يُعدُّ الاحتواء العاطفي مهارة أخرى يمكن تعلُّمها بمجرد أن تصبح مستعداً لاستكشاف ذاتك الداخلية بتعقُّل، فلدى القادة الأذكياء عاطفياً القدرة على احتواء عواطفهم، ولا يعني احتواء العواطف قمعها أو تجاهلها، بل يعني التحكُّم في متى وكيف تعبِّر عنها، ويواجه القادة، مثلهم مثل غيرهم، أصعب المشاعر، ومن ذلك الغضب أو الحزن، ففي وقت ما، يشعر جميع القادة بالرغبة في الصراخ أو البكاء، لكنَّ الوعي العاطفي يساعدهم على ضبط سلوكهم.
يستطيع القادة عن طريق فهم عواطفهم الحالية وفصل العواطف القديمة عن الجديدة تجنُّب المبالغة في رد الفعل، فلا يأخذون المشكلات والنزاعات على محمل شخصي، والواقع أنَّ السبب تحديداً هو أنَّ مثل هؤلاء القادة لا يخشون الإحساس بعواطفهم حتى يتجنبوا فقدان السيطرة على أنفسهم من جهة، أو إجهاد أجسادهم عن طريق تجنُّب مشاعرهم، من جهة أخرى.
7. استجِب لكل تحدٍّ بوصفه تحدِّياً فريداً:
الذكاء العاطفي هو النقيض للنهج العشوائي في الحياة، فالظروف تتغيَّر ويمكن أن تحدث تغييرات كبيرة لدى الأفراد، فلا تعتمد قرارات الذكاء العاطفي في معظمها على القواعد، بل على التقدير الذي يجمع بين العقل والفكر (ما هي المهمة؟ ما مدى أهميتها؟ ما المطلوب الآن؟) والقلب والغريزة (بماذا يخبرني حدسي عن تأثير هذا القرار؟ وما هو شعوري تجاه العواقب طويلة الأمد على جميع المعنيين؟).
يركِّز القادة الأذكياء عاطفياً اهتمامهم على الوقت الحاضر، ويستجيبون لكل ما يحدث في أثناء حدوثه، وإنَّهم لا يشتِّتون انتباههم بالافتراضات أو التحسُّر على ما كان ينبغي لهم فعله، فكلُّ حالة مختلفة وتستحق استجابة فريدة من نوعها، وإنَّ القيام بذلك يبني المرونة والقدرة على التكيُّف والثبات، وبطبيعة الحال، توجد مبادئ موحَّدة للإدارة والممارسات الجيِّدة، فلا يمكننا استخدام معايير مزدوجة في الطريقة التي نعامل بها الموظفين، لكنَّ موقف كل شخص يتطلب استجابة فريدة وشخصية، فيعرف الناس الفرق بين القائد المهتم والقائد الذي يطبِّق القواعد بحذافيرها، فالقائد الحقيقي لا يُنشِد الكمال، لكنَّه شخص يدرك أنَّه من الممكن توسيع ثقافة الفرد كل يوم، والقائد الذي يدَّعي سعة المعرفة ويرفض التنازل أو التفاوض، من غير المرجَّح أن ينسجم مع الآخرين على الأمد الطويل.
8. تقبَّل الاعتماد المتبادل:
يُدرك القادة الأذكياء عاطفياً تماماً مدى أهمية الآخرين لعافيتهم الشخصية والمهنية ولا يخشون الاعتراف بذلك، فالقيادة الذكية عاطفياً ليست قيادة منفردة، ولا ينبغي الخلط بين الاعتماد المتبادل والتبعية العاطفية، فهي تقدير حقيقي لما يجب على الآخرين تقديمه والقيام به، فالدافع القوي للولاء والوعي هو الشعور بالتقدير.
عندما يُبلي الموظفون الذين يعملون لدينا بلاءً حسناً، يصبح عملنا أسهل، وواحدةٌ من أكبر المشكلات في أماكن الرعاية الصحية المؤسسية اليوم، هي أنَّ عبء العمل يفوق عدد الأشخاص المؤهلين للقيام به، فيشعر عدد من الموظفين والممرِّضات على وجه الخصوص بأنَّهم مثقلون بالأعباء والإرهاق، ويفهم القادة الأذكياء عاطفياً أنَّ الاعتراف والتقدير الصادق يخفِّفان من المواقف العصيبة، وينطبق هذا تحديداً على الخدمات الصحية؛ لأنَّها تجذب الأشخاص الذين يريدون خدمة الآخرين، ويعوِّض التواصل الإنساني التوتر ويُلهم الناس لتقديم أفضل أداء، فتواصَل مع موظفيك بطريقة تتيح لهم معرفة أنَّك تدرك وتقدِّر ما يفعلونه، وتواصَل معهم وأصغِ إليهم، فيمكنك التقرُّب منهم دون فقدان السلطة أو الاحترام، وتُخلِّص نفسك من التوتر في الوقت نفسه.
9. ثِق بحكمة جسدك:
امنَح روحك القوة من خلال تحلِّي جسدك وحدسك بالحكمة، فالذكاء العاطفي ناتج عن العلاقة الروحية بين جسدك ومعتقداتك والعمل الذي تكرِّس نفسك للقيام به، فالروحانية ليست عقيدة، إنَّها تجربة ويجب أن تكون أقوالنا (نوايانا ومعتقداتنا وعقائدنا) وأفعالنا (الإجراءات والسلوكات) متَّسقة، وعندما لا يكون الأمر كذلك، وعندما تتعارض مهمَّة القائد مع ما يمارسه، فإنَّ أولئك الذين يتطلَّعون إلى القادة يصبحون في حيرة من أمرهم، ويؤدي هذا المستوى المنخفض من الوعي إلى انخفاض مستوى الروحانية.
10. امزِج بين الغريزة والفكر:
يمكن تعلُّم جميع المهارات المذكورة آنفاً، وبمجرَّد تعلُّمها، ستؤدي إلى حالة صحية من الكفاءة المركزة والثابتة التي تسمح للقادة بالحفاظ على مناصب قيادية مدة طويلة من الزمن، فالذكاء العاطفي هو مزيج من الغريزة والفكر، ولقد ولدنا بمشاعر وغرائز تتطوَّر جنباً إلى جنب مع الذكاء، وإنَّ الصدمات التي لم تُعالَج تحدُّ من قدرتنا على التواصل مع غرائزنا وتحدُّ من قدرتنا على التفكير العقلاني.
تؤدي التنشئة الثقافية التي تضع العقل والجسد في مواجهة بعضهما بعضاً إلى إعاقة الذكاء العاطفي، ولكن نظراً لأنَّ الذكاء العاطفي هو نتاج التعلُّم والموارد الغريزية التي لا نفقدها أبداً، فمن الممكن تعزيزها دائماً، ومع ذلك، فالذكاء العاطفي ليس صفة فكرية يمكننا الحصول عليها من الكتب أو الاختبار، وأولئك الذين يعلمون ذلك يعملون بتأنٍّ، ويتنفَّسون بعمق أكبر، ويركِّزون على أجسادهم، ويحدِّدون الغرائز الأساسية، ويعالجون صدماتهم بشجاعة؛ بهذه الطريقة، نستخدم الذكاء العاطفي لتوفير حياة مجزية وذات معنى للآخرين ولأنفسنا.
أضف تعليقاً