قد تقلب المنزل رأساً على عقبٍ بحثاً عن مفاتيح السيارة قبل دقيقتين فقط من مغادرة المنزل، أو تحاول جاهداً تذكُّرَ اسم بطل الفيلم الذي شاهدته مع صديقك، لكن دون جدوى، أو قد تنسى الملابس في الغسالة طوال الليل، وأمورٌ أخرى كثيرةٌ تُعدُّ هفواتٍ طبيعيةً واعتياديةً ولا تثير القلق.
ولكنَّه من الممكن أن يكون مؤشِّراً أكثر خطورةً عند كبار السن، وخصوصاً إذا تجاوز درجةً معينةً وأصبح أمراً متكرِّراً، عندها يجب التحقُّق من وجود مشكلةٍ في الذاكرة تستدعي القلق، وتتطلَّب مراجعةً طبيَّةً مختصَّة.
وفيما يلي نستعرض بعض الأسباب لأمراضٍ عديدةٍ تؤثِّر في الذاكرة، وتؤدِّي إلى النسيان.
10 أسباب للنسيان:
يحدث النسيان لأسبابٍ متنوعةٍ ومختلفة، وقد يكون في بعض الحالات بسيطاً، ويعود لأسباب مثل: التشتت أو ضعف التركيز؛ وفي حالاتٍ أخرى يكون إشارةً على أنَّ شيئاً ما أكثر خطورةً يحدث بالتأكيد.
1. الخَرَف:
إنَّ الخرف أو التدهور العقلي مرضٌ يصيب الدماغ، وينتج عنه اضطرابٌ في القدرات الإدراكية مثل: تشوش الذاكرة، وعدم القدرة على التفكير السليم؛ لذلك يفقد كثيرٌ من الذين يعانون الخرف قدرتهم على الاهتمام بأنفسهم، ويصبحون بحاجةٍ إلى رعايةٍ تمريضيةٍ كاملة. المربك حول هذه الحالة هو أنَّها غير محددةٍ أو واضحة، إذ أنَّ العديد من أنواع الاضطرابات والتشويش قد تفسِّر هذه الحالة وتعبِّر عنها.
إنَّ مرض الزهايمر هو من أكثر أنواع الخرف شيوعاً، ويظهر لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً، وهو يحدث نتيجة مزيجٍ من العوامل الوراثية والعوامل التي تتعلَّق بنمط الحياة والبيئة المحيطة.
وبما أنَّه يشكِّل تهديداً وانحداراً مستمراً في القدرات الإدراكية المرتبطة بالتفكير والسلوك والذاكرة، ويؤثِّر بشدةٍ في عمل وحياة الشخص المصاب ونمط حياته الاجتماعي، وعلى ضوء الطابع التدريجي للتدهور في مرض الزهايمر؛ فمن المتبع تقسيم المرض إلى مراحل عدة:
- المرحلة الأولى (البدائية): وهي المرحلة المبكِّرة، وفيها يشعر المريض بضعفٍ بسيطٍ في الذاكرة؛ ولكنَّه لا يزال باستطاعته الاستمرار بممارسة عمله وحياته الطبيعية.
- ومع تقدُّمه إلى المرحلة المتوسطة، فغالباً ما يصبح مزاجياً أو انطوائياً، ويواجه صعوبةً في تذكُّر تفاصيل الحياة اليومية؛ وإنَّ إحدى السمات المميَّزة لهذه المرحلة: أنَّ المريض قد يطلب العودة إلى المنزل حتَّى وهو يجلس في غرفة المعيشة الخاصة به، وعندها أيضاً ستجده يفقد السيطرة على التحكُّم بوظائف المثانة والأمعاء، وقد يهيم على وجوهه ربَّما بحثاً عن المناطق التي يشعر فيها بالأُلفة.
- أمَّا في المرحلة الأخيرة، فتستمرُّ قدرة الوظيفة العقلية بالتراجع، ولا يتمكَّنون من التعرُّف على وجوه أحبَّائهم أو حتَّى تذكُّر أسمائهم، ويفقد معظمهم القدرة على التواصل، ويكرِّرون القصص المفضلة لديهم، أو يختلقون قصصاً لسدّ الثغرات في الذاكرة، ويصبحون بحاجةٍ إلى المساعدة الشخصية مع الرعاية على مدار الـ 24 ساعة.
وللأسف، يمكن أن يعيش الشخص مع هذه الحالة الرهيبة، والتي تسلبه ذاكرته لمدةٍ تصل إلى 20 عاماً، ولا يوجد علاجٌ ناجعٌ لهذا المرض، ولكنَّ بعض الأدوية والعلاجات قد أظهرت نتائج واعدةً في إبطاء المرض.
2. انخفاض مستوى الوظائف المعرفية:
لا يوجد سببٌ وحيدٌ للانخفاض المعرفي، فلقد جرى الربط بين العديد من الاعتلالات الصحية المختلفة وعوامل نمط الحياة كأسبابٍ له، بما في ذلك داء السكري، والذي يعدُّ أحد أكثر الأمراض شيوعاً. عندما يكون الشخص مصاباً بداء السكري، تزداد نسبة السكر عن الحدِّ الطبيعي؛ وتؤدِّي إلى عدم وضوحٍ في الرؤية، والصداع، وتدهور الإدراك.
ويأتي سوء التغذية إلى جانب هذه العوامل من المسبِّبات لهذه المشكلة، خاصَّةً عند نقص الأوميجا 3 في الجسم؛ ممَّا يؤدِّي إلى ضعف تغذية الدماغ، وبالتالي ضعف الذاكرة.
3. الاكتئاب:
يبدو أنَّ الاكتئاب هو النجم الساطع للعديد من المشاكل النفسية والصحية والعقلية، فعندما تشعر بالاكتئاب، سيصعب عليك التركيز على أيِّ شيءٍ أو التعامل مع العالم بشكلٍ طبيعي. ويعدُّ الاكتئاب أحد المشاكل التي تثير الاهتمام، والمتعلِّقة بالصحة النفسية المرتبطة بالصحة العقلية، ويمكن أن يحدث نتيجة حالاتٍ مختلفةٍ قد تكون بسبب ظروفٍ معينةٍ يمرُّ بها الأشخاص، أو بسبب اختلال التوازن الكيميائي في الدماغ. عندما يعاني الشخص من الاكتئاب، قد يواجه صعوبةً في النهوض من الفراش في الصباح، وقد لا يكون تركيزه وملاحظته كما كانا في السابق، ويواجهون أيضاً صعوبةً في الحياة عمّا عهدوه من قبل. ولحسن الحظ، هناك العديد من خيارات العلاج المتاحة.
لا ينبغي الخلط بين الاكتئاب والإحساس بالأسى والحزن. إذا كنت تشعر بالحزن أو اليأس لأكثر من أسبوعين، فأنت بحاجةٍ إلى رؤية مستشارٍ أو طبيبٍ بخصوص هذه المشكلة.
4. الأدوية الموصوفة:
كونَ العلاجات الدوائية قانونيةً وموصوفةً من قبل طبيب لا يعني أنَّها لن تُؤذِي جسدك أو تُضعِف ذاكرتك، فجميع الأدوية لها آثارٌ جانبية، في حين أنَّ معظمها جيد التحمُّل بشكلٍ عام، يمكن أن يأتي بعضها مع بعض التحذيرات الهامَّة. إذا كنت تتناول أدويةً مثل تلك التي تؤثِّر في ضغط الدم أو في مستويات المواد الكيميائية في الدماغ، فقد يكون لها تأثيرٌ جانبيٌّ للضعف الإدراكي.
إنَّ انخفاض الوظيفة المعرفية والإدراكية والنسيان قد يتلاشون تماماً عندما تتوقَّف عن استخدام الدواء. هناك الكثير من الأعشاب والعلاجات الطبيعية التي يمكن أن تعالج مشاكلك، ومن دون تلك الآثار الجانبية الخطيرة.
5. قلَّة عدد ساعات النوم:
يحتاج جسمك إلى كميةٍ محددةٍ من الراحة من أجل مواصلة القيام بالأعمال، وإذا لم تحصل على سبع ساعاتٍ على الأقل كلَّ ليلة، فقد يظهر على جسمك علامات الحرمان من النوم؛ وإنَّ أحد أهمِّ المؤشرات على قلَّة النوم: ضعف الذاكرة.
يمكن أن تتسبَّب العديد من الأشياء بانقطاع نومك، ويعدُّ انقطاع النفس الانسدادي النومي من أكثر المشاكل شيوعاً.
انقطاع النفس الانسدادي النومي حالةٌ سائدةٌ تصيب ملايين الأشخاص حول العالم؛ وللأسف، أكثر من 80 بالمائة من هؤلاء الأفراد لن يتلقُّوا التشخيص المناسب، إذ فقط عندما يلاحظ الشخص أنَّه لا يحصل على النوم المناسب، ويعاني من ضعفٍ في الذاكرة، ويستيقظ مع التهاب الحلق كلَّ صباح، تجده يذهب لطلب المساعدة والاستشارة الطبية.
أمَّا الأرق فهو مشكلةٌ أخرى تعود لأسبابٍ مختلفة، وبما أنَّ الأرق الحادّ منتشرٌ بشكلٍ كبير، فيجب فحصه قبل أن يتحوَّل إلى حالةٍ مزمنة.
6. نقص فيتامين B12 يسبب النسيان:
يمكن أن يسبِّب نقص "فيتامين ب 12" أثراً مدمِّراً لجسمك، حيث يمكن أن يؤدِّي عدم وجود ما يكفي من هذا الفيتامين إلى تلف الدماغ والجهاز العصبي. وفي كثيرٍ من الأحيان، يحدث خلطٌ بينه وبين مرض الزهايمر عندما يعاني الأشخاص من نقصٍ في هذا الفيتامين طوال الوقت؛ لذا يجب أن يجري اكتشافه مبكراً لتجنُّب أيِّ مشاكل دائمة.
7. الإجهاد:
تشير التقديرات إلى أنَّ أربعة إلى عشرة أشخاصٍ يقولون أنَّ مستويات التوتر لديهم مرتفعة للغاية، وفي حين أن التعامل مع الإجهاد هو جزءٌ لا مفرَّ منه من الحياة، فإنَّه قد يكون له تأثيرٌ سلبيٌّ على الجسم عندما يستمرُّ لفتراتٍ طويلة. يحتوي جسمك على آليةٍ مدمجةٍ للاستجابة للضغط، وتعرف هذه الاستجابة بـ "الكر أو الفر". عندما تشعر بالخطر، فإنَّ مستويات الكورتيزول والأدرينالين سترتفع لمواجهة هذا التحدي، ممَّا يتسبَّب بحدوث بعض المشاكل.
سيجعلك الإجهاد تقول وتفعل وتفكِّر في أشياء لم تكن تعتقد أنَّها ممكنة. شيءٌ واحدٌ مشتركٌ بين الناس الذين يشعرون بالضغط والاجهاد، وهو: أنَّهم يعانون من حالاتٍ ملحوظةٍ من النسيان، إذ أنَّ عقولهم قادرةٌ على التعامل مع القليل فقط، قبل أن "تفصل" وتنسى الأشياء التي يتذكَّرونها عادة.
8. تعدد المهام:
عندما تحاول التوفيق بين العديد من الأشياء في وقتٍ واحد، فستضع حملاً زائداً على دماغك بسرعة، لتظهر علاماتٌ مماثلةٌ لشخصٍ يعاني من الإجهاد. هناك الكثير الذي يمكنك القيام به وتذكُّره في يومٍ واحد، وقد ينسى الأشخاص المنهكون جلب أطفالهم من المدرسة، أو قد ينسون أشياء تشكِّل جزءاً من روتين حياتهم اليومية. سيعطي دماغك الأولوية لما يحتاج إلى القيام به، وأحياناً عندما تتلف المواد الكيميائية الخاصة بك بسبب القلق والتوتر، فقد تنسى بعض الأمور.
9. مشكلات الغدة الدرقية:
الغدة الدرقية عضوٌ هام، ويتحكَّم بالكثير من وظائف الجسم. يمكن لقصور الغدة الدرقية أو نشاطها المفرط أن ينتج عنه زيادةٌ أو نقصٌ في إفراز الهرمونات، ويمكن لهذا العضو التحكُّم بعضلة القلب ودرجة حرارة الجسم، وأيضاً باستقلاب الطعام.
تُطلِق الغدة الدرقية هرمونات T3 وT4، وعندما يكون هناك نقصٌ في الجسم، يُعرَف باسم: قصور الغدة الدرقية، فيمكن أن يصبح الجسم خاملاً، فيشعر هؤلاء الناس بالتثاقل ويزداد وزنهم، كما قد يواجهون مشاكل في النسيان.
لحسن الحظ، إذا كانت الغدة الدرقية تسبب مشاكل في الذاكرة، فحلّ هذه المشكلة سهل، حيث يمكن أن يؤدِّي تناول بدائل الهرمونات أو الأعشاب إلى إعادة هذه المواد الكيميائية إلى مستوىً كافٍ.
10. الحالات المرضية:
في بعض الأحيان، يحدث النسيان بسبب حالةٍ مرضيةٍ كامنةٍ لم تُشخَّص بعد، ويعدُّ التصلب المتعدد (اللويحي) من أكثر الحالات شيوعاً، والتي يمكن أن تسبِّب ضعف الذاكرة، على الرغم من أنَّه ليس الوحيد.
التصلُّب المتعدد: حالةٌ يلتهم فيها الجهاز المناعي الغطاء الواقي من الأعصاب في الجسم، مسبِّباً مشاكل في التواصل بين الجسم والدماغ؛ وفي النهاية، يمكن أن يسبِّب المرض تلفاً دائماً للأعصاب. وإحدى هذه المشاكل: فقدان الذاكرة.
يمكن أن تتسبَّب بها حالاتٌ أخرى، مثل: التصلب الجانبي الضموري (Amyotrophic Lateral Sclerosis) أو ما يعرف أحياناً بمرض لوجيرج (Lou Gehrig)، وهو اضطرابٌ في الجهاز العصبي يؤدِّي إلى مشاكل في الذاكرة. يمكن أن تتسبَّب بذلك اضطرابات الحركة الشبيهة بداء الباركنسون، وداء هنتنغتون (Huntington)، وغيرها من اضطرابات الحركة التي تؤثِّر في الدماغ وتؤدِّي إلى حدوث انقطاعاتٍ في الذاكرة واضطراب الشخصية.
أسئلة شائعة:
1. ما الفيتامين الذي يساعد على تقوية الذاكرة؟
توجد العديد من الفيتامينات التي تساعد في الحفاظ على صحة الدماغ بشكل عام بالتالي تساعد على تقوية الذاكرة، أبرزها ما يلي:
- فيتامين B12: الموجود في اللحوم والدواجن والأسماك والحليب والبيض.
- فيتامين هـ: الموجود في المكسرات والبذور والزيوت النباتية والخضار الخضراء كالبروكلي والسبانخ.
- فيتامين D3: الموجود في اللبن ومنتجاته.
2. ما هو الفيتامين المسؤول عن ضعف التركيز؟
ضعف التركيز ينتج عن العديد من الأسباب أهمها سوء النظام الغذائي ونقص الثيامين واضطرابات ونقص سكر الدم ونقص حامض الفوليك والحديد بالإضافة لنقص الفيتامينات التي تلعب دور في ضعف التركيز وأهمها فيتامين D وفيتامين B12.
3. هل نقص فيتامين د يسبب النسيان وعدم التركيز؟
نقص فيتامين د يتسبب في زيادة خطر ظهور أعراض الاكتئاب على الإنسان، ويعتبر عدم التركيز وصعوبة التذكر أبرز الأعراض، كما أثبتت دراسة بريطانية أن نقص فيتامين د عند كبار السن يتسبب في تراجع القدرة على التفكير والتركيز والتخطيط ويرتبط بظهور مرض الخرف (الزهايمر).
4. هل نقص B12 يؤثر على الذاكرة؟
نقص فيتامين B12 يتسبب بفقر الدم وضعف العضلات والشعور بالإرهاق واضطرابات المزاج بالإضافة إلى مشاكل في الأمعاء، ولكن أثبتت الدراسات بأن الأشخاص ممن يتناولون مكملات فيتامين B12 وحمض الفوليك لمدة لا تقل عن سنتين تتحسين لديهم الذاكرة الطويلة والقصيرة الأجل.
في الختام:
بغية تشخيص مرض فقدان الذاكرة، على الطبيب المعالج إجراء تقويمٍ شاملٍ من أجل نفي مسبباتٍ أخرى للنسيان، والتأكُّد من أنَّها ليست أمراضاً تنكسيَّة.
يمكن للنسيان المرافق لبعض حالات القلق والاكتئاب، أن يتحسَّن مع الوقت بواسطة الأدوية والعلاجات الطبية. ولكن، لسوء الحظ، وخلافاً لحالات فقدان الذاكرة العابرة، فإنَّ أمراضاً مثل: داء باركنسون، وداء الزهايمر؛ هي حالاتٌ تنكسيَّةٌ ستزداد سوءاً.
أضف تعليقاً