ما تأثير الموسيقى؟
لقد كشفت الدراسات الحديثة أنَّ للموسيقى تأثيرات كثيرة على المخ والانفعالات، بالإضافة إلى كونها بمثابة علاج نفسي للمرضى والأصحاء على حد سواء.
عند الاستماع إلى الموسيقى، تصبح الوظائف المرهِقة أقل مللاً، ونصبح أكثر قدرة على الإنتاج؛ كما يمكن أن تحسن الموسيقى قدرتنا على التحمل، فعلى سبيل المثال: عندما نستمع الى إيقاعاتنا المفضلة ونحن تمارس التدريبات في صالة الألعاب الرياضية، تساعدنا الموسيقى على تحمل صعوبة التمرينات دون الشعور بالملل.
تحسِّن الموسيقى الدورة الدموية، حيث إنَّها تزيد من تدفق الدم في الأوعية الدموية وتقلل من الإجهاد، فتُشعِر الناس بالاسترخاء والسعادة؛ كما لها تأثير مهدِّئ، ذلك لأنَّها تساعد على خفض معدل ضربات القلب والحد من ارتفاع ضغط الدم؛ وقد ثبت أيضاً أنَّها تساعد الجسم على إفراز الهرمونات التي تعاكس تأثير هرمونات التوتر في الجسم، وتخفِّف من الاكتئاب.
ما علاقة الموسيقى بكيمياء المخ؟
تؤثِّر الموسيقى إيجاباً في دماغ الإنسان لدرجة كبيرة، حيث تدفع مناطق التحكم في مزاج الإنسان الموجود في الدماغ إلى بدء تعديل مزاجه نحو الأفضل.
وجد باحثون في دراسة نُشِرت في 25 ديسمبر2010 ارتفاعاً في نشاط منطقة (النواة المذنبة) عندما توقع الإنسان أنَّ الجزء التالي من الموسيقى سيؤثر فيه لدرجة كبيرة، بينما تأثرت منطقة (النواة المتكئة) بالاستجابة العاطفية للموسيقى؛ ووجدوا أيضاً ارتفاع نشاط منطقة (المخطط البطني) عندما تأثر الإنسان فعلياً بتلك اللحظة التي لها أكبر تأثير في مخ الإنسان من تلك المقطوعة.
يدل ازدياد نشاط تلك المناطق من الدماغ على إفرازٍ أكبرَ لـ "الدوبامين"، وهو ناقل عصبي قوي جداً في التأثير الإيجابي على مزاج الإنسان وإسعاده.
كما أُجرِيت دراسة على مرضى خاضعين إلى عملية جراحية (استبدال مفصل)، فوُجِد أنَّ استماع المرضى الخاضعين إلى تخدر موضعي إلى الموسيقى قلَّل من الإجهاد والضغط من خلال تقليل إفراز الكورتيزول.
نخلص ممَّا سبق إلى أنَّ الاستماع إلى الموسيقى ينشِّط مركز المتعة في الدماغ، ويحفِّز مساراً معيناً في منطقة التفكير.
شاهد بالفديو: 4 مواقع وتطبيقات رائعة تساعدك على زيادة الإنتاجية
هل تزيد الموسيقى من الإنتاجية؟
كشفت تجارب علماء النفس وأطباء الأعصاب أنَّ الاستماع إلى الموسيقى يرفع الإنتاجية، ويزيد الشعور بالسعادة، ويضاعف قدرة الموظفين على الإدراك مقارنة بالموظفين الذين لا يستمعون إليها خلال العمل؛ كما ووجدت التجارب:
- أنَّ الموسيقى تساعد على إنجاز المهمات ذات الطبيعة المتكررة بصورة أسهل.
- تعمل كملاذ للهروب من الضجيج الموجود في أماكن العمل.
- تتداخل مع قدرة الدماغ على تلقي معلومات جديدة.
- يمكن أن تساعد في أثناء ممارسة التمرينات الرياضية المكثفة.
- يزيد سماع الموسيقى المألوفة من تركيز الأشخاص في أثناء إنجازهم مشروعاً ما.
- أنَّك عندما تكون في حالة مزاجية معينة، فإنَّك تأخذ مزيداً من الخيارات الفعالة، وهذا مفيد لحل المشكلات والتفكير الإبداعي.
- أنَّ الموسيقى الكلاسيكية خيار رائع من أجل المساعدة في إنجاز الأعمال؛ حيث أثبتت الدراسات أنَّ الموسيقى الكلاسيكية لا تعمل على الاسترخاء فحسب، بل يوجد 7 أشخاص من أصل 8 تؤثر فيهم الموسيقى، وتزيد من قدراتهم الإنتاجية في العمل.
وينطبق الشيء نفسه على موسيقى الطبيعة؛ فإن كنت تعتقد أنَّ موسيقى الطبيعة -كصوت الرياح أو صوت المطر- من الأشياء التي تثير الرعب في قلوب الأشخاص، فأنت لا تعرف حقيقة تأثيرها في الحالة النفسية؛ فهي تساعد على التنشيط الذهني وخفض التوتر.
عموماً، تساعدنا الموسيقى سريعة الإيقاع على زيادة نشاطنا ووعينا، في حين تساعدنا الموسيقى البطيئة على زيادة هدوئنا واسترخائنا.
متى يتعين عليك الاستماع إلى الموسيقى؟
قبل أن تضغط على زر التشغيل على تطبيق الموسيقى في هاتفك أو على موقع يوتيوب أو أي موقع آخر، فمن الهام أن تفكر فيما إذا كان الاستماع إلى الموسيقى سيساعدك على تحقيق إنتاجية أكبر، أم أنَّه سيصبح عائقاً في طريق أداء مهماتك.
سنذكر فيما يأتي بعض المهمات والمواقف المختلفة مع توضيح ما إذا كان يُفضَّل الاستماع إلى الموسيقى في أثناء القيام بها أم لا:
1. في أثناء التعلم:
تحتاج عملية التعلم إلى أن يحلل دماغك الحقائق والتعليمات ويتذكرها، وفي حال شغَّلت الموسيقى خلال عملية التعلم، سيحتاج الدماغ في هذه الحالة إلى بذل جهد مضاعف ليحلل البيانات الصوتية التي تصل إليه من الموسيقى التي تستمع إليها، إضافة إلى المعلومات الأخرى التي تتلقاها في أثناء عملية التعلم.
يعني هذا أنَّك من خلال التعلم والاستماع إلى الموسيقى في الوقت ذاته، تقوم بعدة مهمات معاً، الأمر الذي يجعل الدماغ يترجم ما يصل إليه من بيانات بطريقة خاطئة أو غير منطقية؛ لذا إن كنت بحاجة إلى أن تتعلم شيئاً جديداً في عملك، فتجنَّب تشغيل الموسيقى، أو تجنَّب على الأقل الاستماع إلى الموسيقى التي تتضمن كلمات أغاني.
2. في حالات الضجيج:
في حال كنت تعمل في بيئةٍ صاخبة، سيحاول دماغك في هذه الحالة تحليل جميع جوانب الضوضاء من حولك بصورةٍ منفصلة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة إفراز هرمون الإجهاد (الكورتيزول)، ويقلل من مستويات الدوبامين.
تؤثر هذه التغيرات في مستوى الهرمونات في أدائك، وقد تقلِّل إنتاجيتك بصورة ملحوظة؛ لذا إن وجدت نفسك في موقف مشابه، فلا تتردد في تشغيل الموسيقى المفضلة لديك؛ ذلك لأنَّها ستساعدك في حجب الأصوات المختلفة المنتشرة حولك، وتسهم في إبقائك هادئاً، ممَّا يؤدي إلى رفع مستوى التركيز لديك.
3. خلال أداء الأعمال المتكررة:
أشارت العديد من الدراسات إلى أنَّ الأشخاص الذين يستمعون إلى الموسيقى في أثناء أدائهم مَهمَّات متكررة يستغرقون وقتاً أقل في عملهم، ويرتكبون أخطاء أقل أيضاً؛ لذلك إن كنت تقوم بمَهمَّة روتينية، فبادر في الضغط على زر التشغيل لسماع مجموعة من الأغاني المفضلة لديك.
بعض النصائح عند الاستماع للموسيقى:
1. تجنَّب الأغاني:
تحتل الموسيقى الكلاسيكية المرتبة الأولى في قائمة الموسيقى التي تسهم في رفع الإنتاجية، ويعود السبب في ذلك إلى عدم وجود كلمات ينفق العقل طاقته في محاولة فهمها؛ لذا فإنَّه لمن الهام الابتعاد عن الأغاني التي تتضمن كلمات في أثناء أداء الأعمال أيَّاً كان نوعها، فقد تجد كلمات الأغنية طريقها إلى رسالة البريد الإلكتروني أو البحث الذي تعمل عليه، وهو أمر لا تريده بالتأكيد.
في حال لم تكن الموسيقى الكلاسيكية تستهويك، يمكنك الاستماع إلى عزف الجيتار، أو الموسيقى المحلية المدمجة مع أصوات الخلفية المعروفة باسم (Ambient Music).
2. جرِّب الأغاني الأجنبية:
في حال كنت تفضل الأغاني على الموسيقى الكلاسيكية، فحاول إذاً أن تستمع إلى أغانٍ بلغات أجنبية؛ ذلك لأنَّك في حال لم تستطع فهم الكلمات، فلن ينفق عقلك طاقته في التركيز عليها، ولن تؤثر في تركيزك.
3. استمع إلى ما تعرفه:
بدلاً من الاستماع إلى أغانٍ جديدة كل يوم، يُفضَّل أن تلتزم بالاستماع إلى ما هو مألوف لديك؛ إذ يكون عقلك بهذه الطريقة على درايةٍ بكلِّ كلمةٍ ونغمةٍ في الموسيقى التي تسمعها، ولن يحتاج إلى جهدٍ كبيرٍ للتركيز عليها.
4. ارفع الصوت:
قد تتخيل أنَّ تشغيل الموسيقى بصوتٍ منخفضٍ هو الأفضل في تحفيز تركيزك، غير أنَّ دراسةً أُجرِيت في جامعة "إلينوي" أظهرت أنَّ أفضل مستوى للصوت يفجر الطاقة الإبداعية هو مستوى صوت متوسط الارتفاع.
5. لا تستمع إلى الموسيقى باستمرار:
لا تستمع إلى الموسيقى كلَّ الوقت، بل أوقفها بين الحين والآخر؛ لكيلا يعتادها الدماغ وتفقد تأثيرها.
الخلاصة:
توجد مقولة عظيمة لـ "أوليفر زاكس" -البروفيسور الشهير لعلم الأعصاب في مدرسة الطب في جامعة نيويورك- في كتابه "ميوزيسوفيليا"، والتي كان يصف فيها عظمة التأثير الذي تحدثه الموسيقى في المخ، حيث قال: "ربَّما سيكون صعباً على الجراحين تمييز أدمغة الفنانين والكتَّاب أو حتى المتخصصين في الرياضيات، ولكنَّهم يستطيعون تمييز الموسيقيين المحترفين دون تردد".
لذلك، تحاول بعض الشركات الحديثة اليوم الاستفادة من هذه التأثيرات العصبية للموسيقى، وتصميم موسيقى مناسبة لتحفيز مستويات أعلى من الإنتاجية في موظفيها.
وأنت عزيزي القارئ، لا تفوِّت على نفسك هذا المفعول السحري للموسيقى، ولا تتردد في وضع سماعات الرأس وأنت تعمل؛ لكي تصل إلى أفضل مستوى أداء لديك.
أضف تعليقاً