كثير منا عالق في الماضي؛ بسبب حاجتنا إلى الشعور باليقين، واليقين هو من الحاجات البشرية الأساسية الست، وهو يتعلق بالبقاء في الأساس؛ فنحن نشعر بحاجة إلى أن نكون على يقين من قدرتنا على تجنب الألم وإيجاد بعض الراحة في حياتنا؛ لذلك يُمثل التخلي عن الماضي الدخول إلى المجهول؛ الأمر الذي يعني امتلاك الشجاعة للتخلي عمَّا هو مألوف وإن كان سلبياً، وأن تتقبل ما هو قادم وتتعلم منه.
يتعلق السبب الآخر الذي يجعل التخلي عن الماضي أمراً صعب التعلم بالطريقة التي نربط بها العاطفة بالمعلومات، فعلى سبيل المثال: إذا فعل الشريك لشريكه أمراً سبَّب له ألماً عاطفياً، فقد يعيد طرحه مراراً وتكراراً في العلاقة، إلى أن يأتي وقت يشعر فيه شريكه أنَّه من المستحيل له أن يحظى بمسامحته له؛ لأنَّه بصرف النظر عن مقدار ما يفعله لإصلاح الموقف، ويواصل معاقبته على تجاوزاته السابقة، لكن هناك سبب حقيقي يمنعه من معرفة كيفية التخلي عن الماضي.
تترك المعلومات إلى جانب المشاعر انطباعاً لا يُمحى، حيث يربط الشريك العاطفة بأيِّ شيء يؤثِّر فيه تأثيراً كبيراً خاصةً إذا كان يسبِّب له الألم أو المعاناة؛ الأمر الذي يجعل التخلي عن الماضي أكثر صعوبة بالنسبة إليه.
لكن بماذا يكلفنا كلُّ هذا؟ وكيف نستطيع أن نتخلى عن سيطرتنا على الأمور حتى نتمكن من المضي قُدماً بطريقة صحية، وأكثر سعادة؟
نستعرض فيما يأتي 9 نصائح لتجاوز الماضي، والمضي قدماً في حياتك:
1. حوِّل التخلي عن الماضي إلى "ضرورة":
الخطوة الأولى هي تحديد ما يعوقك، والتفكير في سبب للمضي قُدماً، فما الذي تتمسك به بالضبط أهي علاقة فاشلة؟ أم إهمال من صديق أو أحد أفراد العائلة لا يمكنك تجاوزه؟ وهل تحتاج إلى مسامحة شخص ما سواء مباشرة ومسامحة شخصية أم في قلبك، حتى تتمكن من التخلي عن الغضب والتنعم بحالة أكثر سلاماً؟
ما إن تحدد الأمر الذي يعوقك، اسأل نفسك: "ما هي الأسباب التي تجعلني مُلزماً أن أتجاوز هذا تجاوزاً مطلقاً؟"، وكيف ستتغير حياتك عندما تتعلم كيف تتخطى الماضي؟ وكيف سيُغير هذا الأمر مسار علاقاتك، ويُساعدك على البقاء على تواصل مع شريك حياتك؟ وكيف ستشعر في هذا الفصل الجديد من حياتك؟
يُعدُّ هذا أحد أهم أجزاء هذه العملية، لأنَّه سيساعدك على البقاء ملتزماً بالتخلي عن الماضي؛ إنَّ اكتساب إحساس واضح بالهدف هو أمر ضروري لتحديد أيِّ هدف؛ وذلك لأنَّ هدفك سيكون بمنزلة دافع عاطفي عندما يراودك شعور بالرغبة في الاستسلام، وستواجه حتماً انتكاسات وتحديات، لكن إذا كان لديك سبب قوي بما يكفي وهدف يدفعك، فستظل مُركِّزاً ومتفانياً.
2. حدِّد عاداتك العاطفية:
يُعدُّ تحديد عاداتك العاطفية أحد أكثر الأجزاء صعوبة في التخلي عن الماضي؛ وذلك لأنَّه يتطلب تأملاً عميقاً في النفس، فكيف تعيش حياتك؟ وما هي معتقداتك المُقيدة للذات؟ وأين تكمن عواطفك؟
عندما تعتاد على بعض المشاعر، وخاصة السلبية منها؛ فإنَّك لا تلاحظ كيف تؤثِّر فيك تأثيراً يومياً، فأنت لا تدرك أنَّك عالق في دوامة عاطفية سلبية؛ بل تظنُّ أنَّك تتفاعل مثل أيِّ شخص آخر في أيِّ موقف يواجهه، لكن يمكن لعاداتنا العاطفية الاستثنائية أن يكون لها تأثير عميق في الطريقة التي ننظر بها إلى الحياة، والطريقة التي نتصرف بها، ومدى براعتنا في تجاوز الماضي؛ فما الذي يجعلنا نكتفي بحياة نعزز فيها المشاعر السلبية، ونتخلص من الإيجابية منها؟
ستتمكن بتحديد عاداتك العاطفية من تحويل تجربتك لتكون أكثر إيجابية، وذلك لأنَّ عواطفك كالعضلات؛ بإمكانك تدريب نفسك على الشعور بالإحباط أو الحزن أو التوتر أو حتى الاكتئاب بعد ظهور موقف صعب، أو الشعور بالشغف والبهجة والقوة حتى عند حدوث شيء سيئ في حياتك، فعندما تتولى التحكم بمشاعرك، يمكنك تعلُّم كيفية التخلي عن الماضي بطريقة تجعلك تشعر أنَّ العبء أخف وأنَّك أكثر حرية بدلاً من أن تكون خائفاً.
عندما تجد نفسك تقع في دوامةِ عادةٍ عاطفية سلبية، توقَّف عن التفكير، وانتقل إلى المستوى الآخر على الفور، فكلَّما زاد تحكمك بنفسك، أصبحت هذه المشاعر أكثر تماسكاً، وزادت قدرتك على التكيف مع أيِّ موقف تواجهه.
3. تحكم بعقلك:
تحدث النجاحات الكبيرة في الحياة باتباع استراتيجيات للتعلُّم، وتنمية أهداف خاصة بك، والتأكُّد من أنَّك في الوضع المناسب للمُضي قدماً، وللقيام بذلك ينبغي لك التحكم بعقلك يومياً.
ستبدأ الحياة بالسير ضدك بدلاً من أن تسير لمصلحتك إذا لم تأخذ الوقت الكافي لتفحُّص عاداتك وتغييرها، وبصرف النظر عن مدى ذكائك أو حذاقتك أو إلهامك إذا لم تُراقب عقلك فأنت تسهم في إثباط قوتك، ممَّا يؤدِّي إلى خيبة أملك والخذلان، وبدلاً من التركيز على كيفية التخلي عن الماضي ستجد نفسك مشتتاً بالأفكار التي تجعلك مُنغمساً في الأنماط السلبية.
أخبِر نفسك بقصص مُشجعةٍ بدلاً من تلك التي تُقيدك، وغذِّ عقلك بالإيجابية والمعرفة الجديدة، وأحِط نفسك بالأشخاص الذين يجعلونك أفضل، واعمل على استثمار الحاضر عوضاً عن ترميم الماضي.
4. اتبع طقوساً مُشجعة:
إنَّ التخلي عن الماضي ليس أمراً سهلاً؛ لذلك ولمساعدتك على الأمر يمكنك تبنِّي طقوساً مُشجعة لتمكينك؛ لأنَّ جميع الأشخاص الأكثر نجاحاً في العالم يقومون ببناء روتين يومي يتضمن أُموراً مثل: تناول وجبة فطور صحية، والتأمل، وممارسة التمرينات الرياضية، وتعلُّم أشياء جديدة؛ فهذه الطقوس الصغيرة التي تمارسها يومياً هي التي تشعل حماستك وتؤدي بالتالي إلى تغييرٍ هائلٍ.
إنَّ إظهار الامتنان عادةٌ أُخرى يمكن أن تساعدك على عيش اللحظة بدلاً من التمسك بالماضي؛ لذا ابدأ بكتابة يومياتك مُظهراً امتنانك للأمور والأشخاص الموجودين في حياتك، أو تدرَّب عليها في أثناء التأمل الصباحي، وفكِّر في كلِّ شيء ينبغي لك أن تكون ممتناً له في حياتك الحالية.
اعلم أنَّ كلَّ ما حدث لك في الماضي هو ما جعلك الشخص الذي أنت عليه الآن، هذا الشخص القوي والصلب الذي بإمكانه التعافي من أيِّ أمر يُصيبه، فعندها سيكون من السهل التخلي عن الماضي إلى الأبد عندما تحب نفسك وحياتك.
شاهد بالفديو: 7 فوائد للامتنان تذكرك أن تشكر الله كل يوم
5. غيِّر تركيزك:
إنَّ التفكير في أنَّك تستطيع التحكم بالطريقة التي يشعر الآخرون بها ويتصرفون بواسطتها، هو سببٌ للكثير من الألم الذي يُصيبنا في الحياة، وفي الوقت الذي نعتقد فيه أنَّ ظروفنا هي نتاج قوىً غامضة، تكون قراراتنا هي المُتحكم الحقيقي بها.
لدينا القدرة على تحويل السلبيات إلى إيجابيات، والنكسات إلى فرص، والفشل إلى دروس، لكن جُلَّ ما نحتاج إلى فعله هو القبول بأنَّ الشيء الوحيد الذي نتحكم به في الحياة هو أفعالنا وقراراتنا؛ وتحويل تركيزنا بعيداً عن الأشخاص الآخرين والأحداث الخارجة عن سيطرتنا.
لا يمكنك استعادة علاقة غير صحية، لكن بإمكانك التعلم منها، ولا يمكنك العودة بالزمن إلى الوراء وإصلاح طفولة سيئة، لكن يمكنك أن تدرك أنَّ ماضيك لا يُحدِّد مُستقبلك؛ لذلك يُعدُّ كلَّ يوم فرصة للبدء من جديد؛ لذا حدِّد خياراتك بدءاً من اللحظة التي تستيقظ فيها من النوم صباحاً، وتعلَّم أنَّ كيفية التخلي عن الماضي تعني كسر النمط المُعتاد والتركيز على إنشاء الحياة التي تستحقها، وليس التركيز على الحياة التي اعتدت أن تعيشها.
6. علِّم نفسك أن تكون حاضراً في اللحظة:
ينبغي لك أيضاً تحويل تركيزك لتكون مُدركاً للوقت الحاضر، وتذكَّر أنَّ "الآن" هو الوقت الوحيد الهام؛ إذ يوجد المستقبل في خيالك فحسب كونه ليس واقعاً حقيقياً، ولا يوجد الماضي إلا في ذاكرتك؛ لذا إنَّ الأمر الوحيد الذي يُعدُّ حقيقياً هو ما يحدث الآن، وهذا ما يجعل قوة الروح البشرية وصلابتها المتجذرة في اللحظة الحالية والمتحررة من الماضي أو المستقبل، لا تُضاهى.
يمكنك أن تُعلِّم نفسك كيف تُصبحُ حاضراً، فإذا كنت تريد المزيد من البهجة والسعادة، والمزيد من الإنجاز اندمج في حياتك الحقيقية، وابتعد عن شاشة هاتفك، وتوقف عن الاستسلام لإغراءات التكنولوجيا أملاً بأن تُخرجك من الواقع، واجذب انتباهك إلى هذه اللحظة الآنية، واستفد من كلِّ ما هو جميل من حولك؛ فإنَّ أهم مفتاح لمعرفة كيفية نسيان الماضي، هو التوقف عن العيش في ذلك الزمن.
7. اعمل على التنمية الشخصية:
لا يوجد وقت أفضل للعمل على خطة نمو شخصية أكثر من الوقت الذي تريد فيه تعلُّم كيفية تجاوز الماضي؛ لذا يجب التركيز على التعلم وتحسين الذات ليس لتشتيتك عن الأفكار السلبية فحسب؛ وإنَّما لأنَّه سيساعدك على تمكينك أيضاً، وخذ وقتك لمعرفة الأمر الذي يهمك ويعنيك، فهل تريد مثلاً تطوير حياتك المهنية؟ أو أن تبني علاقة صحية تستحقها؟
ما إن تحدد الأمور التي تريد العمل عليها، وتتحقق من العقبات التي قد تواجهها، اجمع الأدوات التي تحتاج إليها للنجاح، وخُذ فكرة العمل مع مدرب في أثناء رحلة نموك الشخصية على محمل الجد في أثناء رحلتك.
8. أحِط نفسك بأشخاصٍ إيجابيين:
لا يكمن الفرق بين الأشخاص الذين يحققون أهدافهم، وأولئك الذين يُخفقون بالوقت أو المهارات؛ وإنَّما بمعرفة كيفية جذب ما يريدون، فهم يعرفون أنَّ ما تركز عليه هو ما ستحققه قريباً، وأنَّ الطاقة التي تضعها في العالم هي ما ستعود إليك، ويعلمون أنَّ الأشخاص الذين تُحيط نفسك بهم، هم من سيحددون الشخص الذي ستكون عليه.
يُعدُّ التخلي عن الماضي أكثر صعوبة إذا كنت تُحيط نفسك بأشخاص يذكِّرونك باستمرار به، فعندما تحيط نفسك بأشخاص إيجابيين ملتزمين بالنمو والتقدم، ستجد أنَّ المضي قُدماً سيصبح أسهل بكثير، وبحسب المؤلف توني روبنز (Tony Robbins): "غالباً ما تكون جودة حياة شخص ما انعكاساً مباشراً لتوقعات أقرانه".
9. أكثر من العطاء:
بينما تسعى جاهداً إلى فهم كيفية التخلي عن الماضي، قدِّم خدمة لِقضية أكبر منك، وعش من أجل عائلتك أو مجتمعك أو من أجل الإنسانية، ولأنَّ الدافع هام، ابحث عن دوافع تتجاوز بها نفسك.
بصرف النظر عن مدى شعورك بالانكسار، لديك ما تشاركه مع الآخرين، وإن كان أمراً سهلاً مثل: ابتسامة أو أُذن صاغية، فعندما تدرك في النهاية أنَّ سرَّ الحياة هو العطاء ستتحسن حياتك تحسناً كبيراً، وستكون قادراً على معرفة كيفية تجاوز الماضي.
لحياتك أهمية لك وللآخرين؛ لذا إذا تصالحت مع حقيقة أنَّك موجود ليس فقط من أجل الأخذ، وإنَّما من أجل العطاء أيضاً، فسيشعر الآخرون بأصالتك وينفتحون عليك.
يذكِّرك ردُّ الجميل بهدف وجودك؛ فالتركيز على احتياجات الآخرين هو وسيلة تجعلك قادراً على القيام بأكثر ممَّا كنت تظنُّ أنَّه ممكن. وستشعر بالفوائد على الفور، وستكون حاضراً حضوراً كاملاً في اللحظة التي تعيش بها، وستصبح أكثر إنتاجية، وتجد حلولاً إبداعية للمشكلات التي تواجهك، وستجد القوة عندما تكون مرهقاً، وستتعلم كيف تتخلى عن الماضي، وتتقدم نحو المستقبل بطريقة أكثر حبَّاً ووعياً وعاطفة.
أضف تعليقاً