1. مفهوم الرقابة الذاتية:
هناك أكثر من تعريف للرقابة الذاتية:
- هي قدرة الشخص على مراقبة نفسه وسلوكاته وأقواله، والتفكير فيها ملياً وفي ملاءمتها للمحيط من حوله، ثمَّ اختيار الأفعال الصحيحة، وتجنب الأفعال الخاطئة التي قد تكون مرفوضةً من المجتمع الذي يعيش فيه.
- هي سمة شخصية في الشخص، يحاول من خلالها مواكبة المجتمع.
- هي امتلاك الشخص مهارة عالية في تغيير سلوكه للتأثير في انطباع الآخرين عنه.
- هي استخدام الإنسان للمنطق والعقلانية في تصرفاته، والأخذ في الحسبان درجة قبول المجتمع من رفضه لها.
- هي مجموعة الأفكار والقيود التي يقيد الإنسان سلوكه بها، والتي يستمدها من الأخلاق والقوانين والعادات والتقاليد وثقافة المجتمع الذي يعيش فيه.
- هي مراقبة الإنسان لنفسه وسلوكه، والتحكم برغباته وشهواته، وسيطرة عقله على عواطفه.
- هي متابعة الشخص لسلوكاته دائماً، وتحكيم ضميره والضوابط الأخلاقية والمجتمعية فيها.
- حسب قاموس كامبريدج: هي قدرة الإنسان على ضبط أقواله وأفعاله، لكي يتجنب الإزعاج أو الإساءة للآخرين.
- حسب معجم ويبستر: هي امتناع الشخص عن إظهار فكرة أو معتقد أو وجهة نظر، لاعتقاده بأنَّها غير مقبولة لدى الآخرين.
- سُمِّيَت الرقابة الذاتية بهذا الاسم؛ وذلك لأنَّها تحكُّم ذاتي بالنفس، وليس من طرف خارجي؛ أي لا أحد يوجِّه الشخص إلى ما يقول أو يفعل.
2. نظرية "سنايدر" للرقابة الذاتية:
يعود مفهوم الرقابة الذاتية إلى السبعينيات، حين قدَّم عالم النفس "سنايدر" نظرية المراقبة الذاتية، واقترح فيها مفهوم الرقابة الذاتية، والتي تحدَّث فيها عن نوعين من الأشخاص:
- نوع لديه رقابة ذاتية عالية.
- نوع لديه رقابة ذاتية منخفضة.
وتمت دراسة الاختلافات بين النوعين، وتمَّ التوصل إلى ما يلي:
- الأشخاص الذين لديهم درجة عالية في اختبار الرقابة الذاتية، يتمتعون بسيطرة قوية على سلوكهم الخارجي، وهم على استعداد لتعديل سلوكهم بما يتطلبه الموقف؛ لذا هم أكثر قبولاً في المجتمع، وينجحون في حياتهم المهنية والاجتماعية.
- أولئك الذين لديهم مستوى منخفض من الرقابة الذاتية لا يكترثون لنظرة الناس إليهم، ويتصرفون بعفوية وبالطريقة نفسها في المواقف كلها؛ لذا هم أكثر عُرضةً للرفض ممن حولهم، ويميلون أكثر إلى القلق والغضب والاكتئاب والعدوانية؛ وذلك بسبب قلة احترام الذات، والشعور بالذنب بعد ارتكاب سلوك خاطئ، ومواجهة صعوبات في العلاقات الاجتماعية نتيجة سلوكهم غير السليم، والعديد من مواقف الرفض الاجتماعي.
مقياس سنايدر للرقابة الذاتية:
هو أداة تقرير ذاتي لتقييم درجة الرقابة الذاتية، ويتكون هذا الاختبار من 25 عنصراً، ويتم التقييم كالآتي:
- إذا كانت درجة الاختبار بين 0-8، فإنَّ الرقابة الذاتية لدى الشخص منخفضة.
- إذا كانت درجة الاختبار بين 9-12، فإنَّ الرقابة الذاتية لدى الشخص متوسطة.
- إذا كانت درجة الاختبار بين 13-25، فإنَّ الرقابة الذاتية لدى الشخص عالية.
أمثلة على هذه العناصر:
- "لست دائماً الشخص الذي أبدو عليه".
- "أضحك أكثر عندما أشاهد فيلماً كوميدياً مع أشخاص آخرين مما لو كنتُ وحيداً".
- "أنا نادراً ما أكون مُركِّز الاهتمام في المجموعات".
تُحدَّد درجة المراقبة الذاتية لدى الشخص من خلال الإجابة عن هذه الأسئلة.
شاهد بالفديو: أحاديث الرسول محمد ﷺ عن الأخلاق
3. علامات الرقابة الذاتية:
- امتلاك الإنسان معايير وقواعد يحكم بها على السلوك بالقبول أو الرفض.
- قدرة الشخص على مراقبة نفسه وسلوكاته، وتقييمها دائماً.
- القدرة على التحكم بالعواطف وإدارة الانفعالات والتحلي بالهدوء والعقلانية حتى في أصعب المواقف.
- الاتزان والتحكم بإشباع العواطف والرغبات.
- القدرة على اتخاذ القرارات السليمة.
- الاعتراف بالخطأ وتحمُّل المسؤولية وامتلاك ثقافة الاعتذار.
- الثقة بالنفس واحترام الذات وعدم قبول أيِّ تصرُّف غير لائق.
4. أنواع الرقابة الذاتية:
هناك نوعان للرقابة الذاتية:
- الرقابة الذاتية العامة (الخارجية): هي تفاعل الشخص واستجابته للمؤثرات والرقابة الخارجية وخضوعه لنظام رقابي خارجي، كالموظف الذي يخضع لنظام مراقبة من قِبل رئيسه.
- الرقابة الذاتية الخاصة (الداخلية): هي اجتماع دور الرئيس والمرؤوس في شخص واحد؛ إذ لا يوجد رقيب ولا حسيب إلا الوازع الداخلي للشخص، فهي القيود التي يفرضها الإنسان على نفسه، كالالتزام بالمعايير الأخلاقية، وتظهر الرقابة الذاتية الداخلية بوضوح عند غياب الرقابة الذاتية الخارجية.
5. ما هي أساليب تنمية الرقابة الذاتية؟
هناك مجموعة أساليب تساعد على تنمية الرقابة الذاتية عند الإنسان، مثل:
- الوازع الديني: شعور الشخص بوجود خالق يرى كل ما يفعله؛ مما يدفعه إلى تجنب المعاصي والسلوكات الخاطئة.
- حس المسؤولية: يعزز شعور الإنسان بالمسؤولية تجاه نفسه أو أهله أو عمله أو مجتمعه، من الرقابة الذاتية لديه، ويجعله ينتبه إلى سلوكاته ويتفادى الخاطئ منها.
- المصلحة العامة: ينمِّي اهتمام الشخص بالمصلحة العامة لمجتمعه وببنائه وتقدُّمه الرقابة الذاتية لديه؛ ذلك لأنَّه يسعى حينها إلى أن تصبَّ تصرفاته في المصلحة العامة، ويحاسب نفسه عند شعوره بأي تقصير أو خطأ تجاه مجتمعه.
- عدم الانجرار مع التيار: لا يوجد مجتمع مثالي بالمطلق؛ لذا مهما كانت نسبة الفساد الأخلاقي في المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان، يجب أن يبقى مصراً على عدم الانجرار مع التيار، وأنَّه في النهاية لا يصح إلا الصحيح.
6. دور الأسرة في تنمية الرقابة الذاتية:
يقع على عاتق الأسرة الدور الحقيقي في زرع الرقابة الذاتية في الإنسان منذ طفولته، ويكون ذلك من خلال:
- التربية الدينية: أن يزرع الأب والأم شعور الوازع الديني لدى الطفل، وأنَّ هناك خالقاً خلقنا بأفضل صورة، ويجب أن نرضيه ولا نجعله يغضب منا، وهو يرانا دائماً؛ لذا علينا أن نمارس الأفعال التي أمرنا بها كالصدق والأمانة، ونبتعد عما نهانا عنه كالسرقة والغش.
- القيم والأخلاق: أن يربي الأهل في الطفل القيم والأخلاق الحميدة، كتعليمه الصدق ورفض الكذب، وأن يحترم الآخرين، ويُقدِّم المساعدة للمحتاج.
- المسؤولية: أن يحرص الأهل على تعليم الطفل الشعور بالمسؤولية؛ أي هو مسؤول تجاه نفسه وأهله ومجتمعه فيما يقول أو يتصرف؛ مما يعزز الرقابة الذاتية لديه.
7. الآثار السلبية لغياب الرقابة الذاتية:
ينتج عن غياب الرقابة الذاتية آثاراً سلبية تتمثل بـ:
- يصبح الإنسان أكثر عُرضةً للانحراف والابتعاد عن الصواب.
- ضعف الإرادة أمام الإغراءات والشهوات.
- التقصير في أداء مهامه أو العمل المطلوب منه أو أدائه دون إتقان.
- انتشار العنف والشرور في المجتمع وغياب القيم والأخلاق.
8. دور المدرسة والقانون في تنمية الرقابة الذاتية:
تؤدي المدرسة دوراً مكمِّلاً لدور الأهل في تنمية الرقابة الذاتية لدى الفرد، وذلك من خلال:
- التركيز على الجانب التربوي في المراحل التعليمية كلها، وترسيخ القيم والأخلاق الحميدة.
- ممارسة النشاطات التي تعزز القيم الحميدة، كتنظيف المدرسة وزراعة الأشجار والتعاون.
- تطبيق الثواب والعقاب، بمدح وتكريم السلوكات الأخلاقية، وفرض عقوبات على السلوكات الخاطئة.
وللمجتمع دور رئيس في تعزيز الرقابة الذاتية لدى أفراده، عن طريق تطبيق القانون بفرض الغرامات والعقوبات على السلوكات المخالفة، فليس لدى كل الأفراد رقابة ذاتية، لكنَّ خوفهم من العقوبة يردعهم، ومرة تلو الأخرى يتحول هذا الرادع الإجباري إلى سلوك تلقائي وثقافة مجتمعية، وهنا يمكن ذكر الدول الغربية كمثال؛ حيث يتساءل الكثيرون: "هل يتمتع كل أفراد المجتمع الغربي بالرقابة الذاتية من تلقاء أنفسهم؟".
الإجابة هي: لا، فالرقابة الذاتية ليست خصلةً متجذرة لدى الشعوب الغربية بأكملها، إنَّما هي في بداية الأمر كانت نتيجةً لفرض القانون والعقوبات، ثمَّ تحولت شيئاً فشيئاً إلى ثقافة مجتمعية ونمط حياة؛ إذ اعتاد الأفراد على سبيل المثال عدم رمي الأوساخ في الشارع، أو احترام إشارة المرور الحمراء لو كان الطريق فارغاً.
9. أهمية الرقابة الذاتية:
تأتي أهمية الرقابة الذاتية من خلال:
- تجعل الرقابة الذاتية الشخص يغوص داخل أفكاره، ويُقيِّم نفسه وموافقه ودوافعه.
- تساعد الشخص على تقييم مسار حياته، وتحديد أهدافه، ومعرفة إذا كان راضياً عن حياته أم لا.
- تمكين الشخص من مراجعة شخصية لحياته كل فترة، ليعيد ترتيبها وتغييرها بالشكل الذي يرضيه.
- وصول الشخص إلى الصفاء الذهني، والشعور بالرضا عن الذات، والتخلص من تأنيب الضمير.
- اكتشاف أماكن الخلل في حياته وتغييرها نحو الأفضل.
- تجعل الرقابة الذاتية صاحبها شخصاً طموحاً، خطواته مدروسة، وأغلب الأشخاص الذين لديهم رقابة ذاتية عالية يصبحون مديرين بسهولة.
- يمتلك الشخص المتمتع برقابة ذاتية مهارة حل النزاعات، كونه قادراً على استيعاب جميع الأطراف دون التورط.
10. بعض النصائح حول الرقابة الذاتية:
- لا تبالغ في تقييد نفسك وفرض المحظورات عليها.
- لا تبالغ في محاسبة نفسك، فالكل معرَّض للخطأ.
- لا تتجاهل مشاعرك وشغفك.
- لا مانع من بعض المغامرة في الحياة، فلا تُكبِّل نفسك بالممنوع والمسموح طوال الوقت.
في الختام، الرقابة الذاتية شيفرة ارتقاء الفرد أولاً والمجتمع ثانياً:
تُعَدُّ الرقابة الذاتية أمراً في غاية الأهمية على مستوى الفرد والمجتمع معاً، فالفرد عندما يراقب نفسه بنفسه، ويمنعها من السلوكات الخاطئة، ويستشعر المسؤولية، ويفكر في مصلحة مجتمعه، سيُفضي ذلك إلى ارتقائه هو أولاً، وإلى ارتقاء مجتمعه ثانياً.
أضف تعليقاً