إنَّ قضية الأمن الغذائي قضية هامة جداً وتزداد أهميتها في ظل الظروف السياسية التي تمر بها البلاد وبتزايد عدد السكان المستمر؛ لذلك لا بدَّ من تسليط الضوء على هذه القضية لنتعرَّف إلى أهميتها وإلى الطرائق التي تساعد على تحقيق الأمن الغذائي والمعوقات التي تواجه تحقيقه.
مفهوم الأمن الغذائي:
يُعرَّف الأمن الغذائي على أنَّه إمكانية حصول كافة الناس وفي كل وقت على الغذاء الذي يحتاجون إليه وبكميات كافية؛ كي تكون صحتهم بخير ويكونوا قادرين على القيام بنشاطاتهم بشكل طبيعي؛ أي توفِّر الفرص المادية والاقتصادية والاجتماعية للحصول على غذاء كافٍ في جميع الأوقات.
ينشطر الأمن الغذائي إلى مستويين وهما: مستوى مطلق ومستوى نسبي، ويمكن التمييز بينهما؛ إذ إنَّ الأمن الغذائي المطلق يعني إنتاج الغذاء ضمن الدولة الواحدة بشكل يغطي الطلب المحلي أو قد يفوقه في بعض الأحيان؛ لذلك فإنَّ المستوى المطلق يرادف الاكتفاء الذاتي الكامل، فيمكن تسميته بالأمن الغذائي الذاتي.
أمَّا المستوى النسبي، فإنَّه يعني قدرة دولة محددة أو مجموعة من الدول مع بعضها بعضاً على توفير المواد الغذائية والسلع التي يحتاج إليها الشعب بشكل كامل أو جزئي؛ إذ يوجد ضمان للحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية الأساسية للشعب، ويشمل أيضاً توفير المواد اللازمة من أجل الحصول على المنتجات الغذائية والسلع الضرورية؛ وذلك من خلال منتجات إحدى دول المجموعة، فمن الممكن أن تتمتع إحدى الدول بميزة نسبية عن الدول الأخرى.
يمكن القول باختصار إنَّ الأمن الغذائي ينبغي أن يؤسَّس على ثلاث ركائز أساسية وهي:
- وفرة جميع السلع الغذائية.
- وجود السلع والمنتجات الغذائية في الأسواق بشكل دائم.
- أسعار السلع الغذائية المناسبة وجعلها مناسبة لمختلف المواطنين.
أبعاد مفهوم الأمن الغذائي:
توجد عدة أبعاد تتعلق بمفهوم الأمن الغذائي ومن أبرز هذه الأبعاد ما يأتي:
1. البُعد الأخلاقي:
يتعلق هذا البعد بحالة الإنسان سواء الحالية أم حالته المستقبلية؛ وذلك لأنَّ الغذاء أمر أساسي وضروري لبقاء الإنسان على قيد الحياة وبصحة جيدة، وهذا يعني أنَّ أي ضرر يلحق بالأمن الغذائي يصل إلى حالة الإنسان الحالية ويؤثر في مستقبله أيضاً، ولهذا البعد أهداف وهي كما يأتي:
- العدالة وتعني أنَّ الإنسان من حقه أن يحصل على احتياجاته الغذائية كافة وفي الوقت الذي يريده بصرف النظر عن دينه، أو الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها، أو غيرها من الأمور التي لا يجب أن تشكِّل فارقاً بين البشر.
- الابتعاد عن التبعية الغذائية؛ وذلك لأنَّها السبب في ظهور التبعية السياسية، وتعني التبعية الغذائية اعتماد الدول المتخلفة على الدول المتقدمة أو دول الاستعمار في الحصول على احتياجاتها الغذائية، مقابل أن تسيطر الدولة التي تمدها باحتياجاتها على مواردها.
- أن يتم التعريف بمفهوم الاستهلاك الوطني؛ وذلك بهدف حماية المواطن من الاستغلال.
- منع الظواهر التي تهدد الأمن الغذائي في الدولة مثل المضاربة أو الغش أو الاحتكار، والتي تظهر بكثرة في حال عدم وجود رقابة كافية من الحكومات.
- ممارسة الرقابة المشددة على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام؛ وذلك من خلال منع انتشار الدعايات المغرضة الخاصة بالمنتجات الغذائية.
2. البُعد الاقتصادي:
إنَّ هذا البعد يساعد على تحقيق الأمن الغذائي في البلاد؛ وذلك من خلال توفُّر العديد من العناصر الأساسية؛ ومنها الموارد الطبيعية والخدمات وتطور الصناعة وتوفر المواصلات ووجود الاتصالات.
توجد للبعد الاقتصادي عدة عناصر ومن أهمها:
- الحفاظ على وجود توازن بين قدرة الإنسان على شراء الأغذية والقدرة على استهلاكها.
- وجود العمليات التي تبحث في تطور الدخل واستثماره.
- تطوير القوانين التي تتعلق بالاستيراد والتصدير؛ وذلك فيما يتعلق بالاقتصاد المحلي والدولي.
- وجود طرائق للوقاية من المشكلات التي تتعلق بالتجارة أو الزراعة والتي تساعد على مواجهة المشكلات الموجودة.
3. البُعد الاجتماعي:
إنَّ هذا البعد يتأثر في مختلف العناصر الاجتماعية الموجودة في الدولة، ومن أبرز العناصر الاجتماعية ما يأتي:
- التحكم بتزايد عدد السكان.
- معرفة مدى تطور السكان؛ وذلك من خلال قياس مقدار الراحة النفسية التي يتمتعون بها والتي تتمثل في العديد من النواحي سواء الغذائية أم الصحية أم الترفيهية.
- وجود توازن في الأسرة من خلال تحقيق التكافؤ بين الزوجين؛ لأنَّ ذلك يضمن حياة جيدة للأبناء.
- وجود الحراك الجماعي في المجتمع؛ والذي يتمثل في حركة الهجرة سواء الداخلية أم الخارجية.
4. البُعد السياسي:
يتضمن هذا البعد الدور الذي تقوم به الدولة؛ وهو الإشراف على السياسات التي تتعلق بالأمن الغذائي، بالإضافة إلى تنظيم العلاقة بين العديد من القطاعات الاجتماعية والاقتصادية.
أهمية تحقيق الأمن الغذائي:
كل ما ذكرناه آنفاً جعل قضية الأمن الغذائي ضمن أولويات الأمن الاستراتيجي للدول، فلا يمكن أن تستمر الشعوب في الحياة دون الغذاء، كما أنَّ الأمن الغذائي المستقبلي بخطر إن لم يُسعَ إلى تحقيقه؛ وذلك لأنَّ الوطن العربي بأكمله حتى المناطق الأكثر ثراءً فيه يتزايد اعتمادها على الأسواق الأجنبية في تلبية الاحتياجات الغذائية مع تزايد السكان وتزايد الاحتياجات الغذائية.
معوقات تحقيق الأمن الغذائي:
توجد العديد من النقاط التي تمنع تحقيق الأمن الغذائي ونذكر منها ما يأتي:
- قلة عدد الأشخاص الذين يعملون في مجال الزراعة وتربية الحيوانات كمهنة أساسية لهم.
- تعرُّض الأراضي الزراعية لمشكلات تسببت في تدهور الزراعة مثل انجراف التربة والتصحر والجفاف، وهذا يعني عدم الاستغلال الجيد للأراضي القابلة للزراعة في العالم.
- سوء استغلال المياه وافتقار الدول إلى مصادر المياه، وفي نفس الوقت ازدياد الحاجة إليه بازدياد عدد السكان.
- التزايد الكبير في عدد السكان والمترافق مع ظهور العديد من المشكلات مثل عدم المساواة بين المستويات الاجتماعية والاقتصادية في نفس البلد، وهجرة اليد العاملة من الريف إلى المدينة بحثاً عن العمل، بالإضافة إلى تغيير عادات الإنسان الغذائية كاتِّجاهه نحو الأطعمة الجاهزة.
- التغييرات المناخية المستمرة التي تسببت في آثار سلبية على البيئة، مثل قلة هطول الأمطار وزيادة الجفاف بالإضافة إلى انتشار الآفات الحشرية التي وجدت الجو الملائم لها، وكل ذلك أدى إلى سوء نمو المحاصيل الزراعية وانخفاض الإنتاجية.
- الحروب والصراعات والأزمات التي أدَّت إلى انتشار الجوع وحدوث مجاعات كما حدث في الصومال مثلاً.
شاهد: 7 نصائح لتغذية صحية سليمة
طرائق تحقيق الأمن الغذائي:
توجد العديد من النقاط التي يجب تطبيقها ليُحقَّق الأمن الغذائي وليتم التغلُّب على المعوقات المذكورة آنفاً ومنها ما يأتي:
1. سد الفجوة الإنتاجية:
لا بدَّ من سد الفجوة الموجودة بين ما يُنتَج وبين ما يمكن أن يُنتَج؛ وذلك لأنَّ الدراسات تؤكد أنَّ الأراضي الزراعية في كثير من أنحاء العالم تنتج أقل بنسبة 50% من قدرتها على الإنتاج؛ أي لا تُستَغَل بالشكل الأمثل، فإن استُغِلَّت استغلالاً صحيحاً، فسوف يزداد عدد الأشخاص الذين يمكن إطعامهم بشكل أفضل وبنسبة عالية لا يُستهان بها، ويتم ذلك من خلال استصلاح الأراضي غير المزروعة.
إذ إنَّ الأراضي المزروعة في الوطن العربي هي فقط 65 مليون أرض من أصل 1,4 مليار هكتار، بالإضافة إلى تشجيع الشباب على العمل في مجال الزراعة كمهنة لهم من خلال الحرص على تقديم كافة التسهيلات التي تحفِّزهم على العمل، فعدم وجود التسهيلات جعلَ الشباب يتركون الريف والعمل الزراعي ويتجهون إلى المدن.
2. استخدام الأسمدة بشكل أفضل:
نحن نعلم أنَّ استخدام الأسمدة كبير جداً في مختلف أنحاء العالم، لكن لا يجب استخدام الأسمدة بشكل عشوائي؛ وإنَّما يجب الاستناد إلى المبادئ الأساسية لإدارة استخدام الأسمدة، ومن ذلك المصدر المناسب للأسمدة والنسب الصحيحة بحسب حاجة التربة والنبات ووقت إضافتها ومكان الإضافة أيضاً، بالإضافة إلى مراعاة كيفية تطبيقها على المحاصيل؛ وذلك لأنَّ كل العوامل التي ذكرناها تؤثر في نمو النباتات وفي الإنتاجية، ومن ثم استخدام السماد بشكل أكفأ يساهم في تحسين الإنتاجية بشكل ملحوظ.
3. رفع كفاءة استخدام المياه:
إنَّ حصة الفرد السنوية من المياه في انخفاض مستمر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وذلك نتيجة ندرة المياه، والتي تتسبب بها العديد من العوامل مثل تغيير المناخ وسوء استخدام المياه، ومن ثم لا بدَّ من تحسين كفاءة استخدام المياه وإدارة الموارد المائية في قطاع الزراعة.
بالإضافة إلى تحسين أنظمة الري القديمة واتِّباع الأنظمة الحديثة التي تهدف إلى توفير استخدام المياه، والاهتمام بأنواع المحاصيل المزروعة والعمل على تحسين أنواع المحاصيل التي تتحمل الجفاف، كما أنَّه من الضروري تطوير نظم بيئية تكون أكثر مرونة في مواجهة التغيرات الحاصلة في المناخ.
4. التنوع في المحاصيل الغذائية:
لكي نحل مشكلات سوء التغذية المنتشرة لا بدَّ من السعي إلى تحقيق التوازن الغذائي من خلال زراعة أصناف جديدة من المحاصيل وعدم الاستمرار في زراعة نفس المحاصيل؛ لأنَّ ذلك أيضاً يسيء إلى التربة مع مرور الزمن لأنَّه يفقدها عناصرها الأساسية.
ففي الماضي رُكِّز في زراعة محاصيل أساسية مثل القمح والذرة فقط، لكن لتحقيق توازن غذائي وللتغلب على المجاعات لا بدَّ من زراعة مختلف أنواع الخضار والفاكهة والبقوليات.
5. التقليل من هدر الغذاء:
يحدث هدر للطعام والمنتجات الغذائية باستمرار نتيجة ظروف النقل أو التخزين السيئة، أو الاستهلاك غير المدروس وغيرها من الأسباب التي جعلت ثلث إنتاج الغذاء في أنحاء العالم مهدوراً؛ وذلك بحسب ما قدَّرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في نفس الوقت الذي يوجد فيه حوالي 800 مليون شخص يعاني من الجوع.
لذلك حتى يُطعَم الأشخاص الذين يُعانون من انعدام الأمن الغذائي يجب أن تُتَّخَذ الإجراءات التي تهدف إلى تقليل الخسائر التي تحدث في إنتاج المحاصيل الزراعية، بالإضافة إلى الحرص على توفير الظروف المثلى عند نقل الغذاء وتخزينه، والعمل على نشر الوعي المتعلق باستهلاك الطعام لتقليل نفايات الطعام الناتجة من الموزعين والمستهلكين أيضاً.
في الختام:
من خلال ما ذكرنا آنفاً نلاحظ أنَّه في إمكان كل شخص منا المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي، فلا يمكن لدولةٍ أن تحققه ما لم يبدأ كل فرد باتِّباع طرائق تحقيقه من تلقاء نفسه، حتى إن لم يكُن في مقدوره الزراعة أو تربية الحيوانات؛ وذلك لأنَّ كل شخص منا في إمكانه المساهمة في عملية تقليل هدر الطعام وفي إرشاد استهلاك المياه؛ والذي يُعَدُّ جزءاً هاماً من غذائه أيضاً، فلا يمكن استبداله بمشروب آخر ولا يمكن أن تنجح الزراعة بدونه.
أضف تعليقاً