مفاهيم خاطئة عن الشغف والنجاح

أفكار شائعة عن الشغف والنجاح تحجب الحقيقة وتجعلنا مغيبين عن جوهر هاتين الكلمتين القويتين، أساطير متجذرة في ثقافتنا، خرافات متداولة ومجموعة من الافتراضات التي تجعلنا محاصَرين بأفكار خاطئة وتعطينا رؤية ضبابية عن معنى الشغف والنجاح، هذه الأفكار الخاطئة والتصوُّر الضبابي للشغف والنجاح، قد يكون مصدر تقييد لإمكاناتنا.

يهدف هذا المقال إلى تحديد تلك المفاهيم الخاطئة التي أصبحت جزءاً من تركيبة تفكيرنا اليومي الروتيني، وإظهار الحقائق الخفية التي تقودنا نحو التفكير بعقلانية في مسار حياتنا ومعايير نجاحنا فيها.

مفاهيم خاطئة عن الشغف والنجاح:

1. الشغف يأتي بشكل فوري دون جهد:

الشغف ليس حالة فجائية تأتي دون سبب أو جهد، على النقيض من ذلك، يتطلب الشغف وقتاً وجهداً للتطوير والنمو، فيحتاج الشخص إلى خوض كثير من التجارب والأعمال والتعلم من الفشل لاكتشاف ما يثير شغفه، وهذا يتطلب تفكيراً وتقييماً مستمرَّين.

على سبيل المثال، قصة الفنان العظيم "فينسنت فان جوخ"، في بداياته، لم يكن جوخ مهتماً بالرسم، وكان يعمل في مجالات مختلفة دون أن يجد شغفاً حقيقياً، لكن بعد فترة من التجارب والاكتشاف الذاتي، بدأ في الاهتمام بالفن والرسم، فعلى الرغم من أنَّ "جوخ" كان موهوباً، إلا أنَّ الشغف الحقيقي لم يظهر بشكل فوري، بل استغرق لحظات من الجهد والتفكير والتجارب المستمرة حتى اكتشف شغفه العميق في الفن.

2. يقتصر النجاح على الثروة المالية فقط:

أن يُقيَّم مقدار النجاح بما يمكن أن تجنيه من الثروة المالية فقط هو اعتقاد مغلوط، فيأتي النجاح بأشكال متعددة وليس فقط من خلال الثروة المالية، فقد يكون النجاح في الإنجازات الشخصية، والتأثير الإيجابي في الآخرين، والتطور الشخصي، والسعادة والرضى الداخلي، والإسهام في المجتمع.

3. الشغف محرِّك النجاح الأول:

الشغف هام وقوي ودافع للإنجازات، لكنَّه ليس العامل الأول لتحقيق النجاح، فغالباً ما يكون الخوف هو المحرك الأول للنجاح، ويستجيب الإنسان للضغوطات والتحديات بشكل أفضل عندما يكون في مواقف صعبة أو يشعر بالخوف، وقد يحفزه هذا الخوف على العمل بجدية لتحقيق النجاح.

4. النجاح يجعل من حياتك أفضل:

النجاح ليس ضماناً لحياة أفضل، فهو لا يحل جميع المشكلات أو يجلب السعادة أو الراحة النفسية الدائمة، فقد تستمر التحديات والصعوبات حتى بعد تحقيق النجاح، على سبيل المثال إذا كانت الثقافة السيئة في مكان العمل تسبب لك الضغط والتوتر، فحتى لو كنت ناجحاً مهنياً، فإنَّ هذا النجاح لن يحل تلك المشكلة البيئية المحيطة بك.

5. التركيز على جانب واحد من حياتك هو سر النجاح:

"التركيز الكامل على جانب واحد من جوانب حياتك هو سر النجاح"، أمر خاطئ جداً، ففي الحقيقة، يأتي النجاح الحقيقي من التوازن والتنوع في مختلف جوانب الحياة، ومن ذلك العمل، والعلاقات الاجتماعية، والصحة البدنية والعقلية، والتطوير الشخصي، فالتركيز الكامل على جانب واحد من الحياة يمكن أن يؤدي إلى إهمال الجوانب الأخرى، وهذا يؤثر سلباً في التوازن والسعادة الشاملة.

6. السعي وراء الشغف بلا تقييم أخلاقي:

إنَّ التحقق من مدى توافق الشغف مع القيم الأخلاقية والمبادئ السائدة في المجتمع هو أمر هام جداً، فالسعي وراء الشغف دون تقييم أخلاقي قد يؤدي إلى انحراف الشخص عن قيمه ومبادئه الأساسية، وهذا قد يؤدي في النهاية إلى تحقيق أهداف على حساب القيم والأخلاق، فلا يجوز أن يقوم الفرد بأفعال غير أخلاقية أو يتجاوز حدود الأخلاق في سبيل تحقيق هذا الشغف.

7. الشخص الناجح لا يشعر بالملل أو الإرهاق:

إنَّ الشعور بالملل والإرهاق قد يؤثر في الجميع بصرف النظر عن مستوى نجاحهم، فالنجاح غالباً ما يُظهر للعيان الجوانب الإيجابية فقط، ويُنسى أنَّ النجاح يأتي مع مجموعة من التحديات والضغوطات.

قد يواجه الأشخاص الناجحون فترات من الملل أو الإرهاق نتيجة للضغط الكبير الذي يمكن أن يواجهوه في مجالات عملهم، فقد تكون لديهم أعباء كبيرة أو مسؤوليات تجعلهم يشعرون بالإرهاق والضغط، وهذا أمر طبيعي بالنسبة إلى الجميع.

8. الشخص الناجح ملتزم دائماً:

سبب خطأ هذا المفهوم هو الانطباع الخاطئ الذي ينشأ لدينا عندما نرى الأشخاص الناجحين يُصوَّرُون دائماً بأنَّهم ملتزمون ومثاليون في تحقيق أهدافهم، دون إظهار الصعوبات التي يمرون بها أو الأوقات التي يخطئون فيها، الشخص الناجح ليس ملتزماً دائماً، بل يمكن أن يمر بأوقات من عدم الالتزام لأسباب مختلفة.

9. الشخص الناجح لا يمكن أن يواجه الفشل في مسيرته:

هذا مفهوم خاطئ تماماً، الفشل جزء لا يتجزأ من مسار النجاح، ويواجه الأشخاص الناجحون الفشل، ولكنَّ الفارق هو كيف يتعاملون معه، فيتميز الناجحون بقدرتهم على التعامل مع الفشل واستخدامه بوصفه فرصة للتعلم والتحسن، ويستفيدون من الدروس التي يتعلمونها ويستخدمونها بوصفها فرصاً للتطور، ويساعدهم ذلك على التقدم نحو النجاح.

10. الشخص الناجح يعيش حياة متوازنة بين العمل والحياة الشخصية:

الحياة المتوازنة ليست قاعدة ثابتة للجميع، فقد يمر الأشخاص الناجحون بأوقات من عدم التوازن نتيجة الارتباط بمشاريع كبيرة أو أهداف ضخمة، والهدف هنا هو العثور على التوازن الذي يعمل بشكل أفضل بالنسبة إليهم في الظروف المعينة.

11. الشغف لا يحتاج إلى تطوير:

يحتاج الشغف دائماً إلى تطوير ونمو، وبمجرد العثور على الشغف، يجب على الشخص العمل على تطويره وتحسينه بشكل مستمر، فيتغير الشغف مع الزمن، وقد يحتاج إلى توجيه وتعديل ليتناسب مع التغيرات الشخصية والمهنية؛ وذلك من خلال التعلم المستمر وتوسيع مهاراته والعمل الدؤوب.

شاهد بالفيديو: كيف تكتشف شغفك وتصل اليه؟

12. الشخص الناجح يتمتع دائماً بالرضى والسعادة:

النجاح ليس ضامناً للرضى الدائم أو السعادة المستمرة، فيمكن للأشخاص الناجحين أن يواجهوا تحديات نفسية وعواقب غير متوقعة للنجاح مثل: اضطرابات عاطفية أو ضغوطات جديدة نتيجة التضارب بين الحياة المهنية والحياة الشخصية.

13. للنجاح تحتاج فقط إلى امتلاك الموهبة:

الموهبة بداية جيدة، لكنَّ النجاح يتطلب عادةً عملاً جاداً وتدريباً مستمراً، فيعزز العمل الدؤوب والمثابرة الموهبة، ويساعد على تطويرها، كما أنَّ النجاح يحتاج إلى اكتساب الخبرة والتعلم وزيادة المعرفة عن المجال الذي يعملون به، إضافة إلى التفاني والإرادة للتغلب على العقبات والثبات في وجه التحديات.

على سبيل المثال "ليونيل ميسي" أحد أعظم لاعبي كرة القدم في التاريخ، أظهر موهبة طبيعية للعب كرة القدم منذ سن مبكرة، لكنَّه لم يعتمد فقط على الموهبة، بل عمل بجدٍّ واجتهد بشكل كبير في تطوير مهاراته، وتدرَّب يومياً لتحسين مهاراته بالكرة.

14. الشغف دائم ومتجدد وليس له تاريخ انتهاء صلاحية:

قد يتغير الشغف أو يتطور مع تغير الظروف الشخصية أو الحياتية للفرد، والحقيقة الأساسية هنا، هي أنَّ اهتماماتنا وأولوياتنا قد تتغير مع مرور الوقت، ولا يعني ذلك بالضرورة أنَّنا نفقد الشغف، ولكن قد يتغير تركيزه أو يتطور ليشمل مجالات جديدة.

15.غياب الشغف يعني غياب النجاح:

على الرغم من أنَّ الشغف يمكن أن يكون دافعاً قوياً للعمل والتطور، إلا أنَّ غيابه لا يعني بالضرورة الفشل، فتساهم عدة عوامل في النجاح مثل العمل الجاد، والإرادة، والمرونة، والإدارة الجيدة للوقت، واكتساب المهارات الضرورية.

16. الشخص الناجح يجيد كل شيء في مجاله:

النجاح لا يعني بالضرورة الاحترافية، فقد تكون لدى الشخص الناجح خبرة ومهارات مميزة في مجال معين، ولكنَّ ذلك لا يعني أنَّه يجيد كل جانب من هذا المجال، فقد يكون لديه نجاح كبير في مجال معين مثل الإدارة أو التسويق أو الابتكار، ومع ذلك، قد تكون لديه نقاط ضعف في جوانب أخرى من هذا المجال.

السبب الأساسي لخطأ هذا المفهوم هو أنَّ الناس يركزون على النجاحات الكبيرة والإنجازات الملحوظة للشخص الناجح، وهذا يجعلهم يعتقدون أنَّه يجيد كل شيء في مجاله، لكنَّ الحقيقة هي أنَّ الشخص الناجح عادةً ما يعمل بجدٍّ على تطوير مهارات محددة وتحقيق النجاح في مجالات معينة دون أن يكون خبيراً في كل جانب من هذا المجال.

17. النجاح يعني التضحية بالحياة الشخصية:

لا يعني النجاح بالضرورة التضحية بالحياة الشخصية، فالنجاح هو مفهوم شامل ويمكن تحقيقه بشكل متوازن مع الحياة الشخصية، والنجاح ليس فقط في المجال المهني، بل يمكن أن يشمل النجاح في العلاقات الشخصية، والصحة، والرضى الذاتي، والتوازن العام في الحياة.

18. محرِّك النجاح هو المال:

المال هو عامل هام في الحياة، ويعد جزءاً من مكونات النجاح، ولكنَّه ليس المحرك الوحيد أو العامل الوحيد المؤثر في تعريف النجاح، فثمة عدة أشياء يمكن أن تكون السبب وراء البحث عن النجاح، مثل الرضى الشخصي، والنمو الشخصي، وتحقيق الأهداف، والسعادة، والإسهام في المجتمع وغيرها.

19. الشغف يأتي في مقدمة الأولويات:

غالبا ما تكون تلبية الاحتياجات الأساسية أولوية للفرد عند اختياره لعمله أو مسار حياته وليس الشغف، فتعد تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الحصول على الطعام والمأوى والرعاية الصحية وتلبية احتياجات الأسرة والحفاظ على الاستقرار المالي أساسيةً لضمان الراحة النفسية والأمان، فعندما يكون الفرد في موقف يحتاج فيه إلى تلبية هذه الاحتياجات الأساسية، قد يكون الشغف أمراً ثانوياً.

20. تعويض النجاح، نسيان ما فقدته في الطريق إليه:

لا يمكن للنجاح بالضرورة محو أو تعويض كل شيء مفقود أو تضحيات تمت خلال الرحلة، ربما تُتجاهَل الصعاب التي واجهتها أو التضحيات التي واجهتها في السعي إلى تحقيق النجاح، لكن لا يمكن للشخص نسيان كل ما فقده أو اضطر إلى التضحية به، فقد يكون النجاح هنا تعويضاً جزئياً أو جزءاً من قصة طويلة، لكنَّه غير قادر على إزالة الألم الذي ربما شعر به الفرد في إحدى المراحل.

21. النجاح المبكر يمنحك ميزة التقاعد المبكر والاستمتاع ببقية حياتك:

الافتراض السائد بأنَّ النجاح في سن مبكر سيمكِّن الشخص من التقاعد المبكر والاستمتاع بالحياة بدرجة أكبر في وقت لاحق، غير صحيح، الحقيقة أكثر تعقيداً من ذلك، فلا يعني النجاح المبكر بالضرورة الاستقرار المالي الذي يؤدي إلى التقاعد المبكر، فلا يعتمد التقاعد المبكر والاستمتاع بالحياة فقط على النجاح المهني، بل يعتمدان على العديد من العوامل مثل الاستقرار المالي الشخصي، والاستثمارات الذكية، وتخطيط المستقبل المالي، وسياق الاقتصاد العام.

في الختام:

عادة ما يقال: إنَّ "الشغف والنجاح" هما لغة الإلهام والطموح، والقوتان الدافعتان للحياة والملهمان الرئيسان في تقدم الفرد نحو تحقيق أهدافه، لكن غالباً ما نتعرض لمجموعة من المفاهيم الخاطئة عن الشغف والنجاح، التي تقودنا للإفراط في التركيز على جوانب محددة من حياتنا، وتحجب عنا النظر للأمور الأساسية، إنَّها تقيد إمكاناتنا وتجعلنا نغفل عن الدروب والتجارب التي قد تكون مصدر ثراء حقيقياً في حياتنا، ويفتح التخلص من الافتراضات الخاطئة عن الشغف والنجاح الأفق لتحقيق أفضل واقع لنا.