الانبهار بالغرب وتجاهل الكفاءات الوطنية:
يقول الكاتب زياد ريس في كتاب "تجربتي لحياة أفضل" يوجد مَثَل شَعْبي مُتَدَاول "مزمار الحي لا يُطْرِب"؛ يُذَكِّرني هذا المَثَل بحادثة قديمة في نهاية التسعينيَّات من القرن الماضي حصلت معي؛ حيث تمَّ إنشاء مصنع لصناعة الكريستال ليُزود السُّوق المحلِّي والمنطقة وبجودة عاليَّة، وكان إنشاء المصنع بمعرفة أحد أبناء عائلة "عصفور"، وهي العائلة المشهورة في عالم الكريستال في الوطن العربي.
لكن بعد الانتهاء من الإنشاء، ومع تعثُّر انطلاقته؛ تمَّ إنهاء العلاقة التعاقديَّة بينه وبين الشَّركة، وغلب الحديث في تلك الفترة عن التَّنَغُّم بالخبرات الأجنبيَّة وفعلاً تمَّ إحضار مدير للمصنع من بريطانيا على أنَّه خبير زمانه في التَّسويق والكريستال والإنتاج، وطبعاً بمرتب مرتفع يليق به وبمُتطلَّبات السَّفر المتقطِّع لبلده، وما إلى ذلك.
حينها تمَّ تكليفي - بالإضافة إلى عملي الذي أقوم به في الشَّركة التي أعمل بها - بمُتابَعة إدارة تسويق مُنتَجات المصنع، وبحكم المَهمَّة التي أُوكلت إليَّ كنتُ مُلزماً بالاحتكاك والتَّعامل مع هذا المدير البريطاني الجديد، أزرق العينين، طويل القامة، بلكنة ولهجة الإنجليز الأصليين، وبالمظهر الأنيق مع ربطة العنق مُحْكَمَة الدِّقَّة.
لكن تبيَّن لي أنَّه بَعيد عن المحاكمة المنطقيَّة للأمور، ومنعزل عن الواقع، إضافةً إلى حماقة في التَّصرُّفات التَّشغيليَّة وبمصاريف خارجة عن الكونترول، وفي إحدى الاجتماعات لمجلس إدارة المصنع جرى نقاش حادٌّ بيني وبينه على طاولة الاجتماع؛ حيث كانت مليئة بمُنْتَجات المصنع من كاسات الكريستال الفخمة، وإذ به يضرب بحديثه على وَتَر حسَّاس ومستفز عندي، لا أذكر تفصيله الآن.
لكنَّ الذي أذكره وقتَها وأنا بعنفوان شبابي وضَعْف خبرتي وقلة استيعابي للآخرين حينها أنَّني انفعلتُ بشدة، وأمسكتُ بالكاسات التي أمامي، وبتوتُّر وعصبيَّة شديدة، ضربتُ بها الطاولة المصنوعة من الرخام، وبدأ يتطاير فُتات الكريستال على جميع الحاضرين بحضور العضو المُنتَدب لمجلس الإدارة إلى أن ارتميت جانباً من شدَّة الانفعال، وكان هذا هو آخر يوم عمل لي في تلك المهمة التي أوكلت لي بهذا المصنع، ولكنْ في اليوم التَّالي بعدَها وبلقاء مع العضو المنتدب بمجلس الإدارة قلتُ له:
"هذا المدير البريطاني لن ينفعكم، وسوف تتكبَّدون بسببه خسارة قد تصل إلى نصف مليون ريال لتكتشفوا أنَّه لا يصلح، وحينها سوف تنهون خدماته".
طبعاً كان الجواب باستنكار ما أقول.
شاهد بالفديو: أنواع الذكاء ومجالات استخدامه
وفعلاً مرت الأشهر الستة بعدها، وعلمت أنَّه تمَّ إنهاء خدماته بعد تدهور الأمور بشكلٍ شديد بالمصنع، إضافةً إلى حديثٍ تمَّ تداوله عن نزاهته أيضاً، ولكن بتكلفة قاربت مليون ريال، وحينها، وفي لقائي التالي مع العضو المنتدب من جديد قدمتُ اعتذاري له، وقلت: أنا آسف على تقييمي السابق لكم بإنهاء خدمات مدير مصنع الكريستال بنصف مليون، بينما وصلت التكلفة لأكثر من 900,000 ريال.
عوامل اختيار عناصر القيادة الإدارية:
نعم! الحقيقة هناك نماذج وأشخاص كثيرون في عالم الأعمال يُظْهِرُون ما لا يُخْفون من حقيقتهم، ومنهم من يتقن ذلك، وخصوصاً عندما يملكون الذكاء والمظهر واللُّغَة والكاريزما، ولكنَّه يفتقد المعرفة والحكمة وبُعد النظر والجديَّة وحس المسؤوليَّة، فضلاً عن الأمانة والشَّفافيَّة.
لذلك عند اختيار الإدارة لأحد العناصر القياديَّة من الأهميَّة مراعاة ما يأتي:
- تاريخ هؤلاء ونجاحاتهم في مسيرتهم المهنيَّة السَّابقة.
- التَّحقُّق من معرفة القُدُرَات المهنيَّة التَّخصُّصيَّة البَحْتة.
- التَّحقُّق من توفُّر المهارات الشَّخصيَّة من الذَّكاء والحكمة والنزاهة، بالإضافة إلى الصفات القياديَّة.
علينا أن نُدْرك أنَّ هؤلاء الأشخاص موجودون بيننا، وفي كلِّ البلدان، ولكنْ علينا الأخذ بالأسباب في التَّحرِّي والبحث في اختيارهم، ويبقى ذلك تحت رعاية وتوفيق من الله تعالى.
أضف تعليقاً