صبر قليل لنجاح كبير

لا تَستسلمْ أبداً:

من واقع تجربته العملية يقول الكاتب زياد ريِّس مؤلف كتاب "تجربتي لحياة أفضل": بأنَّه على مدار العام الأخير كانت تُوجَدُ مطبَّات واختناقات كبيرة مررنا بها في العمل، وفي الحقيقة تُوجَدُ محلات كثيرة أَوشكَت على الاستسلام وبانتظار طلقة الرَّحمة، لكنْ ما توقَّفتُ عن المحاولة، ومن حيث لا أدري تمشي الأمور، وتكون هناك استجابة ما، هنا أو هناك ممَّا هو خارج المُتوقَّع تماماً، لكنْ يتمُّ بطريقة ما، أو تظهر معطيات جديدة تُغيِّر الموازين من جديد، ويكتب الله لنا الانتعاش مجدداً، ولو بشكل محدود.

هنا أودُّ أن أَذكُرَ قصة قديمة حصلَت معي أَرويها دوماً لمن حولي، ولها مدلول بموضوع الإصرار والمحاولة والصبر.

منذُ عشرين سنة تقريباً كنَّا نشتري بعض أنواع الفواكه المُعلَّبة من مصنع في إسبانيا تحت علامة تجارية خاصَّة بنا، وكان يُوجَدُ تاجر أو مُصَنِّع آخر اسمه "جون" من نفس البلد أيضاً لنفس المنتجات، ويتعامل مع بعض تجار المنطقة هنا، ويأتي بزيارة كل عام لهم ويحرص على زيارتي ويعرض ما لديه في كل مرة، ويُحاول ويُرغِّب في التَّعامُل معه.

في الزيارة للعام الثالث، التفتَ إليَّ وقال لي:

أريد أن أقول لك شيئاً؟

أنا دوماً ألتقي بك في المعارض الخارجيَّة في ألمانيا وفرنسا ودبي، وأعرض عليك كل ما لديَّ، وأحاول معك لإقناعك بالتَّعامُل معنا، وكذلك كل عام أَحضر إلى بلدكم، وأحرص على زيارتك، لكنْ أنتَ لم تشترِ من عندي، لكنْ مع ذلك اعلَمْ أنَّني سوف أبقى حريصاً على زيارتك كل عام واعلَمْ بأنَّك بالزيارة رقم 10 سوف تشتري من عندنا، وسوف نبدأ التَّعامُل التجاري معاً.

الحقيقة والذي حصلَ أنَّه بعد أَشهُر قليلة من هذه الزيارة بدأنا نتعامل معه، وبقي هذا درساً لي في أهمية الإصرار والصبر والإيمان بضرورة المحاولة، والذي أودُّ أن أقوله هنا: إنَّ الاستمرار في المحاولة هو الأصل في النَّجاح، وهو من السنَن الكونيَّة لاستمرار الحياة؛ حيث إنَّ عدد الثمار على الأشجار لا يُمثِّلُ إلَّا الجزء اليسير من الأزهار، وسمك السلمون الذي ينجح في اجتياز الشَّلال هو العدد اليسير من الإجمالي، والبيض الذي يكمل ليكون سمكاً هو القلَّة القليلة من ملايين البويضات، وهكذا سنَن الكون.

لذا علينا أن نترك اليأس والاستسلام، ونبقى في السَّعي والاستمرار في الزَّرع، وسوف ينبت يوماً ما.

شاهد بالفيديو: 7 قواعد ذهبية تمهد طريق النجاح

دَرْسٌ من الماضي مع جورج:

منذ أكثر من 25 عاماً كنَّا نحرص على أن نشترك في المعارض الدوليَّة "فرنسا، ألمانيا، دبي"، ونأخذ موقعاً لعرض مُنتَجات تابعة إلى الشركة التي أعمل بها "في مجال الأغذية"، وتحمل العلامة التجاريَّة العائدة إليها، ونتكلَّف عناء التَّحضير للستاند "جناح أو الموقع المُخصَّص" ومصاريف السَّفر ومصاريف أخرى مُتعدِّدة... إلخ.

كانت تمرُّ على الستاند أعداد كبيرة من التجَّار والأشخاص من مختلف أنحاء العالم، ويتمُّ تبادل المعلومات والبطاقات، لكنْ في النتيجة وبعد التَّواصل الإلكتروني معهم لفترة؛ لم يكُنْ هناك تبادل تجاري حقيقي معهم إلَّا ما ندر.

بقيَت هذه الحالة عدَّة سنوات على نفس المنوال، ورغم التحرِّي والحرص على ألَّا يكون سبب عدم التَّبادل التجاري يعود إلى نوع البضائع أو الصنف أو الجودة أو السعر؛ ففي أحد المعارض كانت لي فرصة أن أجلس مع رئيس الصناعيين اللبنانيين لديه ماركة واسم تجاري هام منتشر في العالَم، وكان اسمه "جورج"، وذكرتُ له وسألتُهُ عمَّا يحدُثُ معنا، فقال لي التالي: "يجب أن تأخذ في حسبانك أنَّه من أصل 100 تاجر يأتون وتتفاوض وتتواصل معهم، إذا حصل تبادل تجاري مع 1 أو 2، فهذا يكون ممتازاً بالنسبةِ إليك"، وكأنَّ نسبة 2% موجودة في كثير من قضايا حياتنا!

من جهة أخرى كنتُ أذهب بين الحين والآخر إلى القاهرة، وفي كثير من الأوقات أكون برفقة مدير المجموعة التي نعمل معها؛ حيثُ يُوجَدُ لديهم مصنعان هناك لصناعة الملابس، ومن المعروف أنَّهما لسنواتٍ يُحقِّقا خسائر، وسألتُهُ في إحدى الرحلات: لماذا الإبقاء عليهما كل هذه المدة وهما يُحقِّقا خسائر مستمرة؟ فقال: إنَّ هذه المصانع تحتوي على 2500 موظف وموظفة، ووراء كل واحد منهم في المتوسط أربعة أفراد بالعائلة، يعني يعيش منهم 10,000 شخص. يكفي أنَّ إجمالي نتائج المجموعة إيجابي، ونطمح إلى أن يصلح وضعها وتعود لنا بالربح.

هكذا بقيَت الأمور لسنواتٍ إلى أن انطلقَت هذه المصانع، وأصبحَت سبعة مصانع بدلاً من اثنين ويُشَار لها بالبنان.

أخيراً:

يبدو أنَّه من سنَن الحياة أن تكون احتمالات الفوز والنَّجاح والوصول إلى الهدف قليلة جداً، والذي يرفع نسبة تحقُّقها عوامل كثيرة؛ منها تكرار المحاولة والصبر والعزيمة والإصرار.