الآن يمكن لأيِّ إنسانٍ أن يحصَلَ على المعلومات والمعارف من مصادرَ مُتعَدِّدةٍ بواسطة الإنترنت ويُمكِنه التَّعلُّم في جامعاتٍ عالَميةٍ دون الحاجة إلى السفر إليها، كما يمكن القيام بعددٍ من المهام التي نحتاج إلى القيام بها يومياً دون إضاعة الوقت في إنجازها، مثل سداد الفواتير ودفع المصروفات وتحديد المواقع وشراء الملابس أو الطعام أو حجز سيارة مثلاً.
كما يمكننا طلب مساعدة فوراً عند التَّعرُّض لحادثٍ ما، سواء طلب الشرطة أم الإسعاف أم الإطفاء، وفضلاً عن ذلك فإنَّ الهاتفَ المحمولَ يساعدنا على التَّواصل مع الأصدقاء والأهل في كلِّ وقتٍ والاطمئنان عليهم دائماً، ولكنَّ الاستخدامَ الكثيرَ للهاتف المحمول، أدَّى إلى رغبةِ الأطفالِ باستخدامه أيضاً، فأصبحنا نرى الأطفالَ تستخدمُ هواتفَ محمولة خاصة بهم، سواء للدراسة أم اللعب.
عندما يُلاحِظ الأهلُ الآثار السلبية التي يتسبَّبُ بها الهاتفُ المحمولُ لطفلهم، يجدون صعوبةً كبيرةً في منع الطفل من استخدامه؛ لذلك قبل أنْ تشتري لطفلك الهاتف المحمول عليك أن تسأل: "متى نسمح للطفل باستخدام الهاتف المحمول؟".
يوضِّح مقالنا اليوم الآثار السلبية لاستخدام الأطفال للهواتف المحمولة، ويخبرك بالوقت المناسب للسماح لطفلك باستخدام الهاتف المحمول، فتابع القراءة.
الآثار السلبية لتعريض الطفل للهاتف المحمول في وقتٍ مُبكِّرٍ جداً:
قبل أن تعطي هاتفاً محمولاً لطفلك تَعرَّف إلى أبرز الأثار السلبية لاستخدامه في عمر مبكر:
1. يؤثِّر في نموِّ دماغ الطفل سلباً:
قضاءُ كثيرٍ من الوقت في استخدام الهاتف المحمول يؤدِّي إلى تغيير نموِّ الدماغ، فيتسبَّب في ترقُّق القشرة قبل الأوان، ومن ثم يؤدِّي إلى تراجع مهارات الطفل المعرفية، فنلاحظ على الطفل قِلَّةَ التركيز وتراجُعِ القدرة على الفهم والحفظ إضافة إلى مشكلات واضحة في تطوُّر اللغة.
2. إعاقة تنمية المهارات الاجتماعية:
يلاحَظ أنَّ الأطفال ممَّن يقضون ساعات طويلة في استخدام تطبيقات الهاتف المحمول هم أكثر تفاعلاً مع الهاتف من التفاعل مع البشر، وبمرور الوقت يتراجَع التفاعل شيئاً فشيئاً نتيجة ضعف المهارات الاجتماعية، فلا يتحكَّم الطفلُ في انفعالاته أو الاندفاعات، وتتراجع قدرته على التفكير النقدي وحلِّ المشكلات.
3. يُعرِّف الطفل إلى عالم الويب المُظلم:
لأنَّ الهواتفَ الذكيةَ لا تُقيِّد الوصول إلى الإنترنت؛ قد ينتهي استخدام الطفل للهاتف المحمول دون مراقبةٍ دائمةٍ من الأهل إلى مشاهدته لمحتوى غير مناسب لعمره، مثل مشاهد العُري والمشاهد الإباحية أو مشاهد العنف وتلك المشاهد تترك أثراً نفسياً سيئاً جدَّاً ويُلاحق الطفل لوقت طويل مستقبلاً، وقد يُدرِك الطفلُ ما يَنقُصُه فيؤثِّر ذلك في نفسيته تأثيراً واضحاً، أو قد يتعرَّض للتنمُّر تعرُّضاً مؤلماً عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
4. زيادة احتمال الإصابة بالسمنة:
وَجدَت بعض الدراسات علاقةً بين استخدام الهاتف المحمول بكثرة والسُّمنة لدى الأطفال؛ ربَّما لأنَّ الطفلَ يتناول الطعام بشراهةٍ ودون الإحساس بالكمية في أثناء اللعب على تطبيقات الهاتف المحمول، أو لأنَّ مشاهدةَ المحتوى المُتعلِّق بالطعام تزيد شراهةَ الطفلِ لتناول السكريات المُصنَّعة.
5. حدوث مشكلات جسدية:
يَنتج عن استخدام الهاتف المحمول بكثرة مشكلات في النظر والرقبة، إضافة إلى أوجاعٍ في العضلات ومفاصلِ اليد والأصابع أيضاً، فبُنية الطفل لا تتحمَّلُ الإجهاد الناتج عن مشاهدة واستخدام الهاتف المحمول.
تأثير استخدام الهاتف المحمول في الفئات العمرية المختلفة:
لتحديد العمر المناسب لاستخدام الطفل للهاتف المحمول عليك أن تَعرفَ تأثيرَ الهاتف في كل مرحلة، وهو كما يأتي:
1. العمر من 4 إلى 6 سنوات:
هذه المدَّة المناسبة لتعليم الطفل التفاعل مع المحيط، وكيفيَّة التحدث والقراءة واللعب مع الأقران والتعاطف معهم، ويَحرِم استخدام الأجهزة الإلكترونية سواء الموبايل أم التلفاز الطفلَ من فرصة التفاعل مع الآخرين، وبحسب الجمعية الكَنَدية لطبِّ الأطفالِ، يجب منع الطفل من مشاهدة الشاشات قبل سِنِّ السنتين، وثمَّ يُسمَح بساعةٍ واحدةٍ يومياً فقط من سِنِّ السنتين إلى سن الخمس سنوات.
2. العمر من 7 إلى 11 سنة:
يستمتع في هذه المدَّة الطفلُ عندما يستقِلُّ عن والدَيه قليلاً، وخاصةً في المدرسة ومشاركة الأقران النَّشاطات المُسلِّية أو غيرها بعد المدرسة، ولكن في هذه المرحلة يَكبُر خطرُ وسائلِ التواصلِ الاجتماعية على الطفل، فلا يدرك معنى ما يشاهده بدقة، فيؤثِّر ذلك في مهارات التفكير النقدي لديه تأثيراً كبيراً، ويؤدي دوراً في بناء شخصية الطفل؛ مبادئه ووجهات نظره.
3. العمر من 12 إلى 14 سنة:
هي المُدَّة التي يشعر فيها معظم الأطفال بحقِّ امتلاك الهاتف المحمول، وأصبحنا نرى الأمرَ طبيعياً لدى معظم الأهل، فنسبة الأطفال بعمر 12 سنة ممَّن يَحمِلون الهاتف المحمول لا تقلُّ عن 71%، أما بعمر 14 سنة، فلا تقل عن 91%.
لكن في هذه المرحلة يرتفع خطرُ إدمانِ الهاتف الذكي سواءً في استخدام الألعاب أم وسائل التواصل الاجتماعي، وينتج ذلك عن الإفراط في التحفيز الذي يؤدِّي إلى زيادة إنتاج الأدرينالين والدوبامين.
4. العمر من 14 إلى 18 سنة:
تصبح في هذا العمر قِشرَة الفَصِّ الجبهيِّ مُكتمِلةَ النمو، ويتحكَّم الطفل بالقرارات والتعلُّم والإدراك، ولكن لكونها مدَّة المراهقة فيختلِف تأثير الهاتف المحمول في المُراهِق باختلاف شخصيته واهتماماته وكيفية استخدامه للهاتف الذكي والوقت الذي يقضيه أمام شاشته يومياً.
شاهد بالفيديو: 5 طرق لإبعاد طفلك عن جهازه الذكي
متى نسمح للطفل باستخدام الهاتف المحمول؟
لا غنى عن استخدام الهاتف المحمول للطفل وخاصة في زمننا الحالي، فيحتاج الوالدَان إلى الاطمئنان عن ابنهم عند انتهاء وقت المدرسة أو عند ذهابه في رحلةٍ مثلاً، ولا يوجد وقتٌ مثاليٌّ تماماً يُمكِن أن نسمحَ فيه للطفل أن يستخدمَ الهاتفَ المحمول، فوَجَدَ كثيرون بحسب تجاربهم مع أبنائهم أنَّ الوقتَ المناسبَ عند سن 14 عاماً، أمَّا آخرون وجدوا أنَّ السِنَّ المُناسِب هو 16 عاماً، لذلك يجب الانتباه لنقاطٍ عدَّةٍ قبل منح الطفل هاتف محمول، وللتأكُّد من صحة قرارِك في منح طفلك هاتفاً محمولاً قيِّمه بالتفكير جيداً، واطرح بعض الأسئلة على نفسك أهمها ما يأتي:
- هل توجد ثقة بينك وبين طفلك تجعله يأتي إليك عند تعرُّضِه لمشكلةٍ أو موقف ما لم يُدرِك التصرُّفَ الصحيحَ فيه ويريد معرفةَ الحقيقة منك؟
- هل يعرف طفلك كيفيَّة التعامل مع التكنولوجيا؟ وهل يفهم بكيفية التعامل مع الغُرباء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو يعرف ضوابط النشر؟
- هل يلتزم طفلك بالحدود المسموحة لوقت مشاهدة التلفاز أو اللعب بواسطة ألعاب الفيديو أو الأجهزة اللوحية؟
- هل يتحمَّل طفلُك المسؤوليةَ فلا يندفعُ ويقوم بتصرُّفاتٍ سلبيةٍ تجاه نفسه أو محيطه؟
- هل تظن أنَّ طفلك حكيماً في اتِّخاذ القرارات المناسبة في جوانب حياته المختلفة؟
- هل يريد الهاتفَ المحمولَ لملء وقت الفراغ فقط، أم أنَّه يرغب بالاستفادة من تطبيقاته في التعلُّم أيضاً؟
- هل يعاني طفلك من مشكلاتٍ مثل فرط الحركة وقِلَّة التركيز؟ لأنَّ الأطفال ممن يعانون من ذلك تصبح قابليَّتهم لإدمان الهاتف الذكي أكبر.
- كيف يتعامل طفلك مع المال؟ وهل من الممكن أن يتهوَّرَ ويُبذِر المال في شراء الألعاب وما شابه؟
- كيف يتعامل طفلك مع الأشياء باهظةِ الثمن الخاصة به؟ وهل سيعتني بالهاتف المحمول أم أنَّه سيفقده في وقت قريب؟
طرائق هامَّةٌ يجب اتباعها قبل أن تمنح الطفل هاتفاً محمولاً:
إليك بعض الطرائق التي يساعد اتباعها على الحفاظ على طفلك من خطر الهاتف المحمول:
- يجب الاتِّفاق مع الطفل على وجود أوقاتٍ تخلو من استخدام الهاتف المحمول، مثل وقت الدراسة وخاصَّةً في المدرسة ووقت تناول الطعام ووقت ممارسة الرياضة، ويجب التنويه إلى ضرورة الالتزام، وإن حَصَلَت مخالفةٌ للاتِّفاق، سيعاقَب بحرمانه من نشاطٍ أو شيءٍ يحب القيام به، ومن الضروري أن ينتبهَ الأهلُ لسلوكهم ليكونوا قُدوةً حسنةً أمام الطفل.
- الاتِّفاق على مشاركة الأهل بالأشياء والفِكَر وكل أمرٍ غريبٍ يشاهده بواسطة الإنترنت، والاتفاق على إِخبارِ الأهل بالمشكلات التي قد يَتعرَّض لها نتيجة استخدام الهاتف المحمول.
- وضع قواعد الأدب باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث يُحرَص على عدم نشر الأشياء غير اللَّائقة، وعدم قبول طلبات الصداقة من الغرباء أو إرسال طلبات صداقة لأشخاصٍ لا يعرفونهم، واحترام خصوصية أصدقائهم فلا تُشارَك صورهم أو رسائلهم مع الآخرين.
في الختام:
أصبح الهاتف المحمول ضرورةً في عصرنا الحالي ولا غنى عن استخدامه، ولكنَّ استخدامَه في سِنٍّ مُبكِّرةٍ يضرُّ بالطفل فقد يُضعِف قدراته الإدراكية ويعوقُ تنمية مهاراته الاجتماعية إضافة إلى المشكلات الصحية أيضاً.
يَختلِفُ تأثيرُ استخدامِ الهاتف المحمول باختلاف المرحلة العمرية، فكلَّما زاد نضج الطفل أصبح استخدامُه أكثر أماناً، ولكن لا يمكن تحديد وقتٍ مثاليٍّ للسماح للطفل باستخدام الهاتف المحمول، فيختلف ذلك بحسب سلوك الطفل وتحمُّلِه للمسؤولية وكيفيَّةِ تعامله مع المشكلات، وعلى الآباء تقييمُ طفلهم قبل اتِّخاذِ القرار بمنحه الهاتف المحمول.
عموماً لا يُفضَّل السماح للطفل قبل وصوله إلى عمر 14 عاماً بحسب رأي أصحاب التجربة، ولضمان الاستخدام الصحيح للهاتف المحمول من قِبَل الطفل يجب الاتِّفاق على عدَّةِ قواعد ذُكِرَت في مقالنا، أهمها قواعد الأدب في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
أضف تعليقاً