تقولُ عالمة النفس الدكتورة "ليزا سترومان" (Dr. Lisa Strohman): "يُسبِّبُ عالمُنا الحافل بالتكنولوجيا زيادة التوتر لدى الناس من الأعمار كافة، وقد ظهر على مدى السنوات العشرِ الماضية ارتفاع متزايد في عدد الأفراد الذين يعانونَ من اضطراباتِ التوتر والقلق كنتيجةٍ مباشرةٍ لاستخدامِ التكنولوجيا، والتي تؤثِّرُ بدورها في صحتنا وعافيتنا عموماً، وذلك من خلال تعطيل بعض وظائف الجسم الطبيعية، مثل: الهضم والنوم والصحة المناعية".
الضغوطات الخفية للتكنولوجيا:
نُوقِشت العديدُ من الجوانب السلبية الظاهرة للتكنولوجيا على نطاقٍ واسعٍ، ولكن من الهام ذكرُ بعض الضغوطات الخفية لها أيضاً؛ إذ يمكننا من خلال معرفة وفهم هذه الأشياء غير الظاهرة، الحدُّ من القلق الناتج عنها بشكلٍ أفضل.
1. الابتعاد عن هواتفنا الذكية:
إنَّ امتلاكَ أجهزةٍ ذكيةٍ في جيوبنا أمرٌ عظيمٌ ومذهل، ولكنَّنا أصبحنا نعتمدُ عليها لدرجة أنَّه لا يمكننا التخلي عنها أبداً؛ فعندما يُصدِر الجوال نغمة، يصبح من الصعب كبحُ رغبتنا في قراءةِ الرسالة النصية أو تلقي المكالمة، حتَّى لو كنَّا منشغلين بأمرٍ هام مثل: قيادة السيارة، أو عبور الشارع، أو قضاء وقتٍ مع شخصٍ عزيز؛ كما باتَ استخدام الهاتفِ ملجأنا عند الشعور بالمللِ أو الوحدة.
تقولُ الدكتورة سترومان (Dr. Strohman): "لقد أصبحنا معتمدين على هواتفنا لإمكانية وصولنا من خلالها إلى الإنترنت، وإلى حساباتنا المصرفية والموسيقى، وغيرها الكثير؛ لذا ارتبطت حياتنا بها، وأصبحنا نخافُ من فقدانها؛ وعادةً ما يقودُنا هذا الخوف إلى التوتر الدائم، وذلك بسبب حاجتنا المستمرة إلى البقاء على تواصل".
يُطلَقُ مصطلحُ "نوموفوبيا" (nomophobia) على الخوف من الانقطاع عن هاتفك، وتقول الدكتورة سترومان (Dr. Strohman) أنَّه يمكنُ تخفيفُ مشاعر القلق المتعلقة بهواتفنا الذكية من خلال وضعِ حدودٍ غير قابلةٍ للنقاش لأنفسنا، والتي تتضمن: عدم استخدامه في أثناء تناول الطعام، وعندما تكون في لقاء اجتماعي، وقبل النوم، وفي الحمَّام؛ وتخصيص وقتٍ محددٍ لاستخدام الهاتف أو تطبيقٍ معين.
قد يستغرقُ الأمرُ وقتاً حتى تتأقلمَ مع فكرةِ تقليلِ مُدةِ استخدامِ الهاتف الذكي، ولكن سيُشعِرك تحقيق التوازن الصحيح بقدرتِك على التحكم في نهاية المطاف.
2. قلق الرسائل النصية:
تتميزُ الطبيعةُ البشرية بميلها إلى الخوضِ في التفاصيل، وتُبرِزُ الرسائلُ النصيةُ هذه الميزةَ بشكلٍ جيدٍ فينا؛ فعلى سبيل المثال: قد يعني الردُّ القصيرُ على رسائلَ طويلة أنَّ الردَّ بارد، وأنَّ صاحبه غيرُ مبالٍ؛ كما قد تعني رؤيةُ رسالةٍ مستلمة دون الرد الفوري عليها تجاهُلها عن قصد، وسيفكرُ الطرفُ المرسِلُ بما يأتي: "هل ارتكبتُ شيئاً خاطئاً؟ هل ما زالوا يحبونني؟ هل هم متأذُّون أو مجروحون؟"؛ كما قد تُسبب العلامةُ التي تظهرُ بينما يكتبُ الآخرُ على برامج المحادثة التوتر والقلق.
في الواقع، يُمكننا كسبُ المزيد من خلال التعامُل الشخصي مع الناس مُقارنةً بالرسائلِ النصية التي تُجبرنا على الاهتمام بتفاصيلَ تضرنا أكثرَ ممَّا تنفعنا.
لاحظ متى تشعرُ بالقلق في أثناء تبادلِ الرسائل، واسأل نفسك عن سبب شعورك بذلك، وعمَّا يمكنك فعله لتقليل هذا القلق.
يكون الحلُّ في كثيرٍ من الحالات بالابتعادِ عن الهاتف وإشغال نفسك بأشياءَ تجلبُ لك السعادة، مثل: ممارسة هوايةٍ ما، أو الذهاب في نزهةٍ على الأقدام، أو قضاء الوقت مع أحبائك، أو التركيز على العمل، أو ممارسة الرياضة؛ كما يمكن لمجرَّد رؤية شخصٍ تحبه في الحياة الواقعية أو الاتصال به، أن يُخفِّف الكثير من القلق.
3. الشعور بالضغط نتيجةَ ألعابِ الفيديو:
يمكنُ أن تكون الألعاب عبر الإنترنت ممتعةً ومثيرة، ولكنَّها صُمِّمَت بطريقةٍ تجعلنا مدمنين عليها بسهولةٍ بالغة.
ربَّما نشعرُ بالتحالف مع الآخرين في فريقنا، أو لا نبتعدُ عن أجهزتنا عندما يكون من الأفضل لنا القيام بذلك، أو نقضي الكثير من وقتِ فراغنا في اللعب ونتخلَّى عن أنشطةٍ أخرى أكثرَ أهميةً مثل: التمرينات الرياضية، أو الأكل الصحي، أو الانخراط في الحياة الواقعية.
تقول الدكتورة سترومان: "تعدُّ ممارسة ألعاب الفيديو وتكريس الوقت للفوزِ فيها بمثابة عيشِ حياةٍ افتراضية ثانية بالنسبةِ إلى بعض الأشخاص، حيثُ يقضون ساعاتٍ لا تُعدُّ في القتال والتنافس والتدرب كي يُصبحوا أفضلَ في اللعبة، ويدفعهم هذا الإدمانُ إلى الاعتقادِ بأنَّ قضاءَ بعض الوقت بعيداً عن اللعبة مجرَّد هدرٍ بلا فائدة".
ربَّما لن يكون هذا مفاجئاً، ولكنَّ مفتاحَ تجنُّب مشاعر القلق الناتجة عن ألعاب الفيديو هو تقليلُ الوقت المخصص للعب.
يتعلَّقُ الأمر بوضع حدودٍ صحيةٍ والاعتراف بالسلوكات غير الصحية والتقليل منها، حيث سيؤدي تحقيق التوازن بين النشاط الصحي واللعب إلى الحدِّ من تعلقك باللعبة، وكسبِ وقتٍ إضافي تنشغلُ فيه عن ألعاب الفيديو بأمورٍ أكثر نفعاً لك.
4. النقد الذاتيّ المستمرّ ضدَّ تجارب الآخرين:
في حين تربُطنا مواقع التواصل الاجتماعي بالآخرين، إلَّا أنَّه من الهام فهمُ مدى الضرر الذي يُلحِقه تعرُّضنا المستمر إليها بصحتنا العقلية. على سبيل المثال: يمكن لتصفُّح تطبيقي إنستغرام (Instagram) وفيسبوك (Facebook)، ومشاهدة اللحظات السعيدة للآخرين، وصور السفر الجميلة، ووجبات العشاء الرائعة؛ أن يُشعرنا أحياناً بالسوء حيال المكانِ الذي نعيشُ فيه، أو تجاه حياتنا كُلِّها.
تقول الدكتورة سترومان (Dr. Strohman): "تشكل وسائل التواصل الاجتماعي مصدرَ ضغطٍ كبيرٍ هذه الأيام لأسباب متعددة، أهمُّها: تأمُّلنا المستمر لأن نكونَ جديرين بالظهورِ على إنستغرام (Instagram) مثلاً، أو مقارنة أنفسنا بالآخرين، والتي تنعكسُ سلباً علينا. إنَّ الضغط الذي نشعر به والناتج عن حاجتنا إلى نشرِ كلِّ ما نفعله ونراه ونتناوله ونشاهده أمرٌ حقيقي للغاية، وأصبح مسيطراً علينا هذه الأيام؛ وليس ذلك فحسب، وإنَّما هناك أيضاً الضغط الناتج عن مقارنة جسمنا وحياتنا وتجاربنا مع زملائنا، أو حتَّى مع الغرباء. يجعلُنا كلُّ هذا نضعُ افتراضاتٍ غير واقعية للحياة ولأنفسنا".
بعد كلِّ ما ذُكِر، علينا أن نؤكد أنَّنا لا نرى سوى جزء يسير من حياة الآخرين، مثل: أكثر الصور جمالاً، وأفضل اللحظات والجوائز، والإجازات، والذكريات، والاحتفالات السنوية.
إنَّه لمن المثير للاهتمام ما نراهُ في الآونة الاخيرة، حيثُ بدأ الناس والمشاهيرُ يميلون إلى نشرِ محتوى "أقلَّ فلترةً وأكثرَ واقعية"؛ ومع ذلك، لا يعني هذا أنَّ علينا أن نعتبر هذه "الضغوطات" واقعية، وأنَّ كُلَّ ما نراهُ حقيقي تماماً؛ فربَّما قد احترفوا التزييف ليس أكثر.
ليس الأمرُ سهلاً، ولكنَّ أحد أفضل الأشياء التي يمكنك القيام بها -كما تؤكدُ الدكتورة سترومان- هو الانفصالُ والابتعادُ عن مواقع التواصل الاجتماعي في أغلبِ الأوقات.
تقول سترومان: "انخرط في الحياة الواقعية، وعِش لحظتك، وتوقف عن الشعور بأنَّ كلَّ خطوةٍ تقومُ بها يجبُ توثيقها أو التحدُّث عنها، وتذكَّر فقط أنَّ هذه الصور لا تُظهِر كلَّ شيءٍ عن حياة الآخرين، وأنَّ هذه المنشورات تُنسَّق بعنايةٍ لِتَعْرُضَ الصور الأكثر سعادةً وإثارة، وذلك لبيع فكرة الكمال والمثالية؛ وتذكَّر أيضاً أنَّ هناك الكثيرين ممَّن يَدَّعُونَ الكمال، لكن لا أحد مثاليٌّ تماماً".
أضف تعليقاً