نحن بصفتنا بشراً، نقدِّر الوقت بشكل مبالغ فيه فقط عند بدء الامتحانات أو مواعيد تسليم المشاريع، بالرغم من توفُّر الوقت الكافي سابقاً إلا أنَّنا نصب تركيزنا على المهمة عند انتهاء الوقت، ولكن لا تقلق فجميعنا اختبرنا مشاعر الفشل يوماً ما نتيجة فقدان التحكم بزمام الأمور، وهذا ما عرَّضنا لصدمة في مرحلة ما من حياتنا.
لكن لا يجب أن يسيطر اليأس على الإنسان، بل يجب التفكير بالخطة التي تضم أهدافك ومهامك والتي يمكن الرجوع إليها باستمرار وتقييم الأهداف أو تعديلها لتشعر بمغزى حياتك، وسنقدم لك في مقالنا الحالي طريقة مثالية تسمى "الخرائط الذهنية" تساعد على تحقيق أهدافك على اختلافها.
مفهوم الخريطة الذهنية:
سماعنا للفظ خريطة يذهب بنا إلى المخططات والرسومات التي تعبر عن المناطق الجغرافية الموجودة على سطح الأرض، التي تحتوي رموز خاصة تدل على شكل التضاريس أو على المناخ السائد في كل منطقة أو على كثافة السكان فيها، وغيرها من الخرائط ذات الدلالات المختلفة، ولكن هنا يختلف الأمر، فالخريطة الذهنية هي وسيلة الإنسان التعبيرية عن وجهة نظره تجاه الأفكار، فهي تصوِِّر لنا تدفُّق الأفكار المتفرعة عن مفهوم مركزي، ويمكن أن تعد بواسطة الكمبيوتر أو بشكل يدوي، فهي مجموعة رسومات وخطوط منها العريض ومنها الرفيع ومنها المتعرج وبألوان مختلفة.
عموماً، تشبه الخريطة الذهنية الشعاع، حتى إنَّها تسمى بالأشجار الشعاعية ومخططات الرش وخرائط الأفكار وخريطة العقل وغيرها من التسميات، فتعكس الخريطة الذهنية شكل الشبكة العصبية في المخ.
تاريخ الخرائط الذهنية:
يعود انتشار مصطلح "الخرائط الذهنية" إلى المؤلف والشخصية التلفزيونية البريطاني "توني بوزان"، الذي نشره في السبعينيات ضمن مسلسل تلفزيوني اسمه "استخدم رأسك"، وأيضاً في كتبه مثل كتاب "خريطة العقل الحديثة لتفكير أكثر ذكاءً".
لقد ولد "توني بوزان" في لندن عام 1942 وتخصص في علم النفس والرياضيات واللغة الإنجليزية أيضاً، وقد تم اختيار "بوزان" ليكون ضمن قائمة أفضل 5 محاضرين على مستوى العالم، ويمتلك تاريخاً كبيراً في مجال الأعمال المتعلقة بالذاكرة، وهذا ما جعله يُعرَف باسم "أستاذ الذاكرة".
لقد عمل معداً ومقدماً لكثير من البرامج التلفزيونية، كما أنَّه ترأَّس مؤسسة العقل، وأنشأ جمعية خيرية خاصة بورم الدماغ ونادٍ اسمه "استخدم عقلك"، وألَّف كثيراً من الكتب، وحاز على لقب أعلى ذكاء إبداعي في العالم.
بالعودة إلى السابق أكثر، نلاحظ أنَّ معظم المفكرين والفلاسفة والعلماء استخدموا أنواعاً مشابهة من الرسوم البيانية والتوضيحية لوضع ملاحظاتهم وتوضيح أفكارهم، منهم "ليوناردو دافنشي" و"ألبرت أينشتاين" و"مايكل أنجلو" و"ماري كوري" و"توماس أديسون" و"مارك توين".
كيفية إنشاء الخريطة الذهنية:
يحتاج إنشاء الخريطة الذهنية إلى التدرب قليلاً، ولكن بعد وقت قليل ستصبح محترفاً في إنشائها، والنقاط الرئيسة في إنشاء الخريطة الذهنية هي ما يأتي:
- تحتاج إلى ورقة ومجموعة من الأقلام ذات الألوان المختلفة لتساعدك على تسهيل عملية ترتيب الأفكار.
- يجب أن تفكر في موضوع أساسي ترغب بناء الخريطة الذهنية من أجله، سواء كان أهدافاً عملية أم شخصية أم كان مهاماً وملاحظات لا يجب نسيانها، ويفضل أن يتم التعبير عنه بكلمتين أو عدد قليل من الكلمات تكتبها في منتصف الورقة.
- يجب تحديد الأفكار الرئيسة المتعلقة بموضوع الخريطة الذهنية، ورسم خطوط فرعية رئيسة بلون واحد متصلة جميعها بالموضوع الرئيس المركزي، ولا يُكتَب الهدف كاملاً إنَّما تُستخدَم كلمات مفتاحية معبرة عن كل فكرة، فمثلاً كتابة أهدافك يمكن تقسيمها إلى أهداف تعليمية وعملية وشخصية.
- يجب التفكير في كل فرع من الفروع الرئيسة السابقة، بحيث تتم كتابة عدة أفكار متعلقة بها، وهنا يتم استخدام لون مختلف عن اللون السابق لتمييز الفروع الرئيسة عن الثانوية، فمثلاً لكتابة الأهداف العملية يمكن كتابة اتباع دورة كمبيوتر أو دورات مهنية مختلفة.
- يمكن أيضاً التشعب من الفروع الثانوية السابقة لعدة فروع أدق، وذلك ما سيحصل غالباً لأنَّك ستتذكر كثيراً من الأفكار المتعلقة بكل فكرة، وتذكَّر أن تغيِّر الألوان كلما تشعبت لعينات أقل.
يمكنك الآن الاستغناء عن الورقة والقلم والاعتماد على الكمبيوتر أو الهاتف المحمول في إعداد الخريطة الذهنية، فتقدم بعض التطبيقات هياكل جاهزة، ويتيح بعضها إمكانية التعاون مع أشخاص آخرين في نفس الخريطة الذهنية وذلك باستخدام الإنترنت.
شاهد بالفيديو: 8 خطوات بسيطة لتعزيز قدراتك الذهنية
فوائد استخدام الخرائط الذهنية:
الخرائط الذهنية ليست وسيلة تدوين ملاحظات فحسب، فقد أجريت العديد من الدراسات التي تهدف إلى توضيح أثر استخدام الخرائط الذهنية، ومنها ما يأتي:
- دراسة في عام 2002 أجراها "بول فراند" و"إنيد هينيسي" و"فيرزانا حسين" أثبتت أنَّ استخدام الخرائط الذهنية من قبل طلاب الطب في السنتين الثانية والثالثة نتج عنه تحسن في حفظ المواد بشكل واضح بالرغم من اختلاف الأساليب المستخدمة من قبل الطلاب في تدوين الملاحظات.
- دراسة في عام 2005 أجراها "جلينيس إيدج كنغهان" أثبتت أنَّ استخدام الخرائط الذهنية من قبل طلاب علم الأحياء في المدارس الثانوية نتجت عنه استفادة أكبر بنسبة 80%.
أثبتت مختلف الدراسات المتعلقة بنتائج استخدام الخرائط الذهنية قدرتها على تحقيق الفوائد الآتية:
1. التنظيم والفاعلية ومتعة التعلم:
تساعد الخرائط الذهنية المستخدمة بأنواعها المختلفة على بناء بيئة منظمة، بحيث تبدأ المهام أو الملاحظات من نقطة مركزية ثم تتشعب لمجموعة فروع بألوان وسماكة مختلفة تتوافق مع الدماغ في طريقة حفظه للمعلومات، لأنَّ فهمها يصبح أسهل.
إضافة إلى أنَّ الخرائط الذهنية تبعدنا عن القوائم الطويلة المملة التي نسجل فيها مهامنا وملاحظاتنا وسرعان ما ننساها لعدم قراءتها مجدداً، أما الخرائط الذهنية ذات الرسم البياني الجميل والنظيف، فيسهل حفظها لتميزها، كما أنَّ الخرائط الذهنية تضيف المتعة إلى تعلمنا، فمثلاً عندما تسمع أغنية تحبها سرعان ما تجد نفسك حافظاً لها، وهنا الأمر مشابه، فعندما ترسم رسماً بيانياً يتضمن معلومات بسيطة بطريقة تحبها، ستحفظها حتماً.
2. تعزيز المهارات:
أُجرِيَت دراسة في عام 2009 على مجموعة من الطلاب تم تقسيمهم لفريقين، أحدهما استخدم الخرائط الذهنية، وذلك بعد خضوعه لدورة تعلمهم كيفية رسم الخرائط الذهنية، وطُلب من الفريقين كتابة مقال عن موضوع معين.
كانت نتيجة الاختبار أنَّ المجموعة التي خضعت للدورة قد كتبت مقالات مميزة بأفكار مترابطة ومرتبة ومنطقية وبطريقة جميلة ميزتهم عن الفريق الثاني، ونستنتج من ذلك أنَّ الخرائط الذهنية تؤدي دوراً فعالاً في تطوير مهارات الفرد وخاصة مهارات الكتابة، فتجعل أفكاره مترابطة وطريقة تفكيره نظيفة.
3. عرض مختلف التفاصيل:
عند التدوين في قوائم عادية لن تستطيع الكتابة كثيراً وذكر التفاصيل، لكن تتيح الخرائط الذهنية إمكانية الوصول إلى تفاصيل دقيقة وكثيرة، وربما تلك التفاصيل لم يخطر كثير منها في بالك، فعندما تبدأ بالفكرة الرئيسة ثم تدوِّن أفكاراً ثانوية، تتبادر إلى ذهنك تفاصيلَ كثيرة لا إرادياً تجعلك منتبهاً لأعمق وأدق الأفكار.
4. تعزيز الإبداعية:
تتيح الخرائط الذهنية للإنسان إمكانية تسجيل ما يفكر به من أفكار إبداعية دون التقيد بشكل أو قائمة معينة أو ترتيب معين، وهذا ما يعطي العقل حرية في التفكير فيعزز الإبداع لديه.
5. زيادة الإنتاجية:
بعد تعرفنا إلى الفوائد السابقة التي تتعلق باستخدام الخرائط الذهنية فحتماً ستكون النتيجة رفع إنتاجية الفرد بصرف النظر عن مجال دراسته أو عمله؛ وذلك لأنَّها تنظم الوقت بالشكل الذي يمنع هدره، كما توفر الجهد المبذول في العمل، وبحسب الدراسات يساعد ذلك على تحسين ورفع الإنتاجية بنسبة لا تقل عن 30%، فعدد الساعات الذي توفره أسبوعياً لا يقل عن 7 ساعات.
كيف يمكن استخدام الخرائط الذهنية؟
بعد التعرف إلى مفهوم الخرائط الذهنية وفوائدها لا بد من التعرف إلى المجالات والأعمال التي يمكن استخدام الخرائط الذهنية ضمنها وهي كما يأتي:
1. العصف الذهني:
يحتاج الإنسان في كثير من الأحيان إلى شيء يطلق العنان لأفكاره ويحرر عقله ليبدع ويصدر الأفكار الجديدة، ولكن دون الخروج عن المسار الصحيح والمنطقي، وتساعد الخرائط الذهنية على ذلك كما ذكرنا آنفاً، وهذا ما جعلها مثالية في التركيز على التفكير وتبادل الأفكار المتعلقة بمفهوم واحد؛ لذلك يمكن للكُتَّاب الاستعانة بالخرائط الذهنية للتخلص من عقدة الكتابة ولتكتب بأسلوب مشوِّق ومميز ومترابط.
2. التحليل:
تساعد الخرائط الذهنية على وصول الفرد إلى تفاصيل أدق وأفكار أكثر، ومن ثم تحلل الفكرة الرئيسة لتصل إلى أبسط التفاصيل، وهذا ما يساعد على تفسير الأفكار والمعلومات غير المفهومة وتسهيل دراستها وحفظها.
3. تدوين الملاحظات الهامة:
من ميزات الطلاب المجتهدين ورواد الأعمال والمحترفين تدوين الملاحظات الهامة فوراً وتنظيم المهام والواجبات، والطريقة المثلى هي استخدام الخرائط الذهنية بعيداً عن استخدام القوائم التقليدية.
4. التخطيط للمشاريع:
إن أردت التخطيط جيداً لمشروعك يمكنك الاستعانة بالخرائط الذهنية؛ وذلك لأنَّها طريقة تساعد على تذكُّر مختلف التفاصيل المتعلقة بالمشروع، فنسيان بعض الأمور سواء البسيطة أم الهامة يتسبب بوقوعك في كثير من المشكلات لاحقاً.
5. تحديد الأهداف:
من أفضل الطرائق التي تساعد على تنظيم الحياة هي تحديد الأهداف في بداية دراسة تخصص ما أو عمل جديد أو عام جديد، فمثلاً تضع السنة في المركز وتبدأ في التفكير وتتفرع من أهداف عامة إلى أكثر دقة.
في الختام:
تشبه الخريطة الذهنية في شكلها هيكل الشبكة العصبية الموجودة في مخ الإنسان، وقد تشبه الشجرة، ولكن بشكل عام هي وسيلة للتعبير عن الأفكار والمخططات المستقبلية، وتستخدم لتدوين الملاحظات، ولأنَّ الإنسان بحاجة عصف ذهني ليحرر عقله ويخرج أفضل الأفكار؛ فإنَّ الخريطة الذهنية هي الخيار الأمثل لتعزيز القدرة الإبداعية والمهارات المختلفة، وهذا ما يجعلها وسيلة لتحسين ورفع الإنتاجية.
يمكن استخدام الخرائط الذهنية في مجال الدراسة أو مجال الأعمال أو غيرها من المجالات التي تحتاج إلى تخطيط وتركيز على مختلف التفاصيل، ويمكن إنشاء الخريطة الذهنية بواسطة ورقة وقلم أو باستخدام تطبيقات مخصصة لذلك عبر الهاتف المحمول أو الكمبيوتر، وجميعها تحقق الغايات المرجوة من الخرائط الذهنية.
أضف تعليقاً