ولا ننكر أنَّ الظروف السيئة تؤدي دوراً هاماً في تغيير مسار حياتنا، ولكن لكل أمر يحدث جانب إيجابي يجب أن نستفاد منه جيداً، ولنتجنب تعقيدات الحياة والصعوبات الناتجة عن تغيير الظروف من حولنا؛ يجب أن نضع خططاً منظمة نحدد فيها الأولويات وتوفر لنا الوقت والجهد فنصبه على أشياء هامة في حياتنا فتتحسن الحياة الاجتماعية والشخصية أيضاً.
لكن عندما تخطط لحياتك سواء اليومية أم المستقبلية، يجب أن تنتبه لكيفية وضع الأهداف، فإن لم تكن أهدافك واقعية لن تحقق النجاح في حياتك ولن تشعر بالسعادة في أثناء سيرك نحو أهدافك، فمثلاً إن خططت لفقدان 5 إلى 10% من وزن جسمك خلال مدة 6 إلى 12 شهر فقط، فأنت تحلم أحلاماً مستحيلة، أو قد تتحقق في حال اتبعتَ نظاماً خاطئاً يؤدي إلى فقدان الكتلة العضلية والسوائل من الجسم وليس الدهون فقط، وهنا تصبح بخطر حتماً، لذلك ولتتجنب الشعور بالإحباط والضياع الناتج عن ضياع الوقت والفرص؛ عليك التخطيط جيداً وبأهداف واقعية، ولتعرف مفهوم الأهداف الواقعية وكيفية تحديدها عليك قراءة مقالنا الآن.
مفهوم الأهداف الواقعية:
لا يوجد تعريف محدد للأهداف الواقعية، ولكن يوجد إجماع على أنَّها الأهداف القابلة للتحقيق البعيدة عن الاستحالة، والسبب في عدم تحديد تعريف هو قدرات ومهارات الأشخاص المختلفة ورغباتهم ودوافعهم، فما أجده واقعياً يجده الآخرون أمراً مستحيلاً مثلاً.
إضافة إلى ذلك يجب الأخذ في الحسبان المسؤوليات الواقعة على الفرد والإطار الزمني، ويرافق تحقيق الأهداف الواقعية سعادة ورضى عن النفس واحترام للذات، بخلاف ما يحدث عند وضع أهداف غير واقعية.
صفات الأهداف الواقعية:
إليك صفات الأهداف الواقعية التي تساعد على تحديدها بالشكل الأمثل:
1. الوضوح:
يمكن قياس الأهداف الواقعية بسهولة؛ لكونها محددة بوضوح بعيدة عن التخمين.
2. هامة جداً:
الأهداف الواقعية هامة جداً للفرد أو للمؤسسة التي تقوم بوضعها، ويمكن لتحقيقها أن يغير من حياة الفرد بشكل واضح.
3. التحدي:
تعد الأهداف الواقعية تحدياً بالنسبة إلى الشخص، فهي ليست أمراً من السهل تحقيقه.
4. الوقت:
تتميز الأهداف الواقعية بوجود وقت محدد يجب أن يتم تحقيقها خلالها.
أهمية الأهداف الواقعية:
وجود الأهداف الواقعية ضرورة في حياة الجميع، ويعود ذلك إلى عدة أسباب أهمها ما يأتي:
1. الأهداف الواقعية تعزز ثقة الإنسان بنفسه:
عدم معرفة الإنسان لما يريد وعدم تحديد طريقه يجعله في حالة ضياع، فيقرر كل يوم قرار مختلف ويشق طريقه بطرائق مختلفة، وقد تناقض أفعاله اليوم ما فعله سابقاً، وذلك ما يقلل من ثقته بنفسه.
كما أنَّه يشعر بعدم الرضى وبالإحباط والحزن، لأنَّه لم يحقق أهدافه، ولكن الخطأ هو وضع أهداف غير واقعية، بينما الأهداف الواقعية والتي يمكن تحقيقها تحسن احترام الإنسان لذاته كما تشعره بالسعادة، فعند الانتصار تفرز أجسامنا هرمون الدوبامين الذي يحسن مزاجنا وتركيزنا، وكل ما سبق يعزز ثقة الإنسان بنفسه بشكل واضح.
2. الأهداف الواقعية محفزة:
وجود هدف محدد ويمكن تحقيقه يجعل الإنسان في حالة سعي مستمر، فلا تبتعد عيناه عن الهدف ولا يحيد عن طريق النجاح مهما واجه تحديات وعقبات، بل يجعله ذلك في غاية التركيز والاجتهاد لاستكمال الطريق وفق الخطة المرسومة.
3. الأهداف الواقعية تجعل اتخاذ القرار أسهل:
اتخاذ القرار أمر لا مفر منه سواء في الحياة الشخصية أم العملية، وعادة يقع الإنسان في حيرة من أمره عند توفر عدة قرارات ويجب اتخاذ ما يناسبه بسرعة، ومن ثم وجود أهداف واقعية تجعل الإنسان يقرر بما يتناسب مع أهدافه فلا يحتار إنَّما يصبح الأمر أكثر سلاسة.
4. الأهداف الواقعية تساعد على اكتشاف الفرص الجديدة:
عدم وجود أهداف واقعية يجعل الإنسان يتماشى مع ظروفه ويسير إلى المكان الذي تأخذه إليه الحياة دون إدراك لوجود فرص مختلفة أمامه ودون استغلال للفرص المميزة.
شاهد بالفيديو: 8 أمور عليك معرفتها عن الاهداف
كيفية تحديد الأهداف الواقعية:
توجد مجموعة من النقاط والنصائح الهامة التي تساعدك على تحديد الأهداف الواقعية في حياتك، منها ما يأتي:
أولاً: تحديد أهدافك
كتابة الأهداف وتدوينها هي أول خطوة على طريق النجاح في تحقيق ما تريد، ويحتاج ذلك إلى ما يأتي:
1. التفكير بما تريد:
يمتلك كثيرون منا إحساساً بعدم معرفة ما يريده بالضبط في الحياة، فيبقى ضائعاً؛ لذلك عليك الجلوس مع نفسك بعيداً عن مختلف المشتتات والتفكير بتركيز بالأشياء التي يجعلك امتلاكها سعيداً، سواء على المجال المهني أم الصحي أم الشخصي أم المادي، وفي البداية يمكن أن تكون الأهداف عامة كأن تمتلك وظيفة جيدة أو أن تصبح عازفاً، وقد تكون قصيرة الأمد كأن تخسر القليل من وزنك ولا بأس في ذلك.
2. التحديد:
في هذه الخطوة ننتقل من الأهداف العامة إلى أهداف محددة بشكل أدق للابتعاد قدر الإمكان عن الغموض، فمثلاً إن أردت الحصول على وظيفة جيدة عليك تحديد المجال الذي تريد العمل ضمنه، أو ربما تحدد الشركة التي تسعى إلى الحصول على وظيفة فيها.
إن أردت أن تصبح عازفاً، فعليك تحديد الآلة الموسيقية التي تريد تعلُّم العزف عليها، وكذلك إن أردت خسارة الوزن، عليك تحديد كم كيلو غرام تريد خسارته.
3. القيام ببعض الأبحاث:
بعد التفكير في الأشياء التي تجعلك سعيداً، عليك تحديد الإجراءات التي يجب اتباعها، فاستكمالاً للأمثلة السابقة، إن أردتَ الحصول على وظيفة بمكان ما، فعليك التحري عن المهارات التي يجب أن تكتسبها والشهادات التي يجب امتلاكها ليتم قبولك في ذلك المكان، وبناءً على ذلك يجب تحديد الوقت الذي تحتاجه لاكتساب تلك المهارات وكم سيكلفك الأمر من جهد ووقت، وكذلك الأمر من أجل خسارة الوزن فعليك معرفة الوزن المثالي لك وكم من الوقت تحتاج لخسارة كيلو غرام واحد.
ثانياً: وضع الخطة
بعد معرفتك للنقاط والخطوات التي تساعد على تحقيق الهدف وكم من الوقت تحتاج لتنفيذه، عليك تقسيم ما توصلت إليه إلى مجموعة من الأهداف، وتحديد الوقت اللازم لتنفيذ كل خطوة من الخطوات، وبالعودة إلى مثال الحصول على وظيفة مُرضية في مكان محدد، وبعد تحديد المهارات التي يجب إتقانها إضافة إلى الشهادات الأكاديمية التي تمتلكها، فيجب أن تحدد كيفية اكتسابها، مثل اتباع دورة لإتقان اللغة الإنجليزية تستغرق 3 أشهر، ومن ثم اتباع دورة ICDL تستغرق شهراً، ومن ثم اتباع دورة محاسبة تستغرق 3 أشهر.
قد تضطر مثلاً إلى الانتقال إلى مدينة أخرى والاستقرار في مكان قريب من مقر الشركة؛ لأنَّ ساعات العمل طويلة ويحتاج منك ذلك البحث عن منزل مناسب واستئجاره وتهيئته ليصبح جاهزاً للسكن عند قبولك في الشركة.
قبل أن تضمن العمل الجديد لا تترك عملك السابق، لأنَّك بحاجة إلى المال الذي تجنيه والتعويض الذي قد تحصل عليه عند نهاية العمل، وانتبه جيداً إلى أهمية تنظيم الوقت، فلا تنجح في مكان وتخسر في الآخر، إنَّما عليك السعي بدقة إلى تحقق النجاح الذي تطمح إليه.
ثالثاً: تقييم الخطة
بعد الانتهاء من كتابة الخطة وتحديد الأوقات اللازمة لتحقيق كل بند من بنودها، راجعها عدة مرات وقيمها لتتأكد من قابليتها للتحقيق ومن الوقت الذي حددته لتنفيذ كل خطوة، ويمكنك تعديلها إن لزم الأمر.
في حال وجدت خطوة من الصعب جداً تحقيقها؛ يعني ذلك أنَّك غير متأكد من قابلية تحقيق أهدافك، فعليك إعادة النظر، وفي حال وجود عدة أهداف وتعود لجوانب مختلفة، عليك ترتيبها حسب الأهمية، فمثلاً الحصول على وظيفة جيدة يأتي قبل شراء سيارة جديدة، لأنَّ الراتب الجيد سيمكِّنك من تبديل سيارتك.
رابعاً: تحديد الموارد والعقبات
يعتمد تحقيق الأهداف وجعلها واقعية على توفر الموارد، فمثلاً لا يمكن أن تصبح عازفاً إن لم تمتلك الموهبة، ولا يمكن أن تفقد الوزن الزائد إن كنت مغرماً بتناول السكريات المصنعة، ولا يمكن أن تُقبَل في شركة تحلم بالعمل فيها إن لم تكن حاملاً لشهادة مطلوبة في الشركة.
لذلك حدد الأشياء التي تمتلكها وتخولك لتحقيق الأهداف التي وضعتها، وحدد العقبات التي يمكن أن تقف في طريق نجاحك، فلا تُصدَم عند مواجهتها، فمثلاً معارضة عائلتك لانتقالك إلى مدينة جديدة أو صعوبة الاستقالة من وظيفتك الحالية لتكون على أتم الاستعداد لمواجهة الصعوبات والتغلب عليها.
خامساً: مشاركة أهدافك
وفقاً لعلم النفس فإنَّ مشاركة الأهداف مع أشخاص مقربين تزيد من تحفيزك، ويجعل ذلك إمكانية تحقيقها أكبر، لأنَّك تصبح أكثر مسؤولية، فأنت تهتم كثيراً بنظرة هؤلاء الأشخاص لك وتريد أن تثبت جدارتك أمامهم.
شاهد بالفيديو: هل يجب أن نُفصح عن خُططنا وأهدافنا؟
سادساً: تجنُّب مقارنة نفسك بالآخرين
لكل منا رحلته الخاصة وأهدافه المميزة وظروفه المختلفة، وإن أردت الالتزام في خطتك والنجاح في الوصول إلى ما تريد، عليك تجنب مقارنة نفسك بالآخرين، لأنَّ ذلك يشعرك بالملل وبالتقصير وبأنَّك تثق بنفسك بشكل مبالغ فيه.
سابعاً: تقييم ذاتك باستمرار
لتبقى على المسار الصحيح عليك قياس التقدم الذي تحرزه باستمرار، لتحدد المكان الذي وصلت إليه في خطتك، ويساعد ذلك على زيادة التزامك بالخطة.
في الختام:
الأهداف الواقعية هي جميع الأهداف التي يمكن تحقيقها، ويختلف ذلك بحسب ظروف وقدرات ورغبات كل إنسان، ولكن بشكل عام تتصف الأهداف الواقعية بكونها واضحة وذات أهمية مرتفعة ولها توقيت محدد لتنفيذها.
للأهداف الواقعية أهمية كبيرة؛ كونها تعزز ثقة الإنسان بنفسه وتحفزه وتنبهه للفرص الجيدة، ويمكن تحديدها من خلال التفكير فيما يحقق السعادة لك والخطوات التي تحتاجها لتحقيق هدفك والوقت اللازم، ومن ثم وضع الخطة وتقييمها وتحديد الموارد والصعوبات المحتمل مواجهتها، ولتشعر بالمسؤولية تجاه خطتك شاركها مع أشخاص مقربين وتجنَّب مقارنة نفسك بشخص آخر.
أضف تعليقاً